بعد أن يدعو الله سبحانه الناس ليفكِّروا بعقولهم في آياته الواضحات، وليحقِّقوا لأنفسهم وللحياة من حولهم ما يضمن لهم الثبات على خطّ الله، يذكّرهم بدعوته إلى الدار التي يحصدون فيها نتاج أعمالهم {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[يونس: 25]، يوجّه دعوته إلى النّاس كافّة لينطلقوا إلى دار السّلام التي هي الجنّة، باعتبار أنّها الموقع الذي لا مجال فيه لأيّ حالة عنف تؤدّي إلى النزاع والخلاف والحرب، وإلى ما يثور في حياة النّاس بين وقتٍ وآخر.
وقد جعل سبحانه من صفات أهل الجنّة أنَّهم لا يحملون في قلوبهم حقداً في أيّ حالةٍ من الحالات {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} من حقدٍ وعداوةٍ وبغضاء {إِخْوَاناً} يعيشون الأخوّة بأسمى معانيها {عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}[الحجر: 47]، يعيشون مع بعضهم البعض من دون أن يشعروا بأيّ حساسيّة تجعل أحدَهم يتعقَّد من الآخر أو يواجهه بمشاعر وأجواء مضادّة.
لذا، فالإنسان في دار الجنّة يعيش حالة السّلام مع نفسه، بعيداً عمّا هي العُقد النفسيّة التي تعبث بسلام الإنسان وتجعله يعيش في حالة الطوارئ. الإنسان هناك مفتوح القلب على الله، وعلى السّعادة والنّعيم، لا مشكلة لديه ولا عقدة عنده، ويعيش أيضاً حالة السّلام مع النّاس، لأنَّ الجنّة ليست ساحة صراع ولا تنافس ولا تسابق، وكذلك يعيش هذا الإنسان سلاماً مع ربّه على أساس ما عاشه من طاعةٍ لله في حياته.
إذاً، هي دعوة الله إلى السَّلام للنّاس الذين لم يذوقوه في الدّنيا {وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} من الناس الذين يشاء الله لهم الهداية {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} إلى الطريق الذي يؤدّي بهم إلى دار السّلام.
ويبيِّن القرآن الكريم حالة الإنسان وهو يُحِسُّ بالسلام، وهي تنعكس راحةً وبشرى على وجهه، حيث الإشراق والصفاء والهدوء وراحةُ الضمير، ويبيِّن أيضاً حالة الذي لم تؤدِّ به أعماله إلى دار السّلام، وهو المذنب المنحرف المتكدِّر الوجه المتجهّم الذي عاش في حياته الحقد والبغضاء والجريمة.
{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. الحسنى هي تعبيرٌ عن طاعة الله في أن يفعل العبد ما أمره الله أن يفعله، وأن يترك ما نهاه عن فعله. وعلى هذا، فالمحسن يُجزى بالحسنة وزيادة {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: 160]. فالمحسنون في دار السلام آمنون {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ}. القَتَر هو الدّخان الذي يجعل الوجه مُغبرّاً مسودّاً، والمحسنون ليس على وجوههم قترٌ، فوجوههم صورةٌ لقلوبهم ولكلِّ حياتهم {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: 106] وليس عليها قتر باعتبار أنَّها بيضاء،{وَلاَ ذِلَّةٌ}، وهذا المؤمن يشعر بموقف العزّة، لأنّه لم يجعل حياته خاضعةً للشيطان، بل جعلها خاضعة لله. والخضوع لله سبحانه هو العزُّ كلّه:"ما نقل الله عزَّ وجلَّ عبداً من ذلِّ المعاصي إلى عزِّ التقوى،إلّا أغناه من غير مالٍ، وأعزَّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر"[1].
ولذلك، فإنَّ هؤلاء المحسنين يقفون يوم القيامة مرفوعي الرؤوس، فليس عندهم ما يخجلون منه وما يخافونه {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأحقاف: 13]. وهؤلاء يحدِّثنا القرآن عن الواحد منهم {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ*فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة: 19 ـــ 24]. فعندما يقف هذا الإنسان المؤمن يوم القيامة، فإنَّه يقف وقفة العزّ، وينعكس هذا العزُّ على وجهه، بحيث لا يُرى عليه أيُّ أثرٍ للذلّ والخوف، لأنّه لم يفعل ما يستوجب استشعاره الذلّ في ذلك اليوم.
إذاً {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ} لا يثقلها ولا يُتعبها ولا يُجهدها،{قَتَرٌ} ما يكون مُعكِّراً للّون والصورة،{وَلاَ ذِلَّةٌ} وما يكون موجباً للامتهان والذلّ {أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس: 26].
*من كتاب "حركة النبوّة في مواجهة الانحراف".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج67، ص 284.
بعد أن يدعو الله سبحانه الناس ليفكِّروا بعقولهم في آياته الواضحات، وليحقِّقوا لأنفسهم وللحياة من حولهم ما يضمن لهم الثبات على خطّ الله، يذكّرهم بدعوته إلى الدار التي يحصدون فيها نتاج أعمالهم {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[يونس: 25]، يوجّه دعوته إلى النّاس كافّة لينطلقوا إلى دار السّلام التي هي الجنّة، باعتبار أنّها الموقع الذي لا مجال فيه لأيّ حالة عنف تؤدّي إلى النزاع والخلاف والحرب، وإلى ما يثور في حياة النّاس بين وقتٍ وآخر.
وقد جعل سبحانه من صفات أهل الجنّة أنَّهم لا يحملون في قلوبهم حقداً في أيّ حالةٍ من الحالات {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} من حقدٍ وعداوةٍ وبغضاء {إِخْوَاناً} يعيشون الأخوّة بأسمى معانيها {عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}[الحجر: 47]، يعيشون مع بعضهم البعض من دون أن يشعروا بأيّ حساسيّة تجعل أحدَهم يتعقَّد من الآخر أو يواجهه بمشاعر وأجواء مضادّة.
لذا، فالإنسان في دار الجنّة يعيش حالة السّلام مع نفسه، بعيداً عمّا هي العُقد النفسيّة التي تعبث بسلام الإنسان وتجعله يعيش في حالة الطوارئ. الإنسان هناك مفتوح القلب على الله، وعلى السّعادة والنّعيم، لا مشكلة لديه ولا عقدة عنده، ويعيش أيضاً حالة السّلام مع النّاس، لأنَّ الجنّة ليست ساحة صراع ولا تنافس ولا تسابق، وكذلك يعيش هذا الإنسان سلاماً مع ربّه على أساس ما عاشه من طاعةٍ لله في حياته.
إذاً، هي دعوة الله إلى السَّلام للنّاس الذين لم يذوقوه في الدّنيا {وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} من الناس الذين يشاء الله لهم الهداية {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} إلى الطريق الذي يؤدّي بهم إلى دار السّلام.
ويبيِّن القرآن الكريم حالة الإنسان وهو يُحِسُّ بالسلام، وهي تنعكس راحةً وبشرى على وجهه، حيث الإشراق والصفاء والهدوء وراحةُ الضمير، ويبيِّن أيضاً حالة الذي لم تؤدِّ به أعماله إلى دار السّلام، وهو المذنب المنحرف المتكدِّر الوجه المتجهّم الذي عاش في حياته الحقد والبغضاء والجريمة.
{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. الحسنى هي تعبيرٌ عن طاعة الله في أن يفعل العبد ما أمره الله أن يفعله، وأن يترك ما نهاه عن فعله. وعلى هذا، فالمحسن يُجزى بالحسنة وزيادة {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: 160]. فالمحسنون في دار السلام آمنون {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ}. القَتَر هو الدّخان الذي يجعل الوجه مُغبرّاً مسودّاً، والمحسنون ليس على وجوههم قترٌ، فوجوههم صورةٌ لقلوبهم ولكلِّ حياتهم {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: 106] وليس عليها قتر باعتبار أنَّها بيضاء،{وَلاَ ذِلَّةٌ}، وهذا المؤمن يشعر بموقف العزّة، لأنّه لم يجعل حياته خاضعةً للشيطان، بل جعلها خاضعة لله. والخضوع لله سبحانه هو العزُّ كلّه:"ما نقل الله عزَّ وجلَّ عبداً من ذلِّ المعاصي إلى عزِّ التقوى،إلّا أغناه من غير مالٍ، وأعزَّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر"[1].
ولذلك، فإنَّ هؤلاء المحسنين يقفون يوم القيامة مرفوعي الرؤوس، فليس عندهم ما يخجلون منه وما يخافونه {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأحقاف: 13]. وهؤلاء يحدِّثنا القرآن عن الواحد منهم {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ*فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة: 19 ـــ 24]. فعندما يقف هذا الإنسان المؤمن يوم القيامة، فإنَّه يقف وقفة العزّ، وينعكس هذا العزُّ على وجهه، بحيث لا يُرى عليه أيُّ أثرٍ للذلّ والخوف، لأنّه لم يفعل ما يستوجب استشعاره الذلّ في ذلك اليوم.
إذاً {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ} لا يثقلها ولا يُتعبها ولا يُجهدها،{قَتَرٌ} ما يكون مُعكِّراً للّون والصورة،{وَلاَ ذِلَّةٌ} وما يكون موجباً للامتهان والذلّ {أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس: 26].
*من كتاب "حركة النبوّة في مواجهة الانحراف".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج67، ص 284.