بين الأدعية المعتبرة وعفويّة الدّعاء

بين الأدعية المعتبرة وعفويّة الدّعاء

الدعاء، إنَّما هو حديث مع الله، فليس على الإنسان أن يقرأ الدعاء استظهاراً، فبعض الناس يدعون كمن يقرأ القرآن بدون وعي، ليست العبرة بكلمات الدّعاء، بل بمعناه. لذلك على الإنسان أن يعيش الدّعاء في نفسه ويعيش معانيه.

وأقول: إنَّ الإنسان إذا لم يستطع فهم الأدعية الموجودة في الكتب، فبإمكانه أن يدعوَ الله بما شاء، حتَّى باللّغة العاميّة. فالله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ولم يقل ادعوني بالدّعاء الموجود في "مفتاح الجنّات" أو "مفاتيح الجنان".. ادعوني بما شئتم من أسرارٍ وآلام وهموم.. ولذا، في كثيرٍ من الحالات، لا بدّ للإنسان أن يعطيَ نفسه العفويّة في الدعاء، وإلاّ لو قرأنا أدعية لا نفهمها، فهل نحن نستظهر كلاماً وحسب؟  وهل نتكلَّم مع شخصٍ دون أن نفهم ما نقول؟ وكذلك إذا تكلَّمنا مع الله، لا بدَّ أن نفهم ما نتكلَّم به.

ثمّ إنّ هناك في الواقع مشكلة فكريّة.. كتبتُ مرّة في مقدّمة أحد كتب الأدعية، أنّ هذه الأدعية تتضمّن مفاهيم، تارةً تكون واردة عن النبيّ (ص) أو عن الإمام عليّ (ع) أو عن الإمام زين العابدين (ع).. أمّا إذا ألَّف إنسان دعاءً على طريقته، أو زيارة ما لأحد المعصومين (ع)، ما الذي يُدْرينا أنّ هذه المفاهيم صحيحة أو لا؟ لأنّ الدعاء يُعبِّر عن مفاهيم تجاه الله.. من هنا، علينا أن نتحفَّظ عن كلّ التراث الموجود عندنا، بحيث لا نعتبر أنّ كلّ الأدعية مفاهيمُها صحيحة.

لو أخذنا مثلاً دعاء الصّباح، لوجدنا أنّ الإمام زين العابدين رسَم لنا برنامجاً يومياً إسلامياً، فيقول: "اللّهمّ ووفِّقنا في يومنا هذا، ولَيْلَتِنا هذه، باستعمال الخَيْر وهُجْرانِ الشَرِّ، وَشُكْرِ النِّعَم واتّباع السُّنَنِ ومُجانبةِ البِدَع، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهْي عن المنكر، وحياطةِ الإسلام وانتقاصِ الباطلِ وإذلالِه، ونُصْرَةِ الحقِّ وإعْزازِهِ، وإرشادِ الضَّالّ ومعاونةِ الضّعيفِ، وإدراكِ اللّهيف".

وهكذا من خلال هذا الدّعاء، تتحرَّك مسؤوليّة الإنسان بأنْ يحوط الإسلام، وأن ينصر الحقّ ويُعِزّه بمختلف الوسائل. وأن ينتقص الباطل ويذلّه، ويرشد الضّالّ ويعاون الضّعيف، ويُدرك الملهوف، وهكذا. وإنّي أنصحُ بقراءة دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصّباح والمساء، لأنّه برنامج عمليّ رائع، حيث ينفتح الإنسان من خلاله على الكون كلّه.

أمّا أدعية الأيّام، الموجودة في ملحقات "الصّحيفة السجّادية"، فهي برامج عمل رائعة...

وبالنسبة إلى الجانب الروحيّ، علينا أن نفكِّر دائماً أنّنا نحن عباد الله، وهذه هي صفتنا الأساسيّة، وأن نفكِّر أنّ الله أبقى لنا من كلّ أحد، وسنفارق الأهل والآباء والأُمّهات والأولاد إلى الله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.

وكيف نُعبِّر عن حبّنا لله سبحانه؟ بالطاعة نُعَبِّر عن ذلك: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}. فاتباع النبيّ فيما أراد الله له أن يُبلِّغه للنّاس، هو الذي يُعبِّر عن حبّ الإنسان لله... أمّا ما يُقوِّي هذا الجانب الرّوحيّ، فهو التفكُّر في عظمة الله من خلال علم الحيوان والنبات والطّبيعة، واستخدام هذا العلم في فهم أسرار الكون.. وكلَّما فهمنا أسرار الكون في عظمته أكثر، عرفنا الله في عظمته أكثر.. وعندما نفكِّر في أسرار خلْق الله، تتجسَّم لدينا عظمةُ الله من خلال عظمة الخَلْقِ فينا، ولا سيَّما عندما يفكِّر الإنسان في أجهزته، وما القوانين التي تحكمها، وأسرار الخلق فيها، ثمّ التفكُّر في نِعَمِ الله. فالإنسان الذي ينظر بعينيه ويرى إنساناً أعمى، يعرف عظمة البصر، أو يرى إنساناً أصمّ، يعرف عظمة السمع... وحتّى يعرف الإنسان نعمة الله، من المستحبّ إذا رأى أحداً من أهل البلاء أن يقول: الحمدُ لله الذي عافاني ممّا ابتلى به غيري، ولو شاء لفعل. فإذاً {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا}. فالتفكُّر في نِعَمِ الله، يُعطي الإنسان روحية وعلاقة كبيرة بالله.

عندما يعيش الإنسان هذا الجوّ، أعتقد أنّ الله يُشرِق في قلبه، وعند ذلك، يصفو العالم الروحانيّ في نفسه، ونحن بحاجة إلى أن نعيش هذا الجوّ الرّوحانيّ في صلاتنا ودعائنا وابتهالاتنا وأعمالنا وتفكيرنا في نعَمِ الله، وأن نعمل كلّ عملٍ لله سبحانه، وهذا ما يجعلنا مرتبطين بالله، ويجعلنا نشعر بحضور الله في حياتنا.

*من كتاب "للإنسان والحياة". 

الدعاء، إنَّما هو حديث مع الله، فليس على الإنسان أن يقرأ الدعاء استظهاراً، فبعض الناس يدعون كمن يقرأ القرآن بدون وعي، ليست العبرة بكلمات الدّعاء، بل بمعناه. لذلك على الإنسان أن يعيش الدّعاء في نفسه ويعيش معانيه.

وأقول: إنَّ الإنسان إذا لم يستطع فهم الأدعية الموجودة في الكتب، فبإمكانه أن يدعوَ الله بما شاء، حتَّى باللّغة العاميّة. فالله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ولم يقل ادعوني بالدّعاء الموجود في "مفتاح الجنّات" أو "مفاتيح الجنان".. ادعوني بما شئتم من أسرارٍ وآلام وهموم.. ولذا، في كثيرٍ من الحالات، لا بدّ للإنسان أن يعطيَ نفسه العفويّة في الدعاء، وإلاّ لو قرأنا أدعية لا نفهمها، فهل نحن نستظهر كلاماً وحسب؟  وهل نتكلَّم مع شخصٍ دون أن نفهم ما نقول؟ وكذلك إذا تكلَّمنا مع الله، لا بدَّ أن نفهم ما نتكلَّم به.

ثمّ إنّ هناك في الواقع مشكلة فكريّة.. كتبتُ مرّة في مقدّمة أحد كتب الأدعية، أنّ هذه الأدعية تتضمّن مفاهيم، تارةً تكون واردة عن النبيّ (ص) أو عن الإمام عليّ (ع) أو عن الإمام زين العابدين (ع).. أمّا إذا ألَّف إنسان دعاءً على طريقته، أو زيارة ما لأحد المعصومين (ع)، ما الذي يُدْرينا أنّ هذه المفاهيم صحيحة أو لا؟ لأنّ الدعاء يُعبِّر عن مفاهيم تجاه الله.. من هنا، علينا أن نتحفَّظ عن كلّ التراث الموجود عندنا، بحيث لا نعتبر أنّ كلّ الأدعية مفاهيمُها صحيحة.

لو أخذنا مثلاً دعاء الصّباح، لوجدنا أنّ الإمام زين العابدين رسَم لنا برنامجاً يومياً إسلامياً، فيقول: "اللّهمّ ووفِّقنا في يومنا هذا، ولَيْلَتِنا هذه، باستعمال الخَيْر وهُجْرانِ الشَرِّ، وَشُكْرِ النِّعَم واتّباع السُّنَنِ ومُجانبةِ البِدَع، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهْي عن المنكر، وحياطةِ الإسلام وانتقاصِ الباطلِ وإذلالِه، ونُصْرَةِ الحقِّ وإعْزازِهِ، وإرشادِ الضَّالّ ومعاونةِ الضّعيفِ، وإدراكِ اللّهيف".

وهكذا من خلال هذا الدّعاء، تتحرَّك مسؤوليّة الإنسان بأنْ يحوط الإسلام، وأن ينصر الحقّ ويُعِزّه بمختلف الوسائل. وأن ينتقص الباطل ويذلّه، ويرشد الضّالّ ويعاون الضّعيف، ويُدرك الملهوف، وهكذا. وإنّي أنصحُ بقراءة دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصّباح والمساء، لأنّه برنامج عمليّ رائع، حيث ينفتح الإنسان من خلاله على الكون كلّه.

أمّا أدعية الأيّام، الموجودة في ملحقات "الصّحيفة السجّادية"، فهي برامج عمل رائعة...

وبالنسبة إلى الجانب الروحيّ، علينا أن نفكِّر دائماً أنّنا نحن عباد الله، وهذه هي صفتنا الأساسيّة، وأن نفكِّر أنّ الله أبقى لنا من كلّ أحد، وسنفارق الأهل والآباء والأُمّهات والأولاد إلى الله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.

وكيف نُعبِّر عن حبّنا لله سبحانه؟ بالطاعة نُعَبِّر عن ذلك: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}. فاتباع النبيّ فيما أراد الله له أن يُبلِّغه للنّاس، هو الذي يُعبِّر عن حبّ الإنسان لله... أمّا ما يُقوِّي هذا الجانب الرّوحيّ، فهو التفكُّر في عظمة الله من خلال علم الحيوان والنبات والطّبيعة، واستخدام هذا العلم في فهم أسرار الكون.. وكلَّما فهمنا أسرار الكون في عظمته أكثر، عرفنا الله في عظمته أكثر.. وعندما نفكِّر في أسرار خلْق الله، تتجسَّم لدينا عظمةُ الله من خلال عظمة الخَلْقِ فينا، ولا سيَّما عندما يفكِّر الإنسان في أجهزته، وما القوانين التي تحكمها، وأسرار الخلق فيها، ثمّ التفكُّر في نِعَمِ الله. فالإنسان الذي ينظر بعينيه ويرى إنساناً أعمى، يعرف عظمة البصر، أو يرى إنساناً أصمّ، يعرف عظمة السمع... وحتّى يعرف الإنسان نعمة الله، من المستحبّ إذا رأى أحداً من أهل البلاء أن يقول: الحمدُ لله الذي عافاني ممّا ابتلى به غيري، ولو شاء لفعل. فإذاً {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا}. فالتفكُّر في نِعَمِ الله، يُعطي الإنسان روحية وعلاقة كبيرة بالله.

عندما يعيش الإنسان هذا الجوّ، أعتقد أنّ الله يُشرِق في قلبه، وعند ذلك، يصفو العالم الروحانيّ في نفسه، ونحن بحاجة إلى أن نعيش هذا الجوّ الرّوحانيّ في صلاتنا ودعائنا وابتهالاتنا وأعمالنا وتفكيرنا في نعَمِ الله، وأن نعمل كلّ عملٍ لله سبحانه، وهذا ما يجعلنا مرتبطين بالله، ويجعلنا نشعر بحضور الله في حياتنا.

*من كتاب "للإنسان والحياة". 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية