كيف كانت صفة هؤلاء الأبرار في الدّنيا؟ وكيف كانت علاقتهم بالجانب الخيّر من
الحياة؟
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}. وللنذر معنًى مصطلحٌ يتحدّد بما يلتزمه الإنسان على نفسه
من مالٍ أو عملٍ بصيغةٍ معيّنةٍ، وقد يتوسّع البعض في معناه ليشمل كلّ التزامات
الإنسان الإيمانية، سواء كانت في دائرة الخطّ الإيماني المنفتح على أحكام الشّريعة
كلّها، أو كانت في دائرة الالتزامات الذاتية، لأنَّ النذر الخاصّ بالمعنى العرفي لا
يحمل أيّة خصوصيّةٍ تفرض التركيز عليه، بل كلُّ ما هناك، هو ما يعبّر عنه من التزام
مرتبطٍ بالله في ما يستتبعه من الوفاء الدالّ على صدقه في التزاماته، في ما يتحمّله
من تبعاته، ويحمله من أعبائه.
{وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِير}، ويتحرّكون على أساس هاجس الخوف
الذي يشمل كلّ كيانهم، حتى ليهتزّ تحت تأثير ذكره في ما كانوا يعرفونه من شرّ ذلك
اليوم الّذي كان فاشياً منتشراً ذاهباً في الجهات، بالغاً أقصى المبالغ، وقد سمي
العذاب شرّاً لأنّه لا خير فيه للناس الذين ينالهم العقاب، ولذلك فإنهم يعملون على
الابتعاد عن دائرة التقصير في طاعة الله، لشعورهم بضخامة المسؤوليّة، وثقل التبعة،
وعظمة النتائج السلبيّة في الدار الآخرة.
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِير}، فهم
يعيشون روحية العطاء في أجواء الحرمان الذي يصيب بعض الفئات الاجتماعية المحرومة
الخاضعة لبعض الظروف الضّاغطة عليهم، كما هي حال اليتم في اليتيم، والفقر في
المسكين، والأسر في الأسير، فيعانون الجوع في كثير من الحالات، لكنهم يجدون لدى
هؤلاء الأبرار انفتاحاً على حاجاتهم الغذائية، فيقدّمون لهم الطعام في لمسةٍ
تعبيريّةٍ رائعةٍ، في الوقت الذي قد يكونون محتاجين إليه في حياتهم الخاصّة، ولعلّ
هذا هو معنى {عَلَى حُبِّهِ}، أي مع توق النفس إليه لشدّة الحاجة، وهذا هو ما
نستوحيه من قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا
تُحِبُّونَ}[آل عمران: 92].
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ} حيث التعبير عن الرغبة في القرب إليه، فهم
يقدّمونه لله عندما يقدّمونه لهم ابتغاء مرضاته بعيداً عن النّوازع الذاتيّة، {لاَ
نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُور} لا التعويض المادّي ولا المعنوي، فهي
الرّحمة العميقة في القلب المنفتح على الناس من خلال انفتاحه على الله، وهي الرّوح
التي تعيش العطاء كرسالةٍ روحيّةٍ تتحسّس حاجات الآخرين وآلامهم، ولذا فإنها تبذل
وتبذل، وتتدفّق بالخير كلّه، تماماً كما هو الينبوع عندما يتدفق بالماء إلى الأرض
العطشى، وكما هي الشّمس تبذل النور إلى كل الآفاق المظلمة التي تتطلّع إلى رحاب
الشّروق.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 23.
كيف كانت صفة هؤلاء الأبرار في الدّنيا؟ وكيف كانت علاقتهم بالجانب الخيّر من
الحياة؟
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}. وللنذر معنًى مصطلحٌ يتحدّد بما يلتزمه الإنسان على نفسه
من مالٍ أو عملٍ بصيغةٍ معيّنةٍ، وقد يتوسّع البعض في معناه ليشمل كلّ التزامات
الإنسان الإيمانية، سواء كانت في دائرة الخطّ الإيماني المنفتح على أحكام الشّريعة
كلّها، أو كانت في دائرة الالتزامات الذاتية، لأنَّ النذر الخاصّ بالمعنى العرفي لا
يحمل أيّة خصوصيّةٍ تفرض التركيز عليه، بل كلُّ ما هناك، هو ما يعبّر عنه من التزام
مرتبطٍ بالله في ما يستتبعه من الوفاء الدالّ على صدقه في التزاماته، في ما يتحمّله
من تبعاته، ويحمله من أعبائه.
{وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِير}، ويتحرّكون على أساس هاجس الخوف
الذي يشمل كلّ كيانهم، حتى ليهتزّ تحت تأثير ذكره في ما كانوا يعرفونه من شرّ ذلك
اليوم الّذي كان فاشياً منتشراً ذاهباً في الجهات، بالغاً أقصى المبالغ، وقد سمي
العذاب شرّاً لأنّه لا خير فيه للناس الذين ينالهم العقاب، ولذلك فإنهم يعملون على
الابتعاد عن دائرة التقصير في طاعة الله، لشعورهم بضخامة المسؤوليّة، وثقل التبعة،
وعظمة النتائج السلبيّة في الدار الآخرة.
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِير}، فهم
يعيشون روحية العطاء في أجواء الحرمان الذي يصيب بعض الفئات الاجتماعية المحرومة
الخاضعة لبعض الظروف الضّاغطة عليهم، كما هي حال اليتم في اليتيم، والفقر في
المسكين، والأسر في الأسير، فيعانون الجوع في كثير من الحالات، لكنهم يجدون لدى
هؤلاء الأبرار انفتاحاً على حاجاتهم الغذائية، فيقدّمون لهم الطعام في لمسةٍ
تعبيريّةٍ رائعةٍ، في الوقت الذي قد يكونون محتاجين إليه في حياتهم الخاصّة، ولعلّ
هذا هو معنى {عَلَى حُبِّهِ}، أي مع توق النفس إليه لشدّة الحاجة، وهذا هو ما
نستوحيه من قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا
تُحِبُّونَ}[آل عمران: 92].
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ} حيث التعبير عن الرغبة في القرب إليه، فهم
يقدّمونه لله عندما يقدّمونه لهم ابتغاء مرضاته بعيداً عن النّوازع الذاتيّة، {لاَ
نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُور} لا التعويض المادّي ولا المعنوي، فهي
الرّحمة العميقة في القلب المنفتح على الناس من خلال انفتاحه على الله، وهي الرّوح
التي تعيش العطاء كرسالةٍ روحيّةٍ تتحسّس حاجات الآخرين وآلامهم، ولذا فإنها تبذل
وتبذل، وتتدفّق بالخير كلّه، تماماً كما هو الينبوع عندما يتدفق بالماء إلى الأرض
العطشى، وكما هي الشّمس تبذل النور إلى كل الآفاق المظلمة التي تتطلّع إلى رحاب
الشّروق.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 23.