التَّجاور مع الله تعالى في ملكوته

التَّجاور مع الله تعالى في ملكوته

إذا كنّا نريد مجاورة الله تعالى في ملكوته الأعلى، ونكون المصداق للآية المباركة: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر: 55]، فعلينا أن ننظر مليّاً في أداء حقوق جوار الله علينا؛ هل نؤدّي هذه الحقوق؟ وهل نلتزم حدوده وتعاليمه؟

فجوار الله تعالى يعني فيما يعنيه، أن نلتزم قول الحقّ وعمل الخير، وأن نعبد الباري بإخلاص، ونبتعد عن كلّ ما يبغضه من سلوك، فكيف يعقل أن نكون في جوار الله، ونحن على ما عليه من تعمّد الأذى بالكلمة الّتي تسيء إلى الذات وإلى الآخرين، والكلمة التي تغتاب وتنهش أعراض النّاس، والكلمة التي تجرح الكرامات، ولا تؤدّي حقّ العلماء العاملين المجاهدين، والكلمة التي تثير الفتنة والفوضى، وتؤدّي إلى الفساد والإفساد؟ وكيف يعقل أن نجاور الله تعالى ونحن نعمل على إثارة الأحقاد والعصبيّات، ونعتدي على الجيران والناس من حولنا، ونعتدي على الحياة، ونعمد إلى سلوك طريق الانحراف، فيسرق بعضنا بعضاً، ويحوك بعضنا المؤامرات لبعض، ولا يتواصل بعضنا مع بعض، ونقيم الحواجز والفواصل من كلّ الأنواع؟

المجاورون لله هم المتحابّون في الله، الذين يلتزمون حدوده، ويقيمون تعاليمه، من خلال أفعالهم الحسنة، وأقوالهم الطيّبة، فلا يسيئون إلى أحد، مهما كان، ويضحكون ويصبرون ويجاهدون في سبيل الانفتاح والتواصل والتقارب مع الناس جميعاً، ويؤدّون حقوق جيرانهم، فلا يظلمونهم، بل إنهم يزورونهم ويعملون على حلّ مشاكلهم ونصحهم، ولا يسلكون طريق الغيبة والكذب والنميمة، بل يخلصون في إيمانهم وتوحيدهم لله، بأن يحسنوا للناس جميعاً، ويحسنوا في كلّ علاقاتهم وأوضاعهم مع أهلهم وأقاربهم وجيرانهم والناس من حولهم، حتى يكونوا فعلاً النموذج الحيَّ والأصيل للإنسان الطامح والساعي للقاء الله تعالى وتحقيق جيرته في دار قدسه.

وحول موضوع جيران الله وما يتعلّق به، يلفت سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله إلى ذلك بقوله: "هناك جيران من نوع آخر، كما اصطلحت عليهم بذلك بعض الأحاديث؛ فقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر: 10]، تعبير عن جوار الله، ولذا، نقول عن المؤمن العامل إذا مات، إنّه انتقل إلى جوار الله.

وفي الحديث الشّريف عن رسول الله(ص): "إذا كان يوم القيامة، جمع الله الخلائق في صعيد واحد، ونادى منادٍ من عند الله، يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، يقول: أين أهل الصّبر؟ فيأتون، فيقال لهم: "ليدخلوا الجنّة بغير حساب، ثم ينادي منادٍ آخر، يسمع آخرهم كما يسمع أوَّلهم، يقول: أين أهل الفضل؟... فيقال لهم: ليدخلوا الجنّة بغير حساب، قال: ثم ينادي منادٍ من الله عزّ وجلّ، يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، فيقول: أين جيران الله جلّ جلاله في داره؟ ـ فالله تعالى يعطيهم هذه المكرمة، بأن يجعلهم جيرانه، وهو الشّرف كلّ الشّرف، والعزّ كلّ العزّ ـفيقوم عنق من الناس، فتستقبلهم زمرة من الملائكة، فيقولون لهم: ما كان عملكم في دار الدنيا فصرتم به اليوم جيران الله تعالى في داره؟ فيقولون: كنا نتحابّ في الله عزّ وجلّ ـ فعندما نحبّ بعضنا بعضاً، فإنّنا نحبّ من خلال عمق العلاقة بالله سبحانه وتعالى، لأنّ الله أراد للمؤمن أن يحبّ المؤمن، لا على أساس مصلحة أو غاية أو قرابة ـ ونتباذل في الله ـ بحيث يبذل كلّ واحد من ماله ونفسه لصاحبه ـ ونتآزر في الله ـ أي يؤازر كلّ واحد منا صاحبه، ويساعده في شؤون البرّ ومجالات الخير والعمل الصّالح، وكلّ ذلك لحساب الله ولأجل رضاه. قال: فينادي منادٍ من عند الله تعالى: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم لينطلقوا إلى جوار الله في الجنّة بغير حساب".

ويتابع سماحته(رض) موضحاً: "وهذه من أعمق الأخلاق الإسلاميَّة التي يعيشها الإنسان المؤمن في داخل نفسه، لتنعكس على حركته الاجتماعيّة في الحياة، فالإنسان الذي تحرّكت عاطفته ومشاريعه التعاونية والتواصلية على أساس أن يقصد بها وجه الله، ولا يقصد بها غيره، هو إنسان وصل إلى مستوى إيماني رفيع في محبته لله تعالى، بحيث انعكس ذلك على كلّ علاقاته وتحركاته الاجتماعية".[فكر وثقافة، العدد 186، سنة 2000].

إنَّ الَّذين يسعون لبلوغ جوار الله تعالى، هم الموحّدون المخلصون العاملون المجاهدون في سبيل الله، الذين يشدّون بإيمانهم العميق والملتزم المجتمع بعضه إلى بعض، ويسدّون كلّ نقاط ضعفه، ويقوّمون انحرافاته، ويصحّحون أوضاعه، عبر التّكافل، والتراحم، والانفتاح، والتعارف، والتقارب، والتسامح، ونشر الخير والبرّ والفضيلة في كلّ مساحات الحياة، بحيث يعملون على إغنائها ومدّها بكلّ ما يلزم.

واليوم، وفي ظلّ ما يعانيه الواقع من مشاكل تحاصره من كلّ الجهات، ما علينا سوى الرّجوع إلى أصالة مفاهيمنا الإسلاميّة، والوقوف عند مدلولاتها الجليلة، لجهة العودة إلى التفاعل معها بالشكل الصحيح، ومن ذلك، مفهوم التجاور مع الله، والسعي إلى ذلك بالكلم الطيّب والعمل الصّالح الّذي يبعد عنا كلّ الأذى والفوضى.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .



إذا كنّا نريد مجاورة الله تعالى في ملكوته الأعلى، ونكون المصداق للآية المباركة: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر: 55]، فعلينا أن ننظر مليّاً في أداء حقوق جوار الله علينا؛ هل نؤدّي هذه الحقوق؟ وهل نلتزم حدوده وتعاليمه؟

فجوار الله تعالى يعني فيما يعنيه، أن نلتزم قول الحقّ وعمل الخير، وأن نعبد الباري بإخلاص، ونبتعد عن كلّ ما يبغضه من سلوك، فكيف يعقل أن نكون في جوار الله، ونحن على ما عليه من تعمّد الأذى بالكلمة الّتي تسيء إلى الذات وإلى الآخرين، والكلمة التي تغتاب وتنهش أعراض النّاس، والكلمة التي تجرح الكرامات، ولا تؤدّي حقّ العلماء العاملين المجاهدين، والكلمة التي تثير الفتنة والفوضى، وتؤدّي إلى الفساد والإفساد؟ وكيف يعقل أن نجاور الله تعالى ونحن نعمل على إثارة الأحقاد والعصبيّات، ونعتدي على الجيران والناس من حولنا، ونعتدي على الحياة، ونعمد إلى سلوك طريق الانحراف، فيسرق بعضنا بعضاً، ويحوك بعضنا المؤامرات لبعض، ولا يتواصل بعضنا مع بعض، ونقيم الحواجز والفواصل من كلّ الأنواع؟

المجاورون لله هم المتحابّون في الله، الذين يلتزمون حدوده، ويقيمون تعاليمه، من خلال أفعالهم الحسنة، وأقوالهم الطيّبة، فلا يسيئون إلى أحد، مهما كان، ويضحكون ويصبرون ويجاهدون في سبيل الانفتاح والتواصل والتقارب مع الناس جميعاً، ويؤدّون حقوق جيرانهم، فلا يظلمونهم، بل إنهم يزورونهم ويعملون على حلّ مشاكلهم ونصحهم، ولا يسلكون طريق الغيبة والكذب والنميمة، بل يخلصون في إيمانهم وتوحيدهم لله، بأن يحسنوا للناس جميعاً، ويحسنوا في كلّ علاقاتهم وأوضاعهم مع أهلهم وأقاربهم وجيرانهم والناس من حولهم، حتى يكونوا فعلاً النموذج الحيَّ والأصيل للإنسان الطامح والساعي للقاء الله تعالى وتحقيق جيرته في دار قدسه.

وحول موضوع جيران الله وما يتعلّق به، يلفت سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله إلى ذلك بقوله: "هناك جيران من نوع آخر، كما اصطلحت عليهم بذلك بعض الأحاديث؛ فقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر: 10]، تعبير عن جوار الله، ولذا، نقول عن المؤمن العامل إذا مات، إنّه انتقل إلى جوار الله.

وفي الحديث الشّريف عن رسول الله(ص): "إذا كان يوم القيامة، جمع الله الخلائق في صعيد واحد، ونادى منادٍ من عند الله، يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، يقول: أين أهل الصّبر؟ فيأتون، فيقال لهم: "ليدخلوا الجنّة بغير حساب، ثم ينادي منادٍ آخر، يسمع آخرهم كما يسمع أوَّلهم، يقول: أين أهل الفضل؟... فيقال لهم: ليدخلوا الجنّة بغير حساب، قال: ثم ينادي منادٍ من الله عزّ وجلّ، يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، فيقول: أين جيران الله جلّ جلاله في داره؟ ـ فالله تعالى يعطيهم هذه المكرمة، بأن يجعلهم جيرانه، وهو الشّرف كلّ الشّرف، والعزّ كلّ العزّ ـفيقوم عنق من الناس، فتستقبلهم زمرة من الملائكة، فيقولون لهم: ما كان عملكم في دار الدنيا فصرتم به اليوم جيران الله تعالى في داره؟ فيقولون: كنا نتحابّ في الله عزّ وجلّ ـ فعندما نحبّ بعضنا بعضاً، فإنّنا نحبّ من خلال عمق العلاقة بالله سبحانه وتعالى، لأنّ الله أراد للمؤمن أن يحبّ المؤمن، لا على أساس مصلحة أو غاية أو قرابة ـ ونتباذل في الله ـ بحيث يبذل كلّ واحد من ماله ونفسه لصاحبه ـ ونتآزر في الله ـ أي يؤازر كلّ واحد منا صاحبه، ويساعده في شؤون البرّ ومجالات الخير والعمل الصّالح، وكلّ ذلك لحساب الله ولأجل رضاه. قال: فينادي منادٍ من عند الله تعالى: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم لينطلقوا إلى جوار الله في الجنّة بغير حساب".

ويتابع سماحته(رض) موضحاً: "وهذه من أعمق الأخلاق الإسلاميَّة التي يعيشها الإنسان المؤمن في داخل نفسه، لتنعكس على حركته الاجتماعيّة في الحياة، فالإنسان الذي تحرّكت عاطفته ومشاريعه التعاونية والتواصلية على أساس أن يقصد بها وجه الله، ولا يقصد بها غيره، هو إنسان وصل إلى مستوى إيماني رفيع في محبته لله تعالى، بحيث انعكس ذلك على كلّ علاقاته وتحركاته الاجتماعية".[فكر وثقافة، العدد 186، سنة 2000].

إنَّ الَّذين يسعون لبلوغ جوار الله تعالى، هم الموحّدون المخلصون العاملون المجاهدون في سبيل الله، الذين يشدّون بإيمانهم العميق والملتزم المجتمع بعضه إلى بعض، ويسدّون كلّ نقاط ضعفه، ويقوّمون انحرافاته، ويصحّحون أوضاعه، عبر التّكافل، والتراحم، والانفتاح، والتعارف، والتقارب، والتسامح، ونشر الخير والبرّ والفضيلة في كلّ مساحات الحياة، بحيث يعملون على إغنائها ومدّها بكلّ ما يلزم.

واليوم، وفي ظلّ ما يعانيه الواقع من مشاكل تحاصره من كلّ الجهات، ما علينا سوى الرّجوع إلى أصالة مفاهيمنا الإسلاميّة، والوقوف عند مدلولاتها الجليلة، لجهة العودة إلى التفاعل معها بالشكل الصحيح، ومن ذلك، مفهوم التجاور مع الله، والسعي إلى ذلك بالكلم الطيّب والعمل الصّالح الّذي يبعد عنا كلّ الأذى والفوضى.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية