أبغض الخلائق إلى الله تعالى..

أبغض الخلائق إلى الله تعالى..

نبقى في رحاب نهج البلاغة لمولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، في دقّة الملاحظة، وعظيم النُصح والموعظة الحسنة الّتي تضعنا أمام الحقيقة. يقول(ع):

"إِنَّ أَبْغَضَ اَلْخَلاَئِقِ إِلَى اَللهِ تَعَالَى رَجُلاَنِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اَللهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ، مَشْغُوفٌ بِكَلاَمِ بِدْعَةٍ، وَدُعَاءِ ضَلاَلَةٍ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ اِفْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هُدَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلٌّ لِمَنِ اِقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ. وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً، مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ اَلْأُمَّةِ، عَادٍ فِي أَغْبَاشِ اَلْفِتْنَةِ، عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ اَلْهُدْنَةِ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ اَلنَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا اِرْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ، وَاكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ، جَلَسَ بَيْنَ اَلنَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً، لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى اَلْمُبْهَمَاتِ، هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ".

 يوضح أمير المؤمنين(ع) الصّنف من البشر الّذين يمقتهم الله تعالى ويبغضهم، والبعيدين بالتّالي عن رحمته ومحبته ورضوانه، هؤلاء هم الذين يستمعون إلى أنفسهم الأمّارة بالسوء، وينجرّون وراء ما تزيّنه لهم من أهواء ونزوات وشهوات، ليس لهم من أنفسهم رادع وزاجر عن السّوء والآثام، منتهكون لحرمات الله، يعيثون في الأرض فساداً، وهم أضحوا لغيِّهم فتنةً لغيرهم، يجدون لهم أتباعاً من الضالّين المنحرفين الّذين طمس الله على قلوبهم، مائلون عن الصّراط المستقيم، وعن مقتضى الفطرة في توحيد الله والإخلاص له، وعن مقتضى الإنسانيّة في ظلم النفس والآخرين والحياة.

هؤلاء غارقون في الضّلالة لا يهتدون طريقاً، متّبعون عقائد منحرفة فاسدة، وفتوى لا دليل عليها من كتابٍ ولا من سُنّةٍ أو إجماعٍ أو عقل، مولعون بالشّهرة وحبّ الذات، هم أخسر النّاس صفقةً، وأخيبهم سعياً، قد ضلّوا عن سبيل الصّالحين من قبلهم، وكانوا قدوة للمضلّين من بعدهم.

دلَّسوا على الجهلة والمتخلّفين، حيث نالوا الحظوة بينهم، ولكن لا فكاك من رهن خطيئتهم يوم القيامة، ولهم عذابٌ أليم.

والصّنف الثّاني الذي يشير إليه الإمام(ع) في كلامه: "وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً"، يتقاطع مع الصّنف الأوّل في الضّلال والرجعيّة، إذ إنَّ من يقوده هو بصيرته العمياء وجهله، "مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ اَلْأُمَّةِ" أي مسرعٌ يمضي بهم في التّضليل والتّسطيح وجعلهم كالأنعام، "عَادٍ فِي أَغْبَاشِ اَلْفِتْنَةِ" أي مسرعٌ في الغوص في ظلمات الجهل والأباطيل، لا يدري أين قراره ومصيره، "عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ اَلْهُدْنَةِ" لا يعرف الموازنة بين المصلحة وتقديمها ودفع المفسدة، فهو بعيد عن الحكمة.

"قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ اَلنَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ"، يغترُّ هذا الصّنف بأنَّ الجهلة يسمّونه عالماً وهو ليس بعالم. "بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ"، استكثر من الجهالات والأساطير والأباطيل التي تعمي عن الحقّ، وتبعد عن الواقع؟ وابتعد عن الخير حتى لو كان قليلاً نافعاً، "حَتَّى إِذَا اِرْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ، وَاكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ، جَلَسَ بَيْنَ اَلنَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً"، هذا الجاهل بعد أن جمع وحفظ الكثير من صفحات الكتب والمجلّدات المُضلِّلة والرِّوايات الكاذبة، جلس في مركز القضاء بين النَّاس، حيث لا يجلس فيه إلا نبيّ أو شقيّ.

"لِتَخْلِيصِ مَا اِلْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ"، فهو بجهله يزعم أنَّه عالمٌ، يرى ما لا يراه العلماء، إنَّه الاغترار وانخداع النَّفس، "فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى اَلْمُبْهَمَاتِ، هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ"، هذا الجاهل ينطلق من محض خياله وأوهامه في مقاربة الأمور وقراءة الأحداث، فينشر الكلام الفارغ، ويقطع به على أساس أنّه الحقّ المبين.. وهكذا يعيش في دنيا الظّلام والأوهام، من يتَّخذ من ذاته مقياساً لكلِّ شيء، ويجهل أو يتجاهل الحقّ والواقع.

ما علينا سوى أن نعيش حقيقة إيماننا بالله تعالى حقَّ الإيمان، وأن نكون من أتباع العلماء الحقيقيّين الذين يجاهدون في سبيل الله بالعلم والتّقوى والصّلاح، وأن نهذِّب نفوسنا على الخير والرّحمة والمحبة، ونبتعد عن الضّلالة والجهالة، وعن الإنصات إلى صوت الشّهوات ونوازع الذَّات الدَّنيئة، عندها نقترب من الله ونيل مرضاته، والبُعد بالتّالي عن غضبه واستحقاق نقمته وسخطه...

[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها]

نبقى في رحاب نهج البلاغة لمولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، في دقّة الملاحظة، وعظيم النُصح والموعظة الحسنة الّتي تضعنا أمام الحقيقة. يقول(ع):

"إِنَّ أَبْغَضَ اَلْخَلاَئِقِ إِلَى اَللهِ تَعَالَى رَجُلاَنِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اَللهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ، مَشْغُوفٌ بِكَلاَمِ بِدْعَةٍ، وَدُعَاءِ ضَلاَلَةٍ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ اِفْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هُدَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلٌّ لِمَنِ اِقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ. وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً، مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ اَلْأُمَّةِ، عَادٍ فِي أَغْبَاشِ اَلْفِتْنَةِ، عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ اَلْهُدْنَةِ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ اَلنَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا اِرْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ، وَاكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ، جَلَسَ بَيْنَ اَلنَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً، لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى اَلْمُبْهَمَاتِ، هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ".

 يوضح أمير المؤمنين(ع) الصّنف من البشر الّذين يمقتهم الله تعالى ويبغضهم، والبعيدين بالتّالي عن رحمته ومحبته ورضوانه، هؤلاء هم الذين يستمعون إلى أنفسهم الأمّارة بالسوء، وينجرّون وراء ما تزيّنه لهم من أهواء ونزوات وشهوات، ليس لهم من أنفسهم رادع وزاجر عن السّوء والآثام، منتهكون لحرمات الله، يعيثون في الأرض فساداً، وهم أضحوا لغيِّهم فتنةً لغيرهم، يجدون لهم أتباعاً من الضالّين المنحرفين الّذين طمس الله على قلوبهم، مائلون عن الصّراط المستقيم، وعن مقتضى الفطرة في توحيد الله والإخلاص له، وعن مقتضى الإنسانيّة في ظلم النفس والآخرين والحياة.

هؤلاء غارقون في الضّلالة لا يهتدون طريقاً، متّبعون عقائد منحرفة فاسدة، وفتوى لا دليل عليها من كتابٍ ولا من سُنّةٍ أو إجماعٍ أو عقل، مولعون بالشّهرة وحبّ الذات، هم أخسر النّاس صفقةً، وأخيبهم سعياً، قد ضلّوا عن سبيل الصّالحين من قبلهم، وكانوا قدوة للمضلّين من بعدهم.

دلَّسوا على الجهلة والمتخلّفين، حيث نالوا الحظوة بينهم، ولكن لا فكاك من رهن خطيئتهم يوم القيامة، ولهم عذابٌ أليم.

والصّنف الثّاني الذي يشير إليه الإمام(ع) في كلامه: "وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً"، يتقاطع مع الصّنف الأوّل في الضّلال والرجعيّة، إذ إنَّ من يقوده هو بصيرته العمياء وجهله، "مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ اَلْأُمَّةِ" أي مسرعٌ يمضي بهم في التّضليل والتّسطيح وجعلهم كالأنعام، "عَادٍ فِي أَغْبَاشِ اَلْفِتْنَةِ" أي مسرعٌ في الغوص في ظلمات الجهل والأباطيل، لا يدري أين قراره ومصيره، "عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ اَلْهُدْنَةِ" لا يعرف الموازنة بين المصلحة وتقديمها ودفع المفسدة، فهو بعيد عن الحكمة.

"قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ اَلنَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ"، يغترُّ هذا الصّنف بأنَّ الجهلة يسمّونه عالماً وهو ليس بعالم. "بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ"، استكثر من الجهالات والأساطير والأباطيل التي تعمي عن الحقّ، وتبعد عن الواقع؟ وابتعد عن الخير حتى لو كان قليلاً نافعاً، "حَتَّى إِذَا اِرْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ، وَاكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ، جَلَسَ بَيْنَ اَلنَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً"، هذا الجاهل بعد أن جمع وحفظ الكثير من صفحات الكتب والمجلّدات المُضلِّلة والرِّوايات الكاذبة، جلس في مركز القضاء بين النَّاس، حيث لا يجلس فيه إلا نبيّ أو شقيّ.

"لِتَخْلِيصِ مَا اِلْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ"، فهو بجهله يزعم أنَّه عالمٌ، يرى ما لا يراه العلماء، إنَّه الاغترار وانخداع النَّفس، "فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى اَلْمُبْهَمَاتِ، هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ"، هذا الجاهل ينطلق من محض خياله وأوهامه في مقاربة الأمور وقراءة الأحداث، فينشر الكلام الفارغ، ويقطع به على أساس أنّه الحقّ المبين.. وهكذا يعيش في دنيا الظّلام والأوهام، من يتَّخذ من ذاته مقياساً لكلِّ شيء، ويجهل أو يتجاهل الحقّ والواقع.

ما علينا سوى أن نعيش حقيقة إيماننا بالله تعالى حقَّ الإيمان، وأن نكون من أتباع العلماء الحقيقيّين الذين يجاهدون في سبيل الله بالعلم والتّقوى والصّلاح، وأن نهذِّب نفوسنا على الخير والرّحمة والمحبة، ونبتعد عن الضّلالة والجهالة، وعن الإنصات إلى صوت الشّهوات ونوازع الذَّات الدَّنيئة، عندها نقترب من الله ونيل مرضاته، والبُعد بالتّالي عن غضبه واستحقاق نقمته وسخطه...

[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها]

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية