ليست السّنّ مقياساً لكفاءة الرّجل، بل قد يكون صغيراً سنّاً، لكنه كبيرٌ في حكمته وموهبته وذكائه، والشّواهد على ذلك كثيرة من التاريخ القديم والحديث، إذ يُذكر في الأخبار، أنه لما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، أخذت الوفود تتقاطر عليه مِن أنحاء البلاد لتهنئته، وكان مِن تلك الوفود وفد الحِجاز. وكان في ذلك الوفد صبيٌّ صغير، قام في مجلس الخليفة ليتكلَّم، فقال له الخليفة: ليتكلَّم مَن هو أكبر مِنك سِنَّاً.
فقال الطفل: أيُّها الخليفة، إنْ كان المقياس للكفاءة كِبَر السِّنِّ؛ ففي مجلسك مَن هو أحَقُّ بالخلافة مِنك.
تعجَّب عمر بن عبد العزيز مِن هذا الكلام، ثمَّ أذِنَ له بالكلام، فقال:
"لقد قصدناك مِن بلدٍ بعيد، وليس مَجيئنا لطمع فيك، أو خوف مِنك، لأنَّنا مُتنعِّمون بعدلك، ومُستقرُّون في بيوتنا بأمنٍ واطمئنان، ولا نخاف منك؛ لأنَّنا نجد أنفسنا في أمن مِن ظلمك، وإنَّ مجيئنا إليك إنَّما هو لغرض التّقدير والشّكر".
فقال له عمر بن عبد العزيز: "عِظْني."
قال الصّبي: "لقد أُصيب بعضٌ بالغرور؛ لنعم الله عليهم، وأُصيب آخرون بذلك؛ لمدح الناس إيَّاهم؛ فاحذر مِن أنْ يبعث هذان الأمران الغُرور فيك؛ فتنحرف في تدبير شؤون الدولة".
سُرَّ عمر بن عبد العزيز لهذا الكلام كثيراً، وسأل عن عمر الصبي.
فقيل له: هو ابن اثنتي عشرة سنة.
نتعلّم من ذلك، أن الغرور موت للروح وللعقل، وشلل لحركة الإنسان على مستوى أخلاقه، إذ ينعكس ذلك انحرافاً وانصياعاً وراء الرغبات والأطماع والحسابات، وتجاهلاً لحقّ النفس بسلوك طريق التواضع المفترض أن يتحلّى به الإنسان في كلّ أوضاعه وعلاقاته.
كم من أناس وصلوا إلى مراكز ومناصب، فدفعهم الغرور إلى نسيان واجباتهم ومسؤوليّاتهم، فركضوا وراء الشّهرة، ومارسوا التكبّر على الناس، ونسوا أنفسهم وانحرفوا بها! وكم من أناسٍ دفعهم الغرور ومدح النّاس والثّناء عليهم إلى البطر وحبّ الذّات، فعاشوا انتفاخ الشخصيّة، وتجاهلوا حقّ الله تعالى عليهم، فلم يؤدّوا حمده وشكره، بل أنكروا ما عليهم من مسؤوليَّات تجاه الحقّ والهداية، واستغرقوا في شهواتهم الزّائلة.
وفي ظلّ ما يصخب به الواقع اليوم من مغريات قد تدفع البعض إلى الغرور والسقوط واستحقاق غضب الله وسخطه، علينا التنبه والحذر من وسوسة الشّياطين؛ شياطين الجاه والمال، وشياطين السياسة وحبّ الدّنيا والشّهوات، وأن نتمسّك بإيماننا الذي يدفعنا إلى التواضع والمحافظة على الحقّ، وسلوك درب الهداية، والاستزادة من القرب إلى الله، عبر القول النافع والعمل الصّالح.
كم من المغرورين من تجّار الدّين والسياسة والدّنيا سقطوا في حبائل الشَّيطان، وخسروا أنفسهم وأهليهم ورضا ربهم، واستحقّوا سخطه. فالتّواضع تعبير حيّ وصريح عن روح المؤمن وأخلاقيّاته الأساسيّة المعبّرة عن أصالة انتمائه وهويّته الإنسانيّة والدينيّة...
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.
ليست السّنّ مقياساً لكفاءة الرّجل، بل قد يكون صغيراً سنّاً، لكنه كبيرٌ في حكمته وموهبته وذكائه، والشّواهد على ذلك كثيرة من التاريخ القديم والحديث، إذ يُذكر في الأخبار، أنه لما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، أخذت الوفود تتقاطر عليه مِن أنحاء البلاد لتهنئته، وكان مِن تلك الوفود وفد الحِجاز. وكان في ذلك الوفد صبيٌّ صغير، قام في مجلس الخليفة ليتكلَّم، فقال له الخليفة: ليتكلَّم مَن هو أكبر مِنك سِنَّاً.
فقال الطفل: أيُّها الخليفة، إنْ كان المقياس للكفاءة كِبَر السِّنِّ؛ ففي مجلسك مَن هو أحَقُّ بالخلافة مِنك.
تعجَّب عمر بن عبد العزيز مِن هذا الكلام، ثمَّ أذِنَ له بالكلام، فقال:
"لقد قصدناك مِن بلدٍ بعيد، وليس مَجيئنا لطمع فيك، أو خوف مِنك، لأنَّنا مُتنعِّمون بعدلك، ومُستقرُّون في بيوتنا بأمنٍ واطمئنان، ولا نخاف منك؛ لأنَّنا نجد أنفسنا في أمن مِن ظلمك، وإنَّ مجيئنا إليك إنَّما هو لغرض التّقدير والشّكر".
فقال له عمر بن عبد العزيز: "عِظْني."
قال الصّبي: "لقد أُصيب بعضٌ بالغرور؛ لنعم الله عليهم، وأُصيب آخرون بذلك؛ لمدح الناس إيَّاهم؛ فاحذر مِن أنْ يبعث هذان الأمران الغُرور فيك؛ فتنحرف في تدبير شؤون الدولة".
سُرَّ عمر بن عبد العزيز لهذا الكلام كثيراً، وسأل عن عمر الصبي.
فقيل له: هو ابن اثنتي عشرة سنة.
نتعلّم من ذلك، أن الغرور موت للروح وللعقل، وشلل لحركة الإنسان على مستوى أخلاقه، إذ ينعكس ذلك انحرافاً وانصياعاً وراء الرغبات والأطماع والحسابات، وتجاهلاً لحقّ النفس بسلوك طريق التواضع المفترض أن يتحلّى به الإنسان في كلّ أوضاعه وعلاقاته.
كم من أناس وصلوا إلى مراكز ومناصب، فدفعهم الغرور إلى نسيان واجباتهم ومسؤوليّاتهم، فركضوا وراء الشّهرة، ومارسوا التكبّر على الناس، ونسوا أنفسهم وانحرفوا بها! وكم من أناسٍ دفعهم الغرور ومدح النّاس والثّناء عليهم إلى البطر وحبّ الذّات، فعاشوا انتفاخ الشخصيّة، وتجاهلوا حقّ الله تعالى عليهم، فلم يؤدّوا حمده وشكره، بل أنكروا ما عليهم من مسؤوليَّات تجاه الحقّ والهداية، واستغرقوا في شهواتهم الزّائلة.
وفي ظلّ ما يصخب به الواقع اليوم من مغريات قد تدفع البعض إلى الغرور والسقوط واستحقاق غضب الله وسخطه، علينا التنبه والحذر من وسوسة الشّياطين؛ شياطين الجاه والمال، وشياطين السياسة وحبّ الدّنيا والشّهوات، وأن نتمسّك بإيماننا الذي يدفعنا إلى التواضع والمحافظة على الحقّ، وسلوك درب الهداية، والاستزادة من القرب إلى الله، عبر القول النافع والعمل الصّالح.
كم من المغرورين من تجّار الدّين والسياسة والدّنيا سقطوا في حبائل الشَّيطان، وخسروا أنفسهم وأهليهم ورضا ربهم، واستحقّوا سخطه. فالتّواضع تعبير حيّ وصريح عن روح المؤمن وأخلاقيّاته الأساسيّة المعبّرة عن أصالة انتمائه وهويّته الإنسانيّة والدينيّة...
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.