نبقى في رحاب الصّحيفة السجاديّة للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، في دعاءٍ له تتمثّل فيه كلّ معاني الطّهر والنقاء، والسموّ الرّوحي والارتباط الوثيق بالخالق، بما ينمي روح الإيمان في العقل والوجدان.
يقول(ع): "اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً، وَأَمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ، بِتَقْدِيرٍ مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْـذُوهُمْ بِـهِ وَيُنْشئُهُمْ عَلَيْـهِ، فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْـلَ لِيَسْكُنُوا فِيْهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ، وَنَهَضَاتِ النَّصَبِ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ جَمَاماً وَقُوَّةً، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً.
وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ، وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيـهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَدَرَكُ الاجِلِ فِيْ اُخْراهُمْ. بِكُلِّ ذلِكَ يُصْلِحُ شَأنَهُمْ، وَيَبْلُو أَخْبَارَهُمْ، وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِـهِ، وَمَنَازِلِ فُـرُوضِهِ، وَمَوَاقِعِ أَحْكَامِهِ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أسَاؤوا بِمَا عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى".
في هذا الدّعاء للإمام زين العابدين(ع)، نطلُّ على علاقة الإنسان بحركة الزَّمن في اللَّيل والنَّهار، فالنَّهار كفترة زمنيَّة لها خصائصها، حيث جعلها الله تعالى فرصةً للسَّعي والعمل والجهاد، واللّيل فترة للرّاحة والسَّكن، وقد جعلهما الباري تعالى في حركتهما مساحةً لمسيرة الإنسان وتاريخه الوجوديّ في علاقته بالله والحياة.
وفي اللَّيل والنَّهار، يكتب الإنسان في سجلّه أعمالَه الّتي سيقدِّمها أمام الخالق. إنها المسؤوليَّة الكبيرة، كون النَّهار واللَّيل يشكِّلان عمر الإنسان الزَّمني في تمثّله لأحكام الله ودعوته إلى الخير والعطاء والبناء، من هنا أهميَّة وعي ما تشكِّله حركة الزَّمن من حافزٍ للإنسانيَّة، كي تصحِّح أوضاعها ومسيرتها، وتنظر في أحوالها ومدى قربها من خالقها.
وإذا ما تأمَّلنا الصّورة مليّاً، نجد عظمة الخالق في خلقه للنَّهار، حيث يسعى العباد في مناكب الحياة طلباً للرّزق والعمل والإبداع وتأكيد الذَّات والحضور، كما نجد اللَّيل، هذا العالم الغامض الذي يلفّ الكون، ويبعث على التأمل والهدوء والسكينة والتسبيح والخشوع بين يدي الله تعالى.
وحول الإنسان في حركة اللّيل والنَّهار، يعلّق سماحة السيّد محمد حسين فضل الله(رض) على هذا الدّعاء بقوله: "يا ربّ، هذا النَّهار الّذي ينفتح على النّور المتفجّر من قلب الشَّمس، فجراً ينساب في وداعة الشّروق، وهذا اللّيل الّذي ينشر ظلامه على الوجود ليمنحه السّكون والهدوء والدّعة.
لقد خلقت ـ يا ربّ ـ هذا وذاك بقدرتك الّتي وزّعت على الحياة أدوار الظّلمة والضّياء، والحركة والسّكون، ووضعت الحدَّ الفاصل بينهما، الّذي لا يبغي فيه أحدهما على الآخر بقدرتك... فكان اللّيل سكناً تسكن فيه المخلوقات، وترتاح فيه الأعصاب، ويخلد فيه النّاس إلى الرّاحة والنّوم، الّذي يغيب فيه النّاس عن توتّر اليقظة وحركتها ومتاعبها وكلالها، لتجدِّد قوّتهم ليوم عمل جديد.. وهكذا يتحوَّل اللّيل إلى عالم غامض يلفّ الكون بسحره الهادئ.. وخلقت النّهار مبصراً بعيونٍ مفتوحة على كلّ شيء، فلا يخفى معها أيّ موجود عن النّظر، لأنّك أعطيت الحياة نورها المتناثر على كلّ جوانبها.. وهكذا كان النّهار في تقديرك للنّظام الذي قدّرته للعباد في حياتهم، انطلاقة صلاح وإصلاح لكلّ شؤونهم، وحركة امتحان لقدراتهم في مجال الطّاعة على خطّ المسؤوليّة في القيام بما فرضته عليهم من مسؤوليّاتهم الخاصّة والعامّة"..[من كتاب: آفاق الرّوح، ج:1، ص:160-162].
إنّنا أمام مسؤوليّات جسام في حركة اللّيل والنّهار، إذ المطلوب الانفتاح على الله تعالى بما تعنيه هذه الكلمة من التزامٍ بالحقّ وحدوده، ومواجهة الباطل والفساد والمفسدين، والسّعي لإعمار الحياة بكلّ ما يلزمها من عناصر الخير وإكمال الرّحمة والمحبّة والتّعاون على البرّ والتّقوى...
نبقى في رحاب الصّحيفة السجاديّة للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، في دعاءٍ له تتمثّل فيه كلّ معاني الطّهر والنقاء، والسموّ الرّوحي والارتباط الوثيق بالخالق، بما ينمي روح الإيمان في العقل والوجدان.
يقول(ع): "اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً، وَأَمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ، بِتَقْدِيرٍ مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْـذُوهُمْ بِـهِ وَيُنْشئُهُمْ عَلَيْـهِ، فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْـلَ لِيَسْكُنُوا فِيْهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ، وَنَهَضَاتِ النَّصَبِ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ جَمَاماً وَقُوَّةً، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً.
وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ، وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيـهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَدَرَكُ الاجِلِ فِيْ اُخْراهُمْ. بِكُلِّ ذلِكَ يُصْلِحُ شَأنَهُمْ، وَيَبْلُو أَخْبَارَهُمْ، وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِـهِ، وَمَنَازِلِ فُـرُوضِهِ، وَمَوَاقِعِ أَحْكَامِهِ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أسَاؤوا بِمَا عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى".
في هذا الدّعاء للإمام زين العابدين(ع)، نطلُّ على علاقة الإنسان بحركة الزَّمن في اللَّيل والنَّهار، فالنَّهار كفترة زمنيَّة لها خصائصها، حيث جعلها الله تعالى فرصةً للسَّعي والعمل والجهاد، واللّيل فترة للرّاحة والسَّكن، وقد جعلهما الباري تعالى في حركتهما مساحةً لمسيرة الإنسان وتاريخه الوجوديّ في علاقته بالله والحياة.
وفي اللَّيل والنَّهار، يكتب الإنسان في سجلّه أعمالَه الّتي سيقدِّمها أمام الخالق. إنها المسؤوليَّة الكبيرة، كون النَّهار واللَّيل يشكِّلان عمر الإنسان الزَّمني في تمثّله لأحكام الله ودعوته إلى الخير والعطاء والبناء، من هنا أهميَّة وعي ما تشكِّله حركة الزَّمن من حافزٍ للإنسانيَّة، كي تصحِّح أوضاعها ومسيرتها، وتنظر في أحوالها ومدى قربها من خالقها.
وإذا ما تأمَّلنا الصّورة مليّاً، نجد عظمة الخالق في خلقه للنَّهار، حيث يسعى العباد في مناكب الحياة طلباً للرّزق والعمل والإبداع وتأكيد الذَّات والحضور، كما نجد اللَّيل، هذا العالم الغامض الذي يلفّ الكون، ويبعث على التأمل والهدوء والسكينة والتسبيح والخشوع بين يدي الله تعالى.
وحول الإنسان في حركة اللّيل والنَّهار، يعلّق سماحة السيّد محمد حسين فضل الله(رض) على هذا الدّعاء بقوله: "يا ربّ، هذا النَّهار الّذي ينفتح على النّور المتفجّر من قلب الشَّمس، فجراً ينساب في وداعة الشّروق، وهذا اللّيل الّذي ينشر ظلامه على الوجود ليمنحه السّكون والهدوء والدّعة.
لقد خلقت ـ يا ربّ ـ هذا وذاك بقدرتك الّتي وزّعت على الحياة أدوار الظّلمة والضّياء، والحركة والسّكون، ووضعت الحدَّ الفاصل بينهما، الّذي لا يبغي فيه أحدهما على الآخر بقدرتك... فكان اللّيل سكناً تسكن فيه المخلوقات، وترتاح فيه الأعصاب، ويخلد فيه النّاس إلى الرّاحة والنّوم، الّذي يغيب فيه النّاس عن توتّر اليقظة وحركتها ومتاعبها وكلالها، لتجدِّد قوّتهم ليوم عمل جديد.. وهكذا يتحوَّل اللّيل إلى عالم غامض يلفّ الكون بسحره الهادئ.. وخلقت النّهار مبصراً بعيونٍ مفتوحة على كلّ شيء، فلا يخفى معها أيّ موجود عن النّظر، لأنّك أعطيت الحياة نورها المتناثر على كلّ جوانبها.. وهكذا كان النّهار في تقديرك للنّظام الذي قدّرته للعباد في حياتهم، انطلاقة صلاح وإصلاح لكلّ شؤونهم، وحركة امتحان لقدراتهم في مجال الطّاعة على خطّ المسؤوليّة في القيام بما فرضته عليهم من مسؤوليّاتهم الخاصّة والعامّة"..[من كتاب: آفاق الرّوح، ج:1، ص:160-162].
إنّنا أمام مسؤوليّات جسام في حركة اللّيل والنّهار، إذ المطلوب الانفتاح على الله تعالى بما تعنيه هذه الكلمة من التزامٍ بالحقّ وحدوده، ومواجهة الباطل والفساد والمفسدين، والسّعي لإعمار الحياة بكلّ ما يلزمها من عناصر الخير وإكمال الرّحمة والمحبّة والتّعاون على البرّ والتّقوى...