نبقى في رحاب نهج البلاغة، حيث المعنى العميق الَّذي يعكس روح الإسلام وروح القرآن في تعامله مع قضايا الحياة، بما ينفتح على المسؤوليَّات أمام الله تعالى في الدّنيا والآخرة.
يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع): "ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ، وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ اَلْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ، حَجَزَتْهُ اَلتَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ اَلشُّبُهَاتِ، أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ الله نَبِيَّهُ(ص). وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ اَلْقِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا. وَالله مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلاَ كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا اَلْمَقَامِ، وَهَذَا اَلْيَوْمِ".
يشير الإمام(ع) في بداية كلامه إلى أنّه المخبِّر والمحدِّث المسؤول عن كلامه، الخبير بتفاصيله وظروفه، والكفيل بأنَّ ما يخبِّر به واقع لا ريب في ذلك، وهو: "إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ اَلْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ، حَجَزَتْهُ اَلتَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ اَلشُّبُهَاتِ"، فمن اتَّعظ من حوادث الدّهر، وتأمّل فيما سمع ورأى، فإنّه سيقف بكلّ وعي ومسؤوليّة عند فطنة الخطيئة، وسيمنع نفسه عن اقتحام عوالم الشّبهات، فقد وصلت التّقوى عنده إلى مستوى رفيع، نظراً إلى نضجه ووعيه وبصيرته.. في المقابل، هناك فئة من النّاس يضفون من تلقائهم ثوب الشّبهة على الحرام الصَّريح، ليبرِّروا اقتحامهم وجرأتهم على الحرام.
"أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ الله نَبِيَّهُ(ص)". ينبّه الإمام(ع) من حال الأمَّة الّتي عادت إلى سابق عهدها قبل الإسلام، من ضياع وتشتّت ومخالفة لأمر الإسلام، وعدم الالتزام بأحكامه وروح شرائعه. فالدِّين الحقّ هو التزام ومسؤوليَّة وعمل وممارسة، لا مجرَّد خاطرة نفسيَّة أو حديث نفس وخيال، كما يقول العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض).
"وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ اَلْقِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ". يصف الإمام(ع) اضطراب حال المسلمين وضعفهم وتخلّفهم عن ركب الأمم وظهور النّفاق والبدع بينهم، بما أثّر سلباً في واقعهم ومسيرتهم، فالحذر واجب كي نعيد ترتيب أوضاعنا وتنظيم أمورنا، لنمنع أيّ انهيار أو فساد قد يصيبنا.
"وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا"، فالمهمّ هو التَّسابق إلى الفضائل، والتَّنافس لبلوغها، والعبرة بالخاتمة، فهناك من قصَّر ثم عاد إلى رشده ونال الفضائل، وهناك من يكون صاحب فضائل، ولكنَّه يقصِّر في عاقبته، وينقلب أمره إلى التّقصير.
"وَالله مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلاَ كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا اَلْمَقَامِ، وَهَذَا اَلْيَوْمِ"، فعليّ(ع) مع الحقّ والحقّ مع عليّ(ع)، وهو المنزَّه عن الكذب، صغيره وكبيره. يقول الشّيخ محمد عبده في تعليقه على هذه العبارة: "كان رضي الله عنه لا يكتم شيئاً يحوك بنفسه، كان أمَّاراً بالمعروف نهّاءً عن المنكر، لا يُحابي ولا يُداري، ولا يكذب ولا يُداجي.. وهذا القسم توطئة لقوله: نُبِّئْتُ بهذا المقام، أي أنّه قد أُخبِر به من قبل على لسان النّبي(ص) بأنّه سيقوم المقام، ويأتي عليه يوم مثل هذا اليوم".
نتعلَّم من أمير المؤمنين(ع) التأمّل والاستعبار من التجارب، بما يقوِّي إيماننا، ويعزِّز تديّننا وتقوانا، ويمنعنا من الوقوع في الشّبهات، وما أكثرها اليوم! ونتعلّم أن نتمسّك بإيماننا، مهما كانت التحدّيات والضّغوطات، وأن نكون من السبَّاقين إلى الفضائل، والمدافعين عنها، والعاملين من أجلها، والسّاعين إلى وحدة الأمّة ورفعتها...
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.
نبقى في رحاب نهج البلاغة، حيث المعنى العميق الَّذي يعكس روح الإسلام وروح القرآن في تعامله مع قضايا الحياة، بما ينفتح على المسؤوليَّات أمام الله تعالى في الدّنيا والآخرة.
يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع): "ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ، وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ اَلْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ، حَجَزَتْهُ اَلتَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ اَلشُّبُهَاتِ، أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ الله نَبِيَّهُ(ص). وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ اَلْقِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا. وَالله مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلاَ كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا اَلْمَقَامِ، وَهَذَا اَلْيَوْمِ".
يشير الإمام(ع) في بداية كلامه إلى أنّه المخبِّر والمحدِّث المسؤول عن كلامه، الخبير بتفاصيله وظروفه، والكفيل بأنَّ ما يخبِّر به واقع لا ريب في ذلك، وهو: "إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ اَلْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ، حَجَزَتْهُ اَلتَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ اَلشُّبُهَاتِ"، فمن اتَّعظ من حوادث الدّهر، وتأمّل فيما سمع ورأى، فإنّه سيقف بكلّ وعي ومسؤوليّة عند فطنة الخطيئة، وسيمنع نفسه عن اقتحام عوالم الشّبهات، فقد وصلت التّقوى عنده إلى مستوى رفيع، نظراً إلى نضجه ووعيه وبصيرته.. في المقابل، هناك فئة من النّاس يضفون من تلقائهم ثوب الشّبهة على الحرام الصَّريح، ليبرِّروا اقتحامهم وجرأتهم على الحرام.
"أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ الله نَبِيَّهُ(ص)". ينبّه الإمام(ع) من حال الأمَّة الّتي عادت إلى سابق عهدها قبل الإسلام، من ضياع وتشتّت ومخالفة لأمر الإسلام، وعدم الالتزام بأحكامه وروح شرائعه. فالدِّين الحقّ هو التزام ومسؤوليَّة وعمل وممارسة، لا مجرَّد خاطرة نفسيَّة أو حديث نفس وخيال، كما يقول العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض).
"وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ اَلْقِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ". يصف الإمام(ع) اضطراب حال المسلمين وضعفهم وتخلّفهم عن ركب الأمم وظهور النّفاق والبدع بينهم، بما أثّر سلباً في واقعهم ومسيرتهم، فالحذر واجب كي نعيد ترتيب أوضاعنا وتنظيم أمورنا، لنمنع أيّ انهيار أو فساد قد يصيبنا.
"وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا"، فالمهمّ هو التَّسابق إلى الفضائل، والتَّنافس لبلوغها، والعبرة بالخاتمة، فهناك من قصَّر ثم عاد إلى رشده ونال الفضائل، وهناك من يكون صاحب فضائل، ولكنَّه يقصِّر في عاقبته، وينقلب أمره إلى التّقصير.
"وَالله مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلاَ كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا اَلْمَقَامِ، وَهَذَا اَلْيَوْمِ"، فعليّ(ع) مع الحقّ والحقّ مع عليّ(ع)، وهو المنزَّه عن الكذب، صغيره وكبيره. يقول الشّيخ محمد عبده في تعليقه على هذه العبارة: "كان رضي الله عنه لا يكتم شيئاً يحوك بنفسه، كان أمَّاراً بالمعروف نهّاءً عن المنكر، لا يُحابي ولا يُداري، ولا يكذب ولا يُداجي.. وهذا القسم توطئة لقوله: نُبِّئْتُ بهذا المقام، أي أنّه قد أُخبِر به من قبل على لسان النّبي(ص) بأنّه سيقوم المقام، ويأتي عليه يوم مثل هذا اليوم".
نتعلَّم من أمير المؤمنين(ع) التأمّل والاستعبار من التجارب، بما يقوِّي إيماننا، ويعزِّز تديّننا وتقوانا، ويمنعنا من الوقوع في الشّبهات، وما أكثرها اليوم! ونتعلّم أن نتمسّك بإيماننا، مهما كانت التحدّيات والضّغوطات، وأن نكون من السبَّاقين إلى الفضائل، والمدافعين عنها، والعاملين من أجلها، والسّاعين إلى وحدة الأمّة ورفعتها...
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.