مع الصَّحيفة السَّجاديَّة للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، نعثر على السَّلام الرّوحيّ والأخلاقيّ والعمق الإيمانيّ في الارتباط بالله والانفتاح عليه.. يقول الإمام السَّجّاد(ع): "
وَالْحَمْدُ لله عَلَى مَا عَرَّفَنا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَلْهَمَنَا مِنْ شُكْرِهِ، وَفَتَحَ لَنَا من أبوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيّته، وَدَلَّنَا عَلَيْهِ مِنَ الإخْلاَصِ لَهُ فِي تَوْحِيدِهِ، وَجَنَّبَنا مِنَ الإلْحَادِ وَالشَّكِّ فِي أَمْرِهِ، حَمْداً نُعَمَّرُ بِهِ فِيمَنْ حَمِدَهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَنَسْبِقُ بِـهِ مَنْ سَبَقَ إلَى رِضَاهُ وَعَفْوِهِ، حَمْداً يُضِيءُ لَنَا بِهِ ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْنَا بِهِ سَبِيلَ الْمَبْعَثِ، وَيُشَرِّفُ بِهِ مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الأشْهَادِ، يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ}، حَمْداً يَرْتَفِعُ مِنَّا إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ فِي كِتَاب مَرْقُوم يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ، حَمْداً تَقَرُّ بِهِ عُيُونُنَا إذَا بَرِقَت الأبْصَارُ، وَتَبْيَضُّ بِهِ وُجُوهُنَا إذَا اسْوَدَّتِ الأبْشَارُ، حَمْداً نُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ نَارِ اللهِ إلَى كَرِيمِ جِوَارِ اللهِ، حَمْداً نُزَاحِمُ بِهِ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ وَنُضَامُّ بِـهِ أَنْبِيآءَهُ الْمُـرْسَلِيْنَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ الَّتِي لا تَزُولُ وَمَحَلِّ كَرَامَتِهِ الَّتِي لاَ تَحُولُ".
يدعو الإمام السَّجّاد(ع) بحمد الله تعالى والثَّناء عليه كتعبيرٍ عن عمق الإيمان به، فلولا ما وهبنا إيّاه من العقل والحواسّ، وعرّفنا على مواطن قدرته وعظمته، لما اهتدينا إلى سبيله، فالشّكر لله على ما أنعم من نعمٍ ظاهرةٍ وباطنة، والحمد لله على ما فتح به عقولنا للمعرفة الحقّة، وما فتح به قلوبنا على محبّته، بحيث اجتنبنا بهدايته طريق الشّكّ والانحراف، بما دلّنا عليه من سبيل الإخلاص والتّوحيد، وما يعنيه ذلك من وعيٍ عميقٍ بحقائق الخالق والوجود..
فألوهيَّة الله تعالى تتحرَّك أمامنا في واقعنا بما خلق من خلائق تتجلَّى فيها حكمته، وعندما ننفتح على الألوهيّة، تتحقَّق إنسانيَّتنا في وعي وجودها وحركتها في الأفق الرحب، حيث غنى النّفس والعقل، ولولا حكمة الله في منحنا الحواسّ والمشاعر والعقل، لما استطعنا أن نتفاعل مع الحياة وحقائقها.
إنّ حمد الله وشكره مدعاة لنا كي نعمِّق علاقتنا أكثر بالله، بما يمثّل ذلك من إيمانٍ واعٍ يسعى إلى رضا الله وعفوه، وكي نحصل على الدّرجات العلى عنده، بحيث نعيش السَّلامة في الدنيا والآخرة، ونكون من أهل الطّاعة والرّضوان، ونحشر مع الأنبياء والصدّيقين؛ هناك تبيضّ وجوهنا وتُسعد أرواحنا، فلا همَّ ولا حزم ولا خوف، بل بهجة روحيَّة واطمئنان وسعادة.
وحول معنى الحمد والشّكر، واستيحاءً من الدّعاء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "للمعرفة بالله دورها الكبير في وعي الإنسان للإيمان بربّه في خوف مقامه، والتزامه بطاعته، وانفتاحه على محبّته، وفهمه للسرّ في عبوديّته له، وتصوّره لجلاله وكماله في كلّ صفاته العليا وأسمائه الحسنى، وفي كلِّ محامده وأفعاله، وقد عرفنا ذلك كلّه من خلال الوسائل التي أولاها لنا ووضعها في متناولنا في حواسّنا وعقولنا، ورسالته التي أرسل بها أنبياءه، بحيث انفتحت لنا من ذلك كلّه أبواب المعرفة في أوسع مداها وأرحب مواقعها.. فله الحمد على ذلك وعلى ما عرّفنا من ربوبيّته التي توحي إلينا بالألوهيّة التي ترعى المربوبية بالتربية، التي تتدرّج بهم في البلوغ إلى درجات الكمال شيئاً فشيئاً.. إننا نحمده على ذلك كلّه، ونتقرّب إليه بهذا الحمد، لأنّه يمثّل كلّ الإيمان به، والمحبّة له، والتطلّع إلى رحمته، والقرب منه.. وهذا ينطلق من الحمد الإيماني المرتفع إلى الله من كلّ قلوبنا، ليرتفع بنا إلى الدّرجات العليا في أعلى عليّين، ويرتفع الحمد في نتائجه، فيعتقنا الله بسببه من أليم ناره إلى كريم جواره..".[كتاب "آفاق الروح"، ج 1، ص 41 ـ 43].
اللّهمّ إنّا ندعوك إلى أن نكون من أهل حمدك وشكرك، ونتقرَّب إليك بالطّاعات والأعمال الصَّالحات، لنكون من المستحقّين لجوارك في دار قدسك.
*إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.
مع الصَّحيفة السَّجاديَّة للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، نعثر على السَّلام الرّوحيّ والأخلاقيّ والعمق الإيمانيّ في الارتباط بالله والانفتاح عليه.. يقول الإمام السَّجّاد(ع): "وَالْحَمْدُ لله عَلَى مَا عَرَّفَنا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَلْهَمَنَا مِنْ شُكْرِهِ، وَفَتَحَ لَنَا من أبوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيّته، وَدَلَّنَا عَلَيْهِ مِنَ الإخْلاَصِ لَهُ فِي تَوْحِيدِهِ، وَجَنَّبَنا مِنَ الإلْحَادِ وَالشَّكِّ فِي أَمْرِهِ، حَمْداً نُعَمَّرُ بِهِ فِيمَنْ حَمِدَهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَنَسْبِقُ بِـهِ مَنْ سَبَقَ إلَى رِضَاهُ وَعَفْوِهِ، حَمْداً يُضِيءُ لَنَا بِهِ ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْنَا بِهِ سَبِيلَ الْمَبْعَثِ، وَيُشَرِّفُ بِهِ مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الأشْهَادِ، يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ}، حَمْداً يَرْتَفِعُ مِنَّا إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ فِي كِتَاب مَرْقُوم يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ، حَمْداً تَقَرُّ بِهِ عُيُونُنَا إذَا بَرِقَت الأبْصَارُ، وَتَبْيَضُّ بِهِ وُجُوهُنَا إذَا اسْوَدَّتِ الأبْشَارُ، حَمْداً نُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ نَارِ اللهِ إلَى كَرِيمِ جِوَارِ اللهِ، حَمْداً نُزَاحِمُ بِهِ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ وَنُضَامُّ بِـهِ أَنْبِيآءَهُ الْمُـرْسَلِيْنَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ الَّتِي لا تَزُولُ وَمَحَلِّ كَرَامَتِهِ الَّتِي لاَ تَحُولُ".
يدعو الإمام السَّجّاد(ع) بحمد الله تعالى والثَّناء عليه كتعبيرٍ عن عمق الإيمان به، فلولا ما وهبنا إيّاه من العقل والحواسّ، وعرّفنا على مواطن قدرته وعظمته، لما اهتدينا إلى سبيله، فالشّكر لله على ما أنعم من نعمٍ ظاهرةٍ وباطنة، والحمد لله على ما فتح به عقولنا للمعرفة الحقّة، وما فتح به قلوبنا على محبّته، بحيث اجتنبنا بهدايته طريق الشّكّ والانحراف، بما دلّنا عليه من سبيل الإخلاص والتّوحيد، وما يعنيه ذلك من وعيٍ عميقٍ بحقائق الخالق والوجود..
فألوهيَّة الله تعالى تتحرَّك أمامنا في واقعنا بما خلق من خلائق تتجلَّى فيها حكمته، وعندما ننفتح على الألوهيّة، تتحقَّق إنسانيَّتنا في وعي وجودها وحركتها في الأفق الرحب، حيث غنى النّفس والعقل، ولولا حكمة الله في منحنا الحواسّ والمشاعر والعقل، لما استطعنا أن نتفاعل مع الحياة وحقائقها.
إنّ حمد الله وشكره مدعاة لنا كي نعمِّق علاقتنا أكثر بالله، بما يمثّل ذلك من إيمانٍ واعٍ يسعى إلى رضا الله وعفوه، وكي نحصل على الدّرجات العلى عنده، بحيث نعيش السَّلامة في الدنيا والآخرة، ونكون من أهل الطّاعة والرّضوان، ونحشر مع الأنبياء والصدّيقين؛ هناك تبيضّ وجوهنا وتُسعد أرواحنا، فلا همَّ ولا حزم ولا خوف، بل بهجة روحيَّة واطمئنان وسعادة.
وحول معنى الحمد والشّكر، واستيحاءً من الدّعاء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "للمعرفة بالله دورها الكبير في وعي الإنسان للإيمان بربّه في خوف مقامه، والتزامه بطاعته، وانفتاحه على محبّته، وفهمه للسرّ في عبوديّته له، وتصوّره لجلاله وكماله في كلّ صفاته العليا وأسمائه الحسنى، وفي كلِّ محامده وأفعاله، وقد عرفنا ذلك كلّه من خلال الوسائل التي أولاها لنا ووضعها في متناولنا في حواسّنا وعقولنا، ورسالته التي أرسل بها أنبياءه، بحيث انفتحت لنا من ذلك كلّه أبواب المعرفة في أوسع مداها وأرحب مواقعها.. فله الحمد على ذلك وعلى ما عرّفنا من ربوبيّته التي توحي إلينا بالألوهيّة التي ترعى المربوبية بالتربية، التي تتدرّج بهم في البلوغ إلى درجات الكمال شيئاً فشيئاً.. إننا نحمده على ذلك كلّه، ونتقرّب إليه بهذا الحمد، لأنّه يمثّل كلّ الإيمان به، والمحبّة له، والتطلّع إلى رحمته، والقرب منه.. وهذا ينطلق من الحمد الإيماني المرتفع إلى الله من كلّ قلوبنا، ليرتفع بنا إلى الدّرجات العليا في أعلى عليّين، ويرتفع الحمد في نتائجه، فيعتقنا الله بسببه من أليم ناره إلى كريم جواره..".[كتاب "آفاق الروح"، ج 1، ص 41 ـ 43].
اللّهمّ إنّا ندعوك إلى أن نكون من أهل حمدك وشكرك، ونتقرَّب إليك بالطّاعات والأعمال الصَّالحات، لنكون من المستحقّين لجوارك في دار قدسك.
*إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.