مراعاة حرمة الآخرين من أخلاقيّات الإسلام

مراعاة حرمة الآخرين من أخلاقيّات الإسلام

كثيرون لديهم فضول سلبيّ، ولا يحترمون خصوصيَّة أحد، ويستعملون كلّ الأساليب والطرق لمعرفة أسرار الآخرين، ويفتّشون عن أدقّ تفاصيلهم الشّخصيّة، ويصل الأمر بهم إلى التدخّل فيما لا يعنيهم لإشباع فضولهم، حتى لو كان على حساب كرامتهم، وحتى لو أدّى ذلك إلى افتعال المشاكل وتخريب العلاقات.

هناك نساء ورجال يتدخَّلون في الحياة الشَّخصيَّة والخاصَّة لأقاربهم وجيرانهم، ويبادرون إلى نقل الكلام، وإفشاء الأسرار هنا وهناك في الجلسات والسَّهرات العامّة، وبالتالي، فهم بسلوكهم هذا، لا يحترمون حقوق الآخرين وحرماتهم، بل يتهاونون بها.

وهذه ظاهرة اجتماعيَّة متفشِّية ـ للأسف ـ في بعض المجتمعات التي تعتبر نفسها ملتزمةً إيمانياً، مع أنّه لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن يتَّصف المؤمن بهذه الصّفة المذمومة ـ أي إفشاء الأسرار وانتهاك الحرمات ـ إذ إنَّ المؤمن يراعي الحرمات ويحترمها، ولا يتدخَّل في شؤون الآخرين، ويحترم أسرارهم وحياتهم الخاصَّة، لا بل يدافع عن هذه الحرمات بكلّ ما أوتي من قوّة أو بأس، ولا يرضى بأيٍّ حالٍ من الأحوال أن تفضح الخصوصيّات والأسرار أمامه.

وعدم مراعاة حرمة الآخرين، تعبِّر عن عدم احترامنا لإنساننا، وهذا المعنى لفت إليه المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) بقوله: "لعلَّ من أسباب هذه الظّاهرة، هو عدم احترامنا لإنسانيّتنا، أو لأنَّ الإنسان لا يحترم الإنسان في هذا المجال.. وهذا يعني أنّ العلاقات لا تخضع لاحترام حريّة الإنسان في القضايا الخاصَّة التي يعيشها.. مجتمعنا مجتمع فضوليّ، يحاول أن يقتحم على النّاس أسرارهم بطريقة غير مركّزة.. وطبيعتنا طبيعة فضول، نتدخَّل فيما لا يعنينا، وهذا إنما ينشأ من البطالة ومن الفراغ، ومن عدم وجود مستوى فكريّ بشكلٍ عامّ. أمّا الإنسان الذي يملك مستوىً فكريّاً جيّداً، فإنه لا يفكّر إلا في القضايا الأساسيّة.

من هنا، يجب على الإنسان أن يفكِّر دائماً في أنّه كما لا يحبّ أن يتدخّل في شؤونه الخاصّة أحد، يجب عليه ألا يتدخّل في شؤون الآخرين، ومن تدخّل فيما لا يعنيه، يجد ما لا يرضيه!".[كتاب: للإنسان والحياة، ص 365].

إذاً، إفشاء الأسرار والتدخّل في خصوصيّات الآخرين، ليس من أخلاقيّات الإسلام التي تحثّ على احترام حرمات الآخرين ومراعاتها، والأمانة في حفظها، وعدم إلحاق الضّرر بالكرامات الإنسانيَّة، الّتي من المفترض صونها بكلِّ ما يلزم من موقفٍ وسلوكٍ وكلمة.

فليراجع من تسوِّل له نفسه إفشاء أسرار الآخرين، والسَّعي لانتهاك حرماتهم، حساباته، ليعلم أنّه مسؤول عن أفعاله أمام الله تعالى، الَّذي لا يرضى أبداً بذلك، وأنه سيقف غداً بين يديه للسؤال والحساب، فبماذا يدافع عن نفسه؟! يقول تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}[الصافات: 24]. ويقول تعالى في آيةٍ أخرى من القرآن الكريم: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء: 36].

فعلينا أن نعرف كيف نحرِّك أبصارنا في مواقع الخير والحقّ، فلا نمدّها لتتبّع عورات الآخرين، وتصيّد نقاط ضعفهم وأسرارهم، ولا نستخدم أسماعنا لتتبّع خصوصيّات الناس، ومن ثم نشرها هنا وهناك.

وفي الحديث عن أمير المؤمنين(ع): "جمع خير الدّنيا والآخرة في كتمان السرّ ومصادقة الأخيار، وجمع الشرّ في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار".

فعلى المرء أن يحفظ أسراره وخصوصيَّاته، كما عليه حفظ أسرار الآخرين، وعدم إذاعة كلِّ ذلك ونشره، كي لا يحصد من ذلك وبالاً وندامةً، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصّادق(ع) أنَّه قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ عيّرَ قوماً بالإذاعة، فقال: إذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به، فإيّاكم والإذاعة".

كم نحتاج في كلّ زمانٍ إلى أن نربي أنفسنا وأجيالنا على احترام أسرار الغير وحرماتهم وخصوصيّاتهم، كي نبرز أصالة إنسانيّتنا وأخلاقنا وديننا، وكي نعيش فعلاً في مجتمعٍ إيمانيٍّ ينعم بالسَّلام والأمان والاحترام والتّقدير!

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.


كثيرون لديهم فضول سلبيّ، ولا يحترمون خصوصيَّة أحد، ويستعملون كلّ الأساليب والطرق لمعرفة أسرار الآخرين، ويفتّشون عن أدقّ تفاصيلهم الشّخصيّة، ويصل الأمر بهم إلى التدخّل فيما لا يعنيهم لإشباع فضولهم، حتى لو كان على حساب كرامتهم، وحتى لو أدّى ذلك إلى افتعال المشاكل وتخريب العلاقات.

هناك نساء ورجال يتدخَّلون في الحياة الشَّخصيَّة والخاصَّة لأقاربهم وجيرانهم، ويبادرون إلى نقل الكلام، وإفشاء الأسرار هنا وهناك في الجلسات والسَّهرات العامّة، وبالتالي، فهم بسلوكهم هذا، لا يحترمون حقوق الآخرين وحرماتهم، بل يتهاونون بها.

وهذه ظاهرة اجتماعيَّة متفشِّية ـ للأسف ـ في بعض المجتمعات التي تعتبر نفسها ملتزمةً إيمانياً، مع أنّه لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن يتَّصف المؤمن بهذه الصّفة المذمومة ـ أي إفشاء الأسرار وانتهاك الحرمات ـ إذ إنَّ المؤمن يراعي الحرمات ويحترمها، ولا يتدخَّل في شؤون الآخرين، ويحترم أسرارهم وحياتهم الخاصَّة، لا بل يدافع عن هذه الحرمات بكلّ ما أوتي من قوّة أو بأس، ولا يرضى بأيٍّ حالٍ من الأحوال أن تفضح الخصوصيّات والأسرار أمامه.

وعدم مراعاة حرمة الآخرين، تعبِّر عن عدم احترامنا لإنساننا، وهذا المعنى لفت إليه المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) بقوله: "لعلَّ من أسباب هذه الظّاهرة، هو عدم احترامنا لإنسانيّتنا، أو لأنَّ الإنسان لا يحترم الإنسان في هذا المجال.. وهذا يعني أنّ العلاقات لا تخضع لاحترام حريّة الإنسان في القضايا الخاصَّة التي يعيشها.. مجتمعنا مجتمع فضوليّ، يحاول أن يقتحم على النّاس أسرارهم بطريقة غير مركّزة.. وطبيعتنا طبيعة فضول، نتدخَّل فيما لا يعنينا، وهذا إنما ينشأ من البطالة ومن الفراغ، ومن عدم وجود مستوى فكريّ بشكلٍ عامّ. أمّا الإنسان الذي يملك مستوىً فكريّاً جيّداً، فإنه لا يفكّر إلا في القضايا الأساسيّة.

من هنا، يجب على الإنسان أن يفكِّر دائماً في أنّه كما لا يحبّ أن يتدخّل في شؤونه الخاصّة أحد، يجب عليه ألا يتدخّل في شؤون الآخرين، ومن تدخّل فيما لا يعنيه، يجد ما لا يرضيه!".[كتاب: للإنسان والحياة، ص 365].

إذاً، إفشاء الأسرار والتدخّل في خصوصيّات الآخرين، ليس من أخلاقيّات الإسلام التي تحثّ على احترام حرمات الآخرين ومراعاتها، والأمانة في حفظها، وعدم إلحاق الضّرر بالكرامات الإنسانيَّة، الّتي من المفترض صونها بكلِّ ما يلزم من موقفٍ وسلوكٍ وكلمة.

فليراجع من تسوِّل له نفسه إفشاء أسرار الآخرين، والسَّعي لانتهاك حرماتهم، حساباته، ليعلم أنّه مسؤول عن أفعاله أمام الله تعالى، الَّذي لا يرضى أبداً بذلك، وأنه سيقف غداً بين يديه للسؤال والحساب، فبماذا يدافع عن نفسه؟! يقول تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}[الصافات: 24]. ويقول تعالى في آيةٍ أخرى من القرآن الكريم: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء: 36].

فعلينا أن نعرف كيف نحرِّك أبصارنا في مواقع الخير والحقّ، فلا نمدّها لتتبّع عورات الآخرين، وتصيّد نقاط ضعفهم وأسرارهم، ولا نستخدم أسماعنا لتتبّع خصوصيّات الناس، ومن ثم نشرها هنا وهناك.

وفي الحديث عن أمير المؤمنين(ع): "جمع خير الدّنيا والآخرة في كتمان السرّ ومصادقة الأخيار، وجمع الشرّ في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار".

فعلى المرء أن يحفظ أسراره وخصوصيَّاته، كما عليه حفظ أسرار الآخرين، وعدم إذاعة كلِّ ذلك ونشره، كي لا يحصد من ذلك وبالاً وندامةً، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصّادق(ع) أنَّه قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ عيّرَ قوماً بالإذاعة، فقال: إذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به، فإيّاكم والإذاعة".

كم نحتاج في كلّ زمانٍ إلى أن نربي أنفسنا وأجيالنا على احترام أسرار الغير وحرماتهم وخصوصيّاتهم، كي نبرز أصالة إنسانيّتنا وأخلاقنا وديننا، وكي نعيش فعلاً في مجتمعٍ إيمانيٍّ ينعم بالسَّلام والأمان والاحترام والتّقدير!

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية