يتناول الباحث نزار محمَّد جودة الميالي، في رسالته "الفكر السياسي عند السيد محمد حسين فضل الله"، عدة فصول، تتضمّن الحديث عن السّيرة الذاتيَّة لسماحته(رض)، والعوامل البيئية المؤثّرة في مسيرته، ونظرته حول مسألة ولاية الفقيه، والنظريات المادية المتعلّقة بالسلطة، كالماركسية والرأسمالية.
ويعرّج الباحث إلى مبحث الحزبية في فكر سماحته (رض)، فيما يتعلّق بمفهوم التعددية الحزبية، والموقف منها في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وموقف السيد فضل الله (رض) من أنماط التعددية الحزبية والعمل السياسي، إضافةً إلى موضوع المواطنة في فكره، ومسألة الرقابة الشعبيّة على السلطة السياسية، ومسألة المعارضة السياسية في ظلّ الدولة الإسلاميّة.
ويقول الباحث إنَّ البيئة لها تأثيرها في شخصية المرجع فضل الله السياسية، وصوغ فكره السياسي، إذ كان منطلقاً من فهمٍ إسلامي معاصر وعميق في معالجته لمختلف القضايا في دنيا الفكر والسياسة، من خلال العلاقة بين النص الديني ومقتضيات الواقع.
ويشير الباحث في مقدمته، إلى أن الفتوى المتفاعلة مع المواقف والتحوّلات السياسية، هي من أبرز العوامل في تشكيل اتجاهات الرأي العام وتحريكه، لما تتركه من تأثير في ذهنية العقل الجمعي، وخصوصاً إذا كانت ـ الفتوى ـ صادرة من شخصيات تمتلك رؤى فكرية عميقة ودقيقة، ووعياً سياسياً كبيراً ومرتبطاً بالبعد العقائدي الذي يعكس بنية النظام السياسي الإسلامي بحسب الاجتهاد الفقهي.
ويعمل الباحث على فرضية أنّ آراء السيد فضل الله (رض) وطروحاته في المجال السياسي، تنطوي على المزاوجة بين الرؤية الفقهية ومتطلبات الواقعية السياسية، إذ يترك النهايات مفتوحة، ولا سيما في المواضيع المتعلقة بالأدوات التنظيمية، لأن الالتزام بتحديد الهيكليات الدستورية يجمّد حركية المفكر السياسي المتّسم بالحداثوية...
وتهدف دراسة الباحث إلى توضيح ما إذا كانت الآراء الفكرية لسماحته، تتماشى مع روح الثوابت الفقهية السياسية، فهي لا تشكل خروجاً عن تلك الثوابت، بفعل التنوّع المجتمعي الذي يحيط به.
ولا ننسى ما يتميّز به سماحته من صفات ومؤهلات شخصية واجتهادية منفتحة، ومسؤولة، وواعية، وعميقة في عرضها وتحليلها للأفكار، بشكل يدل على رحابة الفكر وسعة الأفق.
لقد كان للبيئة النجفية الدينية، كما للبيئة اللبنانية بكل تنوّعاتها، الأثر الكبير في تشكيل فكر المرجع فضل الله(رض) السياسي، كما أن التنشئة الاجتماعية لسماحته(رض)، شكّلت عاملاً هاماً في تكوين هذا الفكر، فكان الوسط الديني المحيط به من أبرز المؤثرات في بناء الوعي الديني واتجاهاته، كما كان للتعليم الحوزوي دور في بلورة هذا الوعي، وكان أيضاً لأسرته دور في ذلك، فهي أسرة علمية لها جذور ومرتكزات دينية.
ولم يكن هناك من تعارض أو تصادم بين البيئة النجفية بكل ما زخرت، والبيئة المحلية اللبنانية، وهو ما أضفى على فكره السياسي والإسلامي صفتي (الأصولية الدينية والتجديد الديني) بشكل متوافق.
ويرى الباحث أنَّ سماحته(رض) يعدّ من المشاركين في بعث الحركة التجديدة برافديْها الديني والثقافي العصري في العراق، من خلال مساهمته المبكرة في مجمل الأنشطة الأدبية والفكرية والعلمية. ويعتبر الباحث أن بناء النظرية السياسية الإسلامية لديه، من الممكن أن تستفيد من الآليات الديمقراطية، من انتخابات وصياغة دستور ومجالس نيابية ...إلخ، فيما لو استعملت هذه الآليات ووظّفت بنحو يسهم في صياغة ما تصبو إليه الشريعة الإسلامية من حقوق الإنسان، وحفظ النظام العام في المجتمع والأمة الإسلامية، وهو ما يجعل سماحته(رض) من المفكرين الإسلاميين الذين ينادون بضرورة التوفيق بين المتطلبات الإسلامية وثوابتها، ومتطلبات الحضارة الإنسانية وإفرازاتها الوضعية.
كما يعتبر الباحث أنَّ سماحته (رض) يؤمن بالتعددية السياسية في إطار المجتمع الإسلامي، إذا كانت هذه التعددية تؤمّن مشاريع صيانة الوحدة الإسلامية والمنظمات المذهبية والدينية الأخرى المتعايشة ضمن إطار الأمة...
النزعة العقلانية، كما يقول الباحث، من أبرز ما تميّز به فكر السيد محمد حسين فضل الله(رض)، في ضوء تعاطيه المباشر مع المصادر الإسلامية الأصيلة (القرآن الكريم والسنة الشريفة)، وتأكيده بشكل دائم لأهمية العلاقة والصلة بين الإسلام كشريعة، وبين قدرتها [الشريعة] على أن تؤسِّس نظاماً سياسياً يقوم على العدالة واحترام كرامة الإنسان.
ويشير الباحث إلى أنه في إطار استكمال النظرية السياسية الإسلامية عند سماحته(رض)، حيث يؤمن السيد فضل الله بولاية الفقيه المقيّدة أو الخاصة، وذلك موافقة لعدم إيمانه بالولاية المطلقة للفقيه، أن مهمة ولاية الفقيه السياسية، تتجسّد بحفظ النظام العام، وبشكل مطلق، ويذهب، كما ذهب السيد الشهيد الصدر الأول، بنظريته الأخيرة "ولاية الفقيه والشورى"، أي ضرورة تدخُّل الشورى بالتجاوب والتفاعل مع منطلقات نظرية ولاية الفقيه لقيادة الأمة الإسلامية، والإيمان بجدواها لو كانت في إطار "المؤسّسة".
وتفعيل "المأسسة المرجعية" بإيجاد المؤسسات الشورائية، يخلّف واقعاً حالة من التواصل ما بين الأجيال، ويسهم بالتالي في قوة علاقة أهل الخبرة (الأمة) مع الفقيه.
ويلفت الباحث إلى أن سماحته(رض)، انطلاقاً من إشكاليات العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في إطار النموذج اللبناني، يؤسِّس لعلاقة حقيقية مع غير المسلم، بوصفه مواطناً على أساس وحدة النوع الإنساني، ومشروعية التعدّد من الناحية الإسلامية، على قاعدة "إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق"، وتأكيد البعد الإنساني للعلاقة مع الآخر، وفق التسخير الذي يعدُّ من أهم شروط إعمار الأرض، التي تعتبر من أهمّ مسؤوليات نظرية الاستخلاف.
كذلك، إشارته [سماحة السيد(رض)] إلى الدور المهم الذي يمكن أن تضطلع به "المؤسسات الأكاديمية" في دراساتها للتقريب بين المذاهب الإسلامية، من وجهة نظر الفكر السياسي الإمامي، والفكر السياسي للمدارس الأخرى، لحلّ إشكالية الاجتهادات المذهبية، وبوجه خاص فيما يتعلق بالسلطة السياسية وممارستها داخل المجتمع الإسلامي، فهذا التقريب لو تمّ، سيؤدّي بالضرورة إلى تحديد آليات المحافظة على الثوابت الشرعية والتطور الحضاري المدني الإنساني، ما يضفي بعداً إسلامياً من جهة، وبعداً مدنياً مؤسساتياً متجاوباً مع الضرورات الحيوية والتطور الحاصل في الدولة الإسلامية، من جهة أخرى.
ويخلص الباحث في دراسته إلى أن سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، عبر مطارحاته الفكرية السياسية، يدعو إلى ضرورة المراجعة المستمرة والواعية لقواعد المنظومة الإسلامية وثوابتها، في استجابتها لمتغيّرات الظروف الزمانية والمكانية، فإدارة الشأن السياسي للأمة هي عملية مؤسساتية مترابطة، وتخضع لتراكم التجارب...
بطاقة البحث: رسالة ماجستير تحت عنوان (الفكر السياسي عند السيد محمد حسين فضل الله). تقديم الطالب نزار محمد جودة الميالي، إشراف الدكتور أمل الخزعلي - نيسان /أبريل 2010م.