يعتبر "تفسير القمي" من أقدم التفاسير بالمأثور عند علماء الشيعة الإمامية، وأكثرها إثارة للجدل، فمنهم من ذهب إلى صحة جميع ما ورد في هذا التفسير، ومنهم من ذهب إلى أنّ هذا الكتاب هو غير ما ألّفه علي بن إبراهيم القمّي.
ذكر النجاشي في ضمن كتبه كتاب التفسير للقمي علي بن إبراهيم، وقال: "وله كتاب التفسير". ثم قال: "أخبرنا: محمد بن محمد، وغيره، عن الحسن بن حمزة بن علي بن عبيد اللَّه، قال: كتب إليّ علي بن إبراهيم بإجازة سائر حديثه وكتبه (رجال النجاشي: 260 - 680)".
قال الشيخ الطوسي في كتابه الفهرست: "له كتب منها: كتاب التفسير،...، أخبرنا بجميعها جماعة، عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري، عن علي بن إبراهيم ، وأخبرنا محمد بن محمد بن النعمان، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، ومحمد بن الحسن، وحمزة بن محمد العلوي، ومحمد بن علي ماجيلويه، عن عليّ بن إبراهيم، إلّاحديثاً واحداً، استثناه من كتاب الشّرائع في تحريم لحم البعير، وقال: لا أرويه...."(الفهرست للطوسي: 266- 80).
وإذا كانت النّكتة في عدم رواية هذا الحديث لم نطَّلع عليها، فلربما تكون مهمّة لم تصلنا ولم نطّلع عليها، وإن سكت عنها العلماء، إذ ربما نستفيد منها شيئاً.
وذكره الحرّ العاملي في الكتب التي اعتمد عليها في الوسائل (خاتمة الوسائل، الحديث: 46، الجزء 30، ص 157، والمجلسي البحار 8: 1 و 27)، ضمن مصادر البحار. وذكر الحرّ العاملي طرقه إليه (خاتمة الوسائل 179: 30).
في المقابل، شكّك أعلام الشيعة المعاصرون بنسبة هذا التفسير المذكور، واعتبروه من صنع أحد تلاميذه المجهولين، وهو أبو الفضل العباس بن محمد العلوي، الّذي أخذ شيئاً من التفسير باملاء شيخه علي بن إبراهيم، ومزجه بتفسير أبي الجارود.
ومن هؤلاء الأعلام المشهود لهم بالباع الطويل والدقّة العلمية، العلامة الشيخ محمد هادي معرفة، والذي يعتبر قوله حجة لجدارته العلمية، حيث يقول في كتابه "صيانة القرآن من التحريف": "تقدّم أنّ هذا التفسير منسوب إليه من غير أن يكون من صنعه، وإنما هو تلفيق من إملاءاته على تلميذه أبي الفضل عباس بن محمد العلوي، وقسط وافر من تفسير أبي الجارود ضمّه إليها أبو الفضل، وأكمله بروايات من عنده، وكما وضع له مقدّمة، وأورد فيها مختصراً من روايات منسوبة إلى أمير المؤمنين(ع) في صنوف آي القرآن"، وقد يستدلّ على ذلك بأدلة، أهمّها:
أ ـ إنَّ إسناد ما ورد فيه ساقط عن الحجية، وذلك لوجود المجاهيل فيه، كأبي الفضل عباس بن محمد العلوي، وغيره .
ب ـ وجود بعض العبارات في الكتاب تدلّل على نسبته إليه، كقوله: "رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم"، "رجع إلى رواية عليّ بن إبراهيم"، "رجع إلى حديث علي بن إبراهيم"، وغيرها.
وعليه، فإنّ النتيجة أنّ التفسير الموجود هو خليط من تفسير القمّي وغيره، ولا يمكن التمييز في ذلك". (كتاب صيانة القرآن من التّحريف/ العلامة الشيخ محمد هادي معرفة ، ص 187-188).
من ينظر إلى التّفسير المتداول باسم تفسير القمّي، فهو يتكوّن من قسمين: أحدهما ما رواه عليّ بن إبراهيم القمي، والذي يمثّل تفسيره في الواقع، والآخر روايات في التفسير عن أبي الجارود، أدخلها في ضمن تفسير القمي، راوي التفسير، أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر(ع)، أو الراوي عنه، حيث قال في أول التّفسير: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم: حدَّثني أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر(ع)، قال: حدَّثنا أبو الحسن عليّ بن إبراهيم..(تفسير القمي 39:1)، فقوله "حدَّثني" يدلّ على شخص آخر غير أبي الفضل العباس، ولكنّ الروايات المسندة إلى أبي الجارود، رويت عن شيوخ معاصرين لعلي بن إبراهيم أو بعده بقليل، كما ذكر ذلك الشيخ الطّهراني في الذريعة (الذريعة 4:304، في المتن والهامش)، ورجّح بسببه هو وغيره (أصول علم الرّجال :164) للشيخ الداوري، (كليات في علم الرجال: 313) للشيخ السبحاني، أنّ الجامع للتفسيرين هو أبو الفضل العباس بن القاسم.
وقال الشيخ السبحاني في كتاب "الرّجال والدراية" ص97: "ثمّ إنّه في ثنايا الكتاب، تارةً ينقل عن عليّ بن إبراهيم، وأُخرى عن أبي الجارود، على نحو يظهر أنّ الكتاب مؤلّف من إملاءين على ما عرفت، فلا يمكن الاعتماد على كلِّ ما ورد في أسانيد أحاديث ذلك التفسير، فإنَّ قسماً من الأحاديث يرجع إلى عليّ بن إبراهيم ومشايخه، وقسماً آخر يرجع إلى مشايخ جامع التّفسير، حتى ينتهي إلى الإمام الباقر(ع) .
وثالثاً: إنَّ أقصى ما يمكن أن يقال، إنّه يجب التّفريق بين ما روى جامع التفسير عن نفس علي بن إبراهيم إلى أن ينتهي إلى الإمام، وما رواه جامع التفسير عن غيره من المشايخ، فإنّ شهادة القمّي تكون حجّة فيما يرويه نفسه عن مشايخه، لا فيما يرويه تلميذه من مشايخه إلى أن ينتهي إلى الإمام. وقد روى جامع التفسير عن عدّة من الأعلام، وليس لعلي بن إبراهيم أيّ رواية عنهم، وقد ذكرنا أسماءهم في كتابنا (كليّات في علم الرّجال)".
وقد جاء في مقدّمة التفسير: ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم، وأوجب ولايتهم، ولا يقبل عمل إلّا بهم، وهم الذين وصفهم الله تبارك وتعالى، وفرض سؤالهم والأخذ منهم، فقال: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}" (تفسير القمي 16:1، المقدمة)، حيث اعتمدها بعض أكابر الأعلام في توثيق كلّ رجال تفسير القمي (الحر العاملي، في خاتمة الوسائل 30:202، الفائدة السّادسة، ووافقه على ذلك السيّد الخوئي، في معجم رجال الحديث 1:49). ولكن بعد أن حقق آخرون، أنه يتضمن تفسيرين لعلي بن إبراهيم وأبي الجارود، قسموا الرجال الواردين فيه إلى قسمين: الأول رجال علي بن إبراهيم، وهم المشمولون بالتوثيق، والثاني: رجال أبي الجارود، غير المشمولين بالتوثيق (أصول علم الرجال: 165، كليات في علم الرجال: 313).
فكيف يمكن إثبات أنَّ المقدّمة هي لعلي بن إبراهيم، بل بعد أن ثبت أن التفسير مجموع من تفسيرين بتوسّط شخص ثالث؛ يترجح أنها ليست لعليّ بن إبراهيم.
والقسم الثاني: هو بعض الروايات في علوم القرآن، مختصرة من روايات مبسوطة عن الإمام الصادق(ع)، عن أمير المؤمنين(ع)، أوردها النعماني بطولها في أول تفسيره، وأخرجها منه المرتضى، وجعل لها خطبة، وتسمى برسالة المحكم والمتشابه، وأدرجت بعينها في البحار (الذريعة 302: 4، والبحار 1 :93 ، باب 128)، وذكر في بدايتها سندها، وليس فيه علي بن إبراهيم، وذكر في آخرها، أنه وجد رسالة قديمة مفتتحها، هكذا: حدَّثنا جعفر بن محمد بن قولويه القمي (رحمه الله)، قال: حدَّثني سعد الأشعري القمي أبو القاسم (رحمه الله) وهو مصنفه: الحمد لله...، روى مشايخنا، عن أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (صلوات اللَّه عليه): أُنزل القرآن على سبعة أحرف...، وساق الحديث إلى آخره، لكنه غيّر الترتيب، وفرّقه على الأبواب، وزاد فيما بين ذلك بعض الأخبار"(البحار 93:97).
فبملاحظة تأخر السند عن المقدمة، وقوله فيه: حدثني أبو الفضل العباس، ووجود بعض روايات علي بن إبراهيم الواردة في المقدمة بصيغة قال: في ضمن الروايات المختصرة من روايات الإمام الصّادق (عليه السلام) التي أوردها النعماني، يصبح هناك شبه اطمئنان، أنّ المقدمة ليست لعليّ بن إبراهيم، أو على الأقلّ أنّ القسم الأوّل منها ليس لعلي بن إبراهيم.
قوله في القسم الثاني من المقدمة: (قال: عليّ بن إبراهيم) ، يدل على شخص آخر، وإلّا لو كان الراوي هو عليّ بن إبراهيم، لقال: حدَّثني أبي، كما هو سائد في سائر التّفسير.
والشخص الكاتب للمقدِّمة، إما أن يكون راوي التفسير أبو الفضل العباس، أو شخص ثالث، فأمّا أبو الفضل العباس، فلم يذكر في كتب الرجال، وأن ذكر في كتب الأنساب، كما نقل صاحب الذريعة (الذريعة 4:307)، وأما إذا كان الكاتب غيره، فهو غير معروف، وبالتالي، فلا يمكن الاعتماد على ما في المقدّمة، على كلا الاحتمالين، إلاَّ إذا استطعنا اعتبار شهادة كاتب المقدمة بتوثيق شيوخه أيضاً، ويكون توثيقاً لكلّ الشيوخ الواردين في أسانيد روايات التفسير، سواء كانوا شيوخ القمي أو أبو الجارود، ولكنّ هذا يحتاج إلى تحقيق في وثاقة أبي الفضل العباس، أو معرفة الراوي عنه ووثاقته.
ويقول الشيخ الإيرواني: "قال صاحب الوسائل في ج 20 ص 68: "وقد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره، وأنها مروية عن الثقات عن الأئمّة (عليهم السّلام).
والسؤال: هل نحصِّل الاطمئنان بذلك، إذ المتصدّي للعرض المؤلف نفسه، وبالتالي لا تثبت سيرة من قبل المؤلّفين على العرض؟
وقد اختار ذلك أيضاً السيد الخوئي في "معجم رجال الحديث"، ج 1 ص 49، وهناك احتمال آخر في العبارة المتقدّمة، وهو أن يكون القمي بصدد توثيق خصوص مشايخه المباشرين دون كلّ من ورد في سند الروايات.
وردَّ السيد الخوئي هذا الاحتمال بأنّ القمي بصدد إثبات صحة تفسيره، وهو يتوقف على توثيق كلّ من ورد فيه، لا خصوص من يروي عنه بالمباشرة.
وعلى ضوء ذلك، حكم (قدس سره) بأنّ كلّ من ورد في التفسير المذكور ثقة، ما لم يضعَّف من قبل النجاشي أو غيره، فيسقط التوثيق عن الاعتبار، لأنّ شرط قبول التوثيق عدم المعارضة بالجرح كما هو واضح". (الشيخ باقر الإيرواني/ دروس تمهيدية في القواعد الرجالية، ص 97).
مع ذلك، فقد جعل السيد الخوئي قيداً في توثيقه لرواة التفسير، بقوله في كتابه المعجم 1/50: إن ما ذكره متين، فيحكم بوثاقة من شهد عليّ بن إبراهيم أو جعفر بن محمد بن قولويه بوثاقته، اللّهمّ إلا أن يبتلي بمعارض.
ومن يقرأ معجم رجال الحديث، يجد عدداً كبيراً من رواة تفسير علي بن إبراهيم القمي قد حكم عليهم السيّد الخوئي بالضّعف منهم، وهذا بذاته مما يلاحظ فيه على منهجيّة ودقّة السيّد الخوئي العلمية والفقهية الرّصينة:
محمد بن أحمد السياري (ضعّفه في المعجم 3/71).
منخل بن جميل الكوفي (ضعّفه في المعجم 19/356).
موسى بن سعدان (ضعّفه في المعجم 20/51).
عمرو بن شمر (ضعّفه في المعجم 14/116).
ويتبنى رأي السيد الخوئي المرجع السيد محمد صادق الروحاني، الذي يقول:
"ما أفاده السيد الخوئي(ره)، هو ما أفاده جمع من الأعاظم، منهم صاحب الوسائل(ره)، هو حق لا ريب فيه، وأما كون مقدمة التفسير لعلي بن إبراهيم، فدليل إثباته نفس الدليل على كون التفسير له، والعمدة هو كفاية الوثوق بذلك في حجية الخبر، ويحصل بما لم يشكّ أحد في كونها له". (استفتاءات/ المرجع السيّد محمد صادق الروحاني).
ولم نفهم عبارة السيد الروحاني على وجه الدقّة، مع وجود من يشكّ في كون المقدمة له. فما هو الحلّ عندها؟
وبعد هذا العرض، فإنّ نسبة التفسير إلى عليّ بن إبراهيم تحوم حولها شكوك لا يحتمل معها الصحة ولا تورث الاطمئنان، ومع الشّكّ، لا يمكن الاستناد إليه، فلربما حصل تلاعب برواياته من بعده، فهو ليس خالصاً له، وتبقى المسألة مفتوحة على البحث والتّداول والنّقاش.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.