دراسات
13/02/2014

الحجاب بين التّاريخ والأبعاد الإسلاميّة

الحجاب بين التّاريخ والأبعاد الإسلاميّة

قد يسأل البعض عن الحجاب، وهل إنّ له تاريخاً ضارباً في القدم، أم أنّه رداء فرضه الشَّرع الإسلاميّ؟!

الحجاب في الحضارات القديمة

المعلومات التَّاريخيَّة تشير إلى أنَّ الحجاب كان موجوداً قبل الأديان، ومنه في شريعة حمورابي، وهو أوَّل ملوك الدّولة البابليَّة، ولكنّه كان من المحرّمات على المرأة الأمَة أو الجارية، وكان مقتصراً فقط على الشّريفات من النّساء، بينما تقرأ في النّصوص الدّينيّة قبل الإسلام (التّوراة والإنجيل)، الإشارات على ارتداء الحجاب.

وعادة احتجاب النّساء قديمة جدّاً، فقد جاء في دائرة المعارف "لاروس" ما خلاصته: "كان من عادة نساء اليونانيّين القدماء، أن يحجبن وجوههنّ بطرف مآزرهنّ أو بحجاب خاصّ".

وفي "أسبارطة"، كانت الفتيات يظهرن أمام النّاس سافرات، ولكنّهنّ متى تزوّجن احتجبن عن الأعين، وقد دلّت النّقوش على أنّ النّساء كنّ يغطّين رؤوسهنّ ويكشفن وجوههنّ فقط، ولكنّهنّ متى خرجن إلى الأسواق، وجب عليهنّ الاحتجاب، سواء كنّ عذارى أو متزوّجات.

وجاء في "دائرة المعارف"، أنّ نساء الرّومان كنّ مُغاليات في الحجاب، إلى درجة أنّ القابلة (الداية) كانت لا تخرج من منزلها إلا مخفورةً ملثّمة، وعليها رداء طويل يلامس الكعبين، وفوق ذلك عباءة لا تسمح برؤية شكل قوامة.

والحجاب في اللّغة من السّتر، كما جاء في لسان العرب: "حجب الشّيء يحجبه حجباً وحجاباً، وحجّبه: ستره، وقد احتجب وتحجّب، وامرأة محجوبة: قد سترت بستر".

وكانت الحرائر من نساء العرب في عصر الجاهليّة تلتزم بالحجاب وتمتنع عن السّفور، إذ كان المجتمع في حينه ينظر إلى الحجاب كعلاقة على علوّ قدر المرأة ومكانتها ورفعتها، ومع ذلك، كان الالتزام به ناقصاً، حيث كان بعضهنّ يتعمدن إظهار بعض الزّينة من الخلخال والأساور، فضلاً عن إظهار الرّقبة والأذنين والصّدر.. وقد ورد ذكر الحجاب في الشّعر الجاهليّ، فهذا عنترة بن شدّاد العبسي يقول:

    وكشفت برقعها فأشرق وجهها   حتّى كأنّ اللّيل صبحاً مسفرا   

وقال النّابغة الذّبياني:

    سقَطَ النّصيفُ ولم تُرد إسقاطه          فتناولته واتّقتنا باليدِ     

الحجاب الإسلاميّ

وبحسب دار الإفتاء المصريّة ـ وفي عرضنا لرأي علماء الإسلام وفقهائهم ـ فإنّ من المقرّر شرعاً بإجماع الأوّلين والآخرين من علماء الأمّة الإسلاميّة ومجتهديها، وأئمّتها وفقهائها ومحدّثيها، أنّ حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلّ من بلغت سنّ التّكليف، وهي السنّ الّتي ترى فيها الأنثى الحيض، وتبلغ فيها مبلغ النساء، فعليها أن تستر جسمها، ما عدا الوجه والكفّين والقدمين، وما تدعو الحاجة إلى إظهاره، كموضع السوار، وما قد يظهر من الذّراعين عند التّعامل، وأمّا وجوب ستر ما عدا ذلك، فلم يخالف فيه أحد من المسلمين عبر القرون، إذ هو حكم منصوص عليه في صريح القرآن والسنّة الشّريفة، وقد انعقد عليه إجماع الأمّة، وبذلك تواتر عمل المسلمين كافّةً على مرّ العصور.

وتعرّض دار الإفتاء في سياق الحديث عن أدلّة الحجاب، لدليليَّة الكتاب العزيز في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}(الأحزاب:59). والمناسبة الّتي نزلت فيها هذه الآية، هي أنّ النساء كُنّ يظهرن شعورهنّ وأعناقهنّ وشيئاً من صدورهنّ، فنهاهنّ الله تعالى عن ذلك، وأمرهنّ بإدناء الجلابيب على تلك المواضع الّتي يكشفنها، تحقيقاً للحشمة والسّترة.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره (508/3، دار إحياء التّراث): "يعني: أجدر أن يعرفن في زيهنّ أنهنّ لسن بمريبات، وأنهنّ عفائف، فلا يطمع فيهنّ أحد".

وجاء: أخرج أبو داود في "سننه" ـ واللّفظ له ـ والطّبراني في مسند "الشاميّين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، و"الآداب" و"شُعَب الإيمان"، عن عائشة، أنَّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله(ص) وعليها ثياب رِقاق، فأعرض عنها رسول الله(ص)، وقال: "يا أسماء، إنّ المرأة إذا بلغَتِ المحيضَ، لم يصلُح أن يُرَى منها إلا هذا وهذا". وأشار إلى وجهه وكفّيه.

وأخرج أبو داود والتّرمذي وابن ماجة في "السّنن"، عن نبهان مولى أمّ سلمة، أنّه حدّثه أنّ أمّ سلمة (رضي الله عنها)، حدّثته أنها كانت عند رسول الله(ص) وميمونة، قالت: فبيْنا نحن عنده، أقبل ابن أمّ مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله(ص): "احتجبا منه"، فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يُبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله(ص): "أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه"؟ قال التّرمذي: هذا حديث حسنٌ صحيح.

وتختم "دار الإفتاء المصريّة"، بأنّ موقف الشريعة الإسلاميّة بمصادر تشريعها كافّةً من"الحجاب" ـ منذ فرضه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله(ص)، وأجمع عليه المسلمون سلفاً وخلفاً منذ عصر النبوّة وحتّى عصرنا الحاضر ـ هو موقف واضح قاطع حاسم، لم يجرِ فيه الخلاف قطّ بين علماء المسلمين، ولم يقل بنفيه أحد من المسلمين على مرّ العصور وتتابُع الأجيال، ولا هو في أصله قابل لأن يجري فيه الخلاف، ولا هو مما يتغيّر بتغيّر الأعراف والعوائد والبلدان، فلم يكن أبداً من قبيل العادات، بل هو من صميم الدّين وتكاليف الشّريعة الّتي حمّلها الله الإنسان دون سائر الكائنات، وهو سائله عنها يوم القيامة.

فلسفة الحجاب

والحجاب في تشريعه وأبعاده وفلسفته، هو واحدٌ من أهمِّ مفردات الهويَّة في شخصيَّة المرأة المسلمة. وفي هذا السِّياق، يشير سماحة المرجع الإسلاميّ، السيِّد محمد حسين فضل الله(رض)، إلى أنَّ الإسلام وغيره من الأديان والخطوط الفكريَّة، يضع قيوداً معيَّنة على الحريَّة الفرديَّة في هذا المجال، لأنَّ الحريَّة المطلقة فيه تخلق الفوضى، وهذا ما ينعكس سلباً على المجتمع في ما يتَّصل بالأنساب والعائلة.

من هنا، فإنَّ الإسلام يؤكِّد جانب الالتزام في حركة الحريَّة الفرديَّة، ويهيِّئ الجوّ النّفسيّ لضمان انضباط الإنسان أمام غرائزه في الوقت نفسه، عبر جملة من التَّشريعات الّتي تحقِّق ذلك.. وهنا يدخل تشريع الحجاب كواجب مع غيره من التشريعات الّتي تمنع الإنسان من أن يعيش حالة طوارئ نفسيّة أمام نداء الغريزة، وأن يأخذ موقعه في هيكليّة الضّوابط التّشريعيّة المتكاملة الّتي تجعل من الانضباط الأخلاقيّ أمراً ممكناً وواقعيّاً".

فالأجواء والظّروف والتحدّيات في الخارج، تضغط على المرأة وتؤثّر فيها، وبعض هذه الأجواء مليئة بالانحرافات الّتي تخرجها عن إنسانيّتها، فيأتي دور الحجاب في عمليّة الضّبط الأخلاقيّ بوجه عام.

وحول هذه النقطة، يقول المرجع السيّد فضل الله(رض): "يهيّئ الحجاب الجوَّ النفسيَّ لمقاومة تأثير الأجواء الدّاعية إلى الانحراف في الخارج، وإيجاد مناعة داخليّة في الرّجل والمرأة ضدّ تلك الأجواء، فهو ـ أي الحجاب ـ يوحي للمرأة بأنّ عليها تقديم نفسها كإنسان، ويساعدها على تحقيق ذلك، بعزله مفاتنها الأنثويّة عن الأنظار، ويوحي للرّجل في المقابل، بأنّ عليه أن لا ينظر إلى المرأة إلا كإنسان، لحجبه جسدها عن نظره.. وهكذا فإنّ الحجاب يشكِّل وسيلةً لسدّ المنافذ الّتي تهيّئ جوّ الانحراف بنسبة عالية".

ويذكِّر سماحته(رض) بما للحجاب من أبعاد، وبما ينبغي أن يتمثّل به من صورة تعبِّر عن حقيقته، فيقول: "الحجاب الحقيقيّ يتمثّل أوّلاً في ستر المرأة جميع أجزاء جسدها ما عدا الوجه والكفّين، وعدم الخروج متبرِّجة.. أي أنّ للحجاب جانباً مادّياً يتجلّى في تغطية الجسد، وآخر معنويّاً يتمثّل في انطلاق المرأة كإنسانة في المجتمع، بحيث لا تحاول الظّهور متبرّجةً تجذب الأنظار إليها، وهكذا يمكن أن يتجلّى الحجاب بالكلام: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}(الأحزاب: 32)، وفي كلّ مظاهر السّلوك الأخرى".

ويتابع سماحته(رض) موضحاً المسألة: "الإسلام ينظر إلى الحجاب ككلّ لا يتجزّأ، بحيث يراعي بعديْه المادّيّ والمعنويّ معاً، نظراً إلى التفاعل الوثيق فيما بينهما، فهو من جهة يحضّ وبشدّة على الالتزام بالحجاب المعنويّ العاصم للمرأة من الضّلال والانحراف والسّقوط الأخلاقيّ والعمليّ معاً، لأنّ من شأن هذا الحجاب وطبيعته، إيجاد المناعة النفسيّة إزاء كلّ ما يهدِّد المرأة من انحرافات أو سقطات أخلاقيّة وغير أخلاقيّة، وهذه المناعة هي الّتي تكمن وراء التّشريع الإسلاميّ للحجاب المادّيّ، وهو من جهة أخرى، يشدِّد على الالتزام بالحجاب المادّيّ، باعتباره نوعاً من أنواع الوقاية الّتي تحمي الرّجل والمرأة من التّأثّر بالأوضاع الّتي يمكن أن تنعكس سلباً على روحيّة الإنسان وأخلاقيّته.

من هنا، فإنّ ترك الحجاب المادّيّ يهدّد الحجاب المعنويّ، باعتبار أنّه يهيّئ الأجواء لاهتزاز الحجاب المعنويّ ولضعفه، وبالتّالي، لانحرافه وسقوطه، والعكس صحيح.. وبهذا الاعتبار، فإنّ الحجاب لا يعود مسألة فرديّة فحسب، وإنما مسألة اجتماعيّة أيضاً، لأنّ من شأن كلّ ما يصون الفرد من السّقوط والانحراف، أن يصون المجتمع، ومن شأن كلّ ما يؤدّي بالفرد إلى السّقوط والانحراف، أن يتهدّد المجتمع، إذ في النّهاية، ليس المجتمع إلا مجموع أفراده، ونظام القيم والمبادئ والتّشريعات الّتي تحكم العلاقات فيما بينهم"...[المصدر: كتاب دنيا المرأة، ص:131 وما بعدها].

وما أشار إليه المرجع السيّد فضل الله(رض)، نجده عند الشّهيد الشّيخ مطهّري(رض)، الّذي يقول: "عندما تخرج المرأة من البيت، وهي محجّبة ومتسربلة بالوقار، تكون قد راعت جانب العفاف، فإنّ الأفراد الفاسدين والمتهتّكين لا يجرؤون على التعرّض لها".. هنا نلاحظ تركيز الشَّهيد مطهّري على الحجاب كصورة فعليّة تعمل على ترسيخ مفهوم العفّة في حياة المرأة والمجتمع، كمفهوم نفسيّ وأخلاقيّ وروحيّ، يعني كبح جماح الشّهوة وتوجيهها الوجهة الصّحيحة والطّبيعيّة، ووضعها تحت سلطان العقل والإيمان.

وفي تفسيره الآية القرآنيَّة: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النّور: 31).

يقول الشَّهيد مطهّري بأنّه "يمكن استنباط قانون عامّ من هذه الآية"، فكلّما كانت المرأة ملتزمةً أكثر برعاية جانب السّتر والعفاف، كان ذلك أكثر تمثُّلاً للنّظام التّشريعيّ الإسلاميّ في حفظ المرأة، وهذا أصلٌ أخلاقيّ عامّ.

ويتابع الشَّهيد مطهَّري: "العفاف والحياء هما من الخصائص الباطنيَّة للإنسان، والحجاب يرجع بدوره إلى الشَّكل الّذي يتموضع به السّتر ونوعه وطبيعته"... [من كتاب: مسألة الحجاب، للشّهيد مطهّري].

ويتقاطع كلام الشّهيد مطهّري مع كلام سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض)، الّذي يشير إلى "أنّ من أهداف الإسلام النّفاذ إلى داخل الإنسان، لتزكية روحه، وتربية شخصيّته، عبر تثبيت خطّ الاستقامة في حياته.. لذا جعل علاقة الرّجل بالمرأة وعلاقتها به، محكومةً لقواعد دقيقة، تضبط الأوضاع المثيرة للشّهوة، وحركة الغريزة في الجسد، كي تكون العلاقة بينهما طبيعيّة نظيفة، تدخل ضمن النّطاق الأخلاقيّ الواسع لنظافة الرّوح والجسد، على أساس مبدأ العفّة في شخصيّتهما الّذي يتشكّل تحت تأثير الممارسة الّتي تحرّك الفكرة في الذّات، وتحقّق المناعة في الحركة".

ويتابع سماحته(رض): "إنّ القيود الشرعيّة في دائرة العلاقات الإنسانيّة، تستهدف ـ دائماً ـ حماية الأجواء العامّة من كلّ النتائج السلبيّة الّتي يمكن لها أن تحرِّك هذه العلاقات في دائرة الاهتزاز، لا من موقع الثّبات، الأمر الّذي يزيدها مناعةً وقدرةً على مواجهة كلّ الضّغوط القاسية الّتي تختزن الرّياح المجنونة في أكثر من أفق.. ولهذا فإنّها تنطلق في اتجاه تعميق التّجربة في داخل الذّات، لا في اتجاه الهروب منها.

وهكذا نصل في ختام هذا العرض ـ والكلام لسماحته(رض) ـ إلى نتيجة حاسمة، وهي أنَّ الأحكام المتعلّقة بالنَّظر وبإبداء زينة المرأة، ترتبط ارتباطاً تامّاً بالفكرة العامّة الّتي يريد الإسلام أن يثيرها في حياة الإنسان، من أجل علاقة نظيفة، وسلوك متوازن في مجتمع الرّجل والمرأة، فلا يجوز النّظر إلى هذه التَّشريعات بشكل مجرَّد، لفصلها عمّا ترتبط به عضويّاً من أشياء، تماماً كما في أيّ دراسة علميّة لأيّ حكم إسلاميّ شرعيّ، فإنّه لا بد من التعرّف إلى الدّائرة الّتي يرتبط بها ويتحرّك فيها، من أجل الخطّ العام الّذي ينطلق فيه ويسير معه"... [المصدر: تفسير من وحي القرآن، ج16، ص:288 وما بعدها].

حاولنا في كلّ ما تقدّم، تسليط الضّوء قدر الإمكان على تاريخ الحجاب وفلسفته، ومعانيه وأبعاده الشّرعيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة، والبحث فيه واسع ومطوّل، ويستوعب الكثير من البحث والنَّظر.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .

قد يسأل البعض عن الحجاب، وهل إنّ له تاريخاً ضارباً في القدم، أم أنّه رداء فرضه الشَّرع الإسلاميّ؟!

الحجاب في الحضارات القديمة

المعلومات التَّاريخيَّة تشير إلى أنَّ الحجاب كان موجوداً قبل الأديان، ومنه في شريعة حمورابي، وهو أوَّل ملوك الدّولة البابليَّة، ولكنّه كان من المحرّمات على المرأة الأمَة أو الجارية، وكان مقتصراً فقط على الشّريفات من النّساء، بينما تقرأ في النّصوص الدّينيّة قبل الإسلام (التّوراة والإنجيل)، الإشارات على ارتداء الحجاب.

وعادة احتجاب النّساء قديمة جدّاً، فقد جاء في دائرة المعارف "لاروس" ما خلاصته: "كان من عادة نساء اليونانيّين القدماء، أن يحجبن وجوههنّ بطرف مآزرهنّ أو بحجاب خاصّ".

وفي "أسبارطة"، كانت الفتيات يظهرن أمام النّاس سافرات، ولكنّهنّ متى تزوّجن احتجبن عن الأعين، وقد دلّت النّقوش على أنّ النّساء كنّ يغطّين رؤوسهنّ ويكشفن وجوههنّ فقط، ولكنّهنّ متى خرجن إلى الأسواق، وجب عليهنّ الاحتجاب، سواء كنّ عذارى أو متزوّجات.

وجاء في "دائرة المعارف"، أنّ نساء الرّومان كنّ مُغاليات في الحجاب، إلى درجة أنّ القابلة (الداية) كانت لا تخرج من منزلها إلا مخفورةً ملثّمة، وعليها رداء طويل يلامس الكعبين، وفوق ذلك عباءة لا تسمح برؤية شكل قوامة.

والحجاب في اللّغة من السّتر، كما جاء في لسان العرب: "حجب الشّيء يحجبه حجباً وحجاباً، وحجّبه: ستره، وقد احتجب وتحجّب، وامرأة محجوبة: قد سترت بستر".

وكانت الحرائر من نساء العرب في عصر الجاهليّة تلتزم بالحجاب وتمتنع عن السّفور، إذ كان المجتمع في حينه ينظر إلى الحجاب كعلاقة على علوّ قدر المرأة ومكانتها ورفعتها، ومع ذلك، كان الالتزام به ناقصاً، حيث كان بعضهنّ يتعمدن إظهار بعض الزّينة من الخلخال والأساور، فضلاً عن إظهار الرّقبة والأذنين والصّدر.. وقد ورد ذكر الحجاب في الشّعر الجاهليّ، فهذا عنترة بن شدّاد العبسي يقول:

    وكشفت برقعها فأشرق وجهها   حتّى كأنّ اللّيل صبحاً مسفرا   

وقال النّابغة الذّبياني:

    سقَطَ النّصيفُ ولم تُرد إسقاطه          فتناولته واتّقتنا باليدِ     

الحجاب الإسلاميّ

وبحسب دار الإفتاء المصريّة ـ وفي عرضنا لرأي علماء الإسلام وفقهائهم ـ فإنّ من المقرّر شرعاً بإجماع الأوّلين والآخرين من علماء الأمّة الإسلاميّة ومجتهديها، وأئمّتها وفقهائها ومحدّثيها، أنّ حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلّ من بلغت سنّ التّكليف، وهي السنّ الّتي ترى فيها الأنثى الحيض، وتبلغ فيها مبلغ النساء، فعليها أن تستر جسمها، ما عدا الوجه والكفّين والقدمين، وما تدعو الحاجة إلى إظهاره، كموضع السوار، وما قد يظهر من الذّراعين عند التّعامل، وأمّا وجوب ستر ما عدا ذلك، فلم يخالف فيه أحد من المسلمين عبر القرون، إذ هو حكم منصوص عليه في صريح القرآن والسنّة الشّريفة، وقد انعقد عليه إجماع الأمّة، وبذلك تواتر عمل المسلمين كافّةً على مرّ العصور.

وتعرّض دار الإفتاء في سياق الحديث عن أدلّة الحجاب، لدليليَّة الكتاب العزيز في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}(الأحزاب:59). والمناسبة الّتي نزلت فيها هذه الآية، هي أنّ النساء كُنّ يظهرن شعورهنّ وأعناقهنّ وشيئاً من صدورهنّ، فنهاهنّ الله تعالى عن ذلك، وأمرهنّ بإدناء الجلابيب على تلك المواضع الّتي يكشفنها، تحقيقاً للحشمة والسّترة.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره (508/3، دار إحياء التّراث): "يعني: أجدر أن يعرفن في زيهنّ أنهنّ لسن بمريبات، وأنهنّ عفائف، فلا يطمع فيهنّ أحد".

وجاء: أخرج أبو داود في "سننه" ـ واللّفظ له ـ والطّبراني في مسند "الشاميّين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، و"الآداب" و"شُعَب الإيمان"، عن عائشة، أنَّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله(ص) وعليها ثياب رِقاق، فأعرض عنها رسول الله(ص)، وقال: "يا أسماء، إنّ المرأة إذا بلغَتِ المحيضَ، لم يصلُح أن يُرَى منها إلا هذا وهذا". وأشار إلى وجهه وكفّيه.

وأخرج أبو داود والتّرمذي وابن ماجة في "السّنن"، عن نبهان مولى أمّ سلمة، أنّه حدّثه أنّ أمّ سلمة (رضي الله عنها)، حدّثته أنها كانت عند رسول الله(ص) وميمونة، قالت: فبيْنا نحن عنده، أقبل ابن أمّ مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله(ص): "احتجبا منه"، فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يُبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله(ص): "أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه"؟ قال التّرمذي: هذا حديث حسنٌ صحيح.

وتختم "دار الإفتاء المصريّة"، بأنّ موقف الشريعة الإسلاميّة بمصادر تشريعها كافّةً من"الحجاب" ـ منذ فرضه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله(ص)، وأجمع عليه المسلمون سلفاً وخلفاً منذ عصر النبوّة وحتّى عصرنا الحاضر ـ هو موقف واضح قاطع حاسم، لم يجرِ فيه الخلاف قطّ بين علماء المسلمين، ولم يقل بنفيه أحد من المسلمين على مرّ العصور وتتابُع الأجيال، ولا هو في أصله قابل لأن يجري فيه الخلاف، ولا هو مما يتغيّر بتغيّر الأعراف والعوائد والبلدان، فلم يكن أبداً من قبيل العادات، بل هو من صميم الدّين وتكاليف الشّريعة الّتي حمّلها الله الإنسان دون سائر الكائنات، وهو سائله عنها يوم القيامة.

فلسفة الحجاب

والحجاب في تشريعه وأبعاده وفلسفته، هو واحدٌ من أهمِّ مفردات الهويَّة في شخصيَّة المرأة المسلمة. وفي هذا السِّياق، يشير سماحة المرجع الإسلاميّ، السيِّد محمد حسين فضل الله(رض)، إلى أنَّ الإسلام وغيره من الأديان والخطوط الفكريَّة، يضع قيوداً معيَّنة على الحريَّة الفرديَّة في هذا المجال، لأنَّ الحريَّة المطلقة فيه تخلق الفوضى، وهذا ما ينعكس سلباً على المجتمع في ما يتَّصل بالأنساب والعائلة.

من هنا، فإنَّ الإسلام يؤكِّد جانب الالتزام في حركة الحريَّة الفرديَّة، ويهيِّئ الجوّ النّفسيّ لضمان انضباط الإنسان أمام غرائزه في الوقت نفسه، عبر جملة من التَّشريعات الّتي تحقِّق ذلك.. وهنا يدخل تشريع الحجاب كواجب مع غيره من التشريعات الّتي تمنع الإنسان من أن يعيش حالة طوارئ نفسيّة أمام نداء الغريزة، وأن يأخذ موقعه في هيكليّة الضّوابط التّشريعيّة المتكاملة الّتي تجعل من الانضباط الأخلاقيّ أمراً ممكناً وواقعيّاً".

فالأجواء والظّروف والتحدّيات في الخارج، تضغط على المرأة وتؤثّر فيها، وبعض هذه الأجواء مليئة بالانحرافات الّتي تخرجها عن إنسانيّتها، فيأتي دور الحجاب في عمليّة الضّبط الأخلاقيّ بوجه عام.

وحول هذه النقطة، يقول المرجع السيّد فضل الله(رض): "يهيّئ الحجاب الجوَّ النفسيَّ لمقاومة تأثير الأجواء الدّاعية إلى الانحراف في الخارج، وإيجاد مناعة داخليّة في الرّجل والمرأة ضدّ تلك الأجواء، فهو ـ أي الحجاب ـ يوحي للمرأة بأنّ عليها تقديم نفسها كإنسان، ويساعدها على تحقيق ذلك، بعزله مفاتنها الأنثويّة عن الأنظار، ويوحي للرّجل في المقابل، بأنّ عليه أن لا ينظر إلى المرأة إلا كإنسان، لحجبه جسدها عن نظره.. وهكذا فإنّ الحجاب يشكِّل وسيلةً لسدّ المنافذ الّتي تهيّئ جوّ الانحراف بنسبة عالية".

ويذكِّر سماحته(رض) بما للحجاب من أبعاد، وبما ينبغي أن يتمثّل به من صورة تعبِّر عن حقيقته، فيقول: "الحجاب الحقيقيّ يتمثّل أوّلاً في ستر المرأة جميع أجزاء جسدها ما عدا الوجه والكفّين، وعدم الخروج متبرِّجة.. أي أنّ للحجاب جانباً مادّياً يتجلّى في تغطية الجسد، وآخر معنويّاً يتمثّل في انطلاق المرأة كإنسانة في المجتمع، بحيث لا تحاول الظّهور متبرّجةً تجذب الأنظار إليها، وهكذا يمكن أن يتجلّى الحجاب بالكلام: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}(الأحزاب: 32)، وفي كلّ مظاهر السّلوك الأخرى".

ويتابع سماحته(رض) موضحاً المسألة: "الإسلام ينظر إلى الحجاب ككلّ لا يتجزّأ، بحيث يراعي بعديْه المادّيّ والمعنويّ معاً، نظراً إلى التفاعل الوثيق فيما بينهما، فهو من جهة يحضّ وبشدّة على الالتزام بالحجاب المعنويّ العاصم للمرأة من الضّلال والانحراف والسّقوط الأخلاقيّ والعمليّ معاً، لأنّ من شأن هذا الحجاب وطبيعته، إيجاد المناعة النفسيّة إزاء كلّ ما يهدِّد المرأة من انحرافات أو سقطات أخلاقيّة وغير أخلاقيّة، وهذه المناعة هي الّتي تكمن وراء التّشريع الإسلاميّ للحجاب المادّيّ، وهو من جهة أخرى، يشدِّد على الالتزام بالحجاب المادّيّ، باعتباره نوعاً من أنواع الوقاية الّتي تحمي الرّجل والمرأة من التّأثّر بالأوضاع الّتي يمكن أن تنعكس سلباً على روحيّة الإنسان وأخلاقيّته.

من هنا، فإنّ ترك الحجاب المادّيّ يهدّد الحجاب المعنويّ، باعتبار أنّه يهيّئ الأجواء لاهتزاز الحجاب المعنويّ ولضعفه، وبالتّالي، لانحرافه وسقوطه، والعكس صحيح.. وبهذا الاعتبار، فإنّ الحجاب لا يعود مسألة فرديّة فحسب، وإنما مسألة اجتماعيّة أيضاً، لأنّ من شأن كلّ ما يصون الفرد من السّقوط والانحراف، أن يصون المجتمع، ومن شأن كلّ ما يؤدّي بالفرد إلى السّقوط والانحراف، أن يتهدّد المجتمع، إذ في النّهاية، ليس المجتمع إلا مجموع أفراده، ونظام القيم والمبادئ والتّشريعات الّتي تحكم العلاقات فيما بينهم"...[المصدر: كتاب دنيا المرأة، ص:131 وما بعدها].

وما أشار إليه المرجع السيّد فضل الله(رض)، نجده عند الشّهيد الشّيخ مطهّري(رض)، الّذي يقول: "عندما تخرج المرأة من البيت، وهي محجّبة ومتسربلة بالوقار، تكون قد راعت جانب العفاف، فإنّ الأفراد الفاسدين والمتهتّكين لا يجرؤون على التعرّض لها".. هنا نلاحظ تركيز الشَّهيد مطهّري على الحجاب كصورة فعليّة تعمل على ترسيخ مفهوم العفّة في حياة المرأة والمجتمع، كمفهوم نفسيّ وأخلاقيّ وروحيّ، يعني كبح جماح الشّهوة وتوجيهها الوجهة الصّحيحة والطّبيعيّة، ووضعها تحت سلطان العقل والإيمان.

وفي تفسيره الآية القرآنيَّة: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النّور: 31).

يقول الشَّهيد مطهّري بأنّه "يمكن استنباط قانون عامّ من هذه الآية"، فكلّما كانت المرأة ملتزمةً أكثر برعاية جانب السّتر والعفاف، كان ذلك أكثر تمثُّلاً للنّظام التّشريعيّ الإسلاميّ في حفظ المرأة، وهذا أصلٌ أخلاقيّ عامّ.

ويتابع الشَّهيد مطهَّري: "العفاف والحياء هما من الخصائص الباطنيَّة للإنسان، والحجاب يرجع بدوره إلى الشَّكل الّذي يتموضع به السّتر ونوعه وطبيعته"... [من كتاب: مسألة الحجاب، للشّهيد مطهّري].

ويتقاطع كلام الشّهيد مطهّري مع كلام سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض)، الّذي يشير إلى "أنّ من أهداف الإسلام النّفاذ إلى داخل الإنسان، لتزكية روحه، وتربية شخصيّته، عبر تثبيت خطّ الاستقامة في حياته.. لذا جعل علاقة الرّجل بالمرأة وعلاقتها به، محكومةً لقواعد دقيقة، تضبط الأوضاع المثيرة للشّهوة، وحركة الغريزة في الجسد، كي تكون العلاقة بينهما طبيعيّة نظيفة، تدخل ضمن النّطاق الأخلاقيّ الواسع لنظافة الرّوح والجسد، على أساس مبدأ العفّة في شخصيّتهما الّذي يتشكّل تحت تأثير الممارسة الّتي تحرّك الفكرة في الذّات، وتحقّق المناعة في الحركة".

ويتابع سماحته(رض): "إنّ القيود الشرعيّة في دائرة العلاقات الإنسانيّة، تستهدف ـ دائماً ـ حماية الأجواء العامّة من كلّ النتائج السلبيّة الّتي يمكن لها أن تحرِّك هذه العلاقات في دائرة الاهتزاز، لا من موقع الثّبات، الأمر الّذي يزيدها مناعةً وقدرةً على مواجهة كلّ الضّغوط القاسية الّتي تختزن الرّياح المجنونة في أكثر من أفق.. ولهذا فإنّها تنطلق في اتجاه تعميق التّجربة في داخل الذّات، لا في اتجاه الهروب منها.

وهكذا نصل في ختام هذا العرض ـ والكلام لسماحته(رض) ـ إلى نتيجة حاسمة، وهي أنَّ الأحكام المتعلّقة بالنَّظر وبإبداء زينة المرأة، ترتبط ارتباطاً تامّاً بالفكرة العامّة الّتي يريد الإسلام أن يثيرها في حياة الإنسان، من أجل علاقة نظيفة، وسلوك متوازن في مجتمع الرّجل والمرأة، فلا يجوز النّظر إلى هذه التَّشريعات بشكل مجرَّد، لفصلها عمّا ترتبط به عضويّاً من أشياء، تماماً كما في أيّ دراسة علميّة لأيّ حكم إسلاميّ شرعيّ، فإنّه لا بد من التعرّف إلى الدّائرة الّتي يرتبط بها ويتحرّك فيها، من أجل الخطّ العام الّذي ينطلق فيه ويسير معه"... [المصدر: تفسير من وحي القرآن، ج16، ص:288 وما بعدها].

حاولنا في كلّ ما تقدّم، تسليط الضّوء قدر الإمكان على تاريخ الحجاب وفلسفته، ومعانيه وأبعاده الشّرعيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة، والبحث فيه واسع ومطوّل، ويستوعب الكثير من البحث والنَّظر.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية