{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207]، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55]، "يا عليّ، أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى، إلَّا أنَّه لا نبيّ بعدي"1، "أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتِ الباب"2، "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، يدور حيثما دار"3، "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللَّهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقَّ معه حيث دار"4.
ذلك هو عليّ (ع) في كتاب الله وفي سنَّة رسوله، نلتقي بذكراه في الثَّالث عشر من شهر رجب، في ذكرى ولادته المميَّزة، حيث إنَّ أمّه فاطمة بنت أسد، عندما أخذها الطّلق وهي إلى جانب الكعبة، دخلت الكعبة وولدته في بيت الله، وكان هو الوحيد المولود في الكعبة، وكأنَّ ولادته في الكعبة الَّتي هي أقدس بيت لله في العالم، إيحاء بأنَّ عليّاً (ع) فتح عينيه في بيت الله، ليعيش منذ أوَّل صرخة يصرخها في الجهاد بتوحيد الله وتكبيره، وليصرخ في العالم كلّه بمعرفة الله والعلم الَّذي يقود الناس إلى الله، وليتحرّك في مواقف الحقّ ليقول كلمة الحقّ بكلّ قوَّة.
هذا عليّ الَّذي نستطيع أن نقول من خلال تاريخه الأوَّل إنَّه ابن رسول الله، ليس في النسب، وإنما في التربية، فقد أخذه النبيّ (ص) من أبيه وعمره سنتان، وكان يضمّه في حضنه، وينام معه في فراشه، وكان يقوم تجاهه بمهمَّة الأمّ، فقد قال عليّ (ع) عن طريقة تغذية رسول الله له: "وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشَّيء ثم يلقمنيه"5، "وكنت أتبعه اتّباع الفصيل إثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به"6 .
وكان عليّ (ع) قبل الرّسالة يعيش مع رسول الله (ص) في معنى محبَّته لله وعبادته له، عندما كان يتعبّد في غار حراء، ولم يكن معه إلَّا عليّ، وكان يعيش معه ويستفيد عقله من عقله، وروحه من روحه، وخلقه من خلقه، وعلمه من علمه.
أمَّا بعد الرسالة، عندما اشتدّ عوده، فكان يدافع عن رسول الله (ص) في مكَّة، عندما كان سفهاء قريش يغرون به صبيانهم، وكان عليّ الصَّبيّ يلاحق صبيان قريش دفاعاً عن رسول الله، وعاش مع النبيّ (ص) طيلة حياته بعد الرّسالة، فكان في مكَّة التلميذ والرفيق، كان رسول الله (ص) يخرج إلى البيت الحرام ليصلّي ومعه أمّ المؤمنين خديجة، وكان عليّ ثالثهما، وهو الَّذي قال: "لم يسبقني إلَّا رسول الله بالصَّلاة"7، كان أوَّل من صلّى بعد النبيّ (ص)، لأنَّه كان يعيش معنى الصَّلاة مما تعلّمه من النبيّ من أنّ الصَّلاة معراج روح المؤمن إلى الله، فكانا يعرجان معاً بروحيهما إلى الله تعالى في صلاتهما الَّتي هي أحلى أنواع الصَّلاة.
ومن خلال هذه الصَّلاة، كان عليّ تلميذ رسول الله (ص)، وهو الذي قال إنّه ما من آية نزلت إلَّا وهو أوَّل من يسمعها من رسول الله، وأوَّل من يفهمها منه. ولذلك، تعلّم عليّ القرآن من أوَّل آية نزلت إلى آخر آية من رسول الله، لأنه كان وفاطمة مع رسول الله، ولذلك ورد أنَّه "لو لم يخلق الله عليّ بن أبي طالب، ما كان لفاطمة كفؤ"8. كان عليّ وفاطمة يشربان من ينبوع رسول الله، فكما كان عقل عليّ من عقل رسول الله، وكما كانت روحانيَّة عليّ من روحانيَّة رسول الله، كذلك كان عقل فاطمة وروحانيَّتها من عقل رسول الله وروحانيَّته...
وكان عليّ (ع) المعلّم في داخل الواقع الإسلاميّ، حيث كان المسلمون يدخلون في دين الله أفواجاً، وكان عليّ (ع) فارس الإسلام، فقد بدأ جهاده في واقعة بدر، ولم يكن قد تدرّب على أيّ شأنٍ من شؤون الحرب، حتى قيل في السيرة النبويَّة الشَّريفة إنَّ عليّاً (ع) قتل نصف القتلى من المشركين، وقتل المسلمون القسم الآخر، وقيل إنَّ جبرائيل (ع) هتف: "لا فتى إلَّا عليّ، ولا سيف إلَّا ذو الفقار"، لما أبداه من بطولة في بدر والأحزاب وأُحد وحنين، وقد قال رسول الله (ص) عندما برز عليّ (ع) إلى عمرو بن عبد ودّ: "برز الإيمان كلّه إلى الشِّرك كلّه"9، وقال (ص): "ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثّقلين"10...
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ:11 رجب 1425 هـ/ الموافق: 27/08/2004.
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج37، ص 273.
[2]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 127
[3]ميزان الحكمة، ج1، ص 126.
[4]أعيان الشيعة (الملاحق)، السيّد محسن الأمين، ص 222.
[5]نهج البلاغة، ج2، ص 157.
[6]نهج البلاغة، ج2، ص 157
[7]نهج البلاغة، ج2، ص 14.
[8]بحار الأنوار، ج43، ص 107.
[9]بحار الأنوار، ج39، ص 1.
[10]شرح أصول الكافي، المازندراني، ج12، ص 413.