موعظةُ عليٍّ (ع) قبلَ استشهادِهِ

موعظةُ عليٍّ (ع) قبلَ استشهادِهِ

في كلام لعليّ (ع) قبل استشهاده، وقد كان لا يترك الموعظة حتَّى في هذه الحالة الصَّعبة التي كان فيها ينـزف بشدّة: "أيُّها النَّاس، كلّ امرئٍ لاقٍ ما يفرّ منه في قراره، والأجل مساق النفس - أي أنَّ النفس تسوق صاحبها إلى أجله - والهرب منه موافاته - أي أنَّك تهرب من الأجل إليه، لأنَّك ستوافي أجلك - كم أطردْتُ الأيَّامَ أبحثُها عن مكنون هذا الأمر - الموت - فأبى الله إلّا إخفاءه. هيهات علمٌ مخزون! - وكأنَّه يشير إلى نفسه - أمَّا وصيتي - فعليّ لم يوصِ الناس في تلك المرحلة وحسب، وإنما يوصي كلَّ الأجيال - فاللهَ لا تشركوا به شيئاً - في العقيدة، في العبادة، في الطَّاعة – ومحمَّداً (ص) فلا تضيّعوا سنّته - وسنّته كلّ ما قاله وما فعله وما أقرَّه - أقيموا هذين العمودين - يعني توحيد الله وسنَّة رسول الله، لأنهما العمودان اللّذان يرتكز عليهما كلّ بنائكم في كلّ كيانكم - وأوقدوا هذين المصباحين - فالمصباح الأوَّل هو توحيد الله، لأنّه يضيء للإنسان عقله وقلبه وحياته من خلال كتاب الله، وأما النور الثاني، فهو سنة رسول الله - وخلاكم ذمٌّ ما لم تشردوا - لم يصبكم ذنب ما لم تشردوا - حُمِّل كلُّ امرئٍ منكم مجهودَه - بحيث يحمل كل إنسان منكم قدر طاقته في تكاليفه ومسؤولياته - وخفّف عن الجهلة ربٌّ رحيمٌ ودين قويم وإمام عليم".

ثم قال لهم: "أنا بالأمس صاحبكم - عندما كنت معكم - وأنا اليوم عبرة لكم - عندما أحتضر - وغداً - عندما يحل بي الموت – مفارقكم. غفر الله لي ولكم - وهو المعصوم في كل فعله وفي كل قوله - إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك - إذا ثبتت القدم في مواقع الزلل، وهي الموقع الذي يسير فيه الإنسان على الصّراط ويُقبل على الله - وإن تدحض القدم - تسقط - فإنّا كنَّا في أفياء أغصان، ومهبّ رياح، وتحت ظلّ غمام، اضمحلّ في الجوّ متلقّفها، وعفا في الأرض مخطُّها - كناية عن زوالها - وإنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً، وستعقبون مني جثة - سأتحوَّل إلى جثة - خلاء، ساكنة بعد حراك، صامتة بعد نطق، ليعظكم هدوّي، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنَّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع - لأن النظرة إلى الميت أكثر وعظاً من ألف خطاب ومن ألف موعظة، لأنَّ الحقيقة تتمثل موعظة للإنسان في ذلك كله - وداعي لكم وداعُ امرئٍ مُرصِدٍ للتَّلاقي - حتى يلتقي في موقف يوم القيامة، - غداً ترون أيّامي، ويكشف لكم عن سرائري - في حياتي لم تكونوا تعرفون أسراري، وما أظهره لكم ليس كل الحقيقة من الخير ومن العدل - وتعرفونني بعد خلوّ مكاني وقيام غيري مقامي" ، لأنَّ الإنسان في مستوى عليّ (ع)، لا يعرفه النّاس في حياته حقَّ المعرفة، لأنهم يثيرون حوله الكثير من الضَّباب، ولأنهم يتحركون حوله بعصبيَّاتهم وذاتيَّاتهم وأهوائهم، كما أثاروا ذلك في حياته (ع)، ولم يعرفوه إلَّا بعد فقدانه، وفتّشوا عنه فلم يجدوه، وعاشوا مع غيره، فلحقهم من المعاناة ما لحقهم.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 19رمضان 1421 هـ/ الموافق:  ١٥/١٢/٢٠٠٠م.

في كلام لعليّ (ع) قبل استشهاده، وقد كان لا يترك الموعظة حتَّى في هذه الحالة الصَّعبة التي كان فيها ينـزف بشدّة: "أيُّها النَّاس، كلّ امرئٍ لاقٍ ما يفرّ منه في قراره، والأجل مساق النفس - أي أنَّ النفس تسوق صاحبها إلى أجله - والهرب منه موافاته - أي أنَّك تهرب من الأجل إليه، لأنَّك ستوافي أجلك - كم أطردْتُ الأيَّامَ أبحثُها عن مكنون هذا الأمر - الموت - فأبى الله إلّا إخفاءه. هيهات علمٌ مخزون! - وكأنَّه يشير إلى نفسه - أمَّا وصيتي - فعليّ لم يوصِ الناس في تلك المرحلة وحسب، وإنما يوصي كلَّ الأجيال - فاللهَ لا تشركوا به شيئاً - في العقيدة، في العبادة، في الطَّاعة – ومحمَّداً (ص) فلا تضيّعوا سنّته - وسنّته كلّ ما قاله وما فعله وما أقرَّه - أقيموا هذين العمودين - يعني توحيد الله وسنَّة رسول الله، لأنهما العمودان اللّذان يرتكز عليهما كلّ بنائكم في كلّ كيانكم - وأوقدوا هذين المصباحين - فالمصباح الأوَّل هو توحيد الله، لأنّه يضيء للإنسان عقله وقلبه وحياته من خلال كتاب الله، وأما النور الثاني، فهو سنة رسول الله - وخلاكم ذمٌّ ما لم تشردوا - لم يصبكم ذنب ما لم تشردوا - حُمِّل كلُّ امرئٍ منكم مجهودَه - بحيث يحمل كل إنسان منكم قدر طاقته في تكاليفه ومسؤولياته - وخفّف عن الجهلة ربٌّ رحيمٌ ودين قويم وإمام عليم".

ثم قال لهم: "أنا بالأمس صاحبكم - عندما كنت معكم - وأنا اليوم عبرة لكم - عندما أحتضر - وغداً - عندما يحل بي الموت – مفارقكم. غفر الله لي ولكم - وهو المعصوم في كل فعله وفي كل قوله - إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك - إذا ثبتت القدم في مواقع الزلل، وهي الموقع الذي يسير فيه الإنسان على الصّراط ويُقبل على الله - وإن تدحض القدم - تسقط - فإنّا كنَّا في أفياء أغصان، ومهبّ رياح، وتحت ظلّ غمام، اضمحلّ في الجوّ متلقّفها، وعفا في الأرض مخطُّها - كناية عن زوالها - وإنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً، وستعقبون مني جثة - سأتحوَّل إلى جثة - خلاء، ساكنة بعد حراك، صامتة بعد نطق، ليعظكم هدوّي، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنَّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع - لأن النظرة إلى الميت أكثر وعظاً من ألف خطاب ومن ألف موعظة، لأنَّ الحقيقة تتمثل موعظة للإنسان في ذلك كله - وداعي لكم وداعُ امرئٍ مُرصِدٍ للتَّلاقي - حتى يلتقي في موقف يوم القيامة، - غداً ترون أيّامي، ويكشف لكم عن سرائري - في حياتي لم تكونوا تعرفون أسراري، وما أظهره لكم ليس كل الحقيقة من الخير ومن العدل - وتعرفونني بعد خلوّ مكاني وقيام غيري مقامي" ، لأنَّ الإنسان في مستوى عليّ (ع)، لا يعرفه النّاس في حياته حقَّ المعرفة، لأنهم يثيرون حوله الكثير من الضَّباب، ولأنهم يتحركون حوله بعصبيَّاتهم وذاتيَّاتهم وأهوائهم، كما أثاروا ذلك في حياته (ع)، ولم يعرفوه إلَّا بعد فقدانه، وفتّشوا عنه فلم يجدوه، وعاشوا مع غيره، فلحقهم من المعاناة ما لحقهم.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 19رمضان 1421 هـ/ الموافق:  ١٥/١٢/٢٠٠٠م.
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير