هو رابع أئمّة أهل البيت الطاهر، المشهور بزين العابدين أو سيّدهم، والسجّاد،
وذي الثّفنات.
ولد في المدينة سنة ٣٨ أو ٣٧ هجريّة، وتوفّي بها العام ٩٥ أو ٩٤ هجريّة، يوم السبت
الثّاني عشر من محرَّم.
قال ابن خلّكان: هو أحد الأئمّة الإثني عشر، ومن سادات التابعين. قال الزّهري: ما
رأيت قرشيّاً أفضل منه، وفضائله ومناقبه أكثر من أن تحصى وتذكر، ولما توفّي، دفن في
البقيع في جنب عمّه الحسن، في القبّة التي فيها قبر العباس (رضي الله عنه).
ولقد تولّى الإمامة بعد استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وللاطلاع على
النصوص الواردة في إمامته، ينبغي الرجوع إلى كتب الحديث والعقائد المتكفّلة بهذا
الجانب المهم، وأخصّ منها بالذكر كتاب «الكافي» للكليني، و«الإرشاد» للشّيخ المفيد،
و«كفاية الأثر» للخزار، و«إثبات الهداة» للحرّ العاملي.
ومن أراد الاطلاع على مناقبه وكراماته وفضائله في مجالات شتَّى، كالعلم، والحلم،
والجرأة والإقدام، وثبات الجنان، وشدّة الكرم، والسّخاء، والورع، والزّهد، والتقوى،
وكثرة التهجّد والتنفّل، والفصاحة والبلاغة، وشدّة هيبته بين الناس ومحبّتهم له،
وتربيته لجيلٍ عظيم من الصّحابة والعلماء أوقفوا حياتهم في خدمة الإسلام، وغير ذلك
ممّا لا يسعنا التعرّض لها هنا، فعليه طلب ذلك في الموسوعات المتعدّدة التي تعرّضت
لذلك بالشّرح والتّفصيل.
جوانب من سيرته (ع):
إلّا أنّا نكتفي هنا بجانب من سيرته (ع) تتعلّق بجملة محدَّدة من الأمور:
١ ـ هيبته ومنزلته العظيمة:
لقد كان (ع) مهاباً جليلاً بين النّاس بشكل كبير، حتى إنّ هذه المنزلة العظيمة جعلت
الأمراء والحكّام يحسدونه عليها، والتّاريخ يذكر لنا على ذلك شواهد كثيرة ومتعدّدة،
ومن ذلك:
لمّا حجَّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم
يمكنه ذلك، وجاء علي بن الحسين (ع)، فتوقّف له الناس، وتنحّوا حتى استلم، فقال
جماعة لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه ـ مع أنّه كان يعرفه أنّه علي بن الحسين (ع) ـ
فسمعه الفرزدق، فقال: لكنّي أعرفه، هذا عليّ بن الحسين زين العابدين، وأنشد هشاماً
قصيدته التي منها هذه الأبيات:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلّهم هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلمُ
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلمُ
يُغضي حياءً ويُغضَى من مهابته فما يكلَّم إلاّ حين يبتسمُ
إذا رأته قريشٌ قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ
إن عُدَّ أهل التّقى كانوا أئمَّتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل همُ
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّه أنبياء الله قد خُتِمو
وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرْتَ والعجمُ
إلى آخر القصيدة التي حفظتها الأمَّة وشطرها جماعة من الشعراء. وقد ثقل ذلك على
هشام، فأمر بحبسه، فحبسوه بين مكّة والمدينة، فقال معترضاً على عمل هشام:
أيحبسني بين المدينة والّتي إليها قلوب النّاس يهوى منيبه
يقلب رأساً لم يكن رأس سيّدٍ وعيناً له حولاء بادٍ عيوبه
فأخرجه من الحبس، فوجّه إليه عليّ بن الحسين (ع) عشرة آلاف درهم، وقال: «اعذرنا يا
أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به»، فردّها الفرزدق
وقال: ما قلت ما كان إلّا لله. فقال له (ع): «قد رأى الله مكانك فشكرك، ولكنَّا أهل
بيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه»، وأقسم عليه فقبلها.
2 ـ زهده وعبادته ومواساته للفقراء:
أمّا زهده وعبادته ومواساته للفقراء، وخوفه من الله، فغنيّ عن البيان. فقد روي عنه
(ع) أنّه اذا توضّأ اصفرّ لونه، فيقال: ما هذا الّذي يعتادك عند الوضوء؟ قال: «أتدرون
بين يدي من أريد أن أقف؟».
ومن كلماته (ع): «إنَّ قوماً عبدوا الله رياضةً فتلك عبادة العبيد، وإنَّ قوماً
عبدوه رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنَّ قوماً عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار».
وكان إذا أتاه سائل، يقول له :«مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة».
وكان (ع) كثير الصدقات حريصاً عليها، وكان يوصل صدقاته ليلاً دون أن يعلم به أحد،
وقد روي أنه (ع) كان يعول مائة عائلة من أهالي المدينة، لا يدرون من يأتيهم
بالصّدقات، ولما توفّي (ع) أدركوا ذلك.
وفي رواية: أنّه (ع) كان يحمل جراب الخبز على ظهره في اللّيل، فيتصدّق به ويقول: «صدقة
السرّ تطفئ غضب الرّبّ».
وفي رواية، كان أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السّرّ حتى مات عليّ بن الحسين
(ع).
وقال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت رجلاً أورع من فلان ـ وسمّى رجلاً ـ فقال له
سعيد: أما رأيت عليّ بن الحسين؟ فقال: لا، فقال: ما رأيت أورع منه.
وقال أبو حازم: ما رأيت هاشميّاً أفضل من عليّ بن الحسين.
وقال طاووس: رأيت عليّ بن الحسين (ع) ساجداً في الحجر، فقلت: رجل صالح من أهل بيت
طيّب، لأسمعنّ ما يقول، فأصغيت إليه، فسمعته يقول: «عُبَيْدُك بفنائك، مسكينك
بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك». قال طاووس: فوالله ما دعوت بهنّ في كرب إلا
كشف عنّي.
*من كتاب "الأئمّة الإثنا عشر".