جاء في سيرة الإمام زين العابدين (ع)، أنَّه كان يشتري العبيد والإماء - حيث كان نظام العبيد موجوداً في الواقع الإسلامي - ويحرّرهم بعد أن يتعهَّدهم بالتربية والتوجيه، لينطلقوا إلى المجتمع مؤمنين صالحين، حيث يكون قد فقَّههم ورفع من مستواهم، ثم يعتقهم في يوم الفطر بعد أن يغنيهم بما لا يحتاجون إلى الناس.. وكان (ع)، كما تذكر سيرته، يشتري العبيد في الموسم في عرفات، حتى إذا انتهى الموسم، حرّرهم جميعاً بعد أن يحفظ ماء وجوههم..
ومن خلال ما نقرأه في سيرته عن تحريره للعبيد في كلِّ سنة، نستطيع أن نقول إنَّه محرّر العبيد بما لم يُعْهَد من مثله، وكان عندما يعيش معهم، لا يعاملهم معاملة السيِّد للعبيد، ولكن كانت معاملته معهم، معاملة المؤمن للمؤمن الّذي يحترم إنسانيَّة الآخر.
فقد جاء في سيرته (ع) في هذا المجال، أنَّه كان يجمع عبيده ويتحدَّث معهم في أسلوب تربويّ من أرفع الأساليب في التربية والتواضع والروحانيَّة، فكان (ع): "إذا دخل شهر رمضان، لا يضرب عبداً ولا أمَةً، وكان إذا أذنب العبد والأمَة يكتب عنده: أذنب فلانٌ، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه، فيجتمع عليهم الأدب، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثم أظهر الكتاب، ثم قال: يا فلان، فعلت كذا وكذا، ولم أؤدّبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يا بن رسول الله، حتى يأتي على آخرهم، ويقرِّرهم جميعاً، ثم يقوم وسطهم ويقول: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليَّ بن الحسين، إنَّ ربَّك قد أحصى عليك كلَّ ما عملت كما أحصيتَ علينا كلَّ ما عملنا، ولديه كتابٌ ينطق عليك بالحقّ، لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة مما أتيت إلَّا أحصاها، وتجد كلَّ ما عملت لديه حاضراً كما وجدنا كلَّ ما عملنا لديك حاضراً، فاعفُ واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبُّ أن يعفو عنك، فاعفُ عنَّا تجده عفوّاً وبك رحيماً ولك غفوراً ولا يظلم ربُّك أحداً، كما لديك كتابٌ ينطق بالحقّ علينا لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً مما آتيناها إلَّا أحصاها، فاذكر يا عليَّ بن الحسين ذلَّ مقامك بين يدي ربِّك الحكم العدل، الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعفُ عنك المليك، فإنَّه يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النور: 22]، وهو ينادي بذلك على نفسه في عمليَّة ابتهال وحالة طوارئ روحيّة ويلقّنهم، وهم ينادون معه، وهو واقفٌ بينهم يبكي وينوح ويقول: ربِّ، إنَّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعفُ عنّا، فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، وأمرتنا ألا نردَّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين، وقد أنخنا بِفنائِك وببابك، نطلب نائلك ومعروفك وعطاءَك، فامنن بذلك علينا ولا تخيّبنا، فإنَّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين.. إلهي! كرمت فأكرمني إذا كنتُ من سؤّالك، وَجُدْتَ بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم.. ثم يقبل عليهم فيقول: قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي ومما كان منّي إليكم من سوء ملكة؟ - كان (ع) يقول ذلك وهو لا يخطئ لأنَّه المعصوم، لكنه يريد أن يعلّمنا كيف يعيش الإنسان مع مَنْ هم تحت يديه من العمال والموظفين، وفي مجتمع العائلة والأولاد والزوجة - فيقولون: قد عفونا عنك يا سيّدنا، وما أسأت، فيقول لهم، قولوا: "اللَّهمَّ اعفُ عن عليِّ بن الحسين كما عفا عنَّا، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ، فيقولون ذلك، فيقول: اللّهمَّ آمين ربَّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي.. فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر، أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عمّا في أيدي النّاس"1.
هذه سيرته مع عبيده الذين لم يشترهم ليستعبدهم، بل ليربّيهم ويحرّرهم ويصون وجوههم عن الناس، وتلك هي سيرته مع النّاس، وحتى مع الحيوان، فإنَّه (ع) كان عندما يريد أن يهوي بالسَّوط على ناقته عندما تمتنع عن السير، فإنَّه كان يتراجع عن ضربها ويقول: "آه! لولا القصاص"2، كأنه (ع) يوحي إلينا بأنَّ الإنسان إذا ضرب الحيوان وآذاه، فإنَّ الله سيقتصُّ منه يوم القيامة. وفي الرواية: "قال عليّ بن الحسين (ع) لابنه الباقر (ع) حين حضرته الوفاة: إنَّني قد حججت على ناقتي هذه عشرين حجّة، فلم أقرعها بسوط قرعةً"3.
* من كتاب "في رحاب أهل البيت (ع)"، ج2.
[1]بحار الأنوار، ج46، ص 105.
[2]الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 144.
[3]وسائل الشّيعة، الحرّ العاملي، ج11، ص 541.
جاء في سيرة الإمام زين العابدين (ع)، أنَّه كان يشتري العبيد والإماء - حيث كان نظام العبيد موجوداً في الواقع الإسلامي - ويحرّرهم بعد أن يتعهَّدهم بالتربية والتوجيه، لينطلقوا إلى المجتمع مؤمنين صالحين، حيث يكون قد فقَّههم ورفع من مستواهم، ثم يعتقهم في يوم الفطر بعد أن يغنيهم بما لا يحتاجون إلى الناس.. وكان (ع)، كما تذكر سيرته، يشتري العبيد في الموسم في عرفات، حتى إذا انتهى الموسم، حرّرهم جميعاً بعد أن يحفظ ماء وجوههم..
ومن خلال ما نقرأه في سيرته عن تحريره للعبيد في كلِّ سنة، نستطيع أن نقول إنَّه محرّر العبيد بما لم يُعْهَد من مثله، وكان عندما يعيش معهم، لا يعاملهم معاملة السيِّد للعبيد، ولكن كانت معاملته معهم، معاملة المؤمن للمؤمن الّذي يحترم إنسانيَّة الآخر.
فقد جاء في سيرته (ع) في هذا المجال، أنَّه كان يجمع عبيده ويتحدَّث معهم في أسلوب تربويّ من أرفع الأساليب في التربية والتواضع والروحانيَّة، فكان (ع): "إذا دخل شهر رمضان، لا يضرب عبداً ولا أمَةً، وكان إذا أذنب العبد والأمَة يكتب عنده: أذنب فلانٌ، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه، فيجتمع عليهم الأدب، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثم أظهر الكتاب، ثم قال: يا فلان، فعلت كذا وكذا، ولم أؤدّبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يا بن رسول الله، حتى يأتي على آخرهم، ويقرِّرهم جميعاً، ثم يقوم وسطهم ويقول: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليَّ بن الحسين، إنَّ ربَّك قد أحصى عليك كلَّ ما عملت كما أحصيتَ علينا كلَّ ما عملنا، ولديه كتابٌ ينطق عليك بالحقّ، لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة مما أتيت إلَّا أحصاها، وتجد كلَّ ما عملت لديه حاضراً كما وجدنا كلَّ ما عملنا لديك حاضراً، فاعفُ واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبُّ أن يعفو عنك، فاعفُ عنَّا تجده عفوّاً وبك رحيماً ولك غفوراً ولا يظلم ربُّك أحداً، كما لديك كتابٌ ينطق بالحقّ علينا لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً مما آتيناها إلَّا أحصاها، فاذكر يا عليَّ بن الحسين ذلَّ مقامك بين يدي ربِّك الحكم العدل، الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعفُ عنك المليك، فإنَّه يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النور: 22]، وهو ينادي بذلك على نفسه في عمليَّة ابتهال وحالة طوارئ روحيّة ويلقّنهم، وهم ينادون معه، وهو واقفٌ بينهم يبكي وينوح ويقول: ربِّ، إنَّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعفُ عنّا، فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، وأمرتنا ألا نردَّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين، وقد أنخنا بِفنائِك وببابك، نطلب نائلك ومعروفك وعطاءَك، فامنن بذلك علينا ولا تخيّبنا، فإنَّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين.. إلهي! كرمت فأكرمني إذا كنتُ من سؤّالك، وَجُدْتَ بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم.. ثم يقبل عليهم فيقول: قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي ومما كان منّي إليكم من سوء ملكة؟ - كان (ع) يقول ذلك وهو لا يخطئ لأنَّه المعصوم، لكنه يريد أن يعلّمنا كيف يعيش الإنسان مع مَنْ هم تحت يديه من العمال والموظفين، وفي مجتمع العائلة والأولاد والزوجة - فيقولون: قد عفونا عنك يا سيّدنا، وما أسأت، فيقول لهم، قولوا: "اللَّهمَّ اعفُ عن عليِّ بن الحسين كما عفا عنَّا، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ، فيقولون ذلك، فيقول: اللّهمَّ آمين ربَّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي.. فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر، أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عمّا في أيدي النّاس"1.
هذه سيرته مع عبيده الذين لم يشترهم ليستعبدهم، بل ليربّيهم ويحرّرهم ويصون وجوههم عن الناس، وتلك هي سيرته مع النّاس، وحتى مع الحيوان، فإنَّه (ع) كان عندما يريد أن يهوي بالسَّوط على ناقته عندما تمتنع عن السير، فإنَّه كان يتراجع عن ضربها ويقول: "آه! لولا القصاص"2، كأنه (ع) يوحي إلينا بأنَّ الإنسان إذا ضرب الحيوان وآذاه، فإنَّ الله سيقتصُّ منه يوم القيامة. وفي الرواية: "قال عليّ بن الحسين (ع) لابنه الباقر (ع) حين حضرته الوفاة: إنَّني قد حججت على ناقتي هذه عشرين حجّة، فلم أقرعها بسوط قرعةً"3.
* من كتاب "في رحاب أهل البيت (ع)"، ج2.
[1]بحار الأنوار، ج46، ص 105.
[2]الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 144.
[3]وسائل الشّيعة، الحرّ العاملي، ج11، ص 541.