وقد بدأ الإمام زين العابدين (ع) حركة إمامته، فعمل على أن يحيط بالمشكلة
الموجودة في الواقع الإسلامي من كلّ جوانبها، وكانت المسألة المطروحة في السّاحة
الإسلاميّة منذ بداية الحكم الأمويّ، هي إبعاد المسلمين عن الأسس الإسلاميّة
الفكريّة الثقافيّة للعقيدة وللشّريعة وللمفاهيم العامّة للإسلام، وللمنهج في
التفكير، والمنهج في السلوك، والمنهج في حركة المسؤوليّة.
كان الحكم الأموي يريد أن يبعد النّاس عن الجانب الثقافي، ولذلك، عندما ندرس عهد
معاوية وعهد يزيد ومرحلة ما بعدهم، فإننا لا نجد أنّ هناك تخطيطاً ثقافياً للدولة،
بحيث إنها تشجّع الحركة الثقافيّة الحضاريّة، لذلك استطاع الأمويّون بفعل هذا النوع
من الحصار الثقافي، جعل عقول المسلمين فارغة، حتى إن الكثيرين منهم نسوا الثقافة
التي كان يثقّفهم بها أمير المؤمنين عليّ (ع)، الذي كان يتألم لأنّه يملك العلم
كلّه، لقوله: "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، يفتح لي من كلّ باب ألف باب"،
والذي قال رسول الله فيه: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وكان يقول هو نفسه: "سلوني
قبل أن تفقدوني، فإنّي بطرق السّماء أعرف مني بطرق الأرض". وينطلق إنسان تافه ليقول
له: كم شعرة في رأسي؟ وكان يقول وهو يخرج إلى ظهر الكوفة ويتألم ويتأوّه: "إنّ ها
هنا ـ ويشير إلى صدره ـ لعلماً جماً لو وجدت له حملة".
أرجع فأقول: كانت الخطّة هي تجهيل المسلمين، لأنّ أمثال معاوية وأمثال يزيد لا يمكن
أن يسيطروا على مجتمعٍ يملك وعي العلم وسعة المعرفة وعمق التّقوى وأصالة المسؤوليّة
وامتدادها.
لذلك، بدأ الإمام زين العابدين (ع) حركته الفكرية العلمية كأوسع ما تكون الحركة، ما
يبعد الفكرة الّتي تقول إنّ أسلوب زين العابدين (ع) كان أسلوب الدعاء فحسب.
شهادات معاصريه:
لنقرأ شهادات الّذين كانوا في عصره أو قريباً من عصره، قال (الزهري)، وهو من كبار
رجال الثقافة في ذلك العصر، ولم يكن شيعيّاً، وكان مصاحباً للإمام زين العابدين
(ع)، حتى إنه يروي عنه الكثير، قال الزهري: "ما رأيت هاشمياً أفضل من عليّ بن
الحسين ولا أفقه منه"، وقال في كلام آخر: "ما رأيت قرشيّاً أفضل منه". وقال الإمام
مالك: "سمي زين العابدين لكثرة عبادته"، وقال سفيان بن عيينة: "ما رأيت هاشميّاً
أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه"، وعدّ الإمام الشّافعي عليّ بن الحسين "أفقه
أهل المدينة". حتى إنّ بعض خلفاء بني أميّة قالوا، كما ذكر ذلك عن عبد الملك بن
مروان، وهو يخاطب الإمام زين العابدين: "ولقد أوتيت من العلم والدّين والورع ما لم
يؤته أحد مثلك قبلك، إلا من مضى من سلفك من أجدادك وآبائك".
كما نجد أنّ بعض القرّاء يقول: "كان القرّاء لا يخرجون إلى مكّة إلا إذا خرج معهم
زين العابدين وانتظروه في وقت حتى خرج، فخرج معه ألف راكب من القرّاء". لذلك، لم
نجد في مجتمعه أو في مرحلته أيّ شخص يمكن أن يتحدّث عنه بطريقة سلبيّة. وقد ذكر عنه
الزهري، وقد سأله شخص: هل لقيت عليّ بن الحسين (ع)؟ يقول: "لقيت عليّ بن الحسين،
وما لقيت أحداً أفضل منه، والله ما علمت له صديقاً في السّرّ ولا عدوّاً في
العلانية". فقيل له وكيف ذلك؟ قال "لأني لم أجد أحداً وإن كان يحبّه، إلا وهو لشدّة
معرفته بفضله يحسده، ولا رأيت أحداً وإن كان يبغضه، إلا وهو لشدّة مداراته له
يداريه".
*من كتاب النّدوة، ج 4.
وقد بدأ الإمام زين العابدين (ع) حركة إمامته، فعمل على أن يحيط بالمشكلة
الموجودة في الواقع الإسلامي من كلّ جوانبها، وكانت المسألة المطروحة في السّاحة
الإسلاميّة منذ بداية الحكم الأمويّ، هي إبعاد المسلمين عن الأسس الإسلاميّة
الفكريّة الثقافيّة للعقيدة وللشّريعة وللمفاهيم العامّة للإسلام، وللمنهج في
التفكير، والمنهج في السلوك، والمنهج في حركة المسؤوليّة.
كان الحكم الأموي يريد أن يبعد النّاس عن الجانب الثقافي، ولذلك، عندما ندرس عهد
معاوية وعهد يزيد ومرحلة ما بعدهم، فإننا لا نجد أنّ هناك تخطيطاً ثقافياً للدولة،
بحيث إنها تشجّع الحركة الثقافيّة الحضاريّة، لذلك استطاع الأمويّون بفعل هذا النوع
من الحصار الثقافي، جعل عقول المسلمين فارغة، حتى إن الكثيرين منهم نسوا الثقافة
التي كان يثقّفهم بها أمير المؤمنين عليّ (ع)، الذي كان يتألم لأنّه يملك العلم
كلّه، لقوله: "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، يفتح لي من كلّ باب ألف باب"،
والذي قال رسول الله فيه: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وكان يقول هو نفسه: "سلوني
قبل أن تفقدوني، فإنّي بطرق السّماء أعرف مني بطرق الأرض". وينطلق إنسان تافه ليقول
له: كم شعرة في رأسي؟ وكان يقول وهو يخرج إلى ظهر الكوفة ويتألم ويتأوّه: "إنّ ها
هنا ـ ويشير إلى صدره ـ لعلماً جماً لو وجدت له حملة".
أرجع فأقول: كانت الخطّة هي تجهيل المسلمين، لأنّ أمثال معاوية وأمثال يزيد لا يمكن
أن يسيطروا على مجتمعٍ يملك وعي العلم وسعة المعرفة وعمق التّقوى وأصالة المسؤوليّة
وامتدادها.
لذلك، بدأ الإمام زين العابدين (ع) حركته الفكرية العلمية كأوسع ما تكون الحركة، ما
يبعد الفكرة الّتي تقول إنّ أسلوب زين العابدين (ع) كان أسلوب الدعاء فحسب.
شهادات معاصريه:
لنقرأ شهادات الّذين كانوا في عصره أو قريباً من عصره، قال (الزهري)، وهو من كبار
رجال الثقافة في ذلك العصر، ولم يكن شيعيّاً، وكان مصاحباً للإمام زين العابدين
(ع)، حتى إنه يروي عنه الكثير، قال الزهري: "ما رأيت هاشمياً أفضل من عليّ بن
الحسين ولا أفقه منه"، وقال في كلام آخر: "ما رأيت قرشيّاً أفضل منه". وقال الإمام
مالك: "سمي زين العابدين لكثرة عبادته"، وقال سفيان بن عيينة: "ما رأيت هاشميّاً
أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه"، وعدّ الإمام الشّافعي عليّ بن الحسين "أفقه
أهل المدينة". حتى إنّ بعض خلفاء بني أميّة قالوا، كما ذكر ذلك عن عبد الملك بن
مروان، وهو يخاطب الإمام زين العابدين: "ولقد أوتيت من العلم والدّين والورع ما لم
يؤته أحد مثلك قبلك، إلا من مضى من سلفك من أجدادك وآبائك".
كما نجد أنّ بعض القرّاء يقول: "كان القرّاء لا يخرجون إلى مكّة إلا إذا خرج معهم
زين العابدين وانتظروه في وقت حتى خرج، فخرج معه ألف راكب من القرّاء". لذلك، لم
نجد في مجتمعه أو في مرحلته أيّ شخص يمكن أن يتحدّث عنه بطريقة سلبيّة. وقد ذكر عنه
الزهري، وقد سأله شخص: هل لقيت عليّ بن الحسين (ع)؟ يقول: "لقيت عليّ بن الحسين،
وما لقيت أحداً أفضل منه، والله ما علمت له صديقاً في السّرّ ولا عدوّاً في
العلانية". فقيل له وكيف ذلك؟ قال "لأني لم أجد أحداً وإن كان يحبّه، إلا وهو لشدّة
معرفته بفضله يحسده، ولا رأيت أحداً وإن كان يبغضه، إلا وهو لشدّة مداراته له
يداريه".
*من كتاب النّدوة، ج 4.