حديثٌ لزينِ العابدين (ع): الأسسُ النَّقديَّةُ للحكمِ على الأشخاص

حديثٌ لزينِ العابدين (ع): الأسسُ النَّقديَّةُ للحكمِ على الأشخاص
في حديثٍ عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) يقول: "إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته، وتمادى في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويداً لا يغرّنكم، فما أكثر مَن يعجزه تناول الدّنيا وركوب الحرام منها لضعف نيَّته ومهانته وجبن قلبه! فنصب الدُّنيا فخّاً لها، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره، فإنْ تمكَّن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً لا يغرّنكم، فإنَّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من يتأبَّى عن الحرام، وإنْ كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرماً.

فإذا رأيتموه كذلك فرويداً، لا يغرّنكم حتى تنظروا عقدة عقله، فما أكثر مَن ترك ذلك أجمع! ثمّ لا يرجع إلى عقلٍ متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر ممّا يصلحه بعقله.

فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً، لا يغرّنكم حتّى تنظروا ليكون هواه على عقله، أم يكون عقله على هواه، وكيف محبّته للرّياسات الباطلة وزهده فيها، فإنَّ في الناس مَن يترك الدنيا للدنيا، ويرى أنّ لذّة الرّياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال والنِّعَم المباحة المحلَّلة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرّياسة، حتّى إذا قيل له: اتَّقِ الله، أخذته العِزّة بالإثم، فحسبه جهنَّم ولبئس المهاد، فهو يخبط عشواء، يقوده أوّل باطله إلى أبعد غايات الخسارة، ويمدّ به بعد طلبه لما لا يقدر في طغيانه، فهو يحلُّ ما حرَّم الله، ويُحَرِّم ما أحلَّ الله، لا يبالي ما فات من دينه، إذا سلمت له الرياسة التي قد شقي من أجلها، فأولئك الذين غضب الله عليهم وأعدَّ لهم عذاباً أليماً.

ولكنَّ الرَّجل، كلّ الرَّجل، الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في قضاء الله، يرى الذلّ مع الحقّ، أقرب إلى عزِّ الأبد مع العزِّ في الباطل، ويعلم أنَّ قليل ما يحتمله من ضرَّائها، يؤدِّيه إلى دوام النَّعيم في دارٍ لا تبيد ولا تنفد، وأنَّ كثيراً ممَّا يلحقه من سرَّائها، إن اتَّبع هواه، يؤدِّيه إلى عذابٍ لا انقطاع له ولا زوال، فذلك الرَّجل فتمسَّكوا به واقتدوا بسنَّته، وإلى ربِّكم توسَّلوا به، فإنَّه لا تردّ له دعوة، ولا يخيب في طلبه" .
ففي هذا الحديث تحليل دقيق للدّوافع المتنوِّعة التي تختفي خلف المظاهر الطيّبة للإنسان، ومحاولة بارعة لتخطيط الأُسس النقديَّة التي يرتكز عليها الحكم على طبيعة الأشخاص، وذلك بملاحقة جميع هذه الدَّوافع، والانتقال من بعضها إلى البعض الآخر حتّى يستنفدها بأجمعها، ليخرج - بعد ذلك - بالحكم الصَّحيح المستند إلى محاكمة واسعة دقيقة، وتحليل بارع عميق.

ولعلَّ ذلك كلّه يرجع إلى أنَّ الإسلام يريد للإنسان أن يبتعد عن السَّذاجة والسطحيَّة في نظرته إلى الناس وتقييمه لهم، لأنَّ ذلك يسيء إلى طبيعة علاقاته العمليَّة بهم، وإلى فهمه للجوّ الذي يعيش فيه، ما يجعله يعيش الفوضى والارتباك في حياته وحياة الآخرين، بما تفرضه السذاجة من تأييدٍ لمن لا يستحقّ الرّفض وتعاطف مع بعض المواقف الَّتي لا تنسجم مع مصلحة الأُمَّة ومستقبلها في جميع جوانب الحياة العامَّة والخاصَّة.
*من كتاب "مفاهيم عامّة".
في حديثٍ عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) يقول: "إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته، وتمادى في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويداً لا يغرّنكم، فما أكثر مَن يعجزه تناول الدّنيا وركوب الحرام منها لضعف نيَّته ومهانته وجبن قلبه! فنصب الدُّنيا فخّاً لها، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره، فإنْ تمكَّن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً لا يغرّنكم، فإنَّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من يتأبَّى عن الحرام، وإنْ كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرماً.

فإذا رأيتموه كذلك فرويداً، لا يغرّنكم حتى تنظروا عقدة عقله، فما أكثر مَن ترك ذلك أجمع! ثمّ لا يرجع إلى عقلٍ متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر ممّا يصلحه بعقله.

فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً، لا يغرّنكم حتّى تنظروا ليكون هواه على عقله، أم يكون عقله على هواه، وكيف محبّته للرّياسات الباطلة وزهده فيها، فإنَّ في الناس مَن يترك الدنيا للدنيا، ويرى أنّ لذّة الرّياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال والنِّعَم المباحة المحلَّلة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرّياسة، حتّى إذا قيل له: اتَّقِ الله، أخذته العِزّة بالإثم، فحسبه جهنَّم ولبئس المهاد، فهو يخبط عشواء، يقوده أوّل باطله إلى أبعد غايات الخسارة، ويمدّ به بعد طلبه لما لا يقدر في طغيانه، فهو يحلُّ ما حرَّم الله، ويُحَرِّم ما أحلَّ الله، لا يبالي ما فات من دينه، إذا سلمت له الرياسة التي قد شقي من أجلها، فأولئك الذين غضب الله عليهم وأعدَّ لهم عذاباً أليماً.

ولكنَّ الرَّجل، كلّ الرَّجل، الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في قضاء الله، يرى الذلّ مع الحقّ، أقرب إلى عزِّ الأبد مع العزِّ في الباطل، ويعلم أنَّ قليل ما يحتمله من ضرَّائها، يؤدِّيه إلى دوام النَّعيم في دارٍ لا تبيد ولا تنفد، وأنَّ كثيراً ممَّا يلحقه من سرَّائها، إن اتَّبع هواه، يؤدِّيه إلى عذابٍ لا انقطاع له ولا زوال، فذلك الرَّجل فتمسَّكوا به واقتدوا بسنَّته، وإلى ربِّكم توسَّلوا به، فإنَّه لا تردّ له دعوة، ولا يخيب في طلبه" .
ففي هذا الحديث تحليل دقيق للدّوافع المتنوِّعة التي تختفي خلف المظاهر الطيّبة للإنسان، ومحاولة بارعة لتخطيط الأُسس النقديَّة التي يرتكز عليها الحكم على طبيعة الأشخاص، وذلك بملاحقة جميع هذه الدَّوافع، والانتقال من بعضها إلى البعض الآخر حتّى يستنفدها بأجمعها، ليخرج - بعد ذلك - بالحكم الصَّحيح المستند إلى محاكمة واسعة دقيقة، وتحليل بارع عميق.

ولعلَّ ذلك كلّه يرجع إلى أنَّ الإسلام يريد للإنسان أن يبتعد عن السَّذاجة والسطحيَّة في نظرته إلى الناس وتقييمه لهم، لأنَّ ذلك يسيء إلى طبيعة علاقاته العمليَّة بهم، وإلى فهمه للجوّ الذي يعيش فيه، ما يجعله يعيش الفوضى والارتباك في حياته وحياة الآخرين، بما تفرضه السذاجة من تأييدٍ لمن لا يستحقّ الرّفض وتعاطف مع بعض المواقف الَّتي لا تنسجم مع مصلحة الأُمَّة ومستقبلها في جميع جوانب الحياة العامَّة والخاصَّة.
*من كتاب "مفاهيم عامّة".
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية