العقيدة التوحيديّة

العقيدة التوحيديّة

تصدّى الإمام السجّاد(ع) للأفكار العقائدية التي أرادت أن تحرّف العقيدة عن خطِّها القرآني الأصيل، فيُسأل(ع) عن التوحيد، وربما كانت المرحلة التي عاش فيها هي المرحلة التي بدأ فيها الحديث عن التجسيم، وعن صفة الله كصفات المخلوقين، ومن هنا فقد كثُرت الأسئلة حول هذه المسألة، فكان ردّه عليها: "إنَّ الله عزَّ وجلّ علم أنَّه يكون في آخر الزمان متعمّقون ـ ونفهم من هذه الكلمة أنَّ بعض الناس، ولا سيما في مجتمع الدعوة الأول، كانوا لا يفكّرون في عالم التوحيد بالطريقة التي تتنوّع فيها الأبعاد، بل كانت المسألة في أفكارهم شركاً وتوحيداً من دون أن يستغرقوا في عناصر هذا التوحيد أمام مسألة الشرك، لأنَّ المجتمع لم يكن مجتمعاً فلسفيّاً، بحيث يثير القضايا التي يمكن أن تُثار أو التي أثيرت بعد ذلك في مسألة الذات الأزليّة والسرمديّة، وما إلى ذلك في مسألة البُعد عن المحدوديّة والتجسيم، لذلك اعتبر(ع) أنَّ الله أنزل كتابه ليؤكّد توحيده بطريقةٍ حسم فيها الجدل حول هذه المسألة، حيث قال: "إنَّ الله عزَّ وجلّ علم أنه يكون في آخر الزمان متعمّقون، فأنزل الله تعالى {قل هو الله أحد} ـ هذه السورة الصغيرة في مبانيها، الكبيرة في معانيها والتي تمثّل هذه البساطة المتعمّقة في تصوّر الذات الإلهيّة ـ إذا صحَّ التعبير البعيدة عن التعقيد الذي تصوّره المشركون في هذا المجال عندما جمعوا بين التوحيد والتثليث من دون أن يعقلنوا ذلك بتحليل وتدقيق عقلانيّ، معتقدين أنَّ الإيمان يتكفّل بحلِّ هذه المسألة، لا العقل، لأنَّ الإيمان فوق العقل.

أما القرآن الكريم فقد طرح العقيدة الإسلاميّة التوحيديّة بوضوح وبساطة، بحيث يمكن للإنسان العادي أن يدرك معنى الألوهية في نفسه ببساطة، ويمكن للإنسان العالم أن يتعمّق في فهم صفات الذات الإلهيّة بعقله وبعلمه {قل هُوَ اللهُ أحَدٌ} هذه الأحاديّة التي يتحسّسها الإنسان عندما يتطلّع إلى العناصر التي تربط الظواهر كلّها، وينفتح بعد ذلك على أنَّ الخالق هو الأحد، إذ ليس هناك إثنينيّة من خلال ترابط الكون في قانون واحد، مع تنوّع الخصائص، وعندها لا بدَّ أن يكتشف وحدة الخالق {قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ* اللهُ الصمد}، فهو تعالى الذي يُلجأ إليه في كلّ حاجات المخلوقين، أيّاً كانت تلك الحاجات، سواء حاجاتهم في الوجود أو في مفردات الوجود أو في التفاصيل الحركية فيه.. ووحده سبحانه يُرجَع إليه، فهو المرجع الذي يُحتاج إليه وننفتح عليه {لم يَلِدْ} لم تكن هناك عملية ولادة ليكون له وارثٌ يرث ما عنده، ولذلك، فالله لم يلد أحداً، فلا يرثه أحدٌ في صفة من صفاته، ولا في أيِّ شأنٍ من شؤونه {ولَمْ يُولَد}لم ينفصل عن موجود آخر، حيث ليس له أيّة علاقة عضويّة بأيِّ مخلوق، لا في جانب الصدور ولا في جانب الإيجاد {ولَمْ يكنْ له كفواً أحدٌ} فهو واجب الوجود، ولا يماثله أحدٌ في وجوب الوجود في أيِّ موجود في الكون..

هذه هي العقيدة التوحيدية التي إذا أراد الإنسان أن يتعمّق فيها أمكنه القيام بدراسات كثيرة من خلال تفسير هذه الآيات، وإذا أراد أن يبسّطها، فإنَّه يمكن أن يتصوّر ربَّه بصورة يستطيع فيها أن يتمثّل وحدانيته سبحانه من جميع الجهات، فهو وحده الأوحد الذي يُصْمَد إليه في الحوائج، ووحده الذي لم يلد ولم يولد، ووحده في عمق صفاته لا يماثله أحد.

فالعقيدة التوحيدية الإسلامية التي جاءت بها (سورة الإخلاص)، هي العقيدة الوحيدة في العالم التي استطاعت أن تظهر لنا التوحيد بصورة مبسّطة لا تمتنع عن العمق لمن أراد أن يتعمّق، وبذلك امتازت عن كلِّ الفلسفات.. ولذا قال السجّاد(ع): فأنزل الله {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ـفمَن رامَ وراءَ ذلك هلك".

فالله سبحانه تحدّث عن التوحيد في ما ذكره في سورة الحديد {سبّح لله ما فِي السمواتِ والأرض}، وهذا يدلُّ على شموليّة كلِّ المخلوقات في تسبيحها لله الواحد الأحد وفي إدراكها لعظمته، فكلُّ ما في السموات والأرض ينفتح ـ كلٌّ بطريقته ـ على وجود الله، وعلى الإحساس بظهوره في مواقع العظمة {وَهُوَ العزيزُ الحكيم} [الحديد:1]، فالله سبحانه يحدّثنا أنَّه العزيز الذي لا يُغْلَب من خلال ما يملكه من مواقع القدرة المطلقة، ولا يُخطى‏ء في تقدير أيِّ شي‏ء من خلال حكمته المطلقة في معرفته بالأشياء {لَهُ مُلْكُ السمواتِ والأرض} فهو وحده المالك للسموات والأرض وما فيهنَّ، لأنَّ كلمة السموات تختزن ما فيها من عوالم، وكلمة الأرض تختزن ما فيها من موجودات.. فهو المالك وحده لكلِّ هذا، ما يعني أنَّ السموات والأرض في ظواهرها وموجوداتها كلِّها مملوكة له، فلا مالك غيره {يُحيي ويُميت} فكلُّ حيٍّ يأخذ الحياة منه، وكلُّ ميت ينزل به الموت من خلال أمره، ولذلك، فهو وحده الحيّ، لا من خلال حياة تأتيه من خارج {وهُوَ على كلِّ شي‏ء قدير} [الحديد: 2]، فهو الواحد أيضاً في وحدانية القدرة الشموليّة، وليس هناك غيره في ذلك، وهو {الأول} فلا شي‏ء قبله، وهذا هو الذي يشير إلى معنى الأزليّة {والآخر} فلا شي‏ء بعده، وهذا الذي يعطي معنى الأبدية {والظاهر} الذي يمثّل الظهور والكشف.. والإنسان لا يملك إلا أن يتصوّره ويتحسَّسه من خلال أنَّ ظهوره أكَّد حضورَه في النظرة الإنسانية {والباطن} الذي اختزن الأسرار التي لم يختزنها أحد، فلا يُدْرِك سرَّه أحد {هُوَ الأوّلُ والآخرُ والظّاهرُ والباطن وهُوَ بكُلِّ شي‏ءٍ عليم} [الحديد:3]، فعلمه اتّسع لكلِّ شي‏ء، ولا يمكن أن يغيب عن علمه أيُّ شي‏ء..

إنَّ الإمام السجّاد(ع) يرشدنا إلى هذه الصفات الإلهيّة التي وصف الله بها نفسه من أجل أن يعرفه الناس من خلالها، لا أن يعرفوه من خلال بعض التعقيدات الفلسفيّة وبعض التصوّرات التي لا تلتقي بحقيقة أوصافه الذاتية، لذلك يقول(ع): "فمن رام وراء ذلك هلك"، وهذا ما يفرض علينا أن نأخذ صفات الله من الله، ولا نأخذها من غيره سبحانه، لأنَّه العارف بنفسه، ولا يعرف ذاته إلا هو، وليس هذا معناه ألا نفكّر في فهم هذه الصفات، ولكنَّ الإمام(ع) يريد أن يقول، إنَّ علينا أن نقف عند صفات الله بما وصف به نفسه، ولا نتجاوزها إلى غير ذلك، لأننا لا نملك، ونحن المحدودون المرتبطون بالأوضاع الماديّة، أن نعرف المطلق، لأنَّ معرفتنا تنطلق من فكرة لها أسبابٌ مخصوصة، وتجربة لها موارد مخصوصة، ولا نملك أن نعرف ما يتجاوز تفكيرنا، لأننا لم نعش كلّ مفردات هذه الأسباب والموارد، ولا نستطيع أن نتجاوز تجربتنا في ذلك..

وعن أبي حمزة، قال: قال عليٌّ بن الحسين(ع): "إنَّ الله لا يُوصف بمحدوديّة"، يعني بالحدود الجسمانية، أو الأعمّ منها، بالحدود التي تعرض للصور الذهنيّة والحدود العقليّة المستلزمة للتركيب العقليّ، لأنَّ الصور الماديّة إنَّما هي صور المخلوقين، وهي التي تمثّل الشي‏ء المحدود الذي لا يمكن لك أن تتصوّر المطلق من خلاله.. وهكذا بالنسبة للصور الذهنيّة، أو الحدود العقلية المستلزمة للتركيب العقليّ، لأنَّ هذه الصور منطلقةٌ من خلال الحواس الخمس التي يعيشها الإنسان، وهي ما لا يمكن لها أن تُدرِك الخالق، وهكذا بالنسبة إلى التركيب العقليّ، فإنَّه ينطلق من خلال ما يتحسّسه الحسّ ليقدّمه إلى العقل الذي يصوغ الفكرة والتركيب من خلاله.. فكيف يُوصف بمحدوديّة مَنْ لا يُحَدّ {لا تُدْرِكُه الأبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وهُوَ اللّطيف البصير} [الأنعام:103].

هذا ما يتصل بالعقيدة في التوحيد وفي مسألة صفات الله، وقد أوضح(ع) المفاهيم الخاطئة مما كان يتحدّث به البعض في زمانه من مسألة محدوديّة صفات الله بالحدود المادية الجسميّة، أو بالصور الذهنية المنطلقة من خلال الصور الخارجيّة.

تصدّى الإمام السجّاد(ع) للأفكار العقائدية التي أرادت أن تحرّف العقيدة عن خطِّها القرآني الأصيل، فيُسأل(ع) عن التوحيد، وربما كانت المرحلة التي عاش فيها هي المرحلة التي بدأ فيها الحديث عن التجسيم، وعن صفة الله كصفات المخلوقين، ومن هنا فقد كثُرت الأسئلة حول هذه المسألة، فكان ردّه عليها: "إنَّ الله عزَّ وجلّ علم أنَّه يكون في آخر الزمان متعمّقون ـ ونفهم من هذه الكلمة أنَّ بعض الناس، ولا سيما في مجتمع الدعوة الأول، كانوا لا يفكّرون في عالم التوحيد بالطريقة التي تتنوّع فيها الأبعاد، بل كانت المسألة في أفكارهم شركاً وتوحيداً من دون أن يستغرقوا في عناصر هذا التوحيد أمام مسألة الشرك، لأنَّ المجتمع لم يكن مجتمعاً فلسفيّاً، بحيث يثير القضايا التي يمكن أن تُثار أو التي أثيرت بعد ذلك في مسألة الذات الأزليّة والسرمديّة، وما إلى ذلك في مسألة البُعد عن المحدوديّة والتجسيم، لذلك اعتبر(ع) أنَّ الله أنزل كتابه ليؤكّد توحيده بطريقةٍ حسم فيها الجدل حول هذه المسألة، حيث قال: "إنَّ الله عزَّ وجلّ علم أنه يكون في آخر الزمان متعمّقون، فأنزل الله تعالى {قل هو الله أحد} ـ هذه السورة الصغيرة في مبانيها، الكبيرة في معانيها والتي تمثّل هذه البساطة المتعمّقة في تصوّر الذات الإلهيّة ـ إذا صحَّ التعبير البعيدة عن التعقيد الذي تصوّره المشركون في هذا المجال عندما جمعوا بين التوحيد والتثليث من دون أن يعقلنوا ذلك بتحليل وتدقيق عقلانيّ، معتقدين أنَّ الإيمان يتكفّل بحلِّ هذه المسألة، لا العقل، لأنَّ الإيمان فوق العقل.

أما القرآن الكريم فقد طرح العقيدة الإسلاميّة التوحيديّة بوضوح وبساطة، بحيث يمكن للإنسان العادي أن يدرك معنى الألوهية في نفسه ببساطة، ويمكن للإنسان العالم أن يتعمّق في فهم صفات الذات الإلهيّة بعقله وبعلمه {قل هُوَ اللهُ أحَدٌ} هذه الأحاديّة التي يتحسّسها الإنسان عندما يتطلّع إلى العناصر التي تربط الظواهر كلّها، وينفتح بعد ذلك على أنَّ الخالق هو الأحد، إذ ليس هناك إثنينيّة من خلال ترابط الكون في قانون واحد، مع تنوّع الخصائص، وعندها لا بدَّ أن يكتشف وحدة الخالق {قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ* اللهُ الصمد}، فهو تعالى الذي يُلجأ إليه في كلّ حاجات المخلوقين، أيّاً كانت تلك الحاجات، سواء حاجاتهم في الوجود أو في مفردات الوجود أو في التفاصيل الحركية فيه.. ووحده سبحانه يُرجَع إليه، فهو المرجع الذي يُحتاج إليه وننفتح عليه {لم يَلِدْ} لم تكن هناك عملية ولادة ليكون له وارثٌ يرث ما عنده، ولذلك، فالله لم يلد أحداً، فلا يرثه أحدٌ في صفة من صفاته، ولا في أيِّ شأنٍ من شؤونه {ولَمْ يُولَد}لم ينفصل عن موجود آخر، حيث ليس له أيّة علاقة عضويّة بأيِّ مخلوق، لا في جانب الصدور ولا في جانب الإيجاد {ولَمْ يكنْ له كفواً أحدٌ} فهو واجب الوجود، ولا يماثله أحدٌ في وجوب الوجود في أيِّ موجود في الكون..

هذه هي العقيدة التوحيدية التي إذا أراد الإنسان أن يتعمّق فيها أمكنه القيام بدراسات كثيرة من خلال تفسير هذه الآيات، وإذا أراد أن يبسّطها، فإنَّه يمكن أن يتصوّر ربَّه بصورة يستطيع فيها أن يتمثّل وحدانيته سبحانه من جميع الجهات، فهو وحده الأوحد الذي يُصْمَد إليه في الحوائج، ووحده الذي لم يلد ولم يولد، ووحده في عمق صفاته لا يماثله أحد.

فالعقيدة التوحيدية الإسلامية التي جاءت بها (سورة الإخلاص)، هي العقيدة الوحيدة في العالم التي استطاعت أن تظهر لنا التوحيد بصورة مبسّطة لا تمتنع عن العمق لمن أراد أن يتعمّق، وبذلك امتازت عن كلِّ الفلسفات.. ولذا قال السجّاد(ع): فأنزل الله {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ـفمَن رامَ وراءَ ذلك هلك".

فالله سبحانه تحدّث عن التوحيد في ما ذكره في سورة الحديد {سبّح لله ما فِي السمواتِ والأرض}، وهذا يدلُّ على شموليّة كلِّ المخلوقات في تسبيحها لله الواحد الأحد وفي إدراكها لعظمته، فكلُّ ما في السموات والأرض ينفتح ـ كلٌّ بطريقته ـ على وجود الله، وعلى الإحساس بظهوره في مواقع العظمة {وَهُوَ العزيزُ الحكيم} [الحديد:1]، فالله سبحانه يحدّثنا أنَّه العزيز الذي لا يُغْلَب من خلال ما يملكه من مواقع القدرة المطلقة، ولا يُخطى‏ء في تقدير أيِّ شي‏ء من خلال حكمته المطلقة في معرفته بالأشياء {لَهُ مُلْكُ السمواتِ والأرض} فهو وحده المالك للسموات والأرض وما فيهنَّ، لأنَّ كلمة السموات تختزن ما فيها من عوالم، وكلمة الأرض تختزن ما فيها من موجودات.. فهو المالك وحده لكلِّ هذا، ما يعني أنَّ السموات والأرض في ظواهرها وموجوداتها كلِّها مملوكة له، فلا مالك غيره {يُحيي ويُميت} فكلُّ حيٍّ يأخذ الحياة منه، وكلُّ ميت ينزل به الموت من خلال أمره، ولذلك، فهو وحده الحيّ، لا من خلال حياة تأتيه من خارج {وهُوَ على كلِّ شي‏ء قدير} [الحديد: 2]، فهو الواحد أيضاً في وحدانية القدرة الشموليّة، وليس هناك غيره في ذلك، وهو {الأول} فلا شي‏ء قبله، وهذا هو الذي يشير إلى معنى الأزليّة {والآخر} فلا شي‏ء بعده، وهذا الذي يعطي معنى الأبدية {والظاهر} الذي يمثّل الظهور والكشف.. والإنسان لا يملك إلا أن يتصوّره ويتحسَّسه من خلال أنَّ ظهوره أكَّد حضورَه في النظرة الإنسانية {والباطن} الذي اختزن الأسرار التي لم يختزنها أحد، فلا يُدْرِك سرَّه أحد {هُوَ الأوّلُ والآخرُ والظّاهرُ والباطن وهُوَ بكُلِّ شي‏ءٍ عليم} [الحديد:3]، فعلمه اتّسع لكلِّ شي‏ء، ولا يمكن أن يغيب عن علمه أيُّ شي‏ء..

إنَّ الإمام السجّاد(ع) يرشدنا إلى هذه الصفات الإلهيّة التي وصف الله بها نفسه من أجل أن يعرفه الناس من خلالها، لا أن يعرفوه من خلال بعض التعقيدات الفلسفيّة وبعض التصوّرات التي لا تلتقي بحقيقة أوصافه الذاتية، لذلك يقول(ع): "فمن رام وراء ذلك هلك"، وهذا ما يفرض علينا أن نأخذ صفات الله من الله، ولا نأخذها من غيره سبحانه، لأنَّه العارف بنفسه، ولا يعرف ذاته إلا هو، وليس هذا معناه ألا نفكّر في فهم هذه الصفات، ولكنَّ الإمام(ع) يريد أن يقول، إنَّ علينا أن نقف عند صفات الله بما وصف به نفسه، ولا نتجاوزها إلى غير ذلك، لأننا لا نملك، ونحن المحدودون المرتبطون بالأوضاع الماديّة، أن نعرف المطلق، لأنَّ معرفتنا تنطلق من فكرة لها أسبابٌ مخصوصة، وتجربة لها موارد مخصوصة، ولا نملك أن نعرف ما يتجاوز تفكيرنا، لأننا لم نعش كلّ مفردات هذه الأسباب والموارد، ولا نستطيع أن نتجاوز تجربتنا في ذلك..

وعن أبي حمزة، قال: قال عليٌّ بن الحسين(ع): "إنَّ الله لا يُوصف بمحدوديّة"، يعني بالحدود الجسمانية، أو الأعمّ منها، بالحدود التي تعرض للصور الذهنيّة والحدود العقليّة المستلزمة للتركيب العقليّ، لأنَّ الصور الماديّة إنَّما هي صور المخلوقين، وهي التي تمثّل الشي‏ء المحدود الذي لا يمكن لك أن تتصوّر المطلق من خلاله.. وهكذا بالنسبة للصور الذهنيّة، أو الحدود العقلية المستلزمة للتركيب العقليّ، لأنَّ هذه الصور منطلقةٌ من خلال الحواس الخمس التي يعيشها الإنسان، وهي ما لا يمكن لها أن تُدرِك الخالق، وهكذا بالنسبة إلى التركيب العقليّ، فإنَّه ينطلق من خلال ما يتحسّسه الحسّ ليقدّمه إلى العقل الذي يصوغ الفكرة والتركيب من خلاله.. فكيف يُوصف بمحدوديّة مَنْ لا يُحَدّ {لا تُدْرِكُه الأبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وهُوَ اللّطيف البصير} [الأنعام:103].

هذا ما يتصل بالعقيدة في التوحيد وفي مسألة صفات الله، وقد أوضح(ع) المفاهيم الخاطئة مما كان يتحدّث به البعض في زمانه من مسألة محدوديّة صفات الله بالحدود المادية الجسميّة، أو بالصور الذهنية المنطلقة من خلال الصور الخارجيّة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية