قال أبو حمزة الثمالي: كنت يوماً عند علي بن الحسين (عليه السلام)، فإذا عصافير يطرن حوله ويصرخن، فقال لي: يا أبا حمزة، هل تدري ما تقول هذه العصافير؟ قلت لا، قال: فإنها تقدّس ربها و تسأله قوت يومها.
ومنها أنّه لما مات عليّ بن الحسين (عليه السلام)، وجدوه يقوت مائة بيت من أهل المدينة كان يحمل إليهم ما يحتاجون إليه.
وقال محمد بن إسحاق كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين (عليه السلام)، فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل.
وقال أبو حمزة الثمالي: كان زين العابدين (عليه السلام) يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل، فيتصدق به، ويقول إن صدقة السر تطفئ غضب الرب. ولما مات (عليه السلام) وغسّلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار في ظهره، فقالوا ما هذا؟ قيل: كان يحمل جرب الدقيق على ظهره ليلاً ويوصلها إلى فقراء المدينة سراً.
وقال ابن عائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين (عليه السلام).
وقال سفيان: أراد علي بن الحسين الخروج إلى الحج، فاتخذت له سكينة بنت الحسين أخته زاداً أنفقت عليه ألف درهم، فلما كان بظهر الحرة، سيرت ذلك إليه، فلم يزل يفرقه على المساكين.
وقال سعيد بن مرجانة: كنت يوماً عند علي بن الحسين، فقلت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله تعالى بكلّ إرب منها إرباً منه من النار، حتى إنه ليعتق باليد اليد، وبالرِّجل الرِّجل، وبالفرج الفرج. فقال عليّ (عليه السلام): أنت سمعت هذه من أبي هريرة؟ فقال سعيد نعم. فقال لغلام له أفره غلمانه، وكان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه: أنت حرّ لوجه الله تعالى.
قال رجل لسعيد بن المسيّب: ما رأيت رجلاً أورع من فلان لرجل سماه، فقال له سعيد: أما رأيت عليّ بن الحسين؟ فقال لا، فقال: ما رأيت أورع منه. وقال الزهري: لم أر هاشميّاً أفضل من عليّ بن الحسين (عليه السلام).
وقال أبو حازم كذلك أيضاً: ما رأيت هاشمياً أفضل من عليّ بن الحسين، وما رأيت أحداً كان أفقر منه.
وقال طاوس: رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) ساجداً في الحجر، فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيّب، لأسمعنّ ما يقول. فأصغيت إليه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك.
فوالله ما دعوت بهنّ في كربٍ إلا كشف عني. وكان يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، فإذا أصبح سقط مغشيّاً عليه، وكانت الريح تميله كالسنبلة. وكان يوماً خارجاً، فلقيه رجل فسبّه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال لهم عليّ: مهلاً، كفّوا. ثم أقبل على ذلك الرّجل فقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، فألقى إليه (عليه السّلام) خميصةً كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل.
الخميصة كساء أسود مربّع له علمان، فإن لم يكن معلَّماً فليس بخميصة.
وكان عنده (عليه السلام) قوم أضياف، فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور، فأقبل به الخادم مسرعاً، فسقط السفود منه على رأس بنيّ لعلي بن الحسين تحت الدرجة، فأصاب رأسه فقتله. فقال عليّ للغلام، وقد تحير الغلام واضطرب: أنت حرّ، فإنك لم تعتمده، وأخذ في جهاز ابنه و دفنه.
ومنها أنّه (عليه السلام) دخل على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل محمد يبكي، فقال له علي (عليه السلام): ما شأنك؟ فقال: عليَّ دين، فقال له: كم هو؟ فقال: خمسة عشر ألف دينار، فقال علي بن الحسين: هو عليَّ. فالتزمه عنه.
وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام): أوصاني أبي فقال: يا بنيّ، لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق .
فقلت: جعلت فداك يا أبة، من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبنّ فاسقاً، فإنه يبيعك بأكلة فما دونها .
فقلت: يا أبة، وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها .قال: قلت: يا أبة، ومن الثاني؟
قال: لا تصحبنّ البخيل، فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه.
قال: فقلت: ومن الثالث؟
قال: لا تصحبنّ كذاباً، فإنه بمنزلة السراب، يبعد منك القريب، ويقرب منك البعيد.
قال: فقلت: ومن الرابع .
قال: لا تصحبنّ أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك .
قال: قلت: يا أبه، من الخامس؟ قال: لا تصحبنّ قاطع رحم، فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع.
*كشف الغمّة في معرفة الأئمة، ج3.