رسالـة الحقـوق

رسالـة الحقـوق

إذا كان الإمام السجّاد(ع) ملأ الواقع بالغنى الروحيّ من جهة، فإنَّه من جهة أخرى أيضاً أوضح، وعلى قواعد روحية واجتماعية وتربوية وإنسانية، الحقوق التي فرضها الله تعالى على الناس، سواء في المستويات العامة أو الخاصة، كحقوق الحاكم والمحكوم، وحقوق الأب والأم والأولاد، وحقوق الجسد في كلِّ حواسه، وحقوق المجتمع في حركته الثقافية: كحقوق المعلم والمتعلّم والقاضي.. وما شاكل ذلك.

وقد أراد(ع) أن يثقّف الأمة بالحقوق الشرعيّة التي تترتب على كلِّ إنسان تجاه الإنسان الآخر، حتى يتوازن الناس في علاقاتهم ببعضهم البعض، بحيث يعرف كلُّ إنسان حقوقه وحقوق الآخرين؛ مع نفسه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده، والمحكوم مع الحاكم، والمعلّم والمتعلّم، ومع المسلمين كافة، ومع أهل الذمة، وما له وما عليه..

وعلى هذا، كان الإمام زين العابدين(ع) يحدّد في (رسالة الحقوق) لكلِّ إنسان ما له من الحقّ، وما عليه من حقّ، وأعتقد أنَّ من الضروريّ لكلِّ إنسان ـ ولا أقول لكلِّ مسلم ـ أن يقرأ (رسالة الحقوق)، حتى يوازن حركته في المجتمع أو في نفسه، وقبل كلّ ذلك حركته مع ربِّه، ليعرف حقَّ ربِّه عليه.. وهذه (الرسالة) نحتاج لأن نقرأها جيّداً، حتى نعيش في كلّ حياتنا معنى المسؤولية.. وخلاصة (رسالة الحقوق) تعبّر عن أنَّ الإنسان في الحياة هو إنسانٌ مسؤول، فالمسؤولية تحيط به من بين يديه ومن خلفه، وعند يمينه وشماله، وفي موقفه بين يدي ربِّه.. ونقرأ في هذه الصفحات شيئاً ممّا ذكره الإمام(ع) من حقوق الإنسان على نفسه.

حقّ النفس عليك

يقول الإمام زين العابدين(ع): "وأمَّا حقُّ نفسك عليك، أن تستعملها بطاعة الله عزَّ وجلَّ، فتؤدي إلى لسانك حقَّه، وإلى سمعك حقَّه، وإلى بصرك حقَّه، وإلى يدك حقَّها، وإلى رجلك حقَّها، وإلى بطنك حقَّه، وإلى فرجك حقَّه، وتستعين بالله على ذلك".

حقُّ اللسان

"أمَّا حَقُّ اللسان فإكرامُه عن الخَنَا ـ والخنا هي كلمات الغش والسباب والشتائم ـ وتعويده على الخير ـ بأن تدرّب لسانك على أن يقول كلمة الخير في كلِّ مواقعها، في نفسك وفي الآخرين ـ وحمله على الأدب ـ أي أن تحمله على الكلمات التي تمثّل أدبك مع ربِّك ومع الناس ومع كلِّ ما حولك، وذلك بأن تتكلّم الكلمات التي تفتح عقول الناس وقلوبهم عليك، ولا تثير حساسياتهم ولا تعمل على إثارة حالة الأذى في أنفسهم ـ وإجمامُه إلاّ لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا ـ أي أن تمسك لسانك إلا لموضع حاجة، ليكن الصمت هو الطابع، إلاَّ أن تكون الكلمة محلّ حاجة لك أو للآخرين، أما إذا كانت الكلمة لا تمثّل حاجةً لك في أمورك الخاصة والعامة ولا للاخرين ولا للرسالة، فأمسك لسانك عن لغو الكلام الذي لا يفيد ولا ينفع ـ وإعفاؤه عن الفضول ـ أي الكلام الذي لا داعي له ولا معنى ـ الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن شررها ـ أي الكلام الذي يمكن أن يؤدي إلى شرّ وإلى إضرار بالآخرين ـ مع قلّة عائدتها وبعض شاهد العقل والدليل عليه، وتزيّن العاقل بعقله حُسْنُ سيرته في لسانه" يعني ما يمثّل العاقل في عقله ويكون زينةً له في عقله، وما دلَّ الدليل والعقل عليه، هو أن يكون الإنسان حَسَن السيرة في مجتمعه مع الآخرين، حَسَن السيرة في لسانه..

وخلاصة الفكرة أن تعرف ـ أيها الإنسان ـ أنَّ الله أنطق لسانك من أجل أن تستعين به على قضاء حاجات الآخرين، وعلى أن تستعمله من أجل المزيد من الخير والهداية للنّاس، وإدخال السرور عليهم، ولا تستعمله في ما يضرّهم ويؤذيهم ويضلّهم..

حقُّ السّمع

"وأمَّا حقُّ السّمع فتنـزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك ـ لأنَّ السمعَ هو النافذة التي تطلُّ على العقل والقلب، فالكلمات تنطلق من الآخرين لتدخل من خلال هذه النافذة لتستقرّ بعقلك، ونحن نعرف أنَّ بعض الكلام الذي نسمعه قد يسي‏ء إلى عقولنا وقلوبنا وروحيتنا وهُدانا، وإلى مواقع الحقِّ فينا.. وهناك كلمات تهدينا وترشدنا وترتفع بمستوانا وتعمّق تفكيرنا.. لذلك، حاول أن تختار الكلمات التي تُدخلها إلى عقلك، لتكون كلماتٍ تنمّي عقلك وروحك وترتفع بك إلى ربِّك ـ إلاَّ لفوّهةٍ كريمة ـ أي نافذة ـتُحدث في قلبك خيراً ـ لتكون أيضاً الكلمات التي إذا سمعتها تجعل قلبك يعيش في أجواء الخير ـ أو تكسبك خلقاً كريماً ـ تعلّمك الصدق، والأمانة، والانفتاح على الله ـفإنَّه ـ أي السمع ـ بابُ الكلام إلى القلب ـ والمراد بالقلب العقل ـ يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خيرٍ أو شرّ"، فحاول أن يكون سمعك نافذةً على العقل، تعطي القلب والعقل ما يهديهما إلى الخير والحقّ والعدل وإلى القرب من الله سبحانه وتعالى، ولا تجعله نافذةً إلى الشرّ.

حقّ البصر

"وأمَّا حقُّ بصرك فَغضُّه عما لا يحلُّ لك {قُلْ للمؤمنينَ يَغُضُّوا منْ أبصارهم... وقُلْ للمؤمناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارِهنَّ} [النور:30_31]، وترك ابتذاله إلاَّ لموضع عبرةٍ تستقبلُ به بَصَراً أو تستفيدُ منه علماً، فإنَّ البصر بابُ الاعتبار"، يعني أن تستعمل بصرك للدراسة، وأن تحاول عندما تنظر إلى ما حولك وما فوقك وما تحتك، أن تنظر على أساس أن تستفيد منه عظة وعبرةً تستطيع من خلالهما أن تعطي لنفسك تجربةً جديدة وفكرة جديدة.

حقُّ الرِّجلين

"وأما حقُّ رجليك ألاَّ تمشي بهما إلى ما لا يحلُّ لك ـ أي إلى أماكن الخلاعة والفجور، وإلى مهرجانات الظالمين، وإلى اجتماعات المستكبرين ـ ولا تجعلهما مطيّتك في الطريق المستخفّ بأهلها فيها ـ فلا تحرّك رجليك بالطريقة التي يُسْتَخَفُّ بك فيها، أو تؤدي إلى اتهامك بما ليس فيك، أو تؤدي إلى إذلالك وإسقاط عزّتك وكرامتك ـ فإنَّها حاملتك وسالكةٌ بك مسلك الدين والسبق لك"، ولذا، يجب عليك أن تعمل على أن تحرّك رجليك إلى مواقع العدل والحقّ والجهاد، وإلى مواقع العمل في سبيل الله.. حرّك رجليك إلى الغايات التي يحبُّها الله ولا تحرّكهما إلى المواقع التي لا يرضاها، لأنَّ رجليك غداً سوف تطالبانك بحقهما.

حقُّ اليد

"وأمّا حقُّ يدك فألاَّ تبسطها إلى ما لا يحلّ لك ـ فلا تضرب إنساناً بغير حقّ، ولا تضرب ولدك بغير حقّ، أو زوجتك بغير حقّ، أو مَن هو أضعف منك.. لا تحرّك يدك إلى ما لا يحلُّ لك، لأنَّ اليد سوف تشهد عليك يوم القيامة، {وتُكلّمُنا أيديهم وتَشْهَدُ أرجُلُهم بما كانُوا يَكْسِبُون} [يس:65] ـ فتنالَ بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ـ في يوم القيامة.. إذا استعملت يدك في أكلٍ حرام أو ضربٍ حرام أو لعب حرامٍ أو شهوةٍ حرام، أو ما إلى ذلك، فإنَّك تنال العقوبة عند الله ـ ومن الناس اللائمة في العاجل، ولا تقبضها عما افترض اللهُ عليها ـ أي لا تمسك يدك عن المسؤوليات التي يريد الله لك أن تتحرّك فيها، فلا تمسك يدك عن الجهاد إذا كان الجهاد واجباً عليك، أو عن العطاء إذا كان العطاء واجباً عليك، وهكذا في كلِّ تلك الموارد ـ لكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحلّ لها ـ أي تمسكها عن الحرام ـ وبسطها إلى كثير مما ليس عليها ـ وتبسطها إلى الحلال، فإذا التزمت هذا البرنامج في حركة يدك، بأن منعتها عن الحرام وأطلقتها في الحلال ـفإذاً هي قد عقلت وشرفت في العاجل، ووجب لها حسن الثواب من الله في الأجل".

حقُّ البطن

"وأمَّا حقُّ بطنك فألا تجعله وعاءً لقليل من الحرام ولا لكثير ـ فلا تجعله صندوقاً من صناديق الحرام، تأكل فيه ما حرّم الله من مأكل ومشرب ـ وأن تقتصد له في الحلال ـ فلا تسرف في أكلك.. فإذا أكلت فاقتصد في أكلك على ما يحتاجه جسدك من ذلك كلِّه ـ ولا تخرجه من حدِّ التقوية إلى حدِّ التهوين وذهاب المروءة ـ يعني أن تجعل بطنك في ما تُدخله فيه من أجل تقوية جسدك لا من أجل العبث بما يخرجك عن حدِّ المروءة أو بما يضرّك في كلِّ مجال ـ فإنَّ الشبع المنتهي بصاحبه مكسلةٌ ومثبطةٌ ومقطعةٌ عن كلِّ بِرٍّ وكرم، وإنَّ الريّ المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفةٌ ومجهلةٌ ومذهبةٌ للمروءة".

كيف تتعاطى مع الشهوات؟

ثم يأتي الإمام زين العابدين(ع) إلى مسألة متعة الإنسان في شهواته، فيقول: "وأمَّا حقُّ فرجك فحِفْظُه مما لا يحلُّ لك ـ أن تحفظه من كلِّ ما حرّمه الله عليك من الزنا وغيره ـ والاستعانة عليه بغضّ البصر ـ فإنَّك إذا غضضتَ بصرك أمكنك أن تسيطر على شهواتك ـ فإنَّه من أعون الأعوان، وضبطه إذا همَّ بالجوع والظمأ ـ أن تحاول مجاهدة شهوتك، بأن تجوع قليلاً، وتظمأ قليلاً ليشغلك الجوع والظمأ عن التفكير بالشهوة التي قد تقودك إلى الحرام ـ وكثرة ذكر الموت ـ إذا جاءت شهوتك وأرادت أن تسيطر عليك لتقودك إلى الحرام، فاذكر الموت وما بعد الموت ـ والتهدّد لنفسك بالله ـ هدّدها وخوّفها بالله ـ والتخويف لها به وبالله العصمة والتأييد".

هذه هي باختصار حقوق أنفسنا علينا في أعضائنا، وعلينا أن نلتزم بها، حتى نستطيع أن نخلص بحاجات الجسد من الحرام، وننفتح على الحلال، لنقف غداً بين يدي الله، فلا يطالبنا لساننا بالاستخفاف بحقِّه، ولا تطالبنا بقية جوارحنا بذلك.. لأنَّ المسألة هي أنَّ على الإنسان أن يضبط حساباته في الدنيا من خلال كلِّ مسؤولياته، ليعرف كيف يقدّم الأجوبة، عندما ينطلق النداء من الله: {وَقِفُوهُم إنَّهم مَسْؤولُون} [الصافات:24].. وهذا هو خطّ أهل البيت(ع) في كلِّ حركة الإنسان في الحياة، فأهل البيت(ع) فكرٌ وحركة ومنهجٌ وجهاد وروحانية وقداسة.. أمَّا الدموع فهي عاطفتنا أمام المأساة، وأما فرحنا بهم فهو فرحنا بالرسالة، "أحيوا أمرنا ـ بإحياء رسالة الإسلام وتعاليمهم في خطِّ الإسلام ـ رحم اللهُ مَن أحيا أمرنا" في ذلك، فإذا كان هؤلاء العظماء قد انطلقوا من أجل الإسلام، فعلينا أن نسير في خطِّ الإسلام، خدمة لإسلامنا العظيم.

إذا كان الإمام السجّاد(ع) ملأ الواقع بالغنى الروحيّ من جهة، فإنَّه من جهة أخرى أيضاً أوضح، وعلى قواعد روحية واجتماعية وتربوية وإنسانية، الحقوق التي فرضها الله تعالى على الناس، سواء في المستويات العامة أو الخاصة، كحقوق الحاكم والمحكوم، وحقوق الأب والأم والأولاد، وحقوق الجسد في كلِّ حواسه، وحقوق المجتمع في حركته الثقافية: كحقوق المعلم والمتعلّم والقاضي.. وما شاكل ذلك.

وقد أراد(ع) أن يثقّف الأمة بالحقوق الشرعيّة التي تترتب على كلِّ إنسان تجاه الإنسان الآخر، حتى يتوازن الناس في علاقاتهم ببعضهم البعض، بحيث يعرف كلُّ إنسان حقوقه وحقوق الآخرين؛ مع نفسه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده، والمحكوم مع الحاكم، والمعلّم والمتعلّم، ومع المسلمين كافة، ومع أهل الذمة، وما له وما عليه..

وعلى هذا، كان الإمام زين العابدين(ع) يحدّد في (رسالة الحقوق) لكلِّ إنسان ما له من الحقّ، وما عليه من حقّ، وأعتقد أنَّ من الضروريّ لكلِّ إنسان ـ ولا أقول لكلِّ مسلم ـ أن يقرأ (رسالة الحقوق)، حتى يوازن حركته في المجتمع أو في نفسه، وقبل كلّ ذلك حركته مع ربِّه، ليعرف حقَّ ربِّه عليه.. وهذه (الرسالة) نحتاج لأن نقرأها جيّداً، حتى نعيش في كلّ حياتنا معنى المسؤولية.. وخلاصة (رسالة الحقوق) تعبّر عن أنَّ الإنسان في الحياة هو إنسانٌ مسؤول، فالمسؤولية تحيط به من بين يديه ومن خلفه، وعند يمينه وشماله، وفي موقفه بين يدي ربِّه.. ونقرأ في هذه الصفحات شيئاً ممّا ذكره الإمام(ع) من حقوق الإنسان على نفسه.

حقّ النفس عليك

يقول الإمام زين العابدين(ع): "وأمَّا حقُّ نفسك عليك، أن تستعملها بطاعة الله عزَّ وجلَّ، فتؤدي إلى لسانك حقَّه، وإلى سمعك حقَّه، وإلى بصرك حقَّه، وإلى يدك حقَّها، وإلى رجلك حقَّها، وإلى بطنك حقَّه، وإلى فرجك حقَّه، وتستعين بالله على ذلك".

حقُّ اللسان

"أمَّا حَقُّ اللسان فإكرامُه عن الخَنَا ـ والخنا هي كلمات الغش والسباب والشتائم ـ وتعويده على الخير ـ بأن تدرّب لسانك على أن يقول كلمة الخير في كلِّ مواقعها، في نفسك وفي الآخرين ـ وحمله على الأدب ـ أي أن تحمله على الكلمات التي تمثّل أدبك مع ربِّك ومع الناس ومع كلِّ ما حولك، وذلك بأن تتكلّم الكلمات التي تفتح عقول الناس وقلوبهم عليك، ولا تثير حساسياتهم ولا تعمل على إثارة حالة الأذى في أنفسهم ـ وإجمامُه إلاّ لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا ـ أي أن تمسك لسانك إلا لموضع حاجة، ليكن الصمت هو الطابع، إلاَّ أن تكون الكلمة محلّ حاجة لك أو للآخرين، أما إذا كانت الكلمة لا تمثّل حاجةً لك في أمورك الخاصة والعامة ولا للاخرين ولا للرسالة، فأمسك لسانك عن لغو الكلام الذي لا يفيد ولا ينفع ـ وإعفاؤه عن الفضول ـ أي الكلام الذي لا داعي له ولا معنى ـ الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن شررها ـ أي الكلام الذي يمكن أن يؤدي إلى شرّ وإلى إضرار بالآخرين ـ مع قلّة عائدتها وبعض شاهد العقل والدليل عليه، وتزيّن العاقل بعقله حُسْنُ سيرته في لسانه" يعني ما يمثّل العاقل في عقله ويكون زينةً له في عقله، وما دلَّ الدليل والعقل عليه، هو أن يكون الإنسان حَسَن السيرة في مجتمعه مع الآخرين، حَسَن السيرة في لسانه..

وخلاصة الفكرة أن تعرف ـ أيها الإنسان ـ أنَّ الله أنطق لسانك من أجل أن تستعين به على قضاء حاجات الآخرين، وعلى أن تستعمله من أجل المزيد من الخير والهداية للنّاس، وإدخال السرور عليهم، ولا تستعمله في ما يضرّهم ويؤذيهم ويضلّهم..

حقُّ السّمع

"وأمَّا حقُّ السّمع فتنـزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك ـ لأنَّ السمعَ هو النافذة التي تطلُّ على العقل والقلب، فالكلمات تنطلق من الآخرين لتدخل من خلال هذه النافذة لتستقرّ بعقلك، ونحن نعرف أنَّ بعض الكلام الذي نسمعه قد يسي‏ء إلى عقولنا وقلوبنا وروحيتنا وهُدانا، وإلى مواقع الحقِّ فينا.. وهناك كلمات تهدينا وترشدنا وترتفع بمستوانا وتعمّق تفكيرنا.. لذلك، حاول أن تختار الكلمات التي تُدخلها إلى عقلك، لتكون كلماتٍ تنمّي عقلك وروحك وترتفع بك إلى ربِّك ـ إلاَّ لفوّهةٍ كريمة ـ أي نافذة ـتُحدث في قلبك خيراً ـ لتكون أيضاً الكلمات التي إذا سمعتها تجعل قلبك يعيش في أجواء الخير ـ أو تكسبك خلقاً كريماً ـ تعلّمك الصدق، والأمانة، والانفتاح على الله ـفإنَّه ـ أي السمع ـ بابُ الكلام إلى القلب ـ والمراد بالقلب العقل ـ يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خيرٍ أو شرّ"، فحاول أن يكون سمعك نافذةً على العقل، تعطي القلب والعقل ما يهديهما إلى الخير والحقّ والعدل وإلى القرب من الله سبحانه وتعالى، ولا تجعله نافذةً إلى الشرّ.

حقّ البصر

"وأمَّا حقُّ بصرك فَغضُّه عما لا يحلُّ لك {قُلْ للمؤمنينَ يَغُضُّوا منْ أبصارهم... وقُلْ للمؤمناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارِهنَّ} [النور:30_31]، وترك ابتذاله إلاَّ لموضع عبرةٍ تستقبلُ به بَصَراً أو تستفيدُ منه علماً، فإنَّ البصر بابُ الاعتبار"، يعني أن تستعمل بصرك للدراسة، وأن تحاول عندما تنظر إلى ما حولك وما فوقك وما تحتك، أن تنظر على أساس أن تستفيد منه عظة وعبرةً تستطيع من خلالهما أن تعطي لنفسك تجربةً جديدة وفكرة جديدة.

حقُّ الرِّجلين

"وأما حقُّ رجليك ألاَّ تمشي بهما إلى ما لا يحلُّ لك ـ أي إلى أماكن الخلاعة والفجور، وإلى مهرجانات الظالمين، وإلى اجتماعات المستكبرين ـ ولا تجعلهما مطيّتك في الطريق المستخفّ بأهلها فيها ـ فلا تحرّك رجليك بالطريقة التي يُسْتَخَفُّ بك فيها، أو تؤدي إلى اتهامك بما ليس فيك، أو تؤدي إلى إذلالك وإسقاط عزّتك وكرامتك ـ فإنَّها حاملتك وسالكةٌ بك مسلك الدين والسبق لك"، ولذا، يجب عليك أن تعمل على أن تحرّك رجليك إلى مواقع العدل والحقّ والجهاد، وإلى مواقع العمل في سبيل الله.. حرّك رجليك إلى الغايات التي يحبُّها الله ولا تحرّكهما إلى المواقع التي لا يرضاها، لأنَّ رجليك غداً سوف تطالبانك بحقهما.

حقُّ اليد

"وأمّا حقُّ يدك فألاَّ تبسطها إلى ما لا يحلّ لك ـ فلا تضرب إنساناً بغير حقّ، ولا تضرب ولدك بغير حقّ، أو زوجتك بغير حقّ، أو مَن هو أضعف منك.. لا تحرّك يدك إلى ما لا يحلُّ لك، لأنَّ اليد سوف تشهد عليك يوم القيامة، {وتُكلّمُنا أيديهم وتَشْهَدُ أرجُلُهم بما كانُوا يَكْسِبُون} [يس:65] ـ فتنالَ بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ـ في يوم القيامة.. إذا استعملت يدك في أكلٍ حرام أو ضربٍ حرام أو لعب حرامٍ أو شهوةٍ حرام، أو ما إلى ذلك، فإنَّك تنال العقوبة عند الله ـ ومن الناس اللائمة في العاجل، ولا تقبضها عما افترض اللهُ عليها ـ أي لا تمسك يدك عن المسؤوليات التي يريد الله لك أن تتحرّك فيها، فلا تمسك يدك عن الجهاد إذا كان الجهاد واجباً عليك، أو عن العطاء إذا كان العطاء واجباً عليك، وهكذا في كلِّ تلك الموارد ـ لكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحلّ لها ـ أي تمسكها عن الحرام ـ وبسطها إلى كثير مما ليس عليها ـ وتبسطها إلى الحلال، فإذا التزمت هذا البرنامج في حركة يدك، بأن منعتها عن الحرام وأطلقتها في الحلال ـفإذاً هي قد عقلت وشرفت في العاجل، ووجب لها حسن الثواب من الله في الأجل".

حقُّ البطن

"وأمَّا حقُّ بطنك فألا تجعله وعاءً لقليل من الحرام ولا لكثير ـ فلا تجعله صندوقاً من صناديق الحرام، تأكل فيه ما حرّم الله من مأكل ومشرب ـ وأن تقتصد له في الحلال ـ فلا تسرف في أكلك.. فإذا أكلت فاقتصد في أكلك على ما يحتاجه جسدك من ذلك كلِّه ـ ولا تخرجه من حدِّ التقوية إلى حدِّ التهوين وذهاب المروءة ـ يعني أن تجعل بطنك في ما تُدخله فيه من أجل تقوية جسدك لا من أجل العبث بما يخرجك عن حدِّ المروءة أو بما يضرّك في كلِّ مجال ـ فإنَّ الشبع المنتهي بصاحبه مكسلةٌ ومثبطةٌ ومقطعةٌ عن كلِّ بِرٍّ وكرم، وإنَّ الريّ المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفةٌ ومجهلةٌ ومذهبةٌ للمروءة".

كيف تتعاطى مع الشهوات؟

ثم يأتي الإمام زين العابدين(ع) إلى مسألة متعة الإنسان في شهواته، فيقول: "وأمَّا حقُّ فرجك فحِفْظُه مما لا يحلُّ لك ـ أن تحفظه من كلِّ ما حرّمه الله عليك من الزنا وغيره ـ والاستعانة عليه بغضّ البصر ـ فإنَّك إذا غضضتَ بصرك أمكنك أن تسيطر على شهواتك ـ فإنَّه من أعون الأعوان، وضبطه إذا همَّ بالجوع والظمأ ـ أن تحاول مجاهدة شهوتك، بأن تجوع قليلاً، وتظمأ قليلاً ليشغلك الجوع والظمأ عن التفكير بالشهوة التي قد تقودك إلى الحرام ـ وكثرة ذكر الموت ـ إذا جاءت شهوتك وأرادت أن تسيطر عليك لتقودك إلى الحرام، فاذكر الموت وما بعد الموت ـ والتهدّد لنفسك بالله ـ هدّدها وخوّفها بالله ـ والتخويف لها به وبالله العصمة والتأييد".

هذه هي باختصار حقوق أنفسنا علينا في أعضائنا، وعلينا أن نلتزم بها، حتى نستطيع أن نخلص بحاجات الجسد من الحرام، وننفتح على الحلال، لنقف غداً بين يدي الله، فلا يطالبنا لساننا بالاستخفاف بحقِّه، ولا تطالبنا بقية جوارحنا بذلك.. لأنَّ المسألة هي أنَّ على الإنسان أن يضبط حساباته في الدنيا من خلال كلِّ مسؤولياته، ليعرف كيف يقدّم الأجوبة، عندما ينطلق النداء من الله: {وَقِفُوهُم إنَّهم مَسْؤولُون} [الصافات:24].. وهذا هو خطّ أهل البيت(ع) في كلِّ حركة الإنسان في الحياة، فأهل البيت(ع) فكرٌ وحركة ومنهجٌ وجهاد وروحانية وقداسة.. أمَّا الدموع فهي عاطفتنا أمام المأساة، وأما فرحنا بهم فهو فرحنا بالرسالة، "أحيوا أمرنا ـ بإحياء رسالة الإسلام وتعاليمهم في خطِّ الإسلام ـ رحم اللهُ مَن أحيا أمرنا" في ذلك، فإذا كان هؤلاء العظماء قد انطلقوا من أجل الإسلام، فعلينا أن نسير في خطِّ الإسلام، خدمة لإسلامنا العظيم.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية