زوجتي تقيّد حريتي: ماذا أفعل؟

زوجتي تقيّد حريتي: ماذا أفعل؟

استشارة..
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زوجتي كثيرة الإلحاح والضغط عليَّ، إذ إنها تتصل بي دوماً لأترك أصدقائي وأرجع إلى البيت، وكأنها تريد أن تحبسني في سجنها...

أشعر بضغط نفسيٍّ كبيرٍ، لدرجة أنني أحياناً أختلق بعض الأكاذيب لأنال بعض الحرية، وأتحجج بشراء بعض المستلزمات المنزليَّة لأخرج من المنزل وأجلس مع أصدقائي قليلاً. أفكر اليوم في طرح مشروع استثماري يحقق دخلاً إضافياً لعائلتي، ولكنها لا تقبل وتصر عليَّ أن أبقى إلى جانبها فقط.

هذا النوع من الحبّ يسبب لدي حالة من النفور منها. أتمنى دعمكم في حلّ هذه المشكلة، ولكم كلّ التقدير.

وجواب..
تعتبر الحياة الزوجيَّة مختبراً لحكمة الزوجين وصبرهما، لأنّ كلاً منهما سيجد عند الآخر ما يكرهه فيه ويزعجه صدوره منه، إضافةً إلى ما سيجده عنده مما يرضيه ويحبّه، ذلك أنَّ شخصية كلّ من الزوج والزوجة، لها صفاتها الخاصة التي تختلف عن صفات الآخر، وهي تلك الَّتي يجلبها معه الشريك فيما ورثه من صفات، أو اكتسبه من التربية والمحيط، أو ألفه من عادات وتقاليد.

لذا، فإنَّ على كلّ من الزوجين أن يتوقَّع الكثير من المفاجآت في علاقته في الآخر، مما سيكتشف عنه من تصرفات لا ترضي الآخر ولا تريحه، وأن يتهيأ لها ويتفكَّر ملياً في ردود فعله عليها. وكلما كانت الصفات والبيئة والتقاليد مختلفة، لجهة اللون والجنس واللغة والموطن والمستوى الثقافي والعمر والمستوى الاجتماعي، اشتدت النفرة بينهما، وصعب التكيف، وكثر الاختلاف والتصادم. والمؤسف أنَّ الكثير من الأزواج لا يلتفتون إلى ذلك، فيصدم ويندهش بما يرى من توترات ومشاكل واختلاف في كثير من الأمور التي قد تكون تافهة وضئيلة الأهمية، مثل اختلافهم في أساليب التواصل العاطفي والجنسي وأوقاته، واختلافهم حول نوع العلاقة مع الأهل والأصدقاء والأقارب والجيران، واختلافهم حول الإنجاب وطرق التربية، واختلافهم حول النوم والسهر والنزهة والعمل والمال والسكن والأثاث والطعام، وغير ذلك مما لا يكاد يحصى.

هذا الاختلاف هو حالة حقيقيَّة وطبيعيَّة وحتميَّة، ولن يقلّل منها إلا إذا صادف توافق الزوجين في كثير من العادات، وتقاربهما في كثير من الأذواق والأمزجة، وهو مجرد مصادفة وحسن حظ ولطف إلهي، وربما كان هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[التغابن: 14].
إذاً، لا حل لهذه المشكلة، ولا مخرج من هذه الأزمة إلا حين يدخل كل من الزوجين القفص الذهبي واعياً لهذه المفارقة، مدركاً لأسبابها، عازماً على الرضى بها والتكيف معها، وموطناً نفسه لتدارك آثارها بالصبر والحكمة. وهنا مشكلة الكثير من الأزواج والزوجات، فإنَّ الذي نفشل فيه ونهزم عنده، هو عجزنا عن التعاطي مع هذه الاختلافات بروية وكظم الغيظ والحكمة، وإصرارنا على مواجهتها بالانفعال والأنانية والغطرسة وقهر الآخر، وكثيراً ما تكون المرأة هي الضحية.

إنّ الشريك الحكيم والواعي، هو الذي يمر على هذه الاختلافات مرور الكرام، ويدع الجدال والتصعيد في ردود الفعل، ويتنازل ويضحي أمام الآخر.

وهنا نقول لك تعقيباً على مشكلتك: إنَّ الزوجة حين تدخل بيت زوجها، تأتي وهي تحمل معها تراكمات من السعادة أو من المعاناة في بيت أهلها، كما تحمل معها مخاوف وهواجس وآمالاً، وهي ستعيش فجأة في جوٍّ آخر مختلف عن جوها العائلي، وستشعر بالعزلة والوحشة بعدما فقدت في أهلها الأنيس، حيث كانت تتسلى بالتَّحادث معهم وبمشاركتهم في أعمالهم واهتماماتهم المنزلية المتنوعة، من تسوق واستقبال ضيوف، وإذا بها وحيدة بعد ذهاب زوجها إلى عمله، أو لعلاقاته وارتباطاته خارج دوام العمل، فتزعجها الوحدة حتى لو صار عندها أولاد. لذا يفترض بالرجل أن يلتفت إلى ذلك، وأن يدرس ويتفهم حالة زوجته النفسية، ويحاول التواجد إلى جانبها وإشعارها بالطمأنينة، ومساعدتها للانسجام مع محيطها الجديد، وخصوصاً في السنة الأولى لزواجها، وقبل أن يصبح عندها ولد، وعليه أن يعدل في حركة نشاطه وعلاقاته، فيوازن فيها بين وضعه المنزلي والتزاماته الاجتماعية السابقة تجاه أهله وأصدقائه.

كذلك، فإنَّ على الزوجة أن تقدّر ارتباطات زوجها وظروفه الخاصّة، وأن تحاول ملء أوقات فراغها بأمور نافعة تخفف فيها من وطأة شعورها بالوحدة، وأن تعتبر أن لها من زوجها بعض وقته، وليس جميع وقته، وأن عليها أن لا تحاصره بعواطفها وأشواقها، كما أن عليها أن لا تحاصره بغيرتها، وهو أصعب ما تبتلى به المرأة، فإنها إنَّ أذت زوجها بمثل ذلك ستأثم، وربما فقدت حبه وساهمت بتهديم سعادتها.

مرسل الاستشارة: أبو منتظر.
 المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).

استشارة..
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زوجتي كثيرة الإلحاح والضغط عليَّ، إذ إنها تتصل بي دوماً لأترك أصدقائي وأرجع إلى البيت، وكأنها تريد أن تحبسني في سجنها...

أشعر بضغط نفسيٍّ كبيرٍ، لدرجة أنني أحياناً أختلق بعض الأكاذيب لأنال بعض الحرية، وأتحجج بشراء بعض المستلزمات المنزليَّة لأخرج من المنزل وأجلس مع أصدقائي قليلاً. أفكر اليوم في طرح مشروع استثماري يحقق دخلاً إضافياً لعائلتي، ولكنها لا تقبل وتصر عليَّ أن أبقى إلى جانبها فقط.

هذا النوع من الحبّ يسبب لدي حالة من النفور منها. أتمنى دعمكم في حلّ هذه المشكلة، ولكم كلّ التقدير.

وجواب..
تعتبر الحياة الزوجيَّة مختبراً لحكمة الزوجين وصبرهما، لأنّ كلاً منهما سيجد عند الآخر ما يكرهه فيه ويزعجه صدوره منه، إضافةً إلى ما سيجده عنده مما يرضيه ويحبّه، ذلك أنَّ شخصية كلّ من الزوج والزوجة، لها صفاتها الخاصة التي تختلف عن صفات الآخر، وهي تلك الَّتي يجلبها معه الشريك فيما ورثه من صفات، أو اكتسبه من التربية والمحيط، أو ألفه من عادات وتقاليد.

لذا، فإنَّ على كلّ من الزوجين أن يتوقَّع الكثير من المفاجآت في علاقته في الآخر، مما سيكتشف عنه من تصرفات لا ترضي الآخر ولا تريحه، وأن يتهيأ لها ويتفكَّر ملياً في ردود فعله عليها. وكلما كانت الصفات والبيئة والتقاليد مختلفة، لجهة اللون والجنس واللغة والموطن والمستوى الثقافي والعمر والمستوى الاجتماعي، اشتدت النفرة بينهما، وصعب التكيف، وكثر الاختلاف والتصادم. والمؤسف أنَّ الكثير من الأزواج لا يلتفتون إلى ذلك، فيصدم ويندهش بما يرى من توترات ومشاكل واختلاف في كثير من الأمور التي قد تكون تافهة وضئيلة الأهمية، مثل اختلافهم في أساليب التواصل العاطفي والجنسي وأوقاته، واختلافهم حول نوع العلاقة مع الأهل والأصدقاء والأقارب والجيران، واختلافهم حول الإنجاب وطرق التربية، واختلافهم حول النوم والسهر والنزهة والعمل والمال والسكن والأثاث والطعام، وغير ذلك مما لا يكاد يحصى.

هذا الاختلاف هو حالة حقيقيَّة وطبيعيَّة وحتميَّة، ولن يقلّل منها إلا إذا صادف توافق الزوجين في كثير من العادات، وتقاربهما في كثير من الأذواق والأمزجة، وهو مجرد مصادفة وحسن حظ ولطف إلهي، وربما كان هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[التغابن: 14].
إذاً، لا حل لهذه المشكلة، ولا مخرج من هذه الأزمة إلا حين يدخل كل من الزوجين القفص الذهبي واعياً لهذه المفارقة، مدركاً لأسبابها، عازماً على الرضى بها والتكيف معها، وموطناً نفسه لتدارك آثارها بالصبر والحكمة. وهنا مشكلة الكثير من الأزواج والزوجات، فإنَّ الذي نفشل فيه ونهزم عنده، هو عجزنا عن التعاطي مع هذه الاختلافات بروية وكظم الغيظ والحكمة، وإصرارنا على مواجهتها بالانفعال والأنانية والغطرسة وقهر الآخر، وكثيراً ما تكون المرأة هي الضحية.

إنّ الشريك الحكيم والواعي، هو الذي يمر على هذه الاختلافات مرور الكرام، ويدع الجدال والتصعيد في ردود الفعل، ويتنازل ويضحي أمام الآخر.

وهنا نقول لك تعقيباً على مشكلتك: إنَّ الزوجة حين تدخل بيت زوجها، تأتي وهي تحمل معها تراكمات من السعادة أو من المعاناة في بيت أهلها، كما تحمل معها مخاوف وهواجس وآمالاً، وهي ستعيش فجأة في جوٍّ آخر مختلف عن جوها العائلي، وستشعر بالعزلة والوحشة بعدما فقدت في أهلها الأنيس، حيث كانت تتسلى بالتَّحادث معهم وبمشاركتهم في أعمالهم واهتماماتهم المنزلية المتنوعة، من تسوق واستقبال ضيوف، وإذا بها وحيدة بعد ذهاب زوجها إلى عمله، أو لعلاقاته وارتباطاته خارج دوام العمل، فتزعجها الوحدة حتى لو صار عندها أولاد. لذا يفترض بالرجل أن يلتفت إلى ذلك، وأن يدرس ويتفهم حالة زوجته النفسية، ويحاول التواجد إلى جانبها وإشعارها بالطمأنينة، ومساعدتها للانسجام مع محيطها الجديد، وخصوصاً في السنة الأولى لزواجها، وقبل أن يصبح عندها ولد، وعليه أن يعدل في حركة نشاطه وعلاقاته، فيوازن فيها بين وضعه المنزلي والتزاماته الاجتماعية السابقة تجاه أهله وأصدقائه.

كذلك، فإنَّ على الزوجة أن تقدّر ارتباطات زوجها وظروفه الخاصّة، وأن تحاول ملء أوقات فراغها بأمور نافعة تخفف فيها من وطأة شعورها بالوحدة، وأن تعتبر أن لها من زوجها بعض وقته، وليس جميع وقته، وأن عليها أن لا تحاصره بعواطفها وأشواقها، كما أن عليها أن لا تحاصره بغيرتها، وهو أصعب ما تبتلى به المرأة، فإنها إنَّ أذت زوجها بمثل ذلك ستأثم، وربما فقدت حبه وساهمت بتهديم سعادتها.

مرسل الاستشارة: أبو منتظر.
 المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية