حرمة المؤمن عند الله
في المنهج الإسلامي الأخلاقي، في علاقة المؤمنين ببعضهم البعض، لا يجوز لمؤمن أن يؤذي مؤمناً أو مؤمنةً، حتى ورد في القرآن الكريم: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} (الأحزاب:58). فالله تعالى جعل للمؤمن حرمةً عنده، وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق(ع)، أنه كان إلى جانب الكعبة، فالتفت إلى بعض أصحابه وقال: "أترى إلى هذه الكعبة ما هي حرمتها عند الله"؟ قال: بلى، فقال(ع): "إن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة سبعين مرة". فالأماكن المقدّسة لها قدسيتها، ولا يجوز للإنسان أن ينتهك حرمتها، ولكن حرمة الإنسان المؤمن عند الله أعظم من حرمة الأماكن المقدّسة، بما فيها الكعبة.
وعلى ضوء هذا، أراد الله تعالى للمؤمنين أن يحترموا بعضهم بعضاً، وأن لا يؤذي مؤمن مؤمناً، سواء كانت المسألة بين الأب وأولاده، خصوصاً أنّ بعض الآباء يتصوّر بأن أبناءه ملك له، ولكن هذا ليس صحيحاً، أو كانت المسألة بين الولد وأبويه، أو بين الزوج وزوجته، كذلك بالنسبة إلى الأخ الأكبر الذي قد يرى لنفسه الحرية في أن يؤذي أخواته، فيمنع أخته من أن تتزوّج، مثلاً، الكفؤ الذي يتقدّم لها، مع أن الله تعالى لم يسلّطه على أخواته. فلا يجوز للمؤمن أن يؤذي زوجته، فيضربها ويحتقرها ويطردها من بيته، ولا يجوز للزوجة أن تؤذي زوجها بأن تمنعه حقه وتتمرد عليه، فالحقوق في الإسلام متبادلة. وهكذا، عندما يكون هناك إنسان قوياً وآخر ضعيفاً، فلا يجوز للقوي أن يؤذي الضعيف، فيسبّه ويشتمه ويحتقره.
هذا خط لا بد من أن نلتزم به، لأنّ لدينا الكثير من العادات التي أخذناها من تراث الجاهلية، فالأخ الأكبر يعتبر نفسه مسيطراً على العائلة كلها، والزوج يرى لنفسه الحرية في أن يضطهد زوجته، فيؤذيها أو يهجرها ويحتقرها، وهكذا... ولكنّ الإسلام حثّ المؤمن على احترام المؤمن الآخر، وحرّم عليه إيذاءه بأي نوع من أنواع الإيذاء. هذه هي الفكرة العامة، ولنحاول أن نقرأ بعض ما ورد عن أهل البيت(ع) في هذا المجال.
النهي عن أذية المؤمن
ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: "قال الله عزّ وجلّ ـ وهو من الأحاديث القدسية التي يرويها الأئمة(ع) عن الله تعالى ـ ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن". فإذا دخل أحد الحرب مع الله، فلمن ستكون الغلبة؟!
وفي الحديث عنه(ع) قال: "إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ: أين الصَّدود لأوليائي ـ المعرض بوجهه عنهم تكبراً واحتقاراً ـ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم ـ أظهروا لهم العداوة ـ وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم". وعنه(ع) يقول: "من حقّر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين، لم يزل الله حاقراً له، ماقتاً، حتى يرجع عن محقّرته له".
وعن النبي(ص): "قال الله عزّ وجلّ: قد نابذني ـ خالفني ـ من أذلّ عبدي المؤمن"، وعنه(ص): "قال الله عزّ وجلّ: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي، وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها".
وعن الإمام الصادق(ع): "من استذلَّ مؤمناً واستحقره لقلة ذات يده وفقره، شهّره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق"، وفي الحديث عن الباقر(ع) أو الصادق(ع): "أقرب ما يكون العبد إلى الكفر، أن يؤاخي الرجل على الدين ليحصي عليه عثراته وزلاته، ليعنّفه بها يوماً ما". وكم من أناس صادقوا آخرين ليسجّلوا عليهم زلاتهم، حتى إذا ما حدثت مشكلة بينهما، هدّده بما يعرفه عنه، فالإمام(ع) يؤكد أن هذا الخُلق السلبي يقرّب الإنسان إلى الكفر. وعن الإمام الصادق(ع): "قال رسول الله(ص): ـ وهو يخاطب بعض المسلمين ـ يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم تتَّبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته".
هذا هو الخط الإسلامي في العلاقة بين المؤمنين، لأن الله تعالى قد حدّ حدوداً في تشريعاته، في علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، وأراد لهذه العلاقة أن تنطلق على أساس الأخوّة التي تفرض الاحترام والتعاون، ولذلك لا بد لنا من أن نأخذ بهذا الخط الأخلاقي الإسلامي، حتى نحصل على مجتمع متعاون منفتح يحترم فيه الإنسان الإنسان الآخر، لكي يكون هذا المجتمع مجتمع العزة والقوة والكرامة، عندما ينطلق الجميع من أجل التعاون على البرّ والتقوى والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا المرحلة الصعبة التي يمر فيها الإسلام والمسلمون، والتي يعاني فيها المستضعفون من قبل الاستكبار العالمي، بمسؤولية ووعي، فإن على المسلمين جميعاً أن يكون لهم إلى جانب الوعي الإسلامي، الوعي السياسي، ليفهموا خلفيات الأمور وامتدادات القضايا، ليعرفوا كيف يواجهونها من موقع المسؤولية، لأننا في واقعنا الحاضر نعيش حرباً بين المستكبرين والمستضعفين، وبين الإسلام والكفر، وعلينا مواجهة ذلك بكل وعي وقوة ومسؤولية، فماذا هناك:
العرب وإنهاء القضية الفلسطينية
في المشهد الفلسطيني، تواصل إسرائيل اجتياح بعض المناطق في الضفة الغربية، وتغتال المزيد من الفلسطينيين بطريقة وحشية، وتقتل الناس الآمنين في منازلهم، وآخرهم فتاة في ربيع العمر، وتقصف بطائراتها وصواريخها الناس في غزة، استمراراً للضغط على الشعب الفلسطيني، لإحراج الحكومة والسلطة الفلسطينية في إنهاء الهدنة التي التزمت بها المقاومة، ولإرباك الأمن الداخلي الذي حاولت الحكومة الجديدة نشره في مناطق مسؤولياتها... وكان من الطبيعي أن تنطلق فصائل الانتفاضة بمختلف أطيافها للرد على هذا العدوان الوحشي، بقصف مستوطنات العدو الذي أطلق تهديده باجتياح غزة من جديد، كما لو كان يريد من المجاهدين أن يتقبّلوا الاجتياح والاغتيال والاعتقال من دون ردّ...
ومن المستغرب أن هذا العدوان لم يجابه بأي تحرّك من الدول العربية التي تلهث خلف إسرائيل لتستجدي منها السلام الذي لن يأتي إلا بعد تقديم التنازلات في التطبيع السياسي والاقتصادي والأمني، بما يمثل حالة الاستسلام، وهذا ما بتنا نسمعه من أكثر من مسؤول عربي يؤكد للإسرائيليين أن من حقهم رفض أي بندٍ من بنود المبادرة العربية، وأن من الممكن تبديل حق العودة بالتعويضات المالية للاّجئين من قِبَل الدول العربية الغنية، إضافة إلى إسرائيل، والتصدّي لأي موقف عربي يرفض ذلك.
إن مشكلة هذا العصر العربي، أنه يريد إنهاء القضية الفلسطينية بأكبر قدر من الخسائر الوطنية، حتى لو أدّى ذلك إلى منح إسرائيل الحق في استكمال استراتيجيتها في السيطرة على أكبر قدر من الأرض الفلسطينية، ما يجعل الدولة الفلسطينية التي يستهلك الرئيس الأمريكي واللجنة الرباعية الدولية الحديث عنها بين وقت وآخر، لا تملك القابلية للحياة، بعد مصادرة أكثر مواقعها الطبيعية الجغرافية، ومحاصرتها بالمستوطنات الكبرى والجدار العنصري العازل، وتمزيق البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني في القدس وفي الضفة الغربية، مع إعلان إسرائيلي حاسم بأن التنازل عما اعتبرته إسرائيل حدودها الطبيعية، يمثل انتحاراً سياسياً لا يقبل به أي إسرائيلي.
محاولات تفريغ المبادرة العربية من مضمونها
إننا نلاحظ حركة الموفدين الأمريكيين، وفي مقدّمهم وزيرة خارجية أمريكا، رايس، وترديدهم الحديث عن الحل النهائي للصراع، ولكن بتشجيع العرب ـ من ناحية سياسية وأمنية ـ على تفريغ المبادرة العربية من عناصرها الرئيسة التي تمثل الخط الاستراتيجي للسياسة العربية المعلنة، وقد تحدّث الإعلام أخيراً أن أمريكا تحاول تعديل القرار 194 الذي يؤكد حقّ العودة بما يكفل إلغاء هذا الحق، تفادياً للإحراج الأمريكي الإسرائيلي للامتناع عن تطبيق هذا القرار.
إنّ الوضع في فلسطين يسير في طريق التدهور الأمني الذي تمارسه إسرائيل في تهديداتها العسكرية، ولكنه في الوقت نفسه يدخلها في المأزق الذي تواجهه من خلال وحدة الفصائل الفلسطينية المجاهدة في التحدي وردّ التحدي، كما أنه يقوم بإحراج الوسط العربي الرسمي الذي يستغرق في حال اللامبالاة إزاء ما يحدث للفلسطينيين، حفاظاً على التزاماته السياسية في خطابه لإسرائيل... وبعيداً عن مواقف ومشاعر الجماهير الشعبية التي لا يحترمها حكامها المفروضون عليها أمريكياً من جهة، وتاريخياً من جهة أخرى. والمطلوب من الشعب الفلسطيني الذي يعيش المأساة تلو المأساة في مواجهة الاحتلال، أن يدرك خطورة المرحلة في مستقبل قضيته الوطنية، ليرتفع إلى مستوى المسؤولية في الوقوف مع خط الوحدة الوطنية الجامعة، ورفض الأوهام التي يحاول البعض إثارتها في الوجدان الفلسطيني السياسي.
أمريكا تمارس إرهاب الدولة
وفي المشهد الأمريكي، تواصل الإدارة الأمريكية فرض العقوبات ضد الجهات المعارضة لسياستها، انطلاقاً من اعتبارها جهات إرهابية أو داعمة للإرهاب، وذلك بالعمل على محاصرة كل الشركات المتعاملة مع هذه الجهات، ولاسيما إيران وسوريا وحزب الله في لبنان، لأن الخطة الأمريكية تتحرك بالذهنية الإمبراطورية لفرض شروطها على مواقع الممانعة، وذلك تحت تأثير المقولة التي تؤكد الخضوع المطلق لها أو مواجهتها في أمنها الاقتصادي والسياسي، وهو ما تحاول ترويجه لشنّ الحرب على ما تسميه الإرهاب، من خلال خطتها الاستكبارية في ممارسة إرهاب الدولة، مستغلةً قوتها لإسقاط الشعوب المستضعفة التي لا تخضع لها في شروطها الإذلالية.
تسليح العرب بشروط إسرائيلية
ونلاحظ ـ من جانب آخر ـ أن أمريكا في التزامها المطلق بالأمن الإسرائيلي الذي تخطط فيه لأن تكون إسرائيل أقوى قوة في المنطقة، تعمل على أساس رفض تزويد أية دولة عربية بالأسلحة المتطورة، إلا بالشروط الواضحة بالامتناع عن استخدامها ضد إسرائيل، أو بإخضاع الأسلحة لعناصر داخلية تجعلها غير صالحة لذلك، في الوقت الذي تشجّع بعض هذه الدول على استخدام الأسلحة المتفق عليها ضد بعض الدول العربية أو الإسلامية في أي حرب أمريكية ضدها، أو في إثارة النزاعات الداخلية بين دولة وأخرى في المنطقة.
وهذا ما نلاحظه في التحفظات التي أثارتها أمريكا حول طلب بعض الدول العربية الحليفة لها بعض الأسلحة، لاعتراض إسرائيل على ذلك، إلا في ظلّ شروط إسرائيلية قاسية. ومن جهة أخرى، فإن أمريكا تزوّد إسرائيل بمختلف القنابل المدمِّرة، امتداداً لما كانت ترسله لها في عدوانها على لبنان من القنابل الذكية والعنقودية في العدوان على لبنان، حيث لا يزال الشعب اللبناني يعاني من خطورتها على حياة المدنيين بين وقت وآخر. كما أنها لا تزال ترفض تنفيذ بند وقف إطلاق النار في القرار 1701، ما يعني أنّ هناك إمكانية لحدوث حرب بين إسرائيل والمقاومة الإسلامية في أية لحظة مناسبة للمصلحة الأمريكية ـ الإسرائيلية، قد تفرضها الظروف الطارئة.
ضرورة التنبّه للاستهدافات الأمريكية
ولا يزال الاحتلال الأمريكي يضغط على العراق بقواته المتحركة مع الاستخبارات الإسرائيلية التي تقوم بتفجير الوضع في العراق، لإبقاء الفوضى الأمنية والسياسية، وذلك من خلال تفجير السيارات المفخخة بالمدنيين، ولمنع أية عملية سياسية للمصالحة الحقيقية بين أطياف الشعب العراقي، ومحاولة إعادة الفئات المخابراتية في النظام البائد إلى المسؤوليات الأمنية من خلال الحاجة إليها أمريكياً، لتنفيذ خطتها في إرباك الواقع السياسي في العراق، وفي العمل على إيجاد شروط أمنية وسياسية لإنقاذ الاحتلال من حال الفشل التي وقع فيها، ولاسيما في سقوط جنوده بفعل المقاومة قتلاً وجرحاً بشكل يومي.
وهذا ما يرفضه الشعب العراقي والمسلمون في أكثر من دولة إسلامية، كما جاء في استطلاعات الرأي في مصر والمغرب وباكستان وأندونيسيا، إذ إنّ غالبية المسلمين ترغب في أن تغادر قوات الاحتلال الأمريكي الشرق الأوسط، وأن تتخلى عن قواعدها في المنطقة، إلى جانب أنّ الكثيرين يعتقدون أن هدف واشنطن هو إضعاف العالم الإسلامي وتقسيمه.
ولذلك، فإننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى الوعي العميق والكبير للخطط الأمريكية المدمّرة للواقع السياسي والاقتصادي والأمني، ونحذّر الدول العربية التي تحاول أمريكا أن تمنحها عنوان الاعتدال الذي يمثل خضوعاً لسياستها الاستكبارية وانفتاحاً على إسرائيل، وإيجاد قاعدة للصداقة على مستوى التطبيع الشامل معها... إننا نحذر شعوب هذه الدول من أن هذا التطور السياسي العدواني الذي يسقط قضايا الأمة لحساب الاستكبار الأمريكي والصهيوني، سوف يؤدي إلى تعقيدات خطيرة على مستوى أمن المنطقة كلها، ويعطل كل مبادرات العلاقات الطبيعية بينها وبين إيران أو بينها وبين سوريا، وهذا ما لا مصلحة لأحد فيه على جميع المستويات.
لبنان: التفكير بمسؤولية لإنقاذ البلد
أما لبنان، فإنه لا يزال غارقاً في وحول الانقسام السياسي، بالشكل الذي يمنع أية وحدة وطنية شعبية، ولاسيما في نطاق الاتهامات الاستهلاكية في اللغة السياسية الإعلامية، وفي الاستقواء بالخارج الذي يوظّف تصريحاته وتأييداته ومعارضاته لحساب مصالحه الحيوية على حساب الواقع الداخلي للبنان، وهذا ما نلاحظه في حركة التدويل التي تعمل على إخضاع المسألة القضائية للمواقع الدولية التي تستغل ذلك لحساباتها السياسية، بعيداً عن طبيعة العدالة في خطوطها القضائية، هذا فضلاً عن الاستغراق في تقديس المجتمع الدولي في كل قراراته الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تحوّلت إلى ساحة لحركة الدول الكبرى، ولاسيما أمريكا، في رعاية مصالحها في المنطقة، في الوقت الذي يعرف الجميع أن إسرائيل ترفض كل القرارات التي لا تنسجم مع استراتيجيتها، وهذا ما نلاحظه في قراري مجلس الأمن 242 و338 اللذين يفرضان عليها الانسحاب من المناطق المحتلة، ولكن من دون جدوى ومن دون تنفيذ، لأنّها تتمتّع بحماية الولايات المتحدة الأمريكية، التي تستخدم حق النقض ضدّ كل قرارات الإدانة لإسرائيل.
إننا ندعو اللبنانيين، ولاسيما مَن هم في المواقع الرسمية والسياسية، إلى التفكير بعقلانية ومسؤولية وهدوء حركي، للنظر في مستقبل هذا البلد الذي أصبح على حافة الانهيار الاقتصادي، والسقوط السياسي والخطر الأمني، والذي تحول شبابه إلى شباب مهاجر هرباً من فقدان فرص العمل ومن إمكانات الاستقرار، وأما الباقون، فإنّهم يبحثون عن لقمة العيش الكريم تحت تأثير الجوع القاتل والحرمان القاسي... وعلى كل المسؤولين أن يفكروا في الحلول الواقعية التي تنبع من حاجات الوطن في قضاياه الحيوية والمصيرية، بعيداً عن حاجات دول الوصاية الغربية البعيدة، المهيمنة على أكثر قراراته ومختلف صراعاته، وبعيداً أيضاً عن أساليب النفاق التي تظهر الخير وتبطن الشرّ وتتحدث بكلمات الحق التي يراد بها الباطل، وعلى الشعب اللبناني أن يطلق تحذيراته ضد الذين يعبثون بحاضره ومستقبله في حركة وعي يثبت من خلالها أنه لن يلدغ من جحر الفوضى السياسية والخارجية أكثر من مرة.
وأخيراً، إننا أمام هذه الجريمة المروّعة التي بدأت بالاختطاف وانتهت بالقتل بهذه الطريقة الوحشية، التي لم يتورّع فيها المجرم عن الإجرام بحق الطفولة البريئة والشباب الغضّ، وأمام هذا الإجماع اللبناني على حصر المسؤولية بالفاعلين والمجرمين، لا يسعنا إلا أن نرحّب بمواقف الجميع التي عبّرت عن التزام مسؤول بأمن البلد، وعن حرص على عدم الانجرار إلى المحرّمات الكبرى التي أسقطت البلد في السابق.
إننا نريد لهذا الإجماع اللبناني على رفض الجريمة، أن يتحوّل إلى إجماع حقيقي على حماية البلد من كل الدسائس، وإلى العودة إلى روح الحوار، لتتحوّل المناسبة الأليمة إلى نقطة انطلاق لحماية الوطن وصون أهله، ورعاية سلمهم الأهلي وأمنهم الداخلي بكل الطرق والوسائل.