في المنهج الرسالي في رسالة كل الأنبياء تتحرك المفاهيم الأخلاقية لتكون في الواجهة من عناوين الرسالة، لأن الله تعالى أرسل الرسل بالرسالات من أجل أن تنفتح الحياة على خط الاستقامة والتوازن، فقد كان الدين للإنسان، لينظّم له حركة عقله فلا ينفتح عقله إلا على الحق، ولينظّم له نبضات قلبه فلا ينبض قلبه إلا بالمحبة، ولينظّم له خطوات حياته فلا تتحرك حياته إلا بالخير والعدل.
صدق الحديث وأداء الأمانة:
وهناك عنوانان كبيران كانت رسالة الرسل تتحرك من أجل تأكيدهما في التربية الإنسانية الأخلاقية، لأنهما يرتبطان بأكثر قضايا الإنسان في الحياة أهمية، ولأنهما يمكن أن يركزا التوازن في علاقات الناس بعضهم ببعض، وفي ارتباطهم بالحقيقة، وهما عنوانا الصدق وأداء الأمانة، وقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق (ع): "إن الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر"، فالله تعالى أراد للأنبياء أن يحركوا التربية في هذا الخط، ليقولوا للناس: كونوا الصادقين فيما تتحدثون به، فلا يأخذ أحدكم بالكذب لأن الكذب يقلب الواقع ويشوّه الصورة، ويبتعد بالإنسان عمّا يمكن أن ينفتح به على خط السلامة، وكونوا الأمناء على من ائتمنكم، لأن الأمانة تمثل احترام الإنسان لنفسه في أخلاقياته وفي التزامه للآخر عندما قَبِل الأمانة بالمحافظة عليها، واعتبر أداء الأمانة مطلقاً لا يُنظر فيه إلى شخصية المؤتمِن هل هو إنسان برّ أو فاجر، لأن الإنسان الذي أعطى التزامه في حفظ أمانة لا بد له من أن يلتزم بها، لأنه إذا لم يلتزم بها فمعنى ذلك أنه لا يحترم نفسه، فاحترام النفس هو أن تحترم التزاماتك مع الآخرين وعهده معهم، وأن تلتزم بكلمتك عندما تمنحها للآخرين.
وقد أكّد أئمة أهل البيت(ع) أهمية الصدق ومدى قرب الإنسان الصادق من الله تعالى، فقد ورد في حديث الإمام الصادق (ع) عن فضيل بن يسار قال: "يا فضيل إن الصادق أول ما يصدّقه الله عز وجلّ ـ إن الله يطّلع على الصادق في كلماته أو مواقفه وإيمانه فيرى أنه يتطابق مع الحقيقة فـ ـ يعلم ـ الله ـ أنه صادق فيكرّمه ويرضى عنه ويحبّه في صدقه ـ وتصدّقه نفسه"، لأنك عندما تجلس مع نفسك وتنفتح على ما تحدثت به من الصدق فإن نفسك تقول لك: هنيئاً لك، إنني اعتزّ بك لأنك صدقت في كلامك وإيمانك وموقفك وموقعك. وقد ورد الحديث عن الإمام الباقر (ع) لبعض أصحابه قال: "يا ربيع، إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صدّيقاً"، فالإنسان عندما يتحرك في حياته على أساس الالتزام بالصدق في كل أحاديثه ووعوده وعهوده والتزاماته، فإنه يرتفع إلى درجة الصدّيقين الذين جعلهم الله تعالى في منازل الأنبياء والشهداء.
وورد عندنا عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: "إن العبد ليصدق حتى يُكتب عند الله من الصادقين، ويكذب حتى يُكتب عند الله من الكاذبين، فإذا صدق قال الله عزّ وجلّ: صدق وبرّ، وإذا كذب قال الله عزّ وجل: كَذَب وفَجَر"، وورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "من صدق لسانه زكى عمله"، لأن الإنسان الصادق الذي ينطلق من الحقيقة في كلامه وفعله، يعيش في داخل نفسه الطهارة والتزكية والانفتاح على الحق، وبذلك ينفتح صدقه على عمله ليزكو عمله من خلال صدقه.
اختبار إيمان الإنسان بالصدق:
وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في كيفية اختبار إيمان الإنسان، ربما يتصوّر بعض الناس أن أفضل أنواع الاختبار أن نراقب الإنسان في صلاته الواجبة أو المستحبة، أو أن نراقبه في صيامه الواجب أو المستحب، يقول (ع): "لا تغتروا بصلاتهم وصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ـ لأن بعض الناس يصلّون ويصومون بفعل العادة، ولا ينفتحون على الله من خلال عمق الانفتاح عليهما، ولا من خلال التقوى التي تفرض نفسها على سلوكهم في الحياة ـ ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة"، إدرسوهم في علاقتهم بالناس، وفي سلوكهم في البيت والسوق وفي الواقع الاجتماعي، فإذا رأيتموهم يصدقون في الحديث والوعد ويفون بالعهد والموقف فاعتبروهم من المؤمنين الصالحين، واختبروهم بأداء الأمانة بأن تأتمنونهم على بعض ما لديكم، سواء كانت الأمانة أمانة المال أو الوظيفة أو الموقف، فإذا أدّوا الأمانة إلى أهلها فاعلموا أنهم الصادقون، أما إذا كذبوا في أحاديثهم وخانوا عهودهم وأماناتهم فإن الله يضرب وجوههم بصلاتهم وصيامهم، وقد ورد: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا".
اتقوا الكذب:
وجاء في وصية الإمام علي بن الحسين (ع) لولده، قال: "اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كل جدّ وهزل ـ كما في كذبة ما يُتعارف عليه بكذبة أول نيسان التي يكذب فيها الناس للهزل، هذه كذبة محرّمة لأن الكذب في الهزل حرام كالكذب في الجد ـ فإن الرجل ـ والمرأة كذلك ـ إذا اجترأ على الصغير اجترأ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله (ص) قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صدّيقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذّاباً". ومن الفجيعة للإنسان أن يكتبه الله تعالى من الكذّابين.
وقد ورد عن الإمام الباقر (ع): "إن الله جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ـ وهو الخمر، فإذا شرب الإنسان الخمر فَقَد عقله، وإذا فَقَد عقله فعل الشر ـ والكذب شرّ من الشراب"، فالكذب يقود الإنسان إلى أن يرتكب ما حرّمه الله تعالى، وعن الإمام الباقر (ع) أنه قال: "الكذب خراب الإيمان"، وجاء عن الإمام عليّ(ع): "ما يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب، هزله وجدّه".
الصادقون هم المتّقون:
وقد تحدث كتاب الله عن الكذب بالطريقة التي تشمل كل الأعمال المرتكزة على خطوط الإيمان العملية، فقد ورد: "ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون"، فهؤلاء يمثّلون الصدق في إيمانهم والتزاماتهم التي يفرضها عليهم الإيمان، وورد في صفة المتقين: "والذي جاء بالصدق وصدّق به وأولئك هم المتقون". والله تعالى يريدنا في حركة الحياة أن نلتزم بالقيادات المؤمنة الصادقة الواعية، ونرفض القيادات التي تكذب في كلامها وعهودها ووعودها، وهذا مصداق قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".هذا هو الخط الإسلامي الأخلاقي المنفتح على ما يرفع مستوى الإنسان، ويحفظ للمجتمع أمنه وتوازنه واستقامته، ويؤدي بالناس إلى الانفتاح على الحقيقة في كل أمورهم، أن نكون الصادقين والأمناء، وعلينا أن نسير في هذا الخط لنتقرّب إلى الله بذلك ويرضى عنّا الله تعالى، "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا المرحلة الصعبة التي تمر بها الأمة الإسلامية، ويعاني فيها المسلمون الكثير من تحديات الاستكبار العالمي الذي يريد بالمسلمين سوءاً ويريد أن يدمّر أمنهم وسياستهم، وعلينا أن نقف في واجهة هذا الاستكبار العالمي كالبنيان المرصوص، ونتعرّف ماذا هناك في أوضاعه وتحدياته وامتداداته:
مواجهة مخطط استهداف المقدسات:
في المشهد الفلسطيني تبرز ظاهرتان، الأولى في المسجد الأقصى حيث يقوم العدو الصهيوني بتهديم بعض المواقع حوله متذرعاً بحجج عمرانية واهية، وما ذلك إلا جزءٌ من المخطّط الإسرائيلي لتدمير المسجد وإقامة هيكل سليمان المزعوم مكانَه. وقد دأبت إسرائيل على استغلال انشغال المسلمين بقضاياهم السياسية والأمنية الخاصة واستغراق الفلسطينيين في خلافاتهم ونزاعاتهم التي تحوّلت إلى صراعٍ دامٍ، فكانت تقوم بين وقت وآخر بالتمهيد لمشروعها التدميري بحجة تمكين اليهود من الصلاة فيه، كمقدمةٍ لتحقيق أهدافها التوسعية كما فعل الصهاينة في الخليل.
وأمام هذا المنعطف الخطير، فإنّنا ندعو المسلمين جميعاً، في كلّ العالم الإسلامي، إلى مواجهة هذا المخطّط الذي يستهدف نسفَ مقدّساتهم الدينية، لأن هذا المسجد يمثل أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي محمد(ص)، وأن يتحرّكوا للحؤول دون سيطرة اليهود على المسجد.
إنّ سقوط الأمّة في ساحة الذل والهوان يدفع بالعالم إلى الجرأة عليها ولا يعيرها أي اهتمام، فالسكوت أمام تدمير المقدسات أو مصادرتها يوحي بأنها أمّة لا تملك من عزّتها وكرامتها وقداستها شيئاً.
وإنا إذ نؤكّد على إبقاء الاحترام الديني للمسجد، لا نغفل مسألة القدس كلّها وفلسطين كلّها التي باركها الله؛ فإنّها تبقى القضيّة المركزيّة في حركة المسلمين في هذا العصر. ولئن كان الإنسان الفلسطيني أعظم عند الله من المسجد ـ لأنّ حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة أماكن العبادة ـ ولكنّ المسجد يمثل الرمز الروحي للإنسان كلّه في كل أنحاء العالم الإسلامي، كما أنّه يمثّل الزخم المعنويّ للقضيّة الفلسطينيّة كلّها.
ونهيب بالشعوب الإسلامية أن تتحرّك في تظاهرات هادرة متحدّية، وأن تضغط على حكّامها في اتخاذ الموقف القوي الضاغط على إسرائيل وعلى العالم الذي يؤيّدها ويدعمها، وأن تقف هذه الشعوب مواقف العزّة والقوّة التي ي
شعر معها كلّ هؤلاء أنّ مصالحهم في خطر.
ونخص بالذكر الدول العربية والإسلامية المرتبطة دبلوماسياً أو تجاريّاً بالعدو الصهيوني التي يجب أن توجه صدمة قوية إلى أوضاعه وتعريض العلاقات به للخطر.
تخطيط جديد للمقاومة
أمّا الظاهرة الثانية، فهي لقاء الفريقين الفلسطينيين المتقاتلين، فتح وحماس، في مكة المكرمة للتباحث حول إيقاف القتال بينهما الذي وصل إلى مستوى الكارثة في استنـزاف الدم الفلسطيني، ما قد يؤدّي إلى اتّساع الفتنة الداخلية وصولاً إلى الحرب الأهلية. وإنّنا نرحّب بالاتفاق الذي توصّل إليه الفريقان حول حكومة الوحدة الوطنيّة التي ربّما تكون حلاً للكثير من المشاكل المستعصية بينهما، آملين أن تتحرّك الجهود نحو التخطيط الجديد للمقاومة، حيث تتوحّد كل المواقف الفلسطينية وتتوجه كل بنادق الفصائل السياسيّة المجاهدة نحو العدو وليس إلى الداخل. وندعو الجميع إلى الانتباه للّعبة الأمريكيّة الإسرائيليّة التي لا تريد للشعب الفلسطيني أن يجد السبيل إلى وحدته الوطنية ويعود إلى موقعه في مواجهة الاحتلال؛ لأن الخطّة الاستراتيجيّة التي يتحرّك بها العدو وراعيته أمريكا تتركز على إسقاط روح المقاومة وتمييع القضية الفلسطينية.
لقاء السلطة ـ رايس تخدير للواقع الفلسطيني:
وفي الاتّجاه نفسه، فنحن نراقب الاجتماع المرتقب بين رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس وزراء العدو، تحت إشراف وزارة الخارجية الأميركية؛ لأننا نتصور أن هذا اللقاء لن يحقق للقضية أيّ حل لمسألة الاحتلال والوصول إلى الاستقلال، بل يراد له أن يكون عنصر تخدير للواقع الشعبي الفلسطيني، تماماً كما لاحظنا ذلك في اجتماع اللجنة الرباعية الفاشل الذي لم يحقق شيئاً؛ لأن أمريكا التي تقود هذه اللجنة، لا تريد الضغط على العدو، لإزالة المستوطنات والجدار العنصري الفاصل، ولإبقاء القدس لأهلها وللموافقة على حق العودة، بل إنها تعمل على تحقيق الاستراتيجية الإسرائيلية في السيطرة على فلسطين كلّها، بالاستفادة من الوقت الضائع في نقل القضية الفلسطينية من موقع جزئي إلى موقع جزئي آخر قد يساهم في نسيان القضية المبدئية الأم؛ لأن التجربة الماضية في سياسة التحالف الأمريكي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني تقودنا إلى أن نخشى على مستقبل القضية كلها.
الرئيس الأمريكي مسكون بعنجهية ذاتية:
ومن جانب آخر، فإن أمريكا لا تزال تخطط من خلال رئيسها وإدارتها لتطوير الحرب في العراق، بالرغم من معارضة الرأي العام الأمريكي والحزب الديمقراطي لذلك وارتفاع أكثر من صوت دوليّ يطالبها بالانسحاب من العراق من خلال جدول زمني محدّد. ولكنّ هذا الرئيس مسكون في داخله بعنجهية ذاتية توحي له بالوهم الداخلي بأنه ينفذ إرادة الله في الاحتلال للعراق وللسيطرة على العالم كله ولا سيما منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي يتحرّك نائبه، بين وقت وآخر، من خلال فريقه في داخل الإدارة من المحافظين الجدد، لتهديد إيران بحرب عسكرية، بحجة أنها تمثّل من خلال مشروعها النووي خطراً على أمريكا والعالم المتحضّر في مقولة مضحكة مبكية...
إن هذه الإدارة، بكل أعضائها، تمثّل الخطر على الشعوب، في حروبها المتحركة لإثبات إمبراطورية أمريكا المستعلية على العالم كله. ولا يزال العراق وأفغانستان يعانيان من وحشية مخطّطاتها، في المجازر الوحشية التي تقتل المدنيين الأبرياء، سواء من خلال قوات الاحتلال أو الفئات التكفيرية التي تملك الغطاء من الاحتلال الذي يعتمد خطاباً منافقاً خادعاً يظهر الرفض لها ويبطن القبول بها وتقوية مواقعها؛ كلّ ذلك بهدف إدامة الفوضى الأمنية التي تسهّل له البقاء طويلاً في العراق وفي المنطقة، كما كان يصرّح نائب الرئيس الأمريكي...
ندعو العراقيين إلى مقاومة الاحتلال:
وإننا من خلال المسؤولية الشرعية الإسلامية، ندعو الجميع إلى مقاومة هذا الاحتلال الغاشم، لفرض الانسحاب عليه قبل أن ينفّذ مشروعه في السيطرة على المنطقة وتدمير كل أوضاعها ومصالحها لحساب أوضاعه ومصالحه...
كما ندعو العراقيّين إلى الانتباه إلى طبيعة اللعبة الشيطانيّة التي تديرها أمريكا ـ ومعها بريطانيا ـ ضدّ مصالح الشعب العراقي، حيثُ لا يزال السياسيّون الأمريكيّون يتحدّثون ـ في جدالهم ـ عن سرقة المليارات من الدولارات التي يملكها العراق من قبل المسؤولين الأمريكيين المنتدبين من قبل الإدارة والشركات الأمريكية التي قامت بنهب ثروات العراق من خلال مشاريع وهمية تحت عنوان الإعمار. لقد قامت الإدارة الأمريكية في سياستها الاحتلالية بتدمير الأمن والاقتصاد العراقيين، فتحول العراق من بلد غني إلى بلد فقير يطلب المساعدات من الآخرين، وهذا ما نريد للشعب هناك أن يقوم بالثورة عليه وبالمقاومة الفاعلة الشريفة، لتتوجه كل البنادق نحو الاحتلال، وتسقط كل بندقية توجّه إلى الشعب العراقي من قبل التكفيريين الذين يخدمون الاحتلال بسلوكهم التفجيري الذي يجتاح النساء والأطفال والشيوخ ويهجر الناس من بيوتهم من خلال حقد مذهبي أسود في عملية فعل ورد فعل.
إن الإدارة الأمريكية تمثل الشر المطلق الذي يثير الفتن السياسية والمذهبية ليخلط كل الأوراق وليربك الواقع كلّه، وخصوصاً في لبنان الذي يُريده اليومَ ساحةً لتنفيذ مشاريعه الأمنية والسياسية في المنطقة التي تظهر في شعاراته عن الخطر الإيراني على الواقع العربي وتنظيمه لما يسميه فريق الاعتدال الذي أراد له أن ينفذ سياسةً تخدم المصالح الأميركية وتساهم أيضاً في مواجهة إيران، في الوقت الذي تعمل إيران مع دول المنطقة على إيجاد سياسة متوازنة تحمي أمن الخليج وتحافظ على استقلاله من الهيمنة الأمريكية...
ولذلك، ندعو الجميع، أنظمة وشعوباً، إلى أن يكونوا واعين للخطر الأمريكي الذي خطّط ويخطّط للفتن المذهبية وللحروب الأهلية التي كان ولا يزال يبشر بها منذ احتلاله للعراق.
لبنان: التدخل الأمريكي يعقّد المشكلة:
أما في لبنان، فإنّنا نرى أنّ التدخل الأمريكي السافر هو الذي يمنع حل المشكلة اللبنانية بين فريقي المعارضة والموالاة، حيثُ تعتبر أمريكا المرحلة الحاليّة امتداداً لحرب تموز العدوانية التي قادها مع إسرائيل ضد الشعب اللبناني كله والمقاومة الباسلة...
وفي السياق نفسه، فإنّ اللبنانيّين ينتظرون المبادرات القادمة من الخارج، ولا سيما المبادرة العربية، لأنهم لا يملكون القدرة على القيام بمبادرة وطنية لحل مشاكلهم بأنفسهم بالحوار الموضوعي الواقعي ولا ينـزعون الأشواك الطائفية والألغام المذهبية من وطنهم، من أجل تحقيق المشروع الكبير في حكومة وحدة وطنية يلتقي فيها الجميع على خدمة المشاريع الحيوية والأوضاع المصيرية التي تمنح الوطن كله القوة والحرية والاستقلال بعيداً عن كل ذهنية العنف العدواني.
الزعامات تتحرك بالإثارة الطائفية والمذهبية
إننا نقول للشعب كله: إن الزعامات السياسية والدينية التي تتحرّك بالإثارة الطائفية والمذهبية تدفعكم إلى إنتاج الحقد الأسود في عقولكم وقلوبكم، وتقودكم إلى حافة الهاوية من خلال تخويف بعضكم بعضاً في الشعارات الحادة والكلمات القاسية والبرامج العدوانية التي سوف تدّمر لبنان كله على رؤوس أهله. وعلى الجميع أن يعرفوا أن تأييد الخارج لن يحقق شيئاً لجماعات الداخل، لأن الأساس في سلامة الوطن هو التقاء المواطنين في دولة المواطنة على أساس المساواة في الحقوق والواجبات؛ لينطلق هذا الوطن الطليعي في خدمة الشعب كلّه والانفتاح على المنطقة كلّها وعلى العالم كله من موقع الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ليتحقق للبنان العزة والكرامة والحرية والقوة والاستقلال في الواقع لا من خلال الشعارات الطائرة في الهواء.