لا نزال نعيش آفاق عاشوراء، ونستوحي المبادئ التي أطلقها الإمام الحسين(ع)؛ الإمام الذي يمثّل الإسلام في صفائه ونقائه، وفي الركائز الأساسية التي ينطلق بها الإنسان في الحياة، وفي حركة القائمين على شؤون الرسالة في خط التغيير.
مواصفات الحاكم المسلم
في المسألة السياسية، تحدث الإمام الحسين(ع) عن صفة الحاكم الذي لا بد من أن يكون مصداقاً للشخصية الإسلامية الملتزمة العادلة، التي يجب أن تقود المسلمين في كل بلد إسلامي، وتحدث(ع) عن مسؤولية المسلمين جميعاً في أن يواجهوا الحاكم إذا انحرف عن الخط الإسلامي الأصيل، من أجل أن تكون حركة التغيير هي الحركة التي يريد الله تعالى للناس أن يؤصّلوها ويقوموا بها. ونستوحي ذلك من خطابه(ع) للناس في مسيرته من خلال موقعه في مكة، حيث وضّح لهم الخط المستقيم في صفة الحاكم، ليتدبّروا أمرهم فيمن تولّى أمورهم في ذلك الوقت، ممن لم يأخذ بأيّ شرط من شروط شرعية الحاكم، لا في صفاته الشخصية، ولا في موقعه، حيث كان يمارس التسلّط على الناس. وقد كان الحاكم آنذاك يزيد، الذي قال عنه الحسين(ع) في خطابه لوالي المدينة عندما دعاه للبيعة له: "إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله".
الثورة على الحاكم الجائر
كانت كلمة الإمام الحسين(ع) التي خاطب بها الناس، منطلقة من سنّة رسول الله(ص)، لأنه هو الإمام الذي ينطق عن رسول الله(ص) ويحمل رسالته، وينطلق إلى الأمة من أجل الإصلاح في أمة جده. قال(ع): "أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً ـ لا شرعية له لا في ذاته ولا في سلوكه ـ مستحلاً لحرم الله ـ لا يحترم حرمات الله في شريعته ولا في الناس، وهذا ما تمثّل في ذلك الحاكم الذي قام في السنة الأولى من حكمه بقتل الإمام الحسين(ع) والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه، وفي السنة الثانية من حكمه، قام باستباحة مدينة رسول الله ثلاثة أيام لجنوده، فهتكت فيها الأعراض، ونهبت فيها الأموال، وقتلت فيها الرجال، وفي السنة الثالثة، قصف الكعبة بالمنجنيق ـ ناكثاً لعهد الله ـ لأن الحكم يمثِّل عهداً بين الحاكم وأمّته، وميثاقاً يفرض عليه أن يقوم بمسؤوليته في العدل بين الناس، وفي تطبيق التشريعات على أفضل ما يكون. وهذا ما كان أمير المؤمنين(ع) يركز عليه عندما تسلّم الخلافة، حيث بيّن للناس ما لهم من حقوق وما عليهم منها ـ مخالفاً لسنّة رسول الله ـ لأنه يأخذ بشريعة الجاهلية، ويتحرك بعاداتها وتقاليدها، وينفتح في ذهنيته على ذهنيتها ـ يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ـ فهو يمارس المعصية في التعامل مع عباد الله، ويمارس الحركة العدوانية ضدهم ـ فلم يغر (أو يغيّر) ما عليه بقول ـ أن يطلق القول الصارخ الرافض لهذا الحاكم ولكل شرعية حكمه ـ ولا فعل ـ بالحركة ضده وتعبئة الناس من أجل إسقاطه ـ كان حقاً على الله أن يُدخله مدخله"، لأن السكوت من الرضى، و"الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى الداخل إثمان؛ إثم الرضى وإثم العمل".
مبررات التحرك الحسيني:
هذا هو الخط الذي تحدث به الإمام الحسين(ع) ممّا نقله عن رسول الله(ص)، ثم أراد أن يؤكد الواقع ليبيّن شرعية حركته في مواجهة هذا الظالم في كل حكومته وكل من يدعم سلطته، فقال(ع): "ألا وإن هؤلاء القوم ـ وهم الذين يتحركون بشرعية يزيد ـ قد لزموا طاعة الشيطان ـ كان الشيطان لهم وليّاً وناصراً ومحرّكاً ـ وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله ـ هؤلاء هم الذين ينطبق عليهم كلام رسول الله(ص)، وإذا كان النبي(ص) يريد للأمة أن تغيّر هذا الحاكم، فإن الحسين(ع) من موقع إمامته في هذه الأمة، ومن خلال قيادته لها، هو الذي سوف ينطلق في مسيرة التغيير ـ وأنا أحقّ من غَيَّر"، لأنني أحقّ بالإمامة والخلافة والقيادة. وكان الحسين(ع) قد تحدث عن سلوك هذه السلطة اللاشرعية بأنهم "اتخذوا مال الله دولاً ـ تداولوا مال الله الذي هو مال الأمة فيما بينهم، فسرقوه وعبثوا به ـ وعباده خولاً"، استعملوا الناس وجعلوهم عبيداً وصادروا حرية الأمّة في التعبير عن رأيها.
هذا هو الخط الإسلامي الحسيني في مسألة معالجة الواقع السيىء الذي يفرضه الحاكم، وهذا ما يفرض على الأمة التي تعيش في عاشوراء في كل هذا الواقع، أن تتحرك من أجل التغيير، ولاسيما في البلاد الإسلامية التي يفرض الاستكبار العالمي عليها حكاماً ظالمين مخالفين لسنّة رسول الله(ص)، يعملون في عباد الله بالإثم والعدوان، ويحوّلون كل بلد إسلامي إلى سجن للشعب كله.
فلا بد لنا في دروس عاشوراء من أن نؤصّل الموقف الإسلامي الرسالي، لا بد لنا من أن نرفض الحكّام الذين ينطبق عليهم كلام رسول الله(ص)، ولا بد لنا من أن تتحرّك في خط التغيير، على أساس أن "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". أن نعقد قلوبنا وعقولنا على الرفض لكل حاكم ظالم، ورفض كل الذين يؤيدون هذا الحاكم؛ رفض كل الزعامات والقيادات التي تتحرك في بلاد المسلمين لتقوّي هذا الظالم أو ذاك، ولاسيما أن بعض زعماء المسلمين يهاجمون من يدعو إلى تطبيق الإسلام في أمتنا، بحجّة أن بلادهم إذا طبّقت القانون الإسلامي، فستقطع الكثير من دول العالم علاقاتها معهم. كأنهم يريدون أن يقولوا: إن علينا أن نركز الحكم في بلادنا على أساس أن يرضى عنا الاستكبار العالمي، ويبقى للإسلام الأعياد، أما الأحكام، فلا بد من أن ترضى عنا أمريكا وأوروبا؟!
لذلك، إن درس عاشوراء هو أن يعقد كل مسلم عقله وقلبه على رفض كل حاكم وكل زعيم وكل قيادة تنحرف عن خط الله تعالى، وخط رسوله(ص). هذه هي قيمة إثارة الذكرى، وليست قيمتها بأن نذرف الدموع هنا ونضحك للظالمين هناك، ولا بأن نضرب رؤوسنا بالسيوف بينما نتحفّظ في ضرب رؤوس الأعداء الذين يحتلون بلادنا ويقفون ضدنا، ولا بأن نضرب ظهورنا بالسلاسل ونخضع للمخابرات التي تضرب ظهور الشعب بسلاسلها الحادة.
الحسين(ع) شهيد الإسلام
لو كان الحسين(ع) موجوداً، الآن لوقف كما وقف في سنة 60 للهجرة، وخاطبنا كما خاطب أولئك الناس، لأن الحسين(ع) ليس لمرحلة دون مرحلة، بل هو للإسلام. لذلك فإنني أتحفّظ على ما يُكتب بأنه شهيد كربلاء، لأنّه شهيد الإسلام، وكربلاء هي الموقع الذي تحرك فيه. فالحسين(ع) كان يعيش الإسلام كله في كربلاء، وعاشه في حواره مع الذين جاؤوا لقتاله، عاشه مع أهل بيته وأصحابه، وعاشه عندما انطلق وخاطب شيعة آل أبي سفيان: "إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم". وهو يريد للذين يسيرون في الخط المنحرف أن يكون أحراراً، أن لا يستعبدوا أنفسهم لظالم ولا لمنحرف. وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وإيران وكل بلد إسلامي، أن نملك قرارنا ومصيرنا.
إن مسألة الإمام الحسين(ع) ليست في أن نحدّق في التاريخ حيث يزيد، بل أن نطلق المسألة من ذلك التاريخ إلى الواقع لكي نغيّره، فيزيد كان فرداً، ولكن مشكلتنا الآن أصبحت مع الاستكبار العالمي والكفر العالمي، ومع كل الظلمة الذين يريدون لنا أن نعطي بأيدينا إعطاء الذليل، ونقرّ إقرار العبيد لأمريكا وإسرائيل وكل الذين يسيرون معهم.
فلنرتفع إلى مستوى الحسين(ع) وعاشوراء، حتى لا نبقى في هذه الزوايا المختنقة التي تدفعنا إلى أن نسيل دموعنا الباردة لا الحارة، وأن نسيل دماءنا من دون معنى. إن الحسين(ع) سفينة النجاة، إنه إمام الرسالة، إنه للناس كافة وللحياة كافة، فلنسر إلى الحسين(ع)، ولنستقدمه إلينا، حتى يعطينا ما تحرك به: "ألا وإن الدعيّ ابن الدعّي قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوفٌ حمية، ونفوس زكيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". هذا هو نداء الإمام الحسين(ع)، فلنرتفع إلى مستوى النداء.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ـ كما قال عليّ(ع) ـ وانفتحوا على كل قضايا المسلمين والاهتمام بكل أمورهم، لأن على كل مسلم أن يشعر بأنه جزء من الأمة، وأن عليه أن يفجّر طاقاته من أجل تقوية طاقاتها، وأن يقف حيث يريد الله منه أن يقف ضد المستكبرين والمنحرفين والظالمين، وهذا ما نحاول أن نثيره في هذا الموقف، فماذا هناك؟
تخطيط أمريكي للبقاء في المنطقة
يخطط الأمريكيون للبقاء طويلاً في المنطقة، وذلك بتعزيز قواعدهم من أجل السيطرة على الأوضاع الأمنية المتحركة تحت شعار الحرب ضد الإرهاب، في خطة متعددة الأوجه تتضمن مواجهة الشعوب المستضعفة، كما في حركة التدخل في الصومال، والاستفادة من موقع اليمن الاستراتيجي في عملية تطويق عسكري يستهدف ـ في امتداداته ـ إرباك العلاقات الأمنية والسياسية بين دول المنطقة، وتخويف بعضها مما يسمونه الخطر الإيراني، أو في إثارة دول عربية أخرى في مسألة الدور الإيراني أمام الدور العربي... ومن اللافت أن قيادة حلف الأطلسي التي تعيش مشكلة كبرى في تمويل عملياتها، ولاسيما في أفغانستان، زارت المنطقة الخليجية لتطرح على بعض دولها الدخول في الحلف للحصول على التمويل من هذه الدول الخليجية. وقد تحدث الإعلام قبل مدة عن زيارة الوزيرة رايس، موضحاً أنها جاءت إلى المنطقة لتحصل على تمويل خليجي للخطة الأمريكية التي أطلقها الرئيس بوش في العراق، مستبقاً احتمال امتناع الكونغرس عن تمويلها، وذلك من خلال بعض الضغوط التي اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على ممارستها على بعض الدول لتمويل مشاريعها في المنطقة...
إن الرئيس بوش يطلق بين وقت وآخر تهديده ضد إيران باتهامها بنشاط معادٍ ضد الجنود الأمريكيين، ويتحدث بريبة ـ تختزن الرفض ـ عن عزم إيران على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع العراق، وهكذا نرى الموقف الأمريكي المتحفظ عن نشوء علاقات طبيعية بين سوريا والعراق، وقيام تعاون أمني واقتصادي بين البلدين، لأن أمريكا لا تشجع أية علاقات متقدمة بين العراق وجيرانه...
اتخاذ لبنان منفذاً للمشاريع الأمريكية
ومن اللافت أن تصريح الرئيس الأمريكي الذي يخطط لقتل شباب المقاومة الإسلامية في لبنان، ويهدد الإيرانيين في العراق، يتحدث عن المشاكل التي حدثت أخيراً في لبنان في صراع المعارضة والسلطة، من دون تدقيق في واقعية الأحداث، بل كان يتخذ لنفسه صفة الفريق الداخلي في اتهام الآخرين بافتعال الأحداث، لأن السياسة الأمريكية تتحرك في لبنان باعتباره الساحة التي يمكنها من خلالها ممارسة نفوذها في مشاريعها السياسية والأمنية في المنطقة، الهادفة إلى الحفاظ على أمن إسرائيل وحماية احتلالها للعراق من جهة، واستمرارها في الحرب ضد ما تسميه الإرهاب من جهة أخرى. وهذا ما نلاحظه في طريقة الإدارة الأمريكية في الضغط على الداخل الفلسطيني، بإثارة الصراع الداخلي، وتحريك الحرب الأهلية، من أجل إضعاف الحكومة الشرعية وإسقاطها، وإرباك المحاولات الساعية إلى تأليف حكومة الوحدة الوطنية التي قد تحل الكثير من المشاكل بين الفلسطينيين.
مأساة لبنان من صنع أمريكي ـ إسرائيلي
ومن جانب آخر، فقد أثارت أمريكا التحفظ في مسألة إساءة استخدام إسرائيل القنابل العنقودية المستوردة من أمريكا ضد اللبنانيين الذين لا يزالون يعانون من نتائجها المأساوية التي تصيب المدنيين، باستشهاد بعضهم، وجرح البعض الآخر، وتعطيل الحركة الزراعية للمزارعين الذي يخشون من تفجيراتها في مزارعهم...
ولكن أمريكا لم تحرك ساكناً ضد حليفتها العدوانية واستخدامها لليورانيوم المخصب في لبنان، بل إنها تستعد لبيعها القنابل الذكية التي سوف تستخدمها إسرائيل ضد اللبنانيين في حربها المقبلة التي يخطط لها المسؤولون هناك من حكوميين وعسكريين، كما استخدمتها في حربها العدوانية في تموز، عندما أقامت أمريكا جسراً جوياً لتزويدها بالقنابل الذكية التي ألقتها حليفتها إسرائيل على المدنيين اللبنانيين من الأطفال والنساء والشيوخ، ودمرت مدنهم وقراهم وجسورهم...
إننا نريد للبنانيين أن يتذكروا الحرب الإسرائيلية التي شاركت أمريكا في التخطيط لها من خلال إدارتها السياسية والعسكرية، ليعرفوا ـ جيداً ـ أن المأساة التي تتمثل في كل الدمار الذي أصاب بلدهم، كان دماراً أمريكياً ـ إسرائيلياً، وأن أمريكا التي تعطي الحكومة اللبنانية الوعود بالمساعدات المالية، هي التي أسقطت الاقتصاد اللبناني من خلال الحرب العدوانية التي خططت لها ونفذتها بيد إسرائيل. ولذلك، ليست هناك أية فرصة لتحسين الأوضاع السياسية والأمنية، بل إنها تعمل من خلال تدخلها عربياً ومحلياً، على إطالة أمد الأزمة، ومنع أيّ حل قد يأتي من أية مبادرة عربية أو محلية... لأن المطلوب في الخطة الأمريكية في لبنان، أن لا يحقق اللبنانيون أي نصر سياسي في مسألة التوازن الوطني بعد النصر العسكري الذي حققته المقاومة على العدو الإسرائيلي... وهذا ما يساهم في سقوط كل حالات التفاؤل التي تظهر تارة وتختفي أخرى... إن الخطة هي تدمير لبنان سياسياً، من دون الإفساح في المجال لتدميره أمنياً.
فلسطين: لإنتاج انتفاضة جديدة
ومن جانب آخر، فإننا نحيي الاستشهادي المجاهد في العملية النوعية في إيلات، ونقدر تضحيته الجهادية بنفسه في صرخة قوية موجهة إلى كل الذين يمارسون النـزال الدموي في غزة، ليقول لهم إن القضية هي توجيه البنادق والمواقف إلى العدو المحتل، لا إلى صدور الشعب الفلسطيني المنكوب، سواء كان من هذه الحركة أو تلك، ولاسيما أن الواقع الفلسطيني لا يملك أية سلطة أو أية حكومة، لأن الاحتلال هو الذي يملك السلطة وهو الذي يمارس الحكم فعلياً في خططه وفي عدوانه وفي حصاره وفي اعتقالاته اليومية...
إننا نقول للجميع: ليكن الصوت واحداً، لا صوت إلا صوت المعركة، ولا بندقية إلا بندقية المقاومة؛ وليتحرك الجميع من أجل إنتاج الانتفاضة وإبداعها من جديد.
الجريمة تطال كل العراقيين
أما في العراق، فلا يزال النـزف الدموي يتمثل في المجازر الوحشية في التفجيرات الانتحارية، وفي القذائف العدوانية التي تطلق على الزائرين والمدنيين، ولاسيما في مناسبة عاشوراء، التي كانت ثورة للحق والحرية والعزة والكرامة للناس جميعاً، وانطلاقة في الواقع الإسلامي في حركة الإصلاح الشامل في الأمة الإسلامية، من دون أن تكون لطائفة معينة أو فريق معين... ونقول لبعض المسؤولين، ومنهم بعض علماء الدين الذين يتحدثون عن الجريمة في موقع عراقي معين، ويغفلون الحديث عن الجريمة في موقع آخر تحت شعارات مذهبية للإثارة... إن عليهم أن يعرفوا أن المأساة تصيب العراقيين جميعاً من السنة والشيعة، سواء في الاغتيالات، أو في عملية التهجير أو غير ذلك، وإن عليهم أن لا ينظروا إلى الأمور بعين واحدة، بل بعينين مفتوحتين وذهنية إسلامية وطنية واعية تنظر إلى الشعب كله نظرة عادلة واحدة.
لبنان: حذار من الفتن
أما لبنان، فقد عاش تجربة الفتنة المحدودة التي كان البعض يخطط لتمتد في المنطقة الإسلامية، ولاسيما في بيروت، ثم تتطور إلى المنطقة المسيحية... إننا نهيب بالجميع أن يرحموا لبنان الذي يمثل في عناصره الثقافية والروحية، وفي مناخ الحرية فيه، درة المنطقة، فلا تسمحوا للاعبين الإقليميين أو الدوليين أن يحولوه إلى ساحة للخطوط السياسية في مشاريع الآخرين، ولاسيما على مستوى المنطقة. حذار من فتنة إسلامية إسلامية، ومن فتنة مسيحية مسيحية، ومن فتنة تشمل لبنان لتدمر إنسانه الذي عاش المشكلة الاقتصادية والمأساة التهجيرية...
إننا ندعو القوى الأمنية والقضائية إلى أن تعاقب القتلة والمجرمين والمعتدين الذين أثاروا الفتنة، حذراً من تحريك عملية الانتقام أو الثأر لأهل هذا القتيل أو ذاك.
إن سلامة البلد تكمن في أن تقف القوى الأمنية من جيش وقوى أمن ليكون دورها في حماية الوطن، لا حماية هذا الفريق أو ذاك، وأن يتحرك القضاء المستقل الذي لا يخضع لأي ترغيب أو ترهيب... إن العدل هو أساس الملك، وعلى اللبنانيين جميعاً أن يتقوا الله في أنفسهم وفي وطنهم، وأن يكونوا الواعين للقاعدة التي ترتكز عليها الأزمة، فهي لا ترتبط بالخط السني عقائدياً، ولا بالخط الشيعي عقائدياً، ولا بالخط المسيحي دينياً، بل إنها ترتبط بخلافات سياسية في الحكم وفي الحكومة وفي الميثاق أو الدستور، مما ينبغي أن يحركوه في ساحة المواطنة لا في ساحة المذهبية والطائفية...
أيها اللبنانيون: تمردوا بوعي وانفتاح على كل مثيري الفتنة، وراقبوا الله في الانفعال بالكلمات والخطابات التي تنطلق من دون تدقيق في الاتهامات، وفي الإثارات، إذا أردتم السلامة لهذا الوطن الصغير في حجمه الكبير، وفي عناصره الحضارية التي لا نريد للتخلف أن يزحف إليها ليدمر قيمة هذا الوطن ومعناه. عليكم التدقيق بمصادر المعلومات، والتحدث بخطاب هادىء ومنفتح.