من حقائق الإيمان: إيثار الحق والابتعاد عن الباطل

من حقائق الإيمان: إيثار الحق والابتعاد عن الباطل
من حقائق الإيمان: إيثار الحق والابتعاد عن الباطل

أ لقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الإسلام إقرار بالشهادتين:

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(الحجرات/14).

في هذه الآية الكريمة، يفرّق القرآن الكريم بين مصطلحي الإيمان والإسلام، فالإسلام هو أن يقرّ الإنسان بالشهادتين، ويلتزم التزاماً عملياً بالانتماء إلى المجتمع الإسلامي، وإن لم ينطلق في إقراره بالتصديق القلبي، ككثير من الناس الذين دخلوا في الإسلام بفعل الخوف من سلطته، كما في الذين وقعوا أسرى في الحرب بين المسلمين والمشركين، فقبل منهم النبي(ص) ذلك، وهو يعرف أنهم لم يؤمنوا بما نطقوا به من الشهادتين. وهناك من دخل في الإسلام بعد أن انتصر طمعاً في الغنائم والمكاسب التي يجنيها المسلمون، وكان الأساس لديه(ص) أن يُخرج هؤلاء الناس من مجتمع الشرك ليُدخلهم في مجتمع الإسلام، ليعيشوا فيه ويتأثّروا به، وفي مطلق الأحوال، من أجل أن يحيّدهم عن مواقع الشرك.

هذا هو الإسلام الذي تحلّ به العلاقات الزوجية، فيجوز للإنسان الذي دخل في الإسلام رغبةً أو رهبةً، أن يتزوّج مسلماً، لأنه محكوم بالإسلام، كما أنه يرث المسلمين ويرثونه، ويُحقن بذلك دمه وماله وعرضه، كما ورد: «من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، حُفظ بها ماله ودمه وعرضه». هذه هي المسألة القانونية في الإسلام.

وأحبُّ أن أنبِّه إلى نقطة قد يبتلى بها بعض الناس من المسلمين، وهي أن من المعلوم أنه لا يجوز في التّشريع الإسلامي للمسلمة أن تتزوّج غير المسلم. هناك بعض البنات قد يرتبطن بعلاقة مع ملحد أو مسيحي أو يهودي، فتلجأ إلى الزواج المدني، أو قد ينطق هذا المسيحي أو اليهودي بالشهادتين أمام العالِم، وهذا لا يكفي، بل لا بد أن يدخل في المجتمع المسلم، بحيث يصبح كبقية المسلمين، قد لا يصلّي أو لا يصوم كما بعض المسلمين الذين لا يلتزمون بالأحكام والفرائض الإسلامية، ولكن الأساس أن يدخل في المجتمع الإسلامي ليكون جزءاً منه. وهذا ما أحبّ أن ينتبه إليه الأخوة، لأن كل عقد لمسلمة على غير مسلم هو باطل، ومعنى ذلك أن العلاقة باطلة والأولاد غير شرعيين، وقد تكون هذه النقطة محلّ ابتلاء البعض في بعض بناته أو أخواته.

الإيمان: إخلاص القلوب وتصديق الأعمال:

أمَّا مسألة الإيمان، فالإيمان يُعتبر شيئاً آخر: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، ما هو الإيمان؟ هناك حديث عن رسول الله(ص)، ويُروى عن عليّ(ع)، قال: «قال لي رسول الله: اكتب، قلت: ما أكتب؟ قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقر في القلوب ـ ما استقرّ في القلوب ـ فعاشه الإنسان عقيدةً في قلبه ـ وصدّقته الأعمال ـ لا يكفي الإيمان القلبي، بل لا بد أن يتحوّل هذا الإيمان القلبي إلى عمل يصدّق ذلك ـ والإسلام ما جرى على اللسان وحلّت به المناكحة»، أي الزواج.

وفي حديث آخر عن رسول الله(ص): «ليس الإيمانُ بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدّقته الأعمال»، في عمق العقل، بحيث يقتنع العقل به ويلتزمه كعقيدة ويتحوّل إلى حركةٍ في التزامات الإنسان العملية في حياته، في ما يعمل ويقول وينشئ من علاقات.

حقيقة الإيمان:

ويقول الإمام الصَّادق(ع): «إنَّ من حقيقة الإيمان، أن تؤثر الحقّ وإن ضرَّك، على الباطل وإن نفعك». عندما تؤمن بالحق، فإنَّ الحق هو الذي يحكم كلّ التزاماتك في الحياة، أن تنظر عندما تتحرك في أيِّ عمل أو مشروع أو أيِّ موقف، أين الحق وأين الباطل، ولا تنظر ما هو الشيء الذي ينفعني وما هو الشيء الذي يضرّني، بل أن تلتزم الحق حتى لو رأيت في الحق ضرراً لك أو خسارة، ورأيت في الباطل نفعاً لك، لأن الحق ينفعك عند الله وإن كان يضرّك عند الناس، والباطل يضرّك عند الله وإن كان ينفعك عند الناس.

ويقول رسول الله(ص): «إنَّ لكلِّ شيء حقيقةً، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه»، حتى يؤمن بقضاء الله وقدره، حتى يؤمن بأنَّ الله هو المهيمن على الأمر كله في كلِّ تقديراته في الحياة، وأن الله إذا أراد شيئاً لا بد أن يكون، وأن يرضى بما قضاه الله عليه وبما قدّره الله له. ويقول الإمام الصَّادق (ع): «لا تكون مؤمناً حتى تكون خائفاً راجياً ـ خائفاً لله وراجياً ثوابه ولطفه ـ ولا تكون خائفاً راجياً حتى تكون عاملاً لما تخاف وترجو»، عندما تعرف أنَّ عملاً ما قد يعاقبك الله عليه، فعليك أن لا تفعله إذا كنت صادقاً في خوفك من ربك، أو إذا عرفت أن عملاً ما سوف يعطيك الله أجره وثوابه، فإن عليك أن تأتي به لتحصل على هذا الثواب الذي ترجوه، فرجاء الشيء يقتضي أن تسعى نحوه، والخوف من الشيء يقتضي أن تهرب منه.

علينا أن نعمّق إيماننا في عقولنا وقلوبنا، لننطلق إلى الله تعالى من خلال هذا الإيمان الذي يصدّقه العمل، وقد لاحظنا أن القرآن الكريم لم يتحدث عن الإيمان إلا وقرنه بالعمل: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(سورة العصر)، خلافاً لبعض الناس الذين يقولون لك إن الإيمان في القلب، هذا الإيمان الذي لا يُقرن بالعمل لا يُقبل منه.

صفات المؤمنين:

وعندما نقرأ في سورة "المؤمنون"، نجد أن الله تعالى تحدث عن صفات المؤمنين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (المؤمنون/1-9)، وعندما يتحدَّث الله تعالى عن المؤمنين، فإنَّه يتحدَّث عن المؤمنين العاملين بالصَّالحات الذين يصدّق عملهم إيمانهم.

لذلك، علينا أن نعمّق إيماننا في عقولنا وقلوبنا، وأن نقوّي إرادتنا في الأخذ بالأعمال الصالحة، حتى نحصل على الفلاح في الدنيا والآخرة.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله في كلِّ ما حمّلكم الله مسؤوليته، واتقوا الله في عباده وبلاده، وواجهوا مسؤوليّاتكم في كلِّ ما يصيب الأمة من تحديات، صفاً واحداً كالبنيان المرصوص الذي يشدّ بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى لـه سائر الأعضاء بالحمّى والسهر.

يوم التحرير: يوم الحرية وإسقاط المحتلّ:

يوم التحرير ـ في الخامس والعشرين من أيار ـ يتميّز عن كل عناوين الحرية والاستقلال في لبنان، وفي أكثر من دولة في المنطقة، لأنه وحده اليوم الذي تفجّرت فيه الحرية شباباً ودماً وجهاداً وتحدياً وإسقاطاً للمحتل وهزيمة لجنوده، إنها الحرية التي لم تصنعها مفاوضات التخاذل، ولا مظاهرات الشعارات، إنه الشعب اللبناني في شبابه المجاهد، في شجاعته المتحدّية، في حركة العنفوان، في صناعة المستقبل، وكنت أقول ـ وعلى هذا المنبر بالذات ـ إنَّ علينا أن ننتبه إلى اللصوص الدوليين والإقليميين، إلى السرّاق الذين يعملون على سرقة التحرير والنصر.

وهذا ما نراه يتجلّى في القرار 1559 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بفعل الضغوط الأمريكية، لكي تستعيد إسرائيل موقعها السياسي، فتدخل إلى لبنان من النافذة بعد خروجها من الباب، ولا سيّما من خلال الوصاية الأمريكية الجديدة التي تتدخّل في كل شؤون لبنان الانتخابية، حتى في حسابات الترشيح، إضافةً إلى أكثر من عنوان سياسي تلتزمه المواقع الدينية والحزبية على المستوى الطائفي الذي يحرّك الطائفية بطريقة غرائزية في سوق المزاد السري والعلني مع بعض الأغلفة الوطنية. إننا نعتبر أن التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل وأمريكا يجعل إسرائيل تنفذ إلى أكثر من نسيج لبناني في الخفاء، وتثير مسألة سلاح المقاومة بأساليب مختلفة، من خلال حاجة الداخل اللبناني إلى صناعة الدولة وإلى الاستقرار، وإذا كان البعض يتحدث عن المفاوضات حوله كشأن لبناني، فإن الجميع يعرف أنه ليس هناك أيّ طرح واقعي في هذا الشأن.

انتخبوا لبنان:

وفي ضوء ذلك، لا بد للشعب اللبناني الذي يعاني من دوّامة التدخلات الأمريكية، وبعض التدخلات الأوروبية، أن يكون واعياً في المسألة الانتخابية، وأن لا تذهب أصواتهم سدى للذين كانوا أو يمكن أن يكونوا السبب في إدخال البلد في أكثر من نفق دولي أو مشكلة داخلية، وأن لا ينساقوا انفعالياً في عملية الاختيار لهذا المرشح أو ذاك، وأن يبحثوا عمّن يملك البرنامج على طريقة: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}(الرعد/17)، أو من يملك الكفاءة والفكر والموقع والأمانة، لأن هذه الانتخابات أُريد لها أن تكون المحطة التي تؤسِّس لما بعدها، فهي الأخطر في تاريخ لبنان.

وإنني أدعو اللبنانيين جميعاً، ومسؤولي الطوائف، سواء أكانوا زمنيين أم دينيين، أن يخرجوا من خطابهم الطائفي العشائري الفارغ من المسيحية والإسلام إلى وحدتهم الوطنية، وأن يقلعوا عن لغة التخوين إلى لغة الحوار، وعن لغة العنف إلى لغة الرفق، إن لبنان ينتظر بناء الدولة المرتكزة على المؤسسات قبل أن يذهب في حمّى الفوضى الأمريكية "البنّاءة" أو الهدّامة..

أيُّها اللبنانيون: انتخبوا لبنان ولا تنتخبوا المخابرات الدولية، ولا سيما الأمريكية... كونوا أحراراً في دنياكم، ولا تكونوا أيتاماً في مأدبة اللئام.

وليس بعيداً من ذلك، لا يزال الرئيس الأمريكي يكرر كلامه عن الديمقراطية في لبنان، وعن "ثورة الأرز"، ولكنه يوجّه ذلك إلى الموقف من سوريا لا الموقف من إسرائيل، لأنه يدعو الدولة العبرية ـ على لسان وزيرة خارجيته ـ أن تساعد لبنان والمنطقة في ما يسمّيه "نشر الديمقراطية"، لأنه يعتبرها "الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، كما أنه مع كل معاونيه في الإدارة والكونغرس، يؤكد أن دعمه لإسرائيل هو الدعم المطلق الذي لا يقف عند حد، ولذلك فإنه سوف يؤسس في خطته الإسرائيلية لبناء الاستراتيجية اليهودية الصهيونية على حساب الشعب الفلسطيني.

مشروع الدولة الفلسطينية ملهاة وخداع:

وإذا كان الرئيس الأمريكي قد تحدث عن دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، فإنه لم يتحدث عن طبيعتها وعن مكوّناتها وعن حدودها وامتدادها، بل إنه تحدث عن شرعية المستوطنات الكبرى بشكل صريح، وعن الجدار الفاصل بطريقة ملتبسة، وعن رفض عودة اللاجئين إلى ديارهم مع تشجيعه هجرة كل اليهود إلى فلسطين لاستكمال اغتصاب أرض الفلسطينيين.

إننا نعتقد أن الضغوط على الفلسطينيين لحساب الإسرائيليين لن تتوقف، وإذا كان الرئيس  الأمريكي  -في اجتماعه الأخير برئيس السلطة الفلسطينية - يحاول الإيحاء بالإيجابية في بعض الأمور حيال الفلسطينيين، وبخاصة في حديثه عن الدولة الفلسطينية أو المساعدات المالية، فإن المسألة هي أنه يبيع الفلسطينيين والعرب كلاماً ويعطي إسرائيل مواقف وأفعالاً، وقد تعوّدنا منه أن يقول الكلمة ثم يجمّدها ثم يعمل على سحبها، كما في رسالة الضمانات لشارون التي أقرّ فيها بقاء المستوطنات والاستمرار في بناء الجدار العازل.

 

أمريكا وإسرائيل: جرائم ضد الإنسانية:

وفي هذا الجو، نطالع التقارير الجديدة لمنظمة العفو الدولية التي تحدثت عن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين من قتل وتدمير واسع النطاق ومتعمّد للممتلكات والتعذيب واستخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية،  والتي تمثل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وتزامن ذلك مع آخر نشرة للمركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان، أشار إلى نهج في صفوف الجنود الإسرائيليّين لتنفيذ عمليات إعدام بحق الفلسطينيين الناشطين، وقد قتلت قوات الاحتلال 700 فلسطيني، بينهم 150 طفلاً في الأراضي المحتلة.

إنّ هذا التقرير يدلّ على مدى الجرائم التي تقوم بها إسرائيل من دون أن تحرّك أمريكا ساكناً، حتى على مستوى الاستنكار. وإذا كان الأمريكيون يهربون إلى الأمام في ذلك كلّه، فإنّنا نعتقد أنّ جرائم أمريكا في العراق وأفغانستان و"غوانتانامو" وغيرها، تؤكِّد التَّوافق في حسابات الجريمة، الأمرُ الّذي يفضح حقوق الإنسان الأمريكية.

إنّنا نعتقدُ أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية لن يحصل من أمريكا على الالتزام الموقّع من الرئيس الأمريكي بخريطة الطريق وبرفض فكرة "غزّة أوّلاً وأخيراً"، كما تحدّثت وزيرة الخارجيّة الأمريكية، بل إنّ الرئيس الأمريكيّ سيجعل الملهاة الكبرى هي الانسحاب من غزّة على أساس ما يمثّله شارون كـ"رجل سلام" عند أمريكا، وسيرجع الرئيس الفلسطيني صفر اليدين مع بعض المجاملات الخادعة؛ لأنّ شارون ومنظمة "إيباك" قد خطّطت لذلك.

أمريكا تنشر الفتن والفوضى:

وأخيراً، إنّ المنطقة تهتزّ بفعل السياسة الأمريكية التي تنشر الفتنة بدلاً من الوحدة، وتحرّك الفوضى بدلاً من الاستقرار والأمن. وبهذه المناسبة نقول للفلسطينيّين:

حذارِ من الخضوع للمندوبين الأمريكيّين الذين يؤكّدون أنه من الجنون أن يعتقد أحد أنّ الأمريكيّين يعملون بشكل محايد؛ لأنّهم مع إسرائيل ضدّ العالم كلّه، ولا سيّما العالم العربي والإسلامي.

ونقول لأهلنا في العراق، أن يعملوا ـ رغم كلّ المآسي الدامية ـ بكلّ مذاهبهم وأعراقهم وأطيافهم السياسية والدينية، على صون وحدتهم بكل الوسائل، وعدم السماح للفتنة التي يرعاها المحتلّ أن تنال من عزمهم، والسعي الدؤوب على إخراج المحتلّ، وإسكات الأصوات التكفيريّة الساعية لتحريك خطوط الفتنة الدامية. إنّ واقع المنطقة في حالة طوارئ، فعلى الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة. 

من حقائق الإيمان: إيثار الحق والابتعاد عن الباطل

أ لقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الإسلام إقرار بالشهادتين:

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(الحجرات/14).

في هذه الآية الكريمة، يفرّق القرآن الكريم بين مصطلحي الإيمان والإسلام، فالإسلام هو أن يقرّ الإنسان بالشهادتين، ويلتزم التزاماً عملياً بالانتماء إلى المجتمع الإسلامي، وإن لم ينطلق في إقراره بالتصديق القلبي، ككثير من الناس الذين دخلوا في الإسلام بفعل الخوف من سلطته، كما في الذين وقعوا أسرى في الحرب بين المسلمين والمشركين، فقبل منهم النبي(ص) ذلك، وهو يعرف أنهم لم يؤمنوا بما نطقوا به من الشهادتين. وهناك من دخل في الإسلام بعد أن انتصر طمعاً في الغنائم والمكاسب التي يجنيها المسلمون، وكان الأساس لديه(ص) أن يُخرج هؤلاء الناس من مجتمع الشرك ليُدخلهم في مجتمع الإسلام، ليعيشوا فيه ويتأثّروا به، وفي مطلق الأحوال، من أجل أن يحيّدهم عن مواقع الشرك.

هذا هو الإسلام الذي تحلّ به العلاقات الزوجية، فيجوز للإنسان الذي دخل في الإسلام رغبةً أو رهبةً، أن يتزوّج مسلماً، لأنه محكوم بالإسلام، كما أنه يرث المسلمين ويرثونه، ويُحقن بذلك دمه وماله وعرضه، كما ورد: «من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، حُفظ بها ماله ودمه وعرضه». هذه هي المسألة القانونية في الإسلام.

وأحبُّ أن أنبِّه إلى نقطة قد يبتلى بها بعض الناس من المسلمين، وهي أن من المعلوم أنه لا يجوز في التّشريع الإسلامي للمسلمة أن تتزوّج غير المسلم. هناك بعض البنات قد يرتبطن بعلاقة مع ملحد أو مسيحي أو يهودي، فتلجأ إلى الزواج المدني، أو قد ينطق هذا المسيحي أو اليهودي بالشهادتين أمام العالِم، وهذا لا يكفي، بل لا بد أن يدخل في المجتمع المسلم، بحيث يصبح كبقية المسلمين، قد لا يصلّي أو لا يصوم كما بعض المسلمين الذين لا يلتزمون بالأحكام والفرائض الإسلامية، ولكن الأساس أن يدخل في المجتمع الإسلامي ليكون جزءاً منه. وهذا ما أحبّ أن ينتبه إليه الأخوة، لأن كل عقد لمسلمة على غير مسلم هو باطل، ومعنى ذلك أن العلاقة باطلة والأولاد غير شرعيين، وقد تكون هذه النقطة محلّ ابتلاء البعض في بعض بناته أو أخواته.

الإيمان: إخلاص القلوب وتصديق الأعمال:

أمَّا مسألة الإيمان، فالإيمان يُعتبر شيئاً آخر: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، ما هو الإيمان؟ هناك حديث عن رسول الله(ص)، ويُروى عن عليّ(ع)، قال: «قال لي رسول الله: اكتب، قلت: ما أكتب؟ قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقر في القلوب ـ ما استقرّ في القلوب ـ فعاشه الإنسان عقيدةً في قلبه ـ وصدّقته الأعمال ـ لا يكفي الإيمان القلبي، بل لا بد أن يتحوّل هذا الإيمان القلبي إلى عمل يصدّق ذلك ـ والإسلام ما جرى على اللسان وحلّت به المناكحة»، أي الزواج.

وفي حديث آخر عن رسول الله(ص): «ليس الإيمانُ بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدّقته الأعمال»، في عمق العقل، بحيث يقتنع العقل به ويلتزمه كعقيدة ويتحوّل إلى حركةٍ في التزامات الإنسان العملية في حياته، في ما يعمل ويقول وينشئ من علاقات.

حقيقة الإيمان:

ويقول الإمام الصَّادق(ع): «إنَّ من حقيقة الإيمان، أن تؤثر الحقّ وإن ضرَّك، على الباطل وإن نفعك». عندما تؤمن بالحق، فإنَّ الحق هو الذي يحكم كلّ التزاماتك في الحياة، أن تنظر عندما تتحرك في أيِّ عمل أو مشروع أو أيِّ موقف، أين الحق وأين الباطل، ولا تنظر ما هو الشيء الذي ينفعني وما هو الشيء الذي يضرّني، بل أن تلتزم الحق حتى لو رأيت في الحق ضرراً لك أو خسارة، ورأيت في الباطل نفعاً لك، لأن الحق ينفعك عند الله وإن كان يضرّك عند الناس، والباطل يضرّك عند الله وإن كان ينفعك عند الناس.

ويقول رسول الله(ص): «إنَّ لكلِّ شيء حقيقةً، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه»، حتى يؤمن بقضاء الله وقدره، حتى يؤمن بأنَّ الله هو المهيمن على الأمر كله في كلِّ تقديراته في الحياة، وأن الله إذا أراد شيئاً لا بد أن يكون، وأن يرضى بما قضاه الله عليه وبما قدّره الله له. ويقول الإمام الصَّادق (ع): «لا تكون مؤمناً حتى تكون خائفاً راجياً ـ خائفاً لله وراجياً ثوابه ولطفه ـ ولا تكون خائفاً راجياً حتى تكون عاملاً لما تخاف وترجو»، عندما تعرف أنَّ عملاً ما قد يعاقبك الله عليه، فعليك أن لا تفعله إذا كنت صادقاً في خوفك من ربك، أو إذا عرفت أن عملاً ما سوف يعطيك الله أجره وثوابه، فإن عليك أن تأتي به لتحصل على هذا الثواب الذي ترجوه، فرجاء الشيء يقتضي أن تسعى نحوه، والخوف من الشيء يقتضي أن تهرب منه.

علينا أن نعمّق إيماننا في عقولنا وقلوبنا، لننطلق إلى الله تعالى من خلال هذا الإيمان الذي يصدّقه العمل، وقد لاحظنا أن القرآن الكريم لم يتحدث عن الإيمان إلا وقرنه بالعمل: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(سورة العصر)، خلافاً لبعض الناس الذين يقولون لك إن الإيمان في القلب، هذا الإيمان الذي لا يُقرن بالعمل لا يُقبل منه.

صفات المؤمنين:

وعندما نقرأ في سورة "المؤمنون"، نجد أن الله تعالى تحدث عن صفات المؤمنين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (المؤمنون/1-9)، وعندما يتحدَّث الله تعالى عن المؤمنين، فإنَّه يتحدَّث عن المؤمنين العاملين بالصَّالحات الذين يصدّق عملهم إيمانهم.

لذلك، علينا أن نعمّق إيماننا في عقولنا وقلوبنا، وأن نقوّي إرادتنا في الأخذ بالأعمال الصالحة، حتى نحصل على الفلاح في الدنيا والآخرة.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله في كلِّ ما حمّلكم الله مسؤوليته، واتقوا الله في عباده وبلاده، وواجهوا مسؤوليّاتكم في كلِّ ما يصيب الأمة من تحديات، صفاً واحداً كالبنيان المرصوص الذي يشدّ بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى لـه سائر الأعضاء بالحمّى والسهر.

يوم التحرير: يوم الحرية وإسقاط المحتلّ:

يوم التحرير ـ في الخامس والعشرين من أيار ـ يتميّز عن كل عناوين الحرية والاستقلال في لبنان، وفي أكثر من دولة في المنطقة، لأنه وحده اليوم الذي تفجّرت فيه الحرية شباباً ودماً وجهاداً وتحدياً وإسقاطاً للمحتل وهزيمة لجنوده، إنها الحرية التي لم تصنعها مفاوضات التخاذل، ولا مظاهرات الشعارات، إنه الشعب اللبناني في شبابه المجاهد، في شجاعته المتحدّية، في حركة العنفوان، في صناعة المستقبل، وكنت أقول ـ وعلى هذا المنبر بالذات ـ إنَّ علينا أن ننتبه إلى اللصوص الدوليين والإقليميين، إلى السرّاق الذين يعملون على سرقة التحرير والنصر.

وهذا ما نراه يتجلّى في القرار 1559 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بفعل الضغوط الأمريكية، لكي تستعيد إسرائيل موقعها السياسي، فتدخل إلى لبنان من النافذة بعد خروجها من الباب، ولا سيّما من خلال الوصاية الأمريكية الجديدة التي تتدخّل في كل شؤون لبنان الانتخابية، حتى في حسابات الترشيح، إضافةً إلى أكثر من عنوان سياسي تلتزمه المواقع الدينية والحزبية على المستوى الطائفي الذي يحرّك الطائفية بطريقة غرائزية في سوق المزاد السري والعلني مع بعض الأغلفة الوطنية. إننا نعتبر أن التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل وأمريكا يجعل إسرائيل تنفذ إلى أكثر من نسيج لبناني في الخفاء، وتثير مسألة سلاح المقاومة بأساليب مختلفة، من خلال حاجة الداخل اللبناني إلى صناعة الدولة وإلى الاستقرار، وإذا كان البعض يتحدث عن المفاوضات حوله كشأن لبناني، فإن الجميع يعرف أنه ليس هناك أيّ طرح واقعي في هذا الشأن.

انتخبوا لبنان:

وفي ضوء ذلك، لا بد للشعب اللبناني الذي يعاني من دوّامة التدخلات الأمريكية، وبعض التدخلات الأوروبية، أن يكون واعياً في المسألة الانتخابية، وأن لا تذهب أصواتهم سدى للذين كانوا أو يمكن أن يكونوا السبب في إدخال البلد في أكثر من نفق دولي أو مشكلة داخلية، وأن لا ينساقوا انفعالياً في عملية الاختيار لهذا المرشح أو ذاك، وأن يبحثوا عمّن يملك البرنامج على طريقة: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}(الرعد/17)، أو من يملك الكفاءة والفكر والموقع والأمانة، لأن هذه الانتخابات أُريد لها أن تكون المحطة التي تؤسِّس لما بعدها، فهي الأخطر في تاريخ لبنان.

وإنني أدعو اللبنانيين جميعاً، ومسؤولي الطوائف، سواء أكانوا زمنيين أم دينيين، أن يخرجوا من خطابهم الطائفي العشائري الفارغ من المسيحية والإسلام إلى وحدتهم الوطنية، وأن يقلعوا عن لغة التخوين إلى لغة الحوار، وعن لغة العنف إلى لغة الرفق، إن لبنان ينتظر بناء الدولة المرتكزة على المؤسسات قبل أن يذهب في حمّى الفوضى الأمريكية "البنّاءة" أو الهدّامة..

أيُّها اللبنانيون: انتخبوا لبنان ولا تنتخبوا المخابرات الدولية، ولا سيما الأمريكية... كونوا أحراراً في دنياكم، ولا تكونوا أيتاماً في مأدبة اللئام.

وليس بعيداً من ذلك، لا يزال الرئيس الأمريكي يكرر كلامه عن الديمقراطية في لبنان، وعن "ثورة الأرز"، ولكنه يوجّه ذلك إلى الموقف من سوريا لا الموقف من إسرائيل، لأنه يدعو الدولة العبرية ـ على لسان وزيرة خارجيته ـ أن تساعد لبنان والمنطقة في ما يسمّيه "نشر الديمقراطية"، لأنه يعتبرها "الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، كما أنه مع كل معاونيه في الإدارة والكونغرس، يؤكد أن دعمه لإسرائيل هو الدعم المطلق الذي لا يقف عند حد، ولذلك فإنه سوف يؤسس في خطته الإسرائيلية لبناء الاستراتيجية اليهودية الصهيونية على حساب الشعب الفلسطيني.

مشروع الدولة الفلسطينية ملهاة وخداع:

وإذا كان الرئيس الأمريكي قد تحدث عن دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، فإنه لم يتحدث عن طبيعتها وعن مكوّناتها وعن حدودها وامتدادها، بل إنه تحدث عن شرعية المستوطنات الكبرى بشكل صريح، وعن الجدار الفاصل بطريقة ملتبسة، وعن رفض عودة اللاجئين إلى ديارهم مع تشجيعه هجرة كل اليهود إلى فلسطين لاستكمال اغتصاب أرض الفلسطينيين.

إننا نعتقد أن الضغوط على الفلسطينيين لحساب الإسرائيليين لن تتوقف، وإذا كان الرئيس  الأمريكي  -في اجتماعه الأخير برئيس السلطة الفلسطينية - يحاول الإيحاء بالإيجابية في بعض الأمور حيال الفلسطينيين، وبخاصة في حديثه عن الدولة الفلسطينية أو المساعدات المالية، فإن المسألة هي أنه يبيع الفلسطينيين والعرب كلاماً ويعطي إسرائيل مواقف وأفعالاً، وقد تعوّدنا منه أن يقول الكلمة ثم يجمّدها ثم يعمل على سحبها، كما في رسالة الضمانات لشارون التي أقرّ فيها بقاء المستوطنات والاستمرار في بناء الجدار العازل.

 

أمريكا وإسرائيل: جرائم ضد الإنسانية:

وفي هذا الجو، نطالع التقارير الجديدة لمنظمة العفو الدولية التي تحدثت عن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين من قتل وتدمير واسع النطاق ومتعمّد للممتلكات والتعذيب واستخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية،  والتي تمثل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وتزامن ذلك مع آخر نشرة للمركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان، أشار إلى نهج في صفوف الجنود الإسرائيليّين لتنفيذ عمليات إعدام بحق الفلسطينيين الناشطين، وقد قتلت قوات الاحتلال 700 فلسطيني، بينهم 150 طفلاً في الأراضي المحتلة.

إنّ هذا التقرير يدلّ على مدى الجرائم التي تقوم بها إسرائيل من دون أن تحرّك أمريكا ساكناً، حتى على مستوى الاستنكار. وإذا كان الأمريكيون يهربون إلى الأمام في ذلك كلّه، فإنّنا نعتقد أنّ جرائم أمريكا في العراق وأفغانستان و"غوانتانامو" وغيرها، تؤكِّد التَّوافق في حسابات الجريمة، الأمرُ الّذي يفضح حقوق الإنسان الأمريكية.

إنّنا نعتقدُ أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية لن يحصل من أمريكا على الالتزام الموقّع من الرئيس الأمريكي بخريطة الطريق وبرفض فكرة "غزّة أوّلاً وأخيراً"، كما تحدّثت وزيرة الخارجيّة الأمريكية، بل إنّ الرئيس الأمريكيّ سيجعل الملهاة الكبرى هي الانسحاب من غزّة على أساس ما يمثّله شارون كـ"رجل سلام" عند أمريكا، وسيرجع الرئيس الفلسطيني صفر اليدين مع بعض المجاملات الخادعة؛ لأنّ شارون ومنظمة "إيباك" قد خطّطت لذلك.

أمريكا تنشر الفتن والفوضى:

وأخيراً، إنّ المنطقة تهتزّ بفعل السياسة الأمريكية التي تنشر الفتنة بدلاً من الوحدة، وتحرّك الفوضى بدلاً من الاستقرار والأمن. وبهذه المناسبة نقول للفلسطينيّين:

حذارِ من الخضوع للمندوبين الأمريكيّين الذين يؤكّدون أنه من الجنون أن يعتقد أحد أنّ الأمريكيّين يعملون بشكل محايد؛ لأنّهم مع إسرائيل ضدّ العالم كلّه، ولا سيّما العالم العربي والإسلامي.

ونقول لأهلنا في العراق، أن يعملوا ـ رغم كلّ المآسي الدامية ـ بكلّ مذاهبهم وأعراقهم وأطيافهم السياسية والدينية، على صون وحدتهم بكل الوسائل، وعدم السماح للفتنة التي يرعاها المحتلّ أن تنال من عزمهم، والسعي الدؤوب على إخراج المحتلّ، وإسكات الأصوات التكفيريّة الساعية لتحريك خطوط الفتنة الدامية. إنّ واقع المنطقة في حالة طوارئ، فعلى الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة. 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية