سارعوا إلى الخير ولا تتسرّعوا في الحكم

سارعوا إلى الخير ولا تتسرّعوا في الحكم

 لأن "العجول مخطئ والمتأني مصيب" : سارعوا إلى الخير ولا تتسرّعوا في الحكم


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

العجلة طريق إلى الشر:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {خُلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون}، وقال تعالى: {ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}. هذه الصفة، صفة العجلة، يقول الله تعالى عنها إنها من الصفات المودعة في الإنسان، بحسب طبيعة خلقه وتكوينه، لأن الإنسان ـ عادة ـ يرتبط بالحسيّات فيحاول دائماً أن يستعجل الشيء الذي يراه أمامه، أو الشيء الذي يحيط به، من دون تفكير بالشروط التي يحتاجها تحقيق هذا الشيء أو الوصول إليه، مما يفرض أن ينقضي زمنٌ حتى يتحقق أو يبلغه، ولهذا نجد أنّ الكثيرين من الناس يستعجلون الأشياء والنتائج، وبذلك فإنهم يسقطون أمام حالة الاستعجال، فلا يبلغون ما يؤمّلونه ولا يحققون ما يطلبونه.

وقد كانت مشكلة الأنبياء أمام أممهم أنهم كانوا يطلقون الدعوة إلى الله تعالى، ويقدمون للناس الفكرة، فيستعجل الناس الموقف في رفض الفكرة والدعوة، لأنهم عاشوا زمناً طويلاً تحت تأثير أفكارٍ سيطرت عليهم من خلال البيئة التي نشأوا فيها، أو التراث الذي ورثوه، فإذا قُدّم إليهم شيء جديد أنكروه، ولو أنهم أعطوا أنفسهم فرصة التفكير فيه ودراسة نتائجه الإيجابية لآمنوا به والتزموه، وقد كانوا يقفون أمام الأنبياء الذين يتوعدونهم بأن الله سينـزل بهم العذاب إذا ابتعدوا عن خط الرسالة والإيمان، فكان هؤلاء يستعجلون العذاب ويقولون للنبي: إنك تتوعدنا بالعذاب فلينزله الله علينا، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير}، ولو عرف طبيعة المشاكل التي تحدث له من خلال الشر لما استعجله.

وعلى ضوء هذا، كانت التربية الإسلامية تؤكد أن على الإنسان أن لا يستعجل الأمور، بل أن يتأنى فيها، في أي أمر من الأمور التي يأخذ بها في حياته، سواء كان ذلك على مستوى العلاقة الزوجية أو الصداقة أو العلاقة السياسية أو الاجتماعية، أو في أيّ من الأمور التي تشتهيها النفس من أكل أو شرب أو شهوة.

ولذلك يؤكد الإسلام أنّ على الإنسان أن لا يقوم بشيء حتى يدرسه في نتائجه السلبية أو الإيجابية، في نقاط ضعفه أو قوته، قبل أن يأخذ به، لأن الإنسان قد يجد الشيء جميلاً في الظاهر، ولكنه قد يكون قبيحاً في العمق، لأن هناك الكثير من الأشياء التي إذا جرّبتها أو درستها كشفت لك عما فيها من الأذى والخسارة. ولهذا لا بدّ للإنسان أن يدرس الأمر الذي يقبل عليه في مجال الخسارة والربح، والضرر والنفع، ولا سيما إذا كان الأمر يتصل به في مدى حياته، خاصة في الحياة الزوجية، لأنها من أكثر المسائل تعقيداً، حيث يُخْضِعَ كلٌ من الزوجين حياته للآخر ويطلعه على كل تفاصيل حياته، فهذا الإنسان الذي ستشاركه في كل حياتك لا بدّ أن تدرسه مقارناً بظروفك وظروفه، وتدرس إمكانات أن تصبر على بعض ما لا ينسجم مع مزاجك وما لا ترتاح إليه، كذلك في الأمور الاقتصادية، كالشراكة، لأن من يجاور جار سوء قد يتحوّل بيته إلى مكان مزعج، وإن كان داخله مريحاً. أو إذا أردت أن تدخل في عمل سياسي، فلا بد أن تدرس نتائجه على مستوى دنياك وآخرتك وعلى مستوى وطنك وأمتك.

العجلة مهلكة الناس:

لهذا، أكدت الأحاديث الكثيرة على ضرورة التأني، فعن عليّ (ع): "العجل يوجب العثار"، إن العجلة قد توقعك في الحفر الاجتماعية والسياسية التي قد تعترض طريقك. وفي وصايا أمير المؤمنين (ع) عند وفاته: "أنهاك عن التسرّع في القول والفعل"، فكّر في الكلمة قبل أن تنطق بها، وفي الأعمال قبل أن تفعلها، فإن كان فيها خير أظهرتها وإن كان فيها شر أخفيتها، لأن بعض الكلمات أو الأعمال قد تؤدي بك إلى الهلاك أو الضرر. ويقول (ع): "العجول مخطئ ولو ملك، والمتأني مصيب ولو هلك".

ويقول الإمام الباقر (ع): "إنما أهلك الناس العجلة، ولو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد"، وفي ذلك دلالة على الاستعجال في الحكم على الأمور والسير فيها، فلا بدّ للإنسان من أن يتثبت، ولا سيما في القضايا التي تتعلق بالحكم على الناس، خصوصاً وأن مجتمعنا ـ في الغالب ـ هو مجتمع الغيبة والنميمة والتشهير، على مستوى الأفراد أو الصحافة، وقد ركّز القرآن على ضرورة أن تتبين الأمور، وذلك بأن تبحث عن الحقيقة بنفسك، وهو ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.

لهذا، لا بدّ أن لا نستعجل في الحكم على الناس، لا سيما وأن الذين حدّثوك قد يكونون ممّن لا يخافون الله ولا يحترمون الناس والحقيقة، فوظيفتك أن تتثبت لتفحص عن المسألة في مصادرها الصحيحة، ونحقق بذلك فائدتين: الأولى هي أننا إذا تثبتنا لم نقع في الخطأ والخطيئة، والثانية هي أن الذين يكذبون إذا عرفوا أن أمرهم سوف يُفتضح بين الناس فإنهم سوف يكفّون عن الكذب والإشاعات.

وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع): "الأناة من الله والعجلة من الشيطان"، وعن الإمام الصادق (ع): "مع التأني تكون السلامة ـ في الدين والدنيا ـ ومع العجلة تكون الندامة".. ومن كتاب أمير المؤمنين إلى "مالك الأشتر" لما ولاّه مصر، ونحن نعرف أن أيَّ حاكم أو مسؤول عادة يأتي إليه الناس لتصفية حساباتهم عنده، فقد يأتي إليه إنسان وينقل إليه كلاماً عن إنسان آخر ليغلّظ قلبه عليه ليسجنه، وما أكثر الناس عندنا الذين "يبيّضون" وجوههم عند المسؤولين وينقلون إليهم بعض الكلام، يقول (ع): "ولا تعجلن إلى تصديق ساعٍ ـ من يسعى إليك بما يتصل بالناس مما ينقله عنهم ـ فإن الساعي غاش ـ فإنه يغشك لأنه يربك حكمك على الأمور ـ وإن تشبّه بالناصحين".

المسارعة في الخير:

هذا كله عندما يتصل الأمر بعلاقاتك بالناس أو بأوضاعك الفردية في الحياة، ولكن عندما تكون المسألة مسألة خير تريد أن تفعله، هنا لا تتأنى ولكن استعجل، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {فاستبقوا الخيرات}، وعن الإمام الصادق(ع): "كان أبي يقول: إذا هممت بخير فبادر فإنك لا تدري ما يحدث"، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "إذا همّ أحدكم بخير أو صلة فإن عن يمينه وشماله شيطانين فليبادر لا يكفّاه عن ذلك"، وما أكثر الشياطين عندنا الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل؟! وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع): "من همّ بشيء من الخير فليعجّله فإن كل شيء فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة". وفي الحديث عن النبي (ص): "إن الله يحب من الخير ما يُعجّل"..

وعلى هذا الأساس، نأخذ الفكرة العامة التي تتلخص في كلمتين: عندما يكون الأمر أمر خير يقرّبك إلى الله ويحقق للأمة الكثير من مصالحها فاستعجل فيه، أما إذا كانت المسألة مسألة أمر يتعلق بحياتك على مستوى أوضاعك الاجتماعية أو السياسية فإنه عليك أن تتريث كثيراً، فلا تبدأ به قبل أن تشبعه درساً، فإن كان خيراً سرت فيه، وإن كان شراً توقفت عنه، ولعل الكثير من مشاكلنا ينطلق من عدم التفكير في العواقب، فالإنسان الذي يدرس الأمور يستطيع أن يقدم عذره فيها، وقد خلق الله تعالى لنا العقل لكي نستعمله، لأن العقل فكر ودراسة، والغريزة عجلة وسرعة، فلنفكّر في ذلك كله حتى لا نخطئ في الدنيا والآخرة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، ولا سيما عندما تواجهون الاستكبار في كل خططهم والظالمين في كل أوضاعهم وحركاتهم، لأن الناس يخططون لإسقاطنا، فعلينا أن نخطط للدفاع عن أنفسنا واستكشاف ما يخططون، علينا عندما نخوض أي حرب ـ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية ـ أن لا نتحرك على أساس الحماس والانفعال والثأر بطريقة ساذجة، لأن الآخرين ربما يثيروننا وقد حفروا أكثر من حفرة لنقع فيها إن استعجلنا السير، فالحرب علمٌ وخطةٌ تحتاج إلى الثقافة والدراسة، ولذلك من يتحمَّس وينفعل يخسر الحرب وينهزم، ولا نقول بأن علينا أن لا نتحمس بل أن نعطي حماسنا وانفعالنا جرعة من عقولنا وتأملنا، حتى نعرف مواطئ أقدامنا والأفق الذي نحاول أن نبلغ، لنعرف ماذا يُدبّر أعداؤنا. وها نحن نعيش في هذه المرحلة من عمرنا الكثير مما يخطط له الاستكبار العالمي وإسرائيل وحلفاؤهما، فماذا هناك؟

الدعم الأمريكي لإسرائيل في ازدياد:

تتوالى المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته ـ حتى الأطفال ـ وبمختلف الأسلحة الأمريكية، في الوقت الذي تتوزّع فيه الإدارة الأمريكية الأدوار في تصريحات مسؤوليها، فوزارة الخارجية تصف مجزرة "نابلس" بأنها عمل عدواني للغاية، إرضاءً للعرب الذين يصفقون لأي تصريح أمريكي ضد إسرائيل، كما لو كان تحوّلاً في الموقف الأمريكي لصالح العرب، ولكن نائب الرئيس الأمريكي (تشيني) يبرر لإسرائيل مجازرها الأخيرة، ولا سيما مجزرة "نابلس"، معتبراً إياها دفاعاً عن النفس بحجة أن قادة "حماس" كانوا يحضِّرون لعمليات ضد إسرائيل.

أما الرئيس الأمريكي فيكتفي بتصريح يتمنى فيه انخفاض "مستويات العنف"، وحثّ الطرفين على ضبط النفس، كما لو كان الخطاب موجَّهاً للفلسطينيين للامتناع عن أية ردّة فعل ثأرية على المجازر التي ارتكبتها إسرائيل، إرضاءً للتوازنات السياسية الأمريكية الداخلية، وتفادياً للدخول في مواجهة مع الكونغرس الأمريكي حفاظاً على برامجه الداخلية والخارجية، لأنه (الرئيس الأمريكي) لا يملك الأكثرية فيه، مما جعل سياسة أمريكا في الشرق الأوسط ـ ولا سيما في القضية الفلسطينية ـ خاضعة للضغط اليهودي في أمريكا، وهذا ما نلاحظه في التهديد الأمريكي بمقاطعة مؤتمر الأمم المتحدة ضد التمييز العنصري إذا بحث مسألة اعتبار الصهيونية وجهاً من وجوه العنصرية ضد العرب، وما نلاحظه أيضاً في حماس أعضاء الكونغرس الأمريكي للجنود الإسرائيليين الأسرى عند المقاومة الإسلامية، وإقرار قانون بمطالبة الأمم المتحدة بتسليم إسرائيل شريط الفيديو المصوَّر لعملية الأسر، ومن دون تعديل.

نحو موقفٍ عربيٍ حازم:

إن هذا الموقف الأمريكي الذي يزداد دعماً لإسرائيل في هذه المرحلة التي تزداد فيها إسرائيل وحشية وهمجية في عدوانها، بحجة الدفاع عن النفس، كما لو كانت في موقع الضحية أمام الفلسطينيين الذين يمثلون ـ في نظرها ـ دور المجرم، وذلك في ردّها على استنكار الخارجية الأمريكية، من دون أن تحرّك أمريكا ساكناً.. إن هذا الموقف الأمريكي يفرض موقفاً عربياً حازماً في دراسة إمكانية الضغط أو التلويح بالضغط على المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة، أو على الوضع الأمني للقوات الأمريكية في الخليج، بالطريقة التي تشعر فيها أمريكا بالقلق على سياستها ومصالحها في العالم العربي، بالإضافة إلى العالم الإسلامي الذي لا بدّ له من الاستنفار في هذا الاتجاه، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لرفع مستوى الموقف إلى ما تفرضه طبيعة التحديات على الصعيد السياسي والأمني..

كما ندعو إلى تصعيد الموقف السياسي والاقتصادي ضد إسرائيل، ولا سيما استعادة المقاطعة العربية لها من الدرجة الأولى والثانية.. ومن المخجل أن تمتنع بعض الدول العربية، ولا سيما مصر والأردن، من حضور مؤتمر المقاطعة لإسرائيل المنعقد في دمشق، لأنها لا تريد تعريض علاقاتها بالعدو للخطر؟! إن العالم العربي يتفرّج على نهر الدم الفلسطيني المتدفق، ويخاف من عقد القمة لمواجهة الموقف، لأنه يتفادى الفضيحة السياسية العربية في استعادة الصورة المتكررة للتمزّق العربي والعجز السياسي المطلق عن مواجهة مسؤوليات المصير، ما جعل إسرائيل تقاتلهم بعجزهم، وتقاتل الفلسطينيين بتخلي العرب عنهم، وتستقوي على الجميع بامتناع الموقع الدولي من الضغط عليها، وتأييد البعض من دوله لها.

الشعوب.. استنكار المجازر الوحشية:

إن على الشعوب العربية والإسلامية أن تنزل إلى الشارع من جديد، في غضبة سياسية فاعلة تهزّ الأرض بأصواتها الرافضة، لإعادة الانتفاضة الشعبية إلى الشارع، فذلك أضعف الإيمان في استنكار المجازر الوحشية.. ثم القيام بحملة واسعة لدعم الشعب الفلسطيني وانتفاضته المجاهدة اقتصادياً بما يتناسب مع المرحلة الحاضرة، بعد أن كفّت الدول عن هذا الدعم.

ويبقى للشعب الفلسطيني المجاهد أن يحفظ وحدته الداخلية، ويواصل انتفاضته، فهما ـ معاً ـ العنصران الوحيدان اللذان سوف يهزّان الكيان الإسرائيلي في أمنه واقتصاده وسياسته، فالشعب الفلسطيني هو المسؤول عن أن يقلّع شوك الاحتلال بأظافره الدامية، لأن الآخرين ـ إلا القليل منهم ـ لن يتحملوا هذه المسؤولية، فهو الذي سوف يفرض على أمريكا وأوروبا والدول الأخرى، بما فيها الدول العربية والإسلامية، التدخّل من أجل الضغط على إسرائيل لإزالة الاحتلال، {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.

النظام العراقي.. شرذمة الواقع العربي:

ومن جانب آخر، نتذكّر في هذه الأيام احتلال النظام العراقي للكويت سنة 1990، والذي أوقع العالم العربي بالتداعيات المدمِّرة، والانهيارات المتلاحقة التي كادت تذهب بمناعة الأمة فضلاً عن إيمانها بنفسها وبعدالة قضاياها وعنوانها فلسطين.. إن هذا الشرخ الذي فرّق ما كان تبقّى من أواصر القربى وروابط المصير المشترك، وقسّم العرب عربين وجعلهم أمماً شتى بفعل غزوة "صدام"، هو الذي أضعف السياسة العربية عن المواجهة القوية للعدو الإسرائيلي، وهو الذي أدى إلى المأساة الكبيرة للشعب العراقي والحصار المفروض عليه، بالإضافة إلى مأساته الداخلية من خلال النظام الذي يُثقل حياته بالقهر والاضطهاد.. إننا نتذكّر هذا الحدث الذي هو بمستوى الجريمة الكبرى ضد الشعب الكويتي والواقع العربي كله، لنأخذ العبرة منه.

أين المنقذ الماهر؟!

ونصل إلى لبنان لنركّز على موقف مجلس الأمن من سياسة القوات الدولية، ومحاولته تحويلها إلى قوات مراقبة للإيحاء بأن الاحتلال قد انتهى، وأن المسألة هي مسألة مراقبة سلامة التنفيذ، بالإضافة إلى ضغطه لإدخال الجيش إلى الجنوب من دون دراسة لإمكانية اصطدامه بالعدو ـ بفعل بعض الحوادث المفتعلة ـ للدخول في حرب مباشرة معه، لأن لبنان لا يزال في حالة حرب مع هذا العدو.. إن هناك ضغطاً أمريكياً على مجلس الأمن، يتوافق مع عدم ممانعة أوروبية، ولا بدّ للبنان أن يواجه هذا الضغط بقوة، ونحن مع الدولة اللبنانية ـ ولا سيما رئيس الجمهورية ـ في الموقف الحاسم من هذه المسألة.

ويبقى الهم الاقتصادي الذي يشغل الشعب كله، بفعل الأزمات المتلاحقة التي تواجهه من كل جانب في حياته الخاصة والعامة، وعلى الجميع تجميع الطاقات من أجل المساعدة في الوصول إلى حلّ واقعي قريب، لأن الأحاديث الداخلية والخارجية عن إمكانات الوقوع في أزمة الانهيار الاقتصادي بدأت تفرض نفسها على الواقع.. إن علينا أن نعرف أن الأزمة الاقتصادية لم تنشأ من الحرب، ولم تتحرك بفعل وجود المقاومة في الجنوب، ولكنها انطلقت ـ في أغلب أسبابها ـ من طريقة إدارة المسألة الاقتصادية من قِبَل الحكومات المتعاقبة، ومن سياسة الهدر والفساد الإداري والنهب المستمر من أكثر من جهة للمال العام..

إن البلد يواجه الخطر الاقتصادي الذي يحرّكه الخطر السياسي، ولا يزال الناس الذين يسيطرون على مقدّرات البلاد مشغولين باللعبة السياسية، والاستعراضات الطائفية، والخلافات الشخصانية، في عملية ملء الفراغات الإدارية في المواقع الحيوية للدولة.. والسؤال: إلى أين يتجه لبنان، والى أين يأخذه اللاعبون في الداخل في اتجاه المتاهات؟ إن البلد بحاجة إلى إنقاذ، فأين المنقذ الماهر؟!

 لأن "العجول مخطئ والمتأني مصيب" : سارعوا إلى الخير ولا تتسرّعوا في الحكم


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

العجلة طريق إلى الشر:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {خُلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون}، وقال تعالى: {ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}. هذه الصفة، صفة العجلة، يقول الله تعالى عنها إنها من الصفات المودعة في الإنسان، بحسب طبيعة خلقه وتكوينه، لأن الإنسان ـ عادة ـ يرتبط بالحسيّات فيحاول دائماً أن يستعجل الشيء الذي يراه أمامه، أو الشيء الذي يحيط به، من دون تفكير بالشروط التي يحتاجها تحقيق هذا الشيء أو الوصول إليه، مما يفرض أن ينقضي زمنٌ حتى يتحقق أو يبلغه، ولهذا نجد أنّ الكثيرين من الناس يستعجلون الأشياء والنتائج، وبذلك فإنهم يسقطون أمام حالة الاستعجال، فلا يبلغون ما يؤمّلونه ولا يحققون ما يطلبونه.

وقد كانت مشكلة الأنبياء أمام أممهم أنهم كانوا يطلقون الدعوة إلى الله تعالى، ويقدمون للناس الفكرة، فيستعجل الناس الموقف في رفض الفكرة والدعوة، لأنهم عاشوا زمناً طويلاً تحت تأثير أفكارٍ سيطرت عليهم من خلال البيئة التي نشأوا فيها، أو التراث الذي ورثوه، فإذا قُدّم إليهم شيء جديد أنكروه، ولو أنهم أعطوا أنفسهم فرصة التفكير فيه ودراسة نتائجه الإيجابية لآمنوا به والتزموه، وقد كانوا يقفون أمام الأنبياء الذين يتوعدونهم بأن الله سينـزل بهم العذاب إذا ابتعدوا عن خط الرسالة والإيمان، فكان هؤلاء يستعجلون العذاب ويقولون للنبي: إنك تتوعدنا بالعذاب فلينزله الله علينا، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير}، ولو عرف طبيعة المشاكل التي تحدث له من خلال الشر لما استعجله.

وعلى ضوء هذا، كانت التربية الإسلامية تؤكد أن على الإنسان أن لا يستعجل الأمور، بل أن يتأنى فيها، في أي أمر من الأمور التي يأخذ بها في حياته، سواء كان ذلك على مستوى العلاقة الزوجية أو الصداقة أو العلاقة السياسية أو الاجتماعية، أو في أيّ من الأمور التي تشتهيها النفس من أكل أو شرب أو شهوة.

ولذلك يؤكد الإسلام أنّ على الإنسان أن لا يقوم بشيء حتى يدرسه في نتائجه السلبية أو الإيجابية، في نقاط ضعفه أو قوته، قبل أن يأخذ به، لأن الإنسان قد يجد الشيء جميلاً في الظاهر، ولكنه قد يكون قبيحاً في العمق، لأن هناك الكثير من الأشياء التي إذا جرّبتها أو درستها كشفت لك عما فيها من الأذى والخسارة. ولهذا لا بدّ للإنسان أن يدرس الأمر الذي يقبل عليه في مجال الخسارة والربح، والضرر والنفع، ولا سيما إذا كان الأمر يتصل به في مدى حياته، خاصة في الحياة الزوجية، لأنها من أكثر المسائل تعقيداً، حيث يُخْضِعَ كلٌ من الزوجين حياته للآخر ويطلعه على كل تفاصيل حياته، فهذا الإنسان الذي ستشاركه في كل حياتك لا بدّ أن تدرسه مقارناً بظروفك وظروفه، وتدرس إمكانات أن تصبر على بعض ما لا ينسجم مع مزاجك وما لا ترتاح إليه، كذلك في الأمور الاقتصادية، كالشراكة، لأن من يجاور جار سوء قد يتحوّل بيته إلى مكان مزعج، وإن كان داخله مريحاً. أو إذا أردت أن تدخل في عمل سياسي، فلا بد أن تدرس نتائجه على مستوى دنياك وآخرتك وعلى مستوى وطنك وأمتك.

العجلة مهلكة الناس:

لهذا، أكدت الأحاديث الكثيرة على ضرورة التأني، فعن عليّ (ع): "العجل يوجب العثار"، إن العجلة قد توقعك في الحفر الاجتماعية والسياسية التي قد تعترض طريقك. وفي وصايا أمير المؤمنين (ع) عند وفاته: "أنهاك عن التسرّع في القول والفعل"، فكّر في الكلمة قبل أن تنطق بها، وفي الأعمال قبل أن تفعلها، فإن كان فيها خير أظهرتها وإن كان فيها شر أخفيتها، لأن بعض الكلمات أو الأعمال قد تؤدي بك إلى الهلاك أو الضرر. ويقول (ع): "العجول مخطئ ولو ملك، والمتأني مصيب ولو هلك".

ويقول الإمام الباقر (ع): "إنما أهلك الناس العجلة، ولو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد"، وفي ذلك دلالة على الاستعجال في الحكم على الأمور والسير فيها، فلا بدّ للإنسان من أن يتثبت، ولا سيما في القضايا التي تتعلق بالحكم على الناس، خصوصاً وأن مجتمعنا ـ في الغالب ـ هو مجتمع الغيبة والنميمة والتشهير، على مستوى الأفراد أو الصحافة، وقد ركّز القرآن على ضرورة أن تتبين الأمور، وذلك بأن تبحث عن الحقيقة بنفسك، وهو ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.

لهذا، لا بدّ أن لا نستعجل في الحكم على الناس، لا سيما وأن الذين حدّثوك قد يكونون ممّن لا يخافون الله ولا يحترمون الناس والحقيقة، فوظيفتك أن تتثبت لتفحص عن المسألة في مصادرها الصحيحة، ونحقق بذلك فائدتين: الأولى هي أننا إذا تثبتنا لم نقع في الخطأ والخطيئة، والثانية هي أن الذين يكذبون إذا عرفوا أن أمرهم سوف يُفتضح بين الناس فإنهم سوف يكفّون عن الكذب والإشاعات.

وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع): "الأناة من الله والعجلة من الشيطان"، وعن الإمام الصادق (ع): "مع التأني تكون السلامة ـ في الدين والدنيا ـ ومع العجلة تكون الندامة".. ومن كتاب أمير المؤمنين إلى "مالك الأشتر" لما ولاّه مصر، ونحن نعرف أن أيَّ حاكم أو مسؤول عادة يأتي إليه الناس لتصفية حساباتهم عنده، فقد يأتي إليه إنسان وينقل إليه كلاماً عن إنسان آخر ليغلّظ قلبه عليه ليسجنه، وما أكثر الناس عندنا الذين "يبيّضون" وجوههم عند المسؤولين وينقلون إليهم بعض الكلام، يقول (ع): "ولا تعجلن إلى تصديق ساعٍ ـ من يسعى إليك بما يتصل بالناس مما ينقله عنهم ـ فإن الساعي غاش ـ فإنه يغشك لأنه يربك حكمك على الأمور ـ وإن تشبّه بالناصحين".

المسارعة في الخير:

هذا كله عندما يتصل الأمر بعلاقاتك بالناس أو بأوضاعك الفردية في الحياة، ولكن عندما تكون المسألة مسألة خير تريد أن تفعله، هنا لا تتأنى ولكن استعجل، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {فاستبقوا الخيرات}، وعن الإمام الصادق(ع): "كان أبي يقول: إذا هممت بخير فبادر فإنك لا تدري ما يحدث"، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "إذا همّ أحدكم بخير أو صلة فإن عن يمينه وشماله شيطانين فليبادر لا يكفّاه عن ذلك"، وما أكثر الشياطين عندنا الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل؟! وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع): "من همّ بشيء من الخير فليعجّله فإن كل شيء فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة". وفي الحديث عن النبي (ص): "إن الله يحب من الخير ما يُعجّل"..

وعلى هذا الأساس، نأخذ الفكرة العامة التي تتلخص في كلمتين: عندما يكون الأمر أمر خير يقرّبك إلى الله ويحقق للأمة الكثير من مصالحها فاستعجل فيه، أما إذا كانت المسألة مسألة أمر يتعلق بحياتك على مستوى أوضاعك الاجتماعية أو السياسية فإنه عليك أن تتريث كثيراً، فلا تبدأ به قبل أن تشبعه درساً، فإن كان خيراً سرت فيه، وإن كان شراً توقفت عنه، ولعل الكثير من مشاكلنا ينطلق من عدم التفكير في العواقب، فالإنسان الذي يدرس الأمور يستطيع أن يقدم عذره فيها، وقد خلق الله تعالى لنا العقل لكي نستعمله، لأن العقل فكر ودراسة، والغريزة عجلة وسرعة، فلنفكّر في ذلك كله حتى لا نخطئ في الدنيا والآخرة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، ولا سيما عندما تواجهون الاستكبار في كل خططهم والظالمين في كل أوضاعهم وحركاتهم، لأن الناس يخططون لإسقاطنا، فعلينا أن نخطط للدفاع عن أنفسنا واستكشاف ما يخططون، علينا عندما نخوض أي حرب ـ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية ـ أن لا نتحرك على أساس الحماس والانفعال والثأر بطريقة ساذجة، لأن الآخرين ربما يثيروننا وقد حفروا أكثر من حفرة لنقع فيها إن استعجلنا السير، فالحرب علمٌ وخطةٌ تحتاج إلى الثقافة والدراسة، ولذلك من يتحمَّس وينفعل يخسر الحرب وينهزم، ولا نقول بأن علينا أن لا نتحمس بل أن نعطي حماسنا وانفعالنا جرعة من عقولنا وتأملنا، حتى نعرف مواطئ أقدامنا والأفق الذي نحاول أن نبلغ، لنعرف ماذا يُدبّر أعداؤنا. وها نحن نعيش في هذه المرحلة من عمرنا الكثير مما يخطط له الاستكبار العالمي وإسرائيل وحلفاؤهما، فماذا هناك؟

الدعم الأمريكي لإسرائيل في ازدياد:

تتوالى المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته ـ حتى الأطفال ـ وبمختلف الأسلحة الأمريكية، في الوقت الذي تتوزّع فيه الإدارة الأمريكية الأدوار في تصريحات مسؤوليها، فوزارة الخارجية تصف مجزرة "نابلس" بأنها عمل عدواني للغاية، إرضاءً للعرب الذين يصفقون لأي تصريح أمريكي ضد إسرائيل، كما لو كان تحوّلاً في الموقف الأمريكي لصالح العرب، ولكن نائب الرئيس الأمريكي (تشيني) يبرر لإسرائيل مجازرها الأخيرة، ولا سيما مجزرة "نابلس"، معتبراً إياها دفاعاً عن النفس بحجة أن قادة "حماس" كانوا يحضِّرون لعمليات ضد إسرائيل.

أما الرئيس الأمريكي فيكتفي بتصريح يتمنى فيه انخفاض "مستويات العنف"، وحثّ الطرفين على ضبط النفس، كما لو كان الخطاب موجَّهاً للفلسطينيين للامتناع عن أية ردّة فعل ثأرية على المجازر التي ارتكبتها إسرائيل، إرضاءً للتوازنات السياسية الأمريكية الداخلية، وتفادياً للدخول في مواجهة مع الكونغرس الأمريكي حفاظاً على برامجه الداخلية والخارجية، لأنه (الرئيس الأمريكي) لا يملك الأكثرية فيه، مما جعل سياسة أمريكا في الشرق الأوسط ـ ولا سيما في القضية الفلسطينية ـ خاضعة للضغط اليهودي في أمريكا، وهذا ما نلاحظه في التهديد الأمريكي بمقاطعة مؤتمر الأمم المتحدة ضد التمييز العنصري إذا بحث مسألة اعتبار الصهيونية وجهاً من وجوه العنصرية ضد العرب، وما نلاحظه أيضاً في حماس أعضاء الكونغرس الأمريكي للجنود الإسرائيليين الأسرى عند المقاومة الإسلامية، وإقرار قانون بمطالبة الأمم المتحدة بتسليم إسرائيل شريط الفيديو المصوَّر لعملية الأسر، ومن دون تعديل.

نحو موقفٍ عربيٍ حازم:

إن هذا الموقف الأمريكي الذي يزداد دعماً لإسرائيل في هذه المرحلة التي تزداد فيها إسرائيل وحشية وهمجية في عدوانها، بحجة الدفاع عن النفس، كما لو كانت في موقع الضحية أمام الفلسطينيين الذين يمثلون ـ في نظرها ـ دور المجرم، وذلك في ردّها على استنكار الخارجية الأمريكية، من دون أن تحرّك أمريكا ساكناً.. إن هذا الموقف الأمريكي يفرض موقفاً عربياً حازماً في دراسة إمكانية الضغط أو التلويح بالضغط على المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة، أو على الوضع الأمني للقوات الأمريكية في الخليج، بالطريقة التي تشعر فيها أمريكا بالقلق على سياستها ومصالحها في العالم العربي، بالإضافة إلى العالم الإسلامي الذي لا بدّ له من الاستنفار في هذا الاتجاه، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لرفع مستوى الموقف إلى ما تفرضه طبيعة التحديات على الصعيد السياسي والأمني..

كما ندعو إلى تصعيد الموقف السياسي والاقتصادي ضد إسرائيل، ولا سيما استعادة المقاطعة العربية لها من الدرجة الأولى والثانية.. ومن المخجل أن تمتنع بعض الدول العربية، ولا سيما مصر والأردن، من حضور مؤتمر المقاطعة لإسرائيل المنعقد في دمشق، لأنها لا تريد تعريض علاقاتها بالعدو للخطر؟! إن العالم العربي يتفرّج على نهر الدم الفلسطيني المتدفق، ويخاف من عقد القمة لمواجهة الموقف، لأنه يتفادى الفضيحة السياسية العربية في استعادة الصورة المتكررة للتمزّق العربي والعجز السياسي المطلق عن مواجهة مسؤوليات المصير، ما جعل إسرائيل تقاتلهم بعجزهم، وتقاتل الفلسطينيين بتخلي العرب عنهم، وتستقوي على الجميع بامتناع الموقع الدولي من الضغط عليها، وتأييد البعض من دوله لها.

الشعوب.. استنكار المجازر الوحشية:

إن على الشعوب العربية والإسلامية أن تنزل إلى الشارع من جديد، في غضبة سياسية فاعلة تهزّ الأرض بأصواتها الرافضة، لإعادة الانتفاضة الشعبية إلى الشارع، فذلك أضعف الإيمان في استنكار المجازر الوحشية.. ثم القيام بحملة واسعة لدعم الشعب الفلسطيني وانتفاضته المجاهدة اقتصادياً بما يتناسب مع المرحلة الحاضرة، بعد أن كفّت الدول عن هذا الدعم.

ويبقى للشعب الفلسطيني المجاهد أن يحفظ وحدته الداخلية، ويواصل انتفاضته، فهما ـ معاً ـ العنصران الوحيدان اللذان سوف يهزّان الكيان الإسرائيلي في أمنه واقتصاده وسياسته، فالشعب الفلسطيني هو المسؤول عن أن يقلّع شوك الاحتلال بأظافره الدامية، لأن الآخرين ـ إلا القليل منهم ـ لن يتحملوا هذه المسؤولية، فهو الذي سوف يفرض على أمريكا وأوروبا والدول الأخرى، بما فيها الدول العربية والإسلامية، التدخّل من أجل الضغط على إسرائيل لإزالة الاحتلال، {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.

النظام العراقي.. شرذمة الواقع العربي:

ومن جانب آخر، نتذكّر في هذه الأيام احتلال النظام العراقي للكويت سنة 1990، والذي أوقع العالم العربي بالتداعيات المدمِّرة، والانهيارات المتلاحقة التي كادت تذهب بمناعة الأمة فضلاً عن إيمانها بنفسها وبعدالة قضاياها وعنوانها فلسطين.. إن هذا الشرخ الذي فرّق ما كان تبقّى من أواصر القربى وروابط المصير المشترك، وقسّم العرب عربين وجعلهم أمماً شتى بفعل غزوة "صدام"، هو الذي أضعف السياسة العربية عن المواجهة القوية للعدو الإسرائيلي، وهو الذي أدى إلى المأساة الكبيرة للشعب العراقي والحصار المفروض عليه، بالإضافة إلى مأساته الداخلية من خلال النظام الذي يُثقل حياته بالقهر والاضطهاد.. إننا نتذكّر هذا الحدث الذي هو بمستوى الجريمة الكبرى ضد الشعب الكويتي والواقع العربي كله، لنأخذ العبرة منه.

أين المنقذ الماهر؟!

ونصل إلى لبنان لنركّز على موقف مجلس الأمن من سياسة القوات الدولية، ومحاولته تحويلها إلى قوات مراقبة للإيحاء بأن الاحتلال قد انتهى، وأن المسألة هي مسألة مراقبة سلامة التنفيذ، بالإضافة إلى ضغطه لإدخال الجيش إلى الجنوب من دون دراسة لإمكانية اصطدامه بالعدو ـ بفعل بعض الحوادث المفتعلة ـ للدخول في حرب مباشرة معه، لأن لبنان لا يزال في حالة حرب مع هذا العدو.. إن هناك ضغطاً أمريكياً على مجلس الأمن، يتوافق مع عدم ممانعة أوروبية، ولا بدّ للبنان أن يواجه هذا الضغط بقوة، ونحن مع الدولة اللبنانية ـ ولا سيما رئيس الجمهورية ـ في الموقف الحاسم من هذه المسألة.

ويبقى الهم الاقتصادي الذي يشغل الشعب كله، بفعل الأزمات المتلاحقة التي تواجهه من كل جانب في حياته الخاصة والعامة، وعلى الجميع تجميع الطاقات من أجل المساعدة في الوصول إلى حلّ واقعي قريب، لأن الأحاديث الداخلية والخارجية عن إمكانات الوقوع في أزمة الانهيار الاقتصادي بدأت تفرض نفسها على الواقع.. إن علينا أن نعرف أن الأزمة الاقتصادية لم تنشأ من الحرب، ولم تتحرك بفعل وجود المقاومة في الجنوب، ولكنها انطلقت ـ في أغلب أسبابها ـ من طريقة إدارة المسألة الاقتصادية من قِبَل الحكومات المتعاقبة، ومن سياسة الهدر والفساد الإداري والنهب المستمر من أكثر من جهة للمال العام..

إن البلد يواجه الخطر الاقتصادي الذي يحرّكه الخطر السياسي، ولا يزال الناس الذين يسيطرون على مقدّرات البلاد مشغولين باللعبة السياسية، والاستعراضات الطائفية، والخلافات الشخصانية، في عملية ملء الفراغات الإدارية في المواقع الحيوية للدولة.. والسؤال: إلى أين يتجه لبنان، والى أين يأخذه اللاعبون في الداخل في اتجاه المتاهات؟ إن البلد بحاجة إلى إنقاذ، فأين المنقذ الماهر؟!

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية