كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله

كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله

لأنـه يأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون
كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

العدل هدف الرسالات

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}. في هذه الآية يريد الله تعالى أن يؤكد بأن كل الرسالات التي أرسل الله بها رسله، ممن أنزل عليهم الكتاب وممن لم يُنزل عليهم الكتاب، كان هدفها إقامة العدل بين الناس، لأن مسألة العدل هي المسألة التي تحفظ للإنسان نظامه وللعالم توازنه، والعدل هو ـ باختصار ـ هو أن تعطي لكل ذي حق حقه، بمعنى أن تدرس ما للناس من حقوق وما لك من حقوق، وأن تعطي الناس ما لهم من حق قبل أن يطالبوك به، وأن تأخذ حقك من دون زيادة، في جميع الحالات، سواء على مستوى الحياة الخاصة أو العامة.

فنحن ندرس من خلال الشريعة المطهّرة أن الله تعالى جعل لنفسه حقاً على عباده وجعل لنفس الإنسان حقاً على الإنسان، وجعل للناس في كل تنوّعاتهم حقوقاً على بعضهم البعض. وحق الله على عباده هو أن يوحّدوه في العقيدة وفي العبادة وفي الطاعة، فمن قام بحق الله كان عادلاً مع الله، ومن لم يقم بحق الله كان ظالماً لربه، لا ظلم القوة والغلبة والبغي ولكن ظلم الحق. ونجد أن هناك علاقة ظلم وعدل بين الإنسان وبين نفسه، فالله تعالى يريد منك أن تعدل مع نفسك، وذلك بأن لا تتحرك معها نفسك بما يضرها، فكما أراد لك أن تعدل مع نفسك، فإنه حرّم عليك أن تقوم بأي عمل يضر جسدك أو عقلك أو حياتك، ولذلك حرّم الله على الإنسان الإضرار بجسده وعقله، فلا يجوز لك أن تشرب أيّ شيء أو تستعمل أيّ شيء يؤدي إلى خلل في العقل، فحرّم الخمر والمخدرات لما فيه من خلل للعقل، وحرّم أن تُنهي حياتك وتقتل نفسك تحت أيّ تأثير، حتى في ما ابتدعه الغرب "القتل الرحيم"، وذلك بأن يُنهي الإنسان حياته باختياره حتى يرتاح من آلامه، لأن الله تعالى لم يسلّط الإنسان على أن يقتل نفسه.

ونلاحظ أن الله تعالى يريد للإنسان أن يعدل مع نفسه فلا يورّطها في نار جهنم، وقد عبّر الله تعالى في أكثر من آية عن الذين عصوا الله أو كفروا به: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، وهذا ما نقرأه في "دعاء كميل بن زياد": "ظلمت نفسي وتجرأت بجهلي". كما أراد الله تعالى لنا أن لا نظلم بعضنا بعضاً، في الخلية الأولى وهي العائلة، فلا بد لكل واحد من أفرادها أن يعرف حق الآخر وأن يقوم بهذا الحق، وإلا يكون ظالماً، أباً كان أو أماً أو ولداً. وعندما تمتد المسألة إلى الحياة الزوجية، فللزوج حق على زوجته وللزوجة حق على زوجها، ولا يجوز لأي منهما بفعل مراكز القوة أن يضطهد حق الآخر، لأنه بذلك يكون ظالماً له ويسجّل في ديوان الظلمة. وهكذا تتّسع المسألة لتشمل كل جوانب الحياة..

ولذلك، فإن كل ما أنزل الله تعالى من كتب وشرائع ـ بحسب الآية الكريمة ـ هدفها أن يكون الناس عادلين، فيعطي كل واحد للآخر حقه، وهذا ما أكده القرآن الكريم في أكثر من جانب، سواء في عالم الحكم أو الشهادة، كما أكد على الإنسان أن العدل لا بد أن يكون بمستوى واحد مع الصديق والعدوّ، ومع القريب والبعيد، بحيث لا تحابي صديقك لتظلم الآخر، ولا تظلم عدوّك ملاحظةً لصديقك، حتى أنه في الظلم والعدل ليس هناك مسلم وكافر، فكن عادلاً مع الكافر إذا ظلمه المسلم، وهكذا في الجانب المذهبي، لأن العدل هو الحق والحق لله، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم.

التأدّب بآداب القرآن الكريم

ولذلك، لا بد أن نتأدب بآداب القرآن الكريم لهدفين: هدف في الدنيا وهدف في الآخرة، الهدف الأول في الدنيا فردي وجماعي، فردي لأنك إذا ظلمت الناس ظلموك، فإذا قام العدل في الناس أخذت حقك ولم يظلمك الناس عندما يأخذون حقوقهم منك، فالمصلحة لك، وأما في الجو العام، فإن العدل إذا ساد في المجتمع، عدل المحكوم مع الحاكم وعدل الشعوب مع بعضها البعض، فإن الناس تعيش في أمن على أنفسها وأموالها وأعراضها، ويسود السلام في الناس.

أما في الآخرة فشعارها "لا ظلم اليوم"، والعدل في الدنيا قد يُتعبنا ولكن نتائجه في الآخرة جنّة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين. لنأتِ إلى آيات القرآن الكريم لنلاحظ كيف عالج الله تعالى هذه المسألة:

{يا أيها الذي آمنوا كونوا قوّامين بالقسط ـ ليكن تحرككم وقيامكم على أساس العدل ـ شهداء لله ـ إذا دُعيتم للشهادة، فلا تعتبروا أنفسكم أنكم تشهدون لحساب هذا الإنسان أو ذاك مجاملة له أو خدمة له، بل أن تعتبروها لله لأنها تتضمن الحق، والله تعالى هو الحق، وكل ما يتصل بالحق هو لله، فإذا دار الأمر بين أن ترضي الله أو ترضي هذا الإنسان أو ذاك، فمن تقدّم؟ وهناك مسألة من أصعب المسائل، وهي أن يحلف الشاهد بالله أن لا ينطق إلا بالصدق ثم يكذب فإن خطرها أعظم، لأن معنى اليمين أنك تُشهّد الله، وبذلك تكون قد جئت بالله شاهد زور، وقد ورد في بعض الأحاديث: "إن اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع" ـ ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ـ أن تشهد على هؤلاء جميعاً إذا كان الحق لخصمهم، حتى لو كانوا فقراء ـ إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ـ لئلا تعدلوا ـ وإن تلووا أو تعرضوا عن الحق فإن الله كان بما تعملون خبيراً}.

وفي موضع آخر يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله ـ ليكن قيامكم لله، فلا تراعوا أحداً على حسابه ـ شهداء بالقسط ـ بالعدل ـ ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ـ لا تمنعكم العداوة مع بعض الناس على أن لا تعدلوا ـ اعدلوا هو أقرب للتقوى ـ فالعدل هو أقرب لتقوى الله ورضوانه ـ واتقوا الله ـ عندما تحكمون وتشهدون ـ إن الله خبير بما تعملون}. وقد عبّر الإمام زين العابدين(ع) في دعائه عن هذا الموضوع فيقول: "اللهم وارزقني التحفظ من الخطايا والاحتراس من الزلل، في حال الرضى والغضب، حتى أكون فيما يرد عليّ منهما في منزلة سواء، عاملاً بطاعتك، مؤثراً لرضاك على ما سواهما في الأولياء والأعداء، حتى يأمن عدوّي من ظلمي وجوري، وييأس وليي من ميلي وانحطاط هواي".

إن الدنيا لا تغني عن الآخرة، وإن المال الذي تحصلون عليه بالظلم سوف يتحوّل إلى نار تحرقكم في جهنم، وإن ظلمك للناس من حولك سوف تواجه مسؤوليته أمام الله، {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}، عندما تهم بضرب زوجتك أو العامل الفقير أو الإنسان الضعيف فكّر لو جاءك ملك الموت وأنت على هذه الحال وطلب منك أن تقدّم حسابك، ووقفت على هذه الحال أمام الله فهل عندك جواب؟ علينا أن نحسب حساب الله في كل ما نقول ونعمل ونأكل ونتلذذ، لكي نقدّم له الجواب عندما يسألنا، ولكن ماذا لو لم نملك جواباً فماذا نصنع في ذلك اليوم إذا "حالت الأحوال وهالت الأهوال، وقَرُب المحسنون وبَعُد المسيئون، ووفّيت كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

المنطقة في دائرة الاهتزاز والجمود

عباد الله.. اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، واعدلوا فيما بينكم حتى يكون العدل هو طابع الحياة كلها، من أجل أن يرزقكم الله ويرحمكم، فإن الله تعالى لا يحب الظالمين بل يحب العادلين.. اعدلوا مع ربكم ومع أنفسكم ومع الناس من حولكم، حتى لا يتحرك المستكبرون ليظلموا المستضعفين، فعلينا أن نتكامل في إقامة الحق وإزهاق الباطل، وإقامة العدل وإزهاق الظلم.. ونحن نعيش في عالم يتحرك فيه الظالمون الذين يملكون القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، ونشهد في كل يوم كيف يقوم الظالمون بجريمة ضد الأبرياء والمستضعفين، لذلك علينا أن نتعرّف على مواقع الظلم في سبيل مواجهتها، لأن القوي لن يبقى قوياً والضعيف لن يبقى ضعيفاً، فتعالوا لنعرف ماذا عندنا من قضايا ومشاكل في مرحلتنا هذه.

لا تزال المنطقة تراوح مكانها في الاهتزاز الأمني، من خلال المخاوف التي تثيرها سياسة العدو الصهيوني ضد الانتفاضة في امتداداتها لحرب جديدة واسعة محتملة، وفي الجمود الاقتصادي الذي يلف بلدانها بفعل الضغوط الكثيرة التي تصيب اقتصادها بالعجز والشلل، وقد رأينا كيف أن مؤتمر الدول الثماني الكبرى ـ الذي عُقد في إيطاليا ـ كان يخطط للحفاظ على مصالح هذه الدول في بلدان العالم الثالث الفقيرة، لتبقى واقعة تحت تأثير العولمة الاقتصادية والسياسية التي تصادر أوضاع الشعوب الغارقة في أزماتها المتلاحقة.

وقد حملت إلينا الأخبار أن الرئيس الأمريكي يتحدث بما يشبه التهديد ضد تخفيض دول منظمة "أوبك" الكميات المنتجة من النفط للحفاظ على مستوى الأسعار، بحجة أن ذلك سوف يترك تأثيره السلبي على الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من بعض المشاكل، بالإضافة إلى اقتصاد الدول الأوروبية التي سارعت إلى اللحاق بالموقف الأمريكي، للضغط على الدول النفطية، من دون مراعاة لمصالح هذه الدولة أو تلك التي تتأثر سلباً بانخفاض أسعار البترول في مشاريعها الاقتصادية.. ولا ندري لماذا يجب على دول "أوبك" أن تراعي ظروف الدول المستهلكة للبترول ومصالحها، ولا يجب على الدول الصناعية مراعاة ظروف شعوب العالم الثالث في تحديدها لأسعار المنتجات الاستهلاكية المصدَّرة لهذه البلدان؟! إننا ننتظر ضغوطاً أمريكية وأوروبية على الطريقة الدبلوماسية، لإبقاء اقتصاد المنطقة في حالة من الجمود، لا سيما في العالم العربي وإيران.

تهديدات ضد إيران وليبيا

ومن جهة أخرى، فإن مجلس النواب الأمريكي يهدد في قراراته الفلسطينيين بمنع المساعدات عنهم، وباعتبار منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية لا بد من إغلاق مكاتبها في أمريكا، إذا لم توقف إطلاق النار ضد الإسرائيليين، تماماً كما لو كانت هي المسؤولة عن العنف لا إسرائيل، في الوقت الذي تتزايد فيه المساعدات الأمريكية الاقتصادية والسياسية لإسرائيل بما يزيد عن الثلاثة مليارات دولار. هذا بالإضافة إلى القرار الصادر ضد إيران وليبيا بتمديد العقوبات الاقتصادية ضدهما إلى خمس سنوات بحجة دعمهما للإرهاب، لأن المطلوب هو أن تقدّم هاتين الذدولتين التنازلات السياسية لأمريكا، لا سيما في قضية الشرق الأوسط بما يتصل بمسألة التسوية في المنطقة.

ونسمع بعض الأصوات الإسرائيلية مما تنقله الصحف، في إطلاق التهديد ضد إيران إذا طوّرت مشاريعها النووية إلى السلاح النووي، بقصف تلك المواقع كما فعلت في قصف المفاعل النووي العراقي سابقاً، في محاولة منها لأخذ دور الشرطي في المنطقة من خلال الدعم الأمريكي المطلق لها، لتتحوّل إلى أقوى دولة في المنطقة، فيكون لها الحق في امتلاك السلاح النووي، من دون أن يكون للدول الأخرى ـ ولا سيما إيران ـ الحق في امتلاكه؟!

محاولات أمريكية للإجهاز على الانتفاضة

فإذا نحونا إلى داخل فلسطين، رأينا أن أمريكا لا تزال تصر على عدم اعتبار انتفاضة الشعب الفلسطيني حركة تحرير للحصول على الاستقلال، والتحرر من الاحتلال الصهيوني، بل تعتبرها حركة "عنف" تمارس "الإرهاب" ضد إسرائيل، في الوقت الذي تترك فيه للعدو الحرية في ممارسة سياسته الوحشية في اغتيال الكوادر الفلسطينية، وفي قصف مواقع الأمن الفلسطيني، وفي قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وإطلاق يد المستوطنين في قتل الفلسطينيين، بينما لا يُسمح للفلسطينيين بحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم.

إننا نعتبر أن مشروع لجنة "ميتشل" من جهة، والمطالبة بإرسال المراقبين الدوليين من جهة أخرى، يحوّل المسألة الفلسطينية إلى قضايا صغيرة يلهث الجميع نحوها لنسيان قضية التحرير، وإننا نخشى من تراكم الضغوط على السلطة الفلسطينية أن تتحوّل إلى قوة ضاربة لملاحقة المجاهدين الفلسطينيين، بفعل الحاجة إلى إرضاء الأمريكيين في إيقاف الانتفاضة، وإسقاط الوحدة الفلسطينية الجهادية، ما يجعل الموقف مشابهاً لحركة تحريكٍ للمفاوضات لا حركة تحرير للوطن.

الحفاظ على الوحدة الفلسطينية

أما العالم العربي فإنه يلهث وراء المخططات الأمريكية في أزمة المنطقة، من دون أن يخطط لمشروع عربي مستقل لمواجهة الموقف، بفعل العجز المتواصل على المستوى السياسي، والخوف من تطورات الموقف في المنطقة إلى مستوى الخطورة، لتتحوّل الحركة العربية إلى حركة إسقاط للقضية الفلسطينية تحت تأثير الخطة الإسرائيلية ـ الأمريكية، بدلاً من أن تكون حركة لتحقيق أهداف الفلسطينيين..

وإننا نكرر دعوتنا للشعب الفلسطيني أن يتغلب على أزماته الداخلية، من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية، وأن يبقى في خط المواجهة لتحقيق استراتيجيته في التحرير بجميع مفاعيله السياسية، لأن المستقبل يحمل الكثير من التحديات الصعبة في تأثيراتها السلبية على واقع فلسطين المحتلة والمنطقة.. لقد دخلت إسرائيل في النفق الأمني من خلال تأثير الانتفاضة على أمنها الحيوي، وعلينا أن لا نسمح بخروجها من النفق لإدخال الفلسطينيين من جديد في النفق السياسي المظلم.

ومن جانب آخر، فإننا نرحب بتقدّم العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية في إيران والإمارات العربية المتحدة، لحل المشاكل العالقة بينهما والتي تستغلها أمريكا لتعقيد العلاقات الإيرانية ـ العربية ولا سيما الخليجية منها، وندعو إلى مواصلة الحوار الجادّ في هذا الموضوع. كما نرحّب بتجديد الحلف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، وإعلان الجمهورية الإسلامية عن استعدادها لتقديم كل العون لسوريا عند تعرضها لأي عدوان إسرائيلي محتمل، ما يدل على أن إيران لا تزال مخلصة لأهدافها الاستراتيجية في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

نحو معالجة جذرية للأزمات

وأخيراً، إننا أمـام هذا الجدل المفتوح ـ في الداخل اللبناني ـ على ملفات جديدة لا تنتهي، من الكهرباء إلى الهاتف إلى المياه وغيرها، والى الحديث المتواصل عن المخاوف التي تطاول مستقبل البلد اقتصادياً ونقدياً، ندعو الدولة إلى الإسراع في معالجة هذه الملفات معالجة جذرية، لأن تفاعلها على المستويات الإعلامية والسياسية بعيداً عن أية معالجة جذرية قد يعني اتساع نطاق الدعاية المقصودة أو غير المقصودة، التي تقول للبنانيين إنكم أمام واقع الإفلاس الذي لا سبيل إلى الخلاص منه إلا بالاستسلام، وتقول للعالم إن لبنان الذي قهر إسرائيل بات في مرحلة الغيبوبة الاقتصادية والسياسية، وإن الدائرة أوشكت أن تدور عليه!!

لذلك، فليس أمام الحكومة ـ والدولة ـ إلا أن تبدأ بمسيرة التصحيح وخيار الإصلاح بشكل جديّ وفاعل، قبل أن تأكل هذه الأوضاع بقايا محطات الصمود الاقتصادي والاجتماعي التي تتداعى يوماً بعد يوم لمصلحة العدوّ، ولمصلحة أكثر من محور دولي يريد للبنان أن يدفع الثمن على ما "اقترفت يداه" ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعلى كل حالات "الألغام" التي زرعها في طول المنطقة العربية والإسلامية وعرضها.. إن المرحلة تحتاج إلى موقف كبير مسؤول في مستوى التحديات الكبرى، قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

لأنـه يأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون
كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

العدل هدف الرسالات

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}. في هذه الآية يريد الله تعالى أن يؤكد بأن كل الرسالات التي أرسل الله بها رسله، ممن أنزل عليهم الكتاب وممن لم يُنزل عليهم الكتاب، كان هدفها إقامة العدل بين الناس، لأن مسألة العدل هي المسألة التي تحفظ للإنسان نظامه وللعالم توازنه، والعدل هو ـ باختصار ـ هو أن تعطي لكل ذي حق حقه، بمعنى أن تدرس ما للناس من حقوق وما لك من حقوق، وأن تعطي الناس ما لهم من حق قبل أن يطالبوك به، وأن تأخذ حقك من دون زيادة، في جميع الحالات، سواء على مستوى الحياة الخاصة أو العامة.

فنحن ندرس من خلال الشريعة المطهّرة أن الله تعالى جعل لنفسه حقاً على عباده وجعل لنفس الإنسان حقاً على الإنسان، وجعل للناس في كل تنوّعاتهم حقوقاً على بعضهم البعض. وحق الله على عباده هو أن يوحّدوه في العقيدة وفي العبادة وفي الطاعة، فمن قام بحق الله كان عادلاً مع الله، ومن لم يقم بحق الله كان ظالماً لربه، لا ظلم القوة والغلبة والبغي ولكن ظلم الحق. ونجد أن هناك علاقة ظلم وعدل بين الإنسان وبين نفسه، فالله تعالى يريد منك أن تعدل مع نفسك، وذلك بأن لا تتحرك معها نفسك بما يضرها، فكما أراد لك أن تعدل مع نفسك، فإنه حرّم عليك أن تقوم بأي عمل يضر جسدك أو عقلك أو حياتك، ولذلك حرّم الله على الإنسان الإضرار بجسده وعقله، فلا يجوز لك أن تشرب أيّ شيء أو تستعمل أيّ شيء يؤدي إلى خلل في العقل، فحرّم الخمر والمخدرات لما فيه من خلل للعقل، وحرّم أن تُنهي حياتك وتقتل نفسك تحت أيّ تأثير، حتى في ما ابتدعه الغرب "القتل الرحيم"، وذلك بأن يُنهي الإنسان حياته باختياره حتى يرتاح من آلامه، لأن الله تعالى لم يسلّط الإنسان على أن يقتل نفسه.

ونلاحظ أن الله تعالى يريد للإنسان أن يعدل مع نفسه فلا يورّطها في نار جهنم، وقد عبّر الله تعالى في أكثر من آية عن الذين عصوا الله أو كفروا به: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، وهذا ما نقرأه في "دعاء كميل بن زياد": "ظلمت نفسي وتجرأت بجهلي". كما أراد الله تعالى لنا أن لا نظلم بعضنا بعضاً، في الخلية الأولى وهي العائلة، فلا بد لكل واحد من أفرادها أن يعرف حق الآخر وأن يقوم بهذا الحق، وإلا يكون ظالماً، أباً كان أو أماً أو ولداً. وعندما تمتد المسألة إلى الحياة الزوجية، فللزوج حق على زوجته وللزوجة حق على زوجها، ولا يجوز لأي منهما بفعل مراكز القوة أن يضطهد حق الآخر، لأنه بذلك يكون ظالماً له ويسجّل في ديوان الظلمة. وهكذا تتّسع المسألة لتشمل كل جوانب الحياة..

ولذلك، فإن كل ما أنزل الله تعالى من كتب وشرائع ـ بحسب الآية الكريمة ـ هدفها أن يكون الناس عادلين، فيعطي كل واحد للآخر حقه، وهذا ما أكده القرآن الكريم في أكثر من جانب، سواء في عالم الحكم أو الشهادة، كما أكد على الإنسان أن العدل لا بد أن يكون بمستوى واحد مع الصديق والعدوّ، ومع القريب والبعيد، بحيث لا تحابي صديقك لتظلم الآخر، ولا تظلم عدوّك ملاحظةً لصديقك، حتى أنه في الظلم والعدل ليس هناك مسلم وكافر، فكن عادلاً مع الكافر إذا ظلمه المسلم، وهكذا في الجانب المذهبي، لأن العدل هو الحق والحق لله، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم.

التأدّب بآداب القرآن الكريم

ولذلك، لا بد أن نتأدب بآداب القرآن الكريم لهدفين: هدف في الدنيا وهدف في الآخرة، الهدف الأول في الدنيا فردي وجماعي، فردي لأنك إذا ظلمت الناس ظلموك، فإذا قام العدل في الناس أخذت حقك ولم يظلمك الناس عندما يأخذون حقوقهم منك، فالمصلحة لك، وأما في الجو العام، فإن العدل إذا ساد في المجتمع، عدل المحكوم مع الحاكم وعدل الشعوب مع بعضها البعض، فإن الناس تعيش في أمن على أنفسها وأموالها وأعراضها، ويسود السلام في الناس.

أما في الآخرة فشعارها "لا ظلم اليوم"، والعدل في الدنيا قد يُتعبنا ولكن نتائجه في الآخرة جنّة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين. لنأتِ إلى آيات القرآن الكريم لنلاحظ كيف عالج الله تعالى هذه المسألة:

{يا أيها الذي آمنوا كونوا قوّامين بالقسط ـ ليكن تحرككم وقيامكم على أساس العدل ـ شهداء لله ـ إذا دُعيتم للشهادة، فلا تعتبروا أنفسكم أنكم تشهدون لحساب هذا الإنسان أو ذاك مجاملة له أو خدمة له، بل أن تعتبروها لله لأنها تتضمن الحق، والله تعالى هو الحق، وكل ما يتصل بالحق هو لله، فإذا دار الأمر بين أن ترضي الله أو ترضي هذا الإنسان أو ذاك، فمن تقدّم؟ وهناك مسألة من أصعب المسائل، وهي أن يحلف الشاهد بالله أن لا ينطق إلا بالصدق ثم يكذب فإن خطرها أعظم، لأن معنى اليمين أنك تُشهّد الله، وبذلك تكون قد جئت بالله شاهد زور، وقد ورد في بعض الأحاديث: "إن اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع" ـ ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ـ أن تشهد على هؤلاء جميعاً إذا كان الحق لخصمهم، حتى لو كانوا فقراء ـ إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ـ لئلا تعدلوا ـ وإن تلووا أو تعرضوا عن الحق فإن الله كان بما تعملون خبيراً}.

وفي موضع آخر يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله ـ ليكن قيامكم لله، فلا تراعوا أحداً على حسابه ـ شهداء بالقسط ـ بالعدل ـ ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ـ لا تمنعكم العداوة مع بعض الناس على أن لا تعدلوا ـ اعدلوا هو أقرب للتقوى ـ فالعدل هو أقرب لتقوى الله ورضوانه ـ واتقوا الله ـ عندما تحكمون وتشهدون ـ إن الله خبير بما تعملون}. وقد عبّر الإمام زين العابدين(ع) في دعائه عن هذا الموضوع فيقول: "اللهم وارزقني التحفظ من الخطايا والاحتراس من الزلل، في حال الرضى والغضب، حتى أكون فيما يرد عليّ منهما في منزلة سواء، عاملاً بطاعتك، مؤثراً لرضاك على ما سواهما في الأولياء والأعداء، حتى يأمن عدوّي من ظلمي وجوري، وييأس وليي من ميلي وانحطاط هواي".

إن الدنيا لا تغني عن الآخرة، وإن المال الذي تحصلون عليه بالظلم سوف يتحوّل إلى نار تحرقكم في جهنم، وإن ظلمك للناس من حولك سوف تواجه مسؤوليته أمام الله، {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}، عندما تهم بضرب زوجتك أو العامل الفقير أو الإنسان الضعيف فكّر لو جاءك ملك الموت وأنت على هذه الحال وطلب منك أن تقدّم حسابك، ووقفت على هذه الحال أمام الله فهل عندك جواب؟ علينا أن نحسب حساب الله في كل ما نقول ونعمل ونأكل ونتلذذ، لكي نقدّم له الجواب عندما يسألنا، ولكن ماذا لو لم نملك جواباً فماذا نصنع في ذلك اليوم إذا "حالت الأحوال وهالت الأهوال، وقَرُب المحسنون وبَعُد المسيئون، ووفّيت كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

المنطقة في دائرة الاهتزاز والجمود

عباد الله.. اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، واعدلوا فيما بينكم حتى يكون العدل هو طابع الحياة كلها، من أجل أن يرزقكم الله ويرحمكم، فإن الله تعالى لا يحب الظالمين بل يحب العادلين.. اعدلوا مع ربكم ومع أنفسكم ومع الناس من حولكم، حتى لا يتحرك المستكبرون ليظلموا المستضعفين، فعلينا أن نتكامل في إقامة الحق وإزهاق الباطل، وإقامة العدل وإزهاق الظلم.. ونحن نعيش في عالم يتحرك فيه الظالمون الذين يملكون القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، ونشهد في كل يوم كيف يقوم الظالمون بجريمة ضد الأبرياء والمستضعفين، لذلك علينا أن نتعرّف على مواقع الظلم في سبيل مواجهتها، لأن القوي لن يبقى قوياً والضعيف لن يبقى ضعيفاً، فتعالوا لنعرف ماذا عندنا من قضايا ومشاكل في مرحلتنا هذه.

لا تزال المنطقة تراوح مكانها في الاهتزاز الأمني، من خلال المخاوف التي تثيرها سياسة العدو الصهيوني ضد الانتفاضة في امتداداتها لحرب جديدة واسعة محتملة، وفي الجمود الاقتصادي الذي يلف بلدانها بفعل الضغوط الكثيرة التي تصيب اقتصادها بالعجز والشلل، وقد رأينا كيف أن مؤتمر الدول الثماني الكبرى ـ الذي عُقد في إيطاليا ـ كان يخطط للحفاظ على مصالح هذه الدول في بلدان العالم الثالث الفقيرة، لتبقى واقعة تحت تأثير العولمة الاقتصادية والسياسية التي تصادر أوضاع الشعوب الغارقة في أزماتها المتلاحقة.

وقد حملت إلينا الأخبار أن الرئيس الأمريكي يتحدث بما يشبه التهديد ضد تخفيض دول منظمة "أوبك" الكميات المنتجة من النفط للحفاظ على مستوى الأسعار، بحجة أن ذلك سوف يترك تأثيره السلبي على الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من بعض المشاكل، بالإضافة إلى اقتصاد الدول الأوروبية التي سارعت إلى اللحاق بالموقف الأمريكي، للضغط على الدول النفطية، من دون مراعاة لمصالح هذه الدولة أو تلك التي تتأثر سلباً بانخفاض أسعار البترول في مشاريعها الاقتصادية.. ولا ندري لماذا يجب على دول "أوبك" أن تراعي ظروف الدول المستهلكة للبترول ومصالحها، ولا يجب على الدول الصناعية مراعاة ظروف شعوب العالم الثالث في تحديدها لأسعار المنتجات الاستهلاكية المصدَّرة لهذه البلدان؟! إننا ننتظر ضغوطاً أمريكية وأوروبية على الطريقة الدبلوماسية، لإبقاء اقتصاد المنطقة في حالة من الجمود، لا سيما في العالم العربي وإيران.

تهديدات ضد إيران وليبيا

ومن جهة أخرى، فإن مجلس النواب الأمريكي يهدد في قراراته الفلسطينيين بمنع المساعدات عنهم، وباعتبار منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية لا بد من إغلاق مكاتبها في أمريكا، إذا لم توقف إطلاق النار ضد الإسرائيليين، تماماً كما لو كانت هي المسؤولة عن العنف لا إسرائيل، في الوقت الذي تتزايد فيه المساعدات الأمريكية الاقتصادية والسياسية لإسرائيل بما يزيد عن الثلاثة مليارات دولار. هذا بالإضافة إلى القرار الصادر ضد إيران وليبيا بتمديد العقوبات الاقتصادية ضدهما إلى خمس سنوات بحجة دعمهما للإرهاب، لأن المطلوب هو أن تقدّم هاتين الذدولتين التنازلات السياسية لأمريكا، لا سيما في قضية الشرق الأوسط بما يتصل بمسألة التسوية في المنطقة.

ونسمع بعض الأصوات الإسرائيلية مما تنقله الصحف، في إطلاق التهديد ضد إيران إذا طوّرت مشاريعها النووية إلى السلاح النووي، بقصف تلك المواقع كما فعلت في قصف المفاعل النووي العراقي سابقاً، في محاولة منها لأخذ دور الشرطي في المنطقة من خلال الدعم الأمريكي المطلق لها، لتتحوّل إلى أقوى دولة في المنطقة، فيكون لها الحق في امتلاك السلاح النووي، من دون أن يكون للدول الأخرى ـ ولا سيما إيران ـ الحق في امتلاكه؟!

محاولات أمريكية للإجهاز على الانتفاضة

فإذا نحونا إلى داخل فلسطين، رأينا أن أمريكا لا تزال تصر على عدم اعتبار انتفاضة الشعب الفلسطيني حركة تحرير للحصول على الاستقلال، والتحرر من الاحتلال الصهيوني، بل تعتبرها حركة "عنف" تمارس "الإرهاب" ضد إسرائيل، في الوقت الذي تترك فيه للعدو الحرية في ممارسة سياسته الوحشية في اغتيال الكوادر الفلسطينية، وفي قصف مواقع الأمن الفلسطيني، وفي قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وإطلاق يد المستوطنين في قتل الفلسطينيين، بينما لا يُسمح للفلسطينيين بحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم.

إننا نعتبر أن مشروع لجنة "ميتشل" من جهة، والمطالبة بإرسال المراقبين الدوليين من جهة أخرى، يحوّل المسألة الفلسطينية إلى قضايا صغيرة يلهث الجميع نحوها لنسيان قضية التحرير، وإننا نخشى من تراكم الضغوط على السلطة الفلسطينية أن تتحوّل إلى قوة ضاربة لملاحقة المجاهدين الفلسطينيين، بفعل الحاجة إلى إرضاء الأمريكيين في إيقاف الانتفاضة، وإسقاط الوحدة الفلسطينية الجهادية، ما يجعل الموقف مشابهاً لحركة تحريكٍ للمفاوضات لا حركة تحرير للوطن.

الحفاظ على الوحدة الفلسطينية

أما العالم العربي فإنه يلهث وراء المخططات الأمريكية في أزمة المنطقة، من دون أن يخطط لمشروع عربي مستقل لمواجهة الموقف، بفعل العجز المتواصل على المستوى السياسي، والخوف من تطورات الموقف في المنطقة إلى مستوى الخطورة، لتتحوّل الحركة العربية إلى حركة إسقاط للقضية الفلسطينية تحت تأثير الخطة الإسرائيلية ـ الأمريكية، بدلاً من أن تكون حركة لتحقيق أهداف الفلسطينيين..

وإننا نكرر دعوتنا للشعب الفلسطيني أن يتغلب على أزماته الداخلية، من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية، وأن يبقى في خط المواجهة لتحقيق استراتيجيته في التحرير بجميع مفاعيله السياسية، لأن المستقبل يحمل الكثير من التحديات الصعبة في تأثيراتها السلبية على واقع فلسطين المحتلة والمنطقة.. لقد دخلت إسرائيل في النفق الأمني من خلال تأثير الانتفاضة على أمنها الحيوي، وعلينا أن لا نسمح بخروجها من النفق لإدخال الفلسطينيين من جديد في النفق السياسي المظلم.

ومن جانب آخر، فإننا نرحب بتقدّم العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية في إيران والإمارات العربية المتحدة، لحل المشاكل العالقة بينهما والتي تستغلها أمريكا لتعقيد العلاقات الإيرانية ـ العربية ولا سيما الخليجية منها، وندعو إلى مواصلة الحوار الجادّ في هذا الموضوع. كما نرحّب بتجديد الحلف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، وإعلان الجمهورية الإسلامية عن استعدادها لتقديم كل العون لسوريا عند تعرضها لأي عدوان إسرائيلي محتمل، ما يدل على أن إيران لا تزال مخلصة لأهدافها الاستراتيجية في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

نحو معالجة جذرية للأزمات

وأخيراً، إننا أمـام هذا الجدل المفتوح ـ في الداخل اللبناني ـ على ملفات جديدة لا تنتهي، من الكهرباء إلى الهاتف إلى المياه وغيرها، والى الحديث المتواصل عن المخاوف التي تطاول مستقبل البلد اقتصادياً ونقدياً، ندعو الدولة إلى الإسراع في معالجة هذه الملفات معالجة جذرية، لأن تفاعلها على المستويات الإعلامية والسياسية بعيداً عن أية معالجة جذرية قد يعني اتساع نطاق الدعاية المقصودة أو غير المقصودة، التي تقول للبنانيين إنكم أمام واقع الإفلاس الذي لا سبيل إلى الخلاص منه إلا بالاستسلام، وتقول للعالم إن لبنان الذي قهر إسرائيل بات في مرحلة الغيبوبة الاقتصادية والسياسية، وإن الدائرة أوشكت أن تدور عليه!!

لذلك، فليس أمام الحكومة ـ والدولة ـ إلا أن تبدأ بمسيرة التصحيح وخيار الإصلاح بشكل جديّ وفاعل، قبل أن تأكل هذه الأوضاع بقايا محطات الصمود الاقتصادي والاجتماعي التي تتداعى يوماً بعد يوم لمصلحة العدوّ، ولمصلحة أكثر من محور دولي يريد للبنان أن يدفع الثمن على ما "اقترفت يداه" ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعلى كل حالات "الألغام" التي زرعها في طول المنطقة العربية والإسلامية وعرضها.. إن المرحلة تحتاج إلى موقف كبير مسؤول في مستوى التحديات الكبرى، قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية