مدرسة القيم الإسلامية في مدى الأجيال

مدرسة القيم الإسلامية في مدى الأجيال

في رحاب الإمام زين العابدين (ع) : مدرسة القيم الإسلامية في مدى الأجيال


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمانية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

أحببت ـ بالرغم من تحذيرات الأطباء ـ أن أكون معكم، ولو في ركعتي الجمعة نتيجة تحذيراتهم من الركوع والسجود، وقد أخذت منهم الرخصة في ركعتي الجمعة، على أن أُصلي العصر بعد ذلك.. أسأل الله تعالى لكم المزيد من التوفيق، وأشكركم جميعاً على عواطفكم وأحاسيسكم، وسنبقى إن شاء الله معكم في خط الإسلام وعلى منهج أهل البيت(ع).

شخصية متعددة الأبعاد

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يُريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت الإمام زين العابدين علي بن الحسين(ع)، الذي صادفت ذكرى وفاته بالأمس ، في الـ25 من شهر محرّم. والحديث عن هذا الإمام حديث متعدد الجوانب، لأنه عاش مع أبيه الحسين(ع) كل كربلاء، وواجه كل مآسيها في العمق، وعرف كل أهدافها وشعاراتها، وعمل على تحريك كل نتائجها في الزمن.

ولذلك، كان الإمام زين العابدين(ع) أول من أسس حركة الذكرى الحسينية، كان يُذكّر الناس بعاشوراء ويعمل على إثارة المأساة بين وقت وآخر، وكان يدفع بهم إلى أن يتأملوها ويتفهّموها، ليحرّك الثورة في نفوس المسلمين ضد كل الذين صنعوا المأساة، وضد كل من يفكر في صنعها في المستقبل.

كان الإمام زين العابدين(ع) والأئمة من أولاده من بعده يؤكدون على أن ثورة الحسين (ع) ليست ثورة محبوسة في داخل مرحلتها الزمنية، بل هي ثورة تمتد إلى باقي مراحل الزمن لتكون عناوينها الكبرى وحياً لكل الأجيال، ولتتحرك في ضمير الأمة. ولذلك، فإنه(ع) عندما كان يبكي أمام الناس إذا ذكر مشاهد كربلاء، كان لا يتحرك من عاطفة شخصية ـ وإن كان للعاطفة دورها في حياة كل إنسان، حتى النبي (ص) قال عندما فقد ولده إبراهيم: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما لا يرضي الله" ـ بل كان(ع) يريد أن يؤكد الخط الإسلامي في الذكرى الحسينية، ليدفع الذين يثيرون الذكرى من على المنبر الحسيني ليكون منبراً للإسلام في كل مفاهيمه وعقائده وشرائعه.

حقوق الإنسان

وكان الإمام زين العابدين (ع) أول من كتب وتحدث عن حقوق الإنسان، سواء مع نفسه أو مع ربه أو مع كل الناس من حوله، بحيث أن رسالة الحقوق التي أملاها الإمام زين العابدين (ع) أو كتبها، هي الرسالة التي تجمع كل ما شرّعه الإسلام وخطط له من الحقوق التي يتحسسها الإنسان في كل انتماءاته وارتباطاته وعلاقاته وواقعه، قبل أن تكون هناك وثيقة حقوق الإنسان..

الدعاء عنصر ثقافة

وعندما ندرس الإمام زين العابدين (ع) في أدعيته، سواء في "الصحيفة السجادية" أو في غيرها مما روي عنه، فإننا نجده(ع) قد جعل من الدعاء عنصر ثقافة، يتحدث من خلاله وهو بين يدي الله تعالى عن كل جوانب العقيدة، فأنت عندما تقرأ دعاءه بين يدي الله فإنك تقرأ كل عناصر التوحيد، وعندما تقرأ دعاءه وهو يذكر الملائكة فإنك تأخذ ثقافة عن كل عالم الملائكة، وفي غير ذلك من الأدعية. ومن هنا، كانت أدعيته(ع) أدعية ثقافية، بحيث لا ينفتح فيها الإنسان على مجرد ابتهالات روحية بين يدي الله، بل يأخذ المفاهيم الإسلامية في كل جوانب حياة الإنسان، ومن المؤسف أن هذه الأدعية لم تأخذ امتدادها الفكري في عقول الناس، حتى الذين يتبعون الأئمة من أهل البيت (ع) بشكل عام، ولم تدخل أيضاً في الثقافة الجامعية أو في المواقع الثقافية التي تتحدث عن الجانب الروحي في الإسلام، مع أن هذه الأدعية هي الأدعية التي يلتزم فيها الجانب الروحي بالجانب الاجتماعي والسياسي وحتى بعض الجوانب التي تتصل بالسلوك الاقتصادي في الإنسان.

زهد وانفتاح

وقد كان الإمام زين العابدين (ع) العابد الذي استحق لقب "زين العابدين" من خلال إلحاحه على العبادة بين يدي الله، حتى سمّي "السجّاد" و"ذا الثفنات". وقد عاش مع هذه العبادة الرائعة محبته وإخلاصه لله، حتى لم يجد أمام الله تعالى أحداً.. ولكن ذلك لم يمنعه من أن ينفتح على الواقع الإسلامي ليعطي المسلمين الثقافة الإسلامية في الفقه والعقيدة والأخلاق وفي كل الجوانب التي كان يعيش الصراع حولها في الواقع الإسلامي، حتى أنه – كما ذكر بعض الكتّاب – يمثل أستاذ الثقافة الإسلامية في تلك المرحلة التي عاشها. وبكل أسف، فإن الصورة التي تقدَّم عن الإمام زين العابدين (ع) هي صورة العابد الباكي، ولا تقدّم صورة الموجِّه للثقافة الإسلامية والمتحرك في خط إغناء الواقع الإسلامي بكل ما يرفع من مستوى المسلمين، لأن ذلك هي مسؤولية الإمام.

محرر العبيد

وكان الإمام زين العابدين(ع) محرر العبيد، وبالرغم من أن الإسلام لم يشرّع مسألة الرق، ولكنها كانت موجودة في عصره، فحاول أن يخفف منها، فكان(ع) يشتري مئات العبيد ويربيهم وينمّيهم ويعلّمهم، وكان يستفيد منهم في أيام الحج لخدمة الحجاج، ثم يحررهم في آخر السنة ويعطيهم ما لا يحتاجون فيه للناس..

وكان (ع) المعلّم والواعظ والقوي في ذات الله، وكان الإنساني الذي لم نعرف في تاريخ الإنسانية صدراً رحباً وسموّاً في الأخلاق وتمرداً على كل المشاعر السلبية أرحب من صدره وأسمى أخلاقاً منه. وقد تجسد ذلك في إيوائه عيال مروان بن الحكم، عندما ثار أهل المدينة على السلطة الأموية في أعقاب ثورة الحرة، وكان مروان هو الذي طلب من والي المدينة أن يقتل الإمام الحسين(ع) إذا لم يبايع يزيد، وجاءت مكرمة زين العابدين(ع) هذه بعد أن طاف على وجهاء المدينة حتى يؤمّن عائلته عندهم ولم يقبلوا، فقال له الإمام(ع): "ابعث بعيالك إلى عيالي"، ومكثوا عنده وهو ينفق عليهم ويرأف بهم، حتى قالت بعض نساء مروان: ما وجدت رعاية في بيت أبي كما وجدتها في بيت زين العابدين.. وهذا هو قول ذلك الشاعر:

ولمّا ملكتم سال بالدم أبطحُ ملكنا فكان العفو منّا سجيّة
غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفحُ وحلّلتمُ قتل الأسارى وطالما
وكلّ إناء بالذي فيه ينضح فحسبكمُ هذا التفاوت بيننا

التأكيد على القيم الإسلامية

هذه هي بعض ملامح سيرة الإمام زين العابدين (ع)، ونحن على سبيل الاختصار نقرأ بعض كلماته حتى نستفيد من القيم الإسلامية التي يؤكدها (ع). في حديثه المروي عنه: "أربع من كنّ فيه كَمُل إسلامه ومُحّصت عنه ذنوبه ولقي ربه عزّ وجل وهو عنه راضٍ: من وفى لله عزّ وجلّ بما يجعل على نفسه للناس – أن يفي بعهوده وعقوده وكل أنواع الالتزامات بينه وبين الناس – وصدق لسانه مع الناس، واستحيى من كل قبيح عند الله وعند الناس، وحسن خلقه مع أهله".

وفي حديث عنه (ع): "إذا جمع الله تعالى الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ يسمعه الناس في المحشر: أين المتحابّون في الله؟ فيقوم عنق من الناس فيقال لهم ادخلوا الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم عن العمل الذي جاءوا به إلى الجنة، فيقولون: نحن المتحابون في الله، فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ فيقولون: كنا نحب في الله ونبغض في الله، فيقال لهم: ادخلوا الجنة نعم أجر العاملين"..

ويحدثنا الإمام زين العابدين عن دعاء المؤمن لأخيه المؤمن في ظهر الغيب، فيقول: "إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه في ظهر الغيب أو يذكره بخير، قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بالخير، قد أعطاك الله مثْلَيْ ما سألته، وأثنى عليك مثْلَيْ ما أثنيت عليه، ولك الفضل عليه – لأنك أنت البادئ – وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا: بئس الأخ أنت لأخيك، كفّ أيها المستَّر على ذنوبه وعورته واحمد الله الذي ستر عليك واعلم أن الله أعلم بعباده".

هذه هي تعاليم أهل البيت (ع) وهذا هو منهجهم، وعلى ضوء هذا، فإن اتباعنا لأهل البيت (ع) هو الأخذ بكل هذه التعاليم والسير على كل هذه المناهج، وقد ورد عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: "أحبونا حبّ الإسلام"، لتكن العلاقة بيننا وبينكم علاقة إسلامية من خلال ما نمثل من الخط الإسلامي الأصيل. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يوالونهم في الفكر والعمل، ويرزقنا شفاعتهم في الآخرة، إنه أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في عباده وبلاده، وليكن سمت الخير والمحبة، والتعاون على البر والتقوى، ورفض الظلم والعدوان من أي موقع أتى هو خطكم ومنهجكم، وكونوا الواعين لما يحاك ضدكم من مؤامرات ومخططات عدائية من قِبَل الاستكبار، كونوا الواعين لحاضركم ومستقبلكم، وارصدوا حركة الواقع والاهتمام بشؤون الأمة من حولكم، لأن في ذلك الخير والصلاح، لأن من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس بمسلم، ومن هنا علينا أن نتلمس ما يجري في واقعنا، فماذا هناك:

مجزرة قانا: نازية يهودية

في أجواء ذكرى مجزرة "قانا"، التي مثّلت أبشع مظاهر الوحشية النازية اليهودية في نطاق التغطية الأمريكية السياسية، نلتقي بالمجازر المتحركة ضد الشعب الفلسطيني التي طاولت البشر والحجر والشجر، ما يدل على العنصرية اليهودية ضد الإنسانية في قتل الطفولة والإنسان كله، هذا بالإضافة إلى العدوان على موقع الرادار للجيش السوري في لبنان.. ونريد أن نسجّل في هذا الجو الملاحظات التالية:

العدو يوسع مأزقه الأمني

1 – إن الصمود الفلسطيني في حركة جهاد الشعب الفلسطيني، استطاع أن يحوّل عنوان الأمن "الشاروني" إلى مأزق لليهود، فلم يعد لهم أيّ أساس للأمن في مواقعهم الاستيطانية وغيرها، وبذلك فقد بدأ مشروعه ينهار أمام ضربات المجاهدين بالرغم من كل الأسلحة الأمريكية التي يوجهها إلى المناطق الفلسطينية..

2 – إن عدوان العدو الصهيوني على مواقع الجيش السوري في لبنان، بحجة تأييد سوريا للمقاومة التي قامت بعمليتها البطولية الناجحة ضده في مزارع "شبعا"، يمثّل توسيعاً للمأزق السياسي والأمني الذي قد يوحي باستعادة قوة الردع الصهيوني، ولكنه يعرف أن هناك قوة ردع جديدة على الصعيد الميداني سوف تمارس دورها في الوقت المناسب والمكان المناسب..

أمريكا: دعم مطلق للوحشية الصهيونية

3 – لقد عرف العالم العربي – ومعه العالم الإسلامي – الوجه الأمريكي البشع الذي أعطى إسرائيل كل الحرية في قتل أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها وشبابها، وفي جرف أشجارها وهدم بيوتها ومصانعها، وحصارها الاقتصادي والجغرافي، تحت عنوان "إعطاء شارون الفرصة" التي تتلخّص في إيقاف الانتفاضة، وتنفيذ المشروع الاستراتيجي الإسرائيلي في تحويل فلسطين إلى دولة مسخ لا تملك أيّ شيء من مقوّمات الدولة، وعلى أرض لا تستطيع استيعاب أهلها في الداخل، لأن القضية المطروحة في التحالف الأمريكي - الصهيوني هي أن تنتهي القضية الفلسطينية على هذا الأساس..

وإذا كانت أمريكا تتحدث – بلسان وزير خارجيتها – أنها لم تعطِ الضوء الأخضر لاحتلال "غزة" من جديد ولضرب الرادار السوري، فإن وزير خارجية العدو قد أعلن كذبه عندما صرّح بأنه اتصل به أثناء الغارة - العدوان.. وإذا كانت أمريكا قد طلبت من إسرائيل الانسحاب من "غزة"، فليس ذلك لحساب حماية الفلسطينيين ولكنه لإنقاذ إسرائيل من جنون "شارون"، والتخفيف من الغضب العربي والإسلامي على المستوى الشعبي ضد الإدارة الأمريكية الحالية التي لم تستطع أن تخفي دعمها المطلق للوحشية الإسرائيلية، تحت شعار "الحرص على إيقاف العنف من الطرفين"؟!

خداع أمريكي بشأن المفاوضات

4 – إن حديث أمريكا عن إيقاف الانتفاضة للبدء بالمفاوضات هو حديث خادع، لأن التفاوض بين شعب أعزل وحكومة مدعومة من أمريكا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لا يـؤدي إلى أيـة نـتيجة سوى ما تريده إسرائيل من فرض سياستها على هذا الشعب – حسب برنامج "شارون" – ما يجعل الفلسطينيين يشعرون بأنه لا خيار لهم إلا المزيد من الضغط على العدو وصولاً إلى حقهم الشرعي في تحرير أرضهم. ولذلك، فإننا نتصوّر أن هذا الشعب المجاهد لن يتعب ولن يصرخ في لعبة عضّ الأصابع بالرغم من كل الآلام، فلم يعد لديه ما يخسره إلا قيوده.

نحو موقف عربي ضاغط

5 – إن الموقف العربي – بالرغم من كل بيانات التأييد للانتفاضة ولسوريا وللبنان وللمقاومة – لم يرتفع إلى المستوى السياسي الضاغط الذي يُشعر أمريكا – وإسرائيل معها – بأن هناك خطراً على مصالحها الحيوية في المنطقة، من خلال موقف موحَّد فاعل، لأن المشكلة هي أن بعض العرب خاضعون للمساعدات الاقتصادية الأمريكية، وبعضهم الآخر خاضع للضغط العسكري على أرضه، وبعضهم الثالث خاضع للضغوط السياسية، ما يجعلهم يكتفون بالكلمات الفارغة التي لا تعني شيئاً!!

أما مساعداتهم للانتفاضة فإنها خاضعة للإيحاءات الأمريكية التي لا تريد للمجاهدين الفلسطينيين أن يحصلوا على بعض القوة الاقتصادية التي تساعدهم على الاستمرار في الانتفاضة.. إن على العرب أن يعرفوا أن الموقف الفلسطيني من العدو ليس موقف نزاع، بل هو موقف صراع عربي وإسلامي سوف يحدد على ضوئه مستقبل المنطقة كلها.

عملية شبعا.. امتداد للخط الاستراتيجي

6 – لقد مثّلت عملية المقاومة الإسلامية امتداداً للخط الاستراتيجي المرسوم في التحرير حسب ظروفها الميدانية، ولم تكن خاضعة لمناسبة معينة أو لتسجيل نقطة محددة ضد أية جهة في التوقيت، ولم تأخذ أية تعليمات من أية جهة إقليمية في حركتها الجهادية، فلا تزال قواعد اللعبة تفرض نفسها على العدو الذي لا يملك تغيير هذه القواعد، لأن التحدي هو التحدي في تخطيط المقاومة وفي موقف الحكم في لبنان وفي سوريا في دعم الخط الجهادي.

ونحن بهذه المناسبة، نحيي رئيس الجمهورية على موقفه الداعم للمقاومة ولخط مواجهة الاحتلال، هذا الموقف الذي لم يُعهد مثله في تاريخ لبنان من رئيس جمهورية ، في مثل هذا الوضع وفي مثل هذه الضغوط، بالرغم مما يتحمله لبنان من ضغوط اقتصادية وسياسية وأمنية في ذلك كله.

وعلى العدو أن يتذكّر – في ذكرى "عناقيد الغضب" – فشله السياسي والعسكري، ليعرف أن مغامراته ضد لبنان وسوريا سوف توقعه في فشل وراء فشل، لأن مسألة التحرير لا تخضع للتفاصيل ولا للتهديد، ولأن استمرار التحدي الصهيوني يمثل خطراً على مستقبل المنطقة ومصير الأمة كلها، والمستقبل لا يطلب إذناً من أحد.

وعلى ضوء هذا، فإن على الجميع أن يعرف أن قواعد اللعبة لم تتغيّر، فلا يزال اللاعب الإسرائيلي يمارس عرض عضلات القوة، ولا تزال أمريكا تدعم كل استعراضاته بعضلاتها السياسية في دعمه على الصعيد الدولي، فالردع السياسي الأمريكي يدعم الردع العسكري الإسرائيلي.. وتبقى الأمة في خط المواجهة لتؤكد نداء الإمام الحسين(ع): "لا والله، لا نعطيكم بأيدينا إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد".

التوحّد لمواجهة التحديات

7 – وختاماً، إننا أمام هذا الواقع الجديد نكرر دعوتنا للبنانيين إلى الكفّ عن الدخول في متاهات السجال الداخلي، فقد أظهرت الظروف الحاضرة مدى الحاجة إلى التنسيق اللبناني – السوري على المستوى الاستراتيجي لمواجهة العدو، كما أظهرت مدى الحاجة لاستمرار المقاومة كعنصر ضغط وكوسيلة فضلى للتحرير. ولذلك، فالمطلوب هو التوحّد تحت هذا العنوان لمواجهة التحديات الكبرى، في الوقوف ضد العدو الإسرائيلي الذي يهدد المنطقة كلها، والدخول في حوار لبناني – لبناني في نطاق المؤسسات، وبالصوت الهادئ، والعقل المفكّر، والمسؤولية الواعية، والمحبة التي تفتح القلوب على العقول، وتفتح العقول على الواقع في حركة الحاضر نحو المستقبل، من خلال دروس الماضي.

في رحاب الإمام زين العابدين (ع) : مدرسة القيم الإسلامية في مدى الأجيال


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمانية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

أحببت ـ بالرغم من تحذيرات الأطباء ـ أن أكون معكم، ولو في ركعتي الجمعة نتيجة تحذيراتهم من الركوع والسجود، وقد أخذت منهم الرخصة في ركعتي الجمعة، على أن أُصلي العصر بعد ذلك.. أسأل الله تعالى لكم المزيد من التوفيق، وأشكركم جميعاً على عواطفكم وأحاسيسكم، وسنبقى إن شاء الله معكم في خط الإسلام وعلى منهج أهل البيت(ع).

شخصية متعددة الأبعاد

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يُريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت الإمام زين العابدين علي بن الحسين(ع)، الذي صادفت ذكرى وفاته بالأمس ، في الـ25 من شهر محرّم. والحديث عن هذا الإمام حديث متعدد الجوانب، لأنه عاش مع أبيه الحسين(ع) كل كربلاء، وواجه كل مآسيها في العمق، وعرف كل أهدافها وشعاراتها، وعمل على تحريك كل نتائجها في الزمن.

ولذلك، كان الإمام زين العابدين(ع) أول من أسس حركة الذكرى الحسينية، كان يُذكّر الناس بعاشوراء ويعمل على إثارة المأساة بين وقت وآخر، وكان يدفع بهم إلى أن يتأملوها ويتفهّموها، ليحرّك الثورة في نفوس المسلمين ضد كل الذين صنعوا المأساة، وضد كل من يفكر في صنعها في المستقبل.

كان الإمام زين العابدين(ع) والأئمة من أولاده من بعده يؤكدون على أن ثورة الحسين (ع) ليست ثورة محبوسة في داخل مرحلتها الزمنية، بل هي ثورة تمتد إلى باقي مراحل الزمن لتكون عناوينها الكبرى وحياً لكل الأجيال، ولتتحرك في ضمير الأمة. ولذلك، فإنه(ع) عندما كان يبكي أمام الناس إذا ذكر مشاهد كربلاء، كان لا يتحرك من عاطفة شخصية ـ وإن كان للعاطفة دورها في حياة كل إنسان، حتى النبي (ص) قال عندما فقد ولده إبراهيم: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما لا يرضي الله" ـ بل كان(ع) يريد أن يؤكد الخط الإسلامي في الذكرى الحسينية، ليدفع الذين يثيرون الذكرى من على المنبر الحسيني ليكون منبراً للإسلام في كل مفاهيمه وعقائده وشرائعه.

حقوق الإنسان

وكان الإمام زين العابدين (ع) أول من كتب وتحدث عن حقوق الإنسان، سواء مع نفسه أو مع ربه أو مع كل الناس من حوله، بحيث أن رسالة الحقوق التي أملاها الإمام زين العابدين (ع) أو كتبها، هي الرسالة التي تجمع كل ما شرّعه الإسلام وخطط له من الحقوق التي يتحسسها الإنسان في كل انتماءاته وارتباطاته وعلاقاته وواقعه، قبل أن تكون هناك وثيقة حقوق الإنسان..

الدعاء عنصر ثقافة

وعندما ندرس الإمام زين العابدين (ع) في أدعيته، سواء في "الصحيفة السجادية" أو في غيرها مما روي عنه، فإننا نجده(ع) قد جعل من الدعاء عنصر ثقافة، يتحدث من خلاله وهو بين يدي الله تعالى عن كل جوانب العقيدة، فأنت عندما تقرأ دعاءه بين يدي الله فإنك تقرأ كل عناصر التوحيد، وعندما تقرأ دعاءه وهو يذكر الملائكة فإنك تأخذ ثقافة عن كل عالم الملائكة، وفي غير ذلك من الأدعية. ومن هنا، كانت أدعيته(ع) أدعية ثقافية، بحيث لا ينفتح فيها الإنسان على مجرد ابتهالات روحية بين يدي الله، بل يأخذ المفاهيم الإسلامية في كل جوانب حياة الإنسان، ومن المؤسف أن هذه الأدعية لم تأخذ امتدادها الفكري في عقول الناس، حتى الذين يتبعون الأئمة من أهل البيت (ع) بشكل عام، ولم تدخل أيضاً في الثقافة الجامعية أو في المواقع الثقافية التي تتحدث عن الجانب الروحي في الإسلام، مع أن هذه الأدعية هي الأدعية التي يلتزم فيها الجانب الروحي بالجانب الاجتماعي والسياسي وحتى بعض الجوانب التي تتصل بالسلوك الاقتصادي في الإنسان.

زهد وانفتاح

وقد كان الإمام زين العابدين (ع) العابد الذي استحق لقب "زين العابدين" من خلال إلحاحه على العبادة بين يدي الله، حتى سمّي "السجّاد" و"ذا الثفنات". وقد عاش مع هذه العبادة الرائعة محبته وإخلاصه لله، حتى لم يجد أمام الله تعالى أحداً.. ولكن ذلك لم يمنعه من أن ينفتح على الواقع الإسلامي ليعطي المسلمين الثقافة الإسلامية في الفقه والعقيدة والأخلاق وفي كل الجوانب التي كان يعيش الصراع حولها في الواقع الإسلامي، حتى أنه – كما ذكر بعض الكتّاب – يمثل أستاذ الثقافة الإسلامية في تلك المرحلة التي عاشها. وبكل أسف، فإن الصورة التي تقدَّم عن الإمام زين العابدين (ع) هي صورة العابد الباكي، ولا تقدّم صورة الموجِّه للثقافة الإسلامية والمتحرك في خط إغناء الواقع الإسلامي بكل ما يرفع من مستوى المسلمين، لأن ذلك هي مسؤولية الإمام.

محرر العبيد

وكان الإمام زين العابدين(ع) محرر العبيد، وبالرغم من أن الإسلام لم يشرّع مسألة الرق، ولكنها كانت موجودة في عصره، فحاول أن يخفف منها، فكان(ع) يشتري مئات العبيد ويربيهم وينمّيهم ويعلّمهم، وكان يستفيد منهم في أيام الحج لخدمة الحجاج، ثم يحررهم في آخر السنة ويعطيهم ما لا يحتاجون فيه للناس..

وكان (ع) المعلّم والواعظ والقوي في ذات الله، وكان الإنساني الذي لم نعرف في تاريخ الإنسانية صدراً رحباً وسموّاً في الأخلاق وتمرداً على كل المشاعر السلبية أرحب من صدره وأسمى أخلاقاً منه. وقد تجسد ذلك في إيوائه عيال مروان بن الحكم، عندما ثار أهل المدينة على السلطة الأموية في أعقاب ثورة الحرة، وكان مروان هو الذي طلب من والي المدينة أن يقتل الإمام الحسين(ع) إذا لم يبايع يزيد، وجاءت مكرمة زين العابدين(ع) هذه بعد أن طاف على وجهاء المدينة حتى يؤمّن عائلته عندهم ولم يقبلوا، فقال له الإمام(ع): "ابعث بعيالك إلى عيالي"، ومكثوا عنده وهو ينفق عليهم ويرأف بهم، حتى قالت بعض نساء مروان: ما وجدت رعاية في بيت أبي كما وجدتها في بيت زين العابدين.. وهذا هو قول ذلك الشاعر:

ولمّا ملكتم سال بالدم أبطحُ ملكنا فكان العفو منّا سجيّة
غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفحُ وحلّلتمُ قتل الأسارى وطالما
وكلّ إناء بالذي فيه ينضح فحسبكمُ هذا التفاوت بيننا

التأكيد على القيم الإسلامية

هذه هي بعض ملامح سيرة الإمام زين العابدين (ع)، ونحن على سبيل الاختصار نقرأ بعض كلماته حتى نستفيد من القيم الإسلامية التي يؤكدها (ع). في حديثه المروي عنه: "أربع من كنّ فيه كَمُل إسلامه ومُحّصت عنه ذنوبه ولقي ربه عزّ وجل وهو عنه راضٍ: من وفى لله عزّ وجلّ بما يجعل على نفسه للناس – أن يفي بعهوده وعقوده وكل أنواع الالتزامات بينه وبين الناس – وصدق لسانه مع الناس، واستحيى من كل قبيح عند الله وعند الناس، وحسن خلقه مع أهله".

وفي حديث عنه (ع): "إذا جمع الله تعالى الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ يسمعه الناس في المحشر: أين المتحابّون في الله؟ فيقوم عنق من الناس فيقال لهم ادخلوا الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم عن العمل الذي جاءوا به إلى الجنة، فيقولون: نحن المتحابون في الله، فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ فيقولون: كنا نحب في الله ونبغض في الله، فيقال لهم: ادخلوا الجنة نعم أجر العاملين"..

ويحدثنا الإمام زين العابدين عن دعاء المؤمن لأخيه المؤمن في ظهر الغيب، فيقول: "إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه في ظهر الغيب أو يذكره بخير، قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بالخير، قد أعطاك الله مثْلَيْ ما سألته، وأثنى عليك مثْلَيْ ما أثنيت عليه، ولك الفضل عليه – لأنك أنت البادئ – وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا: بئس الأخ أنت لأخيك، كفّ أيها المستَّر على ذنوبه وعورته واحمد الله الذي ستر عليك واعلم أن الله أعلم بعباده".

هذه هي تعاليم أهل البيت (ع) وهذا هو منهجهم، وعلى ضوء هذا، فإن اتباعنا لأهل البيت (ع) هو الأخذ بكل هذه التعاليم والسير على كل هذه المناهج، وقد ورد عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: "أحبونا حبّ الإسلام"، لتكن العلاقة بيننا وبينكم علاقة إسلامية من خلال ما نمثل من الخط الإسلامي الأصيل. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يوالونهم في الفكر والعمل، ويرزقنا شفاعتهم في الآخرة، إنه أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في عباده وبلاده، وليكن سمت الخير والمحبة، والتعاون على البر والتقوى، ورفض الظلم والعدوان من أي موقع أتى هو خطكم ومنهجكم، وكونوا الواعين لما يحاك ضدكم من مؤامرات ومخططات عدائية من قِبَل الاستكبار، كونوا الواعين لحاضركم ومستقبلكم، وارصدوا حركة الواقع والاهتمام بشؤون الأمة من حولكم، لأن في ذلك الخير والصلاح، لأن من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس بمسلم، ومن هنا علينا أن نتلمس ما يجري في واقعنا، فماذا هناك:

مجزرة قانا: نازية يهودية

في أجواء ذكرى مجزرة "قانا"، التي مثّلت أبشع مظاهر الوحشية النازية اليهودية في نطاق التغطية الأمريكية السياسية، نلتقي بالمجازر المتحركة ضد الشعب الفلسطيني التي طاولت البشر والحجر والشجر، ما يدل على العنصرية اليهودية ضد الإنسانية في قتل الطفولة والإنسان كله، هذا بالإضافة إلى العدوان على موقع الرادار للجيش السوري في لبنان.. ونريد أن نسجّل في هذا الجو الملاحظات التالية:

العدو يوسع مأزقه الأمني

1 – إن الصمود الفلسطيني في حركة جهاد الشعب الفلسطيني، استطاع أن يحوّل عنوان الأمن "الشاروني" إلى مأزق لليهود، فلم يعد لهم أيّ أساس للأمن في مواقعهم الاستيطانية وغيرها، وبذلك فقد بدأ مشروعه ينهار أمام ضربات المجاهدين بالرغم من كل الأسلحة الأمريكية التي يوجهها إلى المناطق الفلسطينية..

2 – إن عدوان العدو الصهيوني على مواقع الجيش السوري في لبنان، بحجة تأييد سوريا للمقاومة التي قامت بعمليتها البطولية الناجحة ضده في مزارع "شبعا"، يمثّل توسيعاً للمأزق السياسي والأمني الذي قد يوحي باستعادة قوة الردع الصهيوني، ولكنه يعرف أن هناك قوة ردع جديدة على الصعيد الميداني سوف تمارس دورها في الوقت المناسب والمكان المناسب..

أمريكا: دعم مطلق للوحشية الصهيونية

3 – لقد عرف العالم العربي – ومعه العالم الإسلامي – الوجه الأمريكي البشع الذي أعطى إسرائيل كل الحرية في قتل أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها وشبابها، وفي جرف أشجارها وهدم بيوتها ومصانعها، وحصارها الاقتصادي والجغرافي، تحت عنوان "إعطاء شارون الفرصة" التي تتلخّص في إيقاف الانتفاضة، وتنفيذ المشروع الاستراتيجي الإسرائيلي في تحويل فلسطين إلى دولة مسخ لا تملك أيّ شيء من مقوّمات الدولة، وعلى أرض لا تستطيع استيعاب أهلها في الداخل، لأن القضية المطروحة في التحالف الأمريكي - الصهيوني هي أن تنتهي القضية الفلسطينية على هذا الأساس..

وإذا كانت أمريكا تتحدث – بلسان وزير خارجيتها – أنها لم تعطِ الضوء الأخضر لاحتلال "غزة" من جديد ولضرب الرادار السوري، فإن وزير خارجية العدو قد أعلن كذبه عندما صرّح بأنه اتصل به أثناء الغارة - العدوان.. وإذا كانت أمريكا قد طلبت من إسرائيل الانسحاب من "غزة"، فليس ذلك لحساب حماية الفلسطينيين ولكنه لإنقاذ إسرائيل من جنون "شارون"، والتخفيف من الغضب العربي والإسلامي على المستوى الشعبي ضد الإدارة الأمريكية الحالية التي لم تستطع أن تخفي دعمها المطلق للوحشية الإسرائيلية، تحت شعار "الحرص على إيقاف العنف من الطرفين"؟!

خداع أمريكي بشأن المفاوضات

4 – إن حديث أمريكا عن إيقاف الانتفاضة للبدء بالمفاوضات هو حديث خادع، لأن التفاوض بين شعب أعزل وحكومة مدعومة من أمريكا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لا يـؤدي إلى أيـة نـتيجة سوى ما تريده إسرائيل من فرض سياستها على هذا الشعب – حسب برنامج "شارون" – ما يجعل الفلسطينيين يشعرون بأنه لا خيار لهم إلا المزيد من الضغط على العدو وصولاً إلى حقهم الشرعي في تحرير أرضهم. ولذلك، فإننا نتصوّر أن هذا الشعب المجاهد لن يتعب ولن يصرخ في لعبة عضّ الأصابع بالرغم من كل الآلام، فلم يعد لديه ما يخسره إلا قيوده.

نحو موقف عربي ضاغط

5 – إن الموقف العربي – بالرغم من كل بيانات التأييد للانتفاضة ولسوريا وللبنان وللمقاومة – لم يرتفع إلى المستوى السياسي الضاغط الذي يُشعر أمريكا – وإسرائيل معها – بأن هناك خطراً على مصالحها الحيوية في المنطقة، من خلال موقف موحَّد فاعل، لأن المشكلة هي أن بعض العرب خاضعون للمساعدات الاقتصادية الأمريكية، وبعضهم الآخر خاضع للضغط العسكري على أرضه، وبعضهم الثالث خاضع للضغوط السياسية، ما يجعلهم يكتفون بالكلمات الفارغة التي لا تعني شيئاً!!

أما مساعداتهم للانتفاضة فإنها خاضعة للإيحاءات الأمريكية التي لا تريد للمجاهدين الفلسطينيين أن يحصلوا على بعض القوة الاقتصادية التي تساعدهم على الاستمرار في الانتفاضة.. إن على العرب أن يعرفوا أن الموقف الفلسطيني من العدو ليس موقف نزاع، بل هو موقف صراع عربي وإسلامي سوف يحدد على ضوئه مستقبل المنطقة كلها.

عملية شبعا.. امتداد للخط الاستراتيجي

6 – لقد مثّلت عملية المقاومة الإسلامية امتداداً للخط الاستراتيجي المرسوم في التحرير حسب ظروفها الميدانية، ولم تكن خاضعة لمناسبة معينة أو لتسجيل نقطة محددة ضد أية جهة في التوقيت، ولم تأخذ أية تعليمات من أية جهة إقليمية في حركتها الجهادية، فلا تزال قواعد اللعبة تفرض نفسها على العدو الذي لا يملك تغيير هذه القواعد، لأن التحدي هو التحدي في تخطيط المقاومة وفي موقف الحكم في لبنان وفي سوريا في دعم الخط الجهادي.

ونحن بهذه المناسبة، نحيي رئيس الجمهورية على موقفه الداعم للمقاومة ولخط مواجهة الاحتلال، هذا الموقف الذي لم يُعهد مثله في تاريخ لبنان من رئيس جمهورية ، في مثل هذا الوضع وفي مثل هذه الضغوط، بالرغم مما يتحمله لبنان من ضغوط اقتصادية وسياسية وأمنية في ذلك كله.

وعلى العدو أن يتذكّر – في ذكرى "عناقيد الغضب" – فشله السياسي والعسكري، ليعرف أن مغامراته ضد لبنان وسوريا سوف توقعه في فشل وراء فشل، لأن مسألة التحرير لا تخضع للتفاصيل ولا للتهديد، ولأن استمرار التحدي الصهيوني يمثل خطراً على مستقبل المنطقة ومصير الأمة كلها، والمستقبل لا يطلب إذناً من أحد.

وعلى ضوء هذا، فإن على الجميع أن يعرف أن قواعد اللعبة لم تتغيّر، فلا يزال اللاعب الإسرائيلي يمارس عرض عضلات القوة، ولا تزال أمريكا تدعم كل استعراضاته بعضلاتها السياسية في دعمه على الصعيد الدولي، فالردع السياسي الأمريكي يدعم الردع العسكري الإسرائيلي.. وتبقى الأمة في خط المواجهة لتؤكد نداء الإمام الحسين(ع): "لا والله، لا نعطيكم بأيدينا إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد".

التوحّد لمواجهة التحديات

7 – وختاماً، إننا أمام هذا الواقع الجديد نكرر دعوتنا للبنانيين إلى الكفّ عن الدخول في متاهات السجال الداخلي، فقد أظهرت الظروف الحاضرة مدى الحاجة إلى التنسيق اللبناني – السوري على المستوى الاستراتيجي لمواجهة العدو، كما أظهرت مدى الحاجة لاستمرار المقاومة كعنصر ضغط وكوسيلة فضلى للتحرير. ولذلك، فالمطلوب هو التوحّد تحت هذا العنوان لمواجهة التحديات الكبرى، في الوقوف ضد العدو الإسرائيلي الذي يهدد المنطقة كلها، والدخول في حوار لبناني – لبناني في نطاق المؤسسات، وبالصوت الهادئ، والعقل المفكّر، والمسؤولية الواعية، والمحبة التي تفتح القلوب على العقول، وتفتح العقول على الواقع في حركة الحاضر نحو المستقبل، من خلال دروس الماضي.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية