دعوة عليّ (ع) للأجيال : العمل.. العمل قبل الأجل

دعوة عليّ (ع) للأجيال : العمل.. العمل قبل الأجل

دعوة عليّ (ع) للأجيال : العمل.. العمل قبل الأجل


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبة سماحته الأولى :

إننا نحتاج دائماً إلى ما يُذكّرنا بالله، وما يُذكّرنا من خلال ذكر الله مسؤولياتنا في الدنيا، وما نُقبل عليه في الآخرة، لأن ذلك هو سبيل النجاة، والله تعالى يقول: {وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}. ومَن أولى بأن نستمع إليه وهو يذكّرنا بالله والآخرة من وليّ الله، الذي أحب الله ورسوله كما لم يحبهما أحد، والذي أحبّه الله ورسوله كما لم يحبا أحداً، وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)!!

الانشغال بعبادة الله:

يقول الإمام عليّ(ع): "فليعمل العامل منكم في أيام مهله قبل إرهاق أجله - إن الله أمهلكم فيما أعطاكم من عمر قد يطول وقد يقصر، وقد جعل لكم هذه المهلة فرصة من أجل أن تؤمنوا به وتتقوه، وتؤدوا فرائضه وتقفوا عند حدوده، فاعملوا في أيام المهلة قبل أن يأتي إليكم الأجل ليرهقكم فلا يبقي لكم حياة أو فرصة - وفي فراغه قبل أوان شغله - إن لكم فراغاً تستطيعون أن تؤدوا فيه تكاليفكم، وقد تُشغلون بالمرض أو بالخوف أو بالكثير مما قد يُعطّل لكم فرص العمل، وقد يُشغلكم الموت الذي لا بد منه - وفي متنفسه قبل أن يؤخذ بكظمه - اعملوا وأنتم تتنفسون ـ وهو كناية عن الحياة ـ قبل أن يؤخذ بكظم كل واحد منكم فلا يستطيع أن يتنفس - وليُمهّد لنفسه وقدمه - مهّد لنفسك الفراش الذي تجلس عليه، ولقدمك الطريق الذي تسير فيه - وليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته - أنتم الآن في دار الرحيل، لأن كل واحد منا يرتحل في كل يوم إلى الآخرة، لأن من كان مطيته الليل والنهار فإنه يُسار به وإن كان واقفاً.

العمل بكتاب الله:

- فالله الله أيها الناس - وهذه الكلمة تُطلق عندما يكون الوضع حرجاً، فتطلق فيما يشبه الاستغاثة ليستنفر الناس نحو ما يُراد الحديث عنه - فيما استحفظكم من كتابه - لأن الله أراد للناس أن يحفظوا الكتاب الذي أنزله إليهم، لا أن يحفظوه ككلمات، بل أن يحفظوا فكره وحكمه وشرائعه ومواعظه ووصاياه ونصائحه - واستودعكم من حقوقه - فإن لله حقوقاً علينا أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وأن نطيعه ولا نعصيه، وأن نسير في خط الاستقامة إليه على خط التوحيد، وتلك الحقوق هي وديعة الله عندنا وعلينا أن نؤدي إليه ودائعه.

إلقاء الحجة:

- فإن الله سبحانه لم يخلقكم عبثاً - فالله تعالى لا يعبث بل هو الحكيم - ولم يترككم سدى - لم يهملكم - ولم يدعكم في جهالة ولا في عمى - بل أعطاكم عقلاً تفكرون فيه وحواسّ وأنزل عليكم رسالة ـ قد سمّى آثاركم، وعلم أعمالكم، وكتب آجالكم - فإذا جاء أجل كل واحد منا فلا يتقدم ولا يتأخر - وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكل شيء، وعمّر فيكم نبيّه أزماناً - فقد عاش النبي معهم في نبوته ثلاثاً وعشرين سنة - حتى أكمل له ولكم ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الذي رضي لنفسه - {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} - وأنهى إليكم على لسانه - على لسان رسول الله، فما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا - محابّه من الأعمال - ما يحبه من الأعمال - ومكارهه - وما يكرهها - ونواهيه وأوامره، وألقى إليكم المعذرة - فلا عذر لأحد منكم أن يقول لله "لم يأتني نذير" - واتخذ عليكم الحجة - فلله الحجة البالغة - وقدّم إليكم بالوعيد - {يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم} - وأنذركم بين يدي عذاب شديد، فاستدركوا بقية أيامكم - كم هي الأيام الباقية لكم، يا أبناء الستين أو الأربعين أو العشرين، إن لكم بقية من عمركم، فإذا فاتتكم بعض الواجبات والمسؤوليات استدركوها فيما بقي من هذا العمر بالتوبة - واصبروا لها أنفسكم - حاولوا أن تصبّروا أنفسكم على الطاعة والتوبة وعن المعصية - فإنها قليل في كثير الأيام التي تكون منكم فيها الغفلة - فما أكثر الأيام التي قضيتموها بالغفلة - والتشاغل عن الموعظة - كنتم تنشغلون عن الموعظة باللغو والعبث والشهوات - ولا ترخّصوا لأنفسكم فتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة - بل لا بدّ أن تقفوا عند حدود الله ولا تستهينوا بها - ولا تُداهنوا فيهجم بكم الإدهان على المعصية"، سيروا في الخط المستقيم ولا تتلوّنوا أو تتحركوا في خط الغفلة لأن ذلك يسير بكم إلى مواقع المعصية..

سلامة الدين:

ويتابع أمير المؤمنين نداءه: "عباد الله.. إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه - فالذي يحب نفسه أكثر هو الذي يعمل لإنجاء نفسه وسلامتها وسلامة مصيره - وإن أغشهم لنفسه أعصاهم لربه - لأنه ورّط نفسه في نار جهنم - والمغبون من غبن نفسه - ليس المغبون هو الذي اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه، أو باع شيئاً بأقل من ثمنه، لأن المال والربح والخسارة تأتي وتذهب، لكن إذا غبنت نفسك بالرخيص، كأن بعتها بشربة خمر أو شهوة زنى وما إلى ذلك، فإن ذلك هو الغبن بعينه - والمغبوط - الذي يُمدح ويُهنّأ - مَن سَلِم له دينه - لأنّ من سلم له دينه سلمت له آخرته ونال رضى ربه وجنته - والسعيد من وُعظ بغيره - بأن يتعظ بالناس الذين ينحرفون كيف تكون نتائجهم - والشقي من انخدع لهواه وغروره - من اتبع هواه فخدعه ومنعه من وضوح الرؤية فيما يجب أن يصل إليه - واعلموا أن يسير الرياء شرك - فلا تعمل من أجل أن يمدحك الناس، بل عليك أن تعمل لله ولا تلتفت إلى غيره وإلا فقد أشركت وإن كان هذا الشرك خفياً.

الدعوة إلى محاسن القيم:

- ومجالسة أهل الهوى منساة للإيمان ومحضرة للشيطان - إذا جالست الناس الذين يتبّعون أهواءهم وشهواتهم فإنهم ينسونك إيمانك ويحضرون فيما بينك وبينهم شيطانهم وشيطانك - جانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان - فلا تكذبوا في الصغير ولا في الكبير لأنه يُبعد عن الإيمان الذي هو الالتزام بالحق، والكذب هو التزام بالباطل، ولا يجتمع في قلب مؤمن التزام بالحق وبالباطل معاً - الصادق على شفا منجاة وكرامة - الذي يصدق في حديثه وموقفه ومعاملاته، الصادق مع ربه ومع نفسه ومع الناس، فإن الله ينجيه من سخطه وعذابه ويكرمه بجنته - والكاذب على شرف مهواة ومهانة -لأن الكذب يجره إلى الهاوية والهوان - ولا تحاسدوا - لا يتمنى أحدكم نعمة غيره ليطلب من الله أن يزيلها عنه ليعطيه إياها ـ فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب، ولا تباغضوا - لا يحقد بعضكم على بعض أو يعادي بعضكم بعضاً - فإنها الحالقة - فالبغضاء تحلق الإيمان كما تحلق الموس الشعر - واعلموا أن الأمل يُسهي العقل - لأنه يجعل الإنسان لا يفكر بطريقة واقعية فيما يقبل عليه - ويُنسي الذكر، فأكذبوا الأمل فإنه غرور وصاحبه مغرور"..

التأسي بعلي(ع):

هذا حديث أمير المؤمنين(ع)، وهو الحديث الذي يدخل القلب ويليّنه، وهو الحديث الذي يفتح عقولنا على المصير وعلى ما يرضاه الله ويحبه، لذلك "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني - على أنفسكم - بورع - عن الحرام - واجتهاد - في طاعة الله - وعفّة وسداد". علينا دائماً أن نتوجه إلى الله لنقول: اللهم أعنّا على أنفسنا بما تعين به الصالحين على أنفسهم، لأن "اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل"، فليدبّر كل واحد منا نفسه، وهذا كلام أمير المؤمنين لا بد أن يدخل إلى أعماق عقولنا وقلوبنا، حتى تتغير حياتنا على هداه، وهو الهادي إلى الحق.

الخطبة السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وتذكروا عندما تقبلون عليه كيف تقفون بين يديه، وهو {الذي يعلم السر وأخفى}، و{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}، وينطلق النداء في القيامة: {لمن الملك اليوم - لقد تساقطت كل الملوك وكل القوى - لله الواحد القهار}.. ليكن ذكركم للموقف بين يدي الله وفي الطريق إلى الله.. أن نفكر بهذه المواقف كيف نصوغ الجواب وكيف ندافع عن أنفسنا، وكيف نرتّب حساباتنا، مَن منا يرتّب حساباته لذلك اليوم؟ نحن مشغولون بحسابات عصبياتنا وشهواتنا وأحقادنا وأحزابنا، أما حساب أنفسنا فنحن مشغولون عنها، فتذكّروا ذلك اليوم حتى تنطلق الذكرى وتدفعكم إلى التوازن والانضباط والوقوف عند حدود الله..

وعلى ضوء هذا، ينبغي لكل واحد منا أن يتعرف مسؤولياته، لأن من لا يعرف مسؤولياته مما أوجب الله عليه أن يفعل، ومما حرّم الله أن يفعل، فسترتبك أموره ليرى الحق باطلاً والباطل حقاً. لذلك لا بد لنا أن نعيش الاهتمام بكل مسؤولياتنا العامة والخاصة، ومن بين ذلك مسؤوليتنا عن الأمة، فماذا هناك؟

العدوان الإسرائيلي برعاية أمريكية ـ أوروبية

مرّت علينا قبل أيام ذكرى النكسة في الخامس من حزيران عام 67، وذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في الرابع من حزيران عام 82، وإذا كانت النكسة قد حدثت بفعل الفوضى السياسية والأمنية العربية، ما جعل إسرائيل تظهر أمام الرأي العام الدولي وفي أكثر من موقع بأنها الأقوى في المنطقة، فإن الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي مثّل الذروة في الوحشية الصهيونية، تحرك من خلال الأوضاع القلقة في لبنان على الصعيد الطائفي، ومن خلال الفوضى على الساحتين الوطنية والفلسطينية..

لقد كان الحدثان نتيجة واقعية لقيام إسرائيل بعدوانها برعايةٍ أمريكية وأوروبية، لا سيما أن المرحلة كانت في دائرة الحرب الباردة بين الشرق والغرب، والمواجهة ضد تيار القومية العربية والمقاومة الفلسطينية، لتصفية حركة التحرر العربي وانطلاقة القضية الفلسطينية.

الجهاد أسقط أهداف الاجتياح

وقد اعتقد العدو أن اجتياحه للبنان سوف يحقق أول صلح مع ثاني بلد عربي – بعد مصر - وهو لبنان، مستغلاً عناصر الضعف التي كانت كامنة فيه، وكان اتفاق 17 أيار المدخل للتسوية اللبنانية – الإسرائيلية، ولكن حركة الجهاد في انتفاضة المجاهدين استطاعت إسقاط الاتفاق المشؤوم، وامتدت في ساحة المواجهة، وتحدّت العدو في عنفوانه،وأثخنته بالجراح، وحوّلت احتلاله إلى مأزق، وأسقطت جيش عملائه، ما ألحق به هزيمة نكراء لأول مرة في تاريخ الصراع معه، بحيث لم يحقق في انسحابه من لبنان أي مكسب سياسي أو أمني أو مائي أو جغرافي. وقد حاول العدو حفظ ماء وجهه وإبقاء عنفوانه، فلجأ إلى الأمم المتحدة لأول مرة في تاريخه، ولكن التحديات الجهادية كانت أكبر من ذلك، وكان الانتصار رداً للاجتياح، ورداً على هزيمة الـ67، وكان التحرير.

إننا أمام هذا المشهد نريد من المجاهدين والشعب اللبناني أن لا يأخذهم الزهو والانتفاخ بالنصر، بل عليهم التواضع لله والشكر له على ما أولاهم من هذه النعمة العظيمة، وأن لا ينسوا ما يُحضّر لنا على مستوى المنطقة كلها، فإن من أبرز شروط الحفاظ على النصر وتحصينه هو منع العدو من النفاذ إلينا بطروحات عديدة من خلال التسوية المقبلة، بحيث يكون هدفها البعيد هو السعي للسيطرة على القرار السياسي للبلد، بعد العجز عن السيطرة على الأرض.

محاولات أمريكية لإرباك الساحة

ولا بد لنا من الانتباه إلى اللعبة الأمريكية في المنطقة، التي تسعى إلى إدخال الانسحاب الإسرائيلي في لعبة التسوية، وفرض الشروط على لبنان من خلال الأمم المتحدة، وتحريك الأوضاع العربية في إرباكٍ جديد، لا سيما وأننا نسمع بعض الأصوات السياسية العربية التي تتناغم مع الخطط الأمريكية في قضية المقاومة ونشر الجيش من دون شروط موضوعية واقعية، وذلك بفعل تأثير الإحراج الذي عاشه أكثر من نظام عربي جرّاء انتصار لبنان بمقاومته، هذه الأنظمة التي تمثل حرّاساً لأمريكا في المنطقة، والتي تمنع شعوبها من الاستفادة من الإمكانات الذاتية، ومن الانتصارات الهادفة إلى طرد الهزيمة التي يحاولون تعميمها من خلال التسوية.

إن من بين الأهداف التي تسعى إليها الحركة الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة هو الضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات السياسية في قضية القدس واللاجئين والمستوطنات، لتسهيل مهمة "باراك" الذي يتخبط بأكثر من مأزق سياسي داخلي، وللّعب على التناقض بين المسارات العربية، بالإيحاء بأن سوريا هي التي تشكّل العقبة، لأنها لم تقبل تقديم التنازلات من أرضها وكرامتها، وذلك باعتماد سياسة الترغيب والترهيب، وإثارة مسألة الوجود السوري في لبنان، من خلال التصريحات الأمريكية وبعض الأصوات اللبنانية، التي تتحرك من دون دراسة موضوعية للظروف المحيطة بلبنان داخلياً وخارجياً..

إننا ندعو الفلسطينيين إلى الحذر والوعي للّعبة الأمريكية – الإسرائيلية، خاصة وأن الشعب الفلسطيني أثبت أنه يستطيع إدخال العدو في المأزق السياسي والأمني من جديد من خلال الانتفاضة.

لبنان قادر على رد العدوان:

وفي هذا الجو، سمعنا "باراك" يهدد بالعودة إلى لبنان، ونحن نعلم أنه لا يملك الجدية في ذلك، لأنه يعرف الثمن الذي يدفعه مستقبلاً – كما في الماضي - إذا حاول العودة بجيشه إلى لبنان، ولكنه كان يمارس عملية الاستهلاك الداخلي لتهدئة المستوطنين، الذين لا يزالون يعيشون الرعب من المقاومة.

إننا نقول له: إن الشعب اللبناني بمقاومته ودولته، وتأييد الشعوب العربية والإسلامية له، قادر ومصمم على رد أيّ عدوان مستقبلي فيما لو جرّبت إسرائيل القيام به، وأن المقاومة سوف تبقى كجيش شعبي احتياطي في ساحة المواجهة، للدفاع عن الأرض والإنسان ضد أي عدوان.

التحرير يكتمل باقتلاع الفساد

إننا أمام كل هذا الوضع، علينا أن لا نغفل الأزمات الحقيقية الكبرى التي يمر بها البلد، لا سيما بعدما تحدثت بعض التقارير الاقتصادية أن الأزمة الاقتصادية في لبنان باتت تهدد بانعكاسات اجتماعية واقتصادية تكاد تصل إلى حد الإفلاس، ما يفرض على الجميع – على مستوى الدولة والمعارضة والموالاة – التخطيط والتكامل من أجل مواجهة هذا الاستحقاق الحيوي الكبير، الذي قد يتحوّل إلى احتلال غير مباشر، لأنه سيدفع الآخرين إلى استغلال حاجاتنا للعمل على رهن البلد سياسياً واقتصادياً.

وعلى الدولة – بعد التحرير – أن تعمل على تحرير البلد من الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي، لأنه لا قيمة لتحرير الأرض إذا لم يواكبه تحرير البلد من الفساد الذي يأكل الواقع كله على مستوى الحاضر والمستقبل..

وبهذه المناسبة، لا بد من التخطيط لإعمار الجنوب بما يشبه حالة الطوارئ، ولا سيما القرى المهدَّمة كلياً مثل "حانين" و"سجد" و"ميدون" وغيرها، حيث لا يجد أهل هذه القرى مأوى إلا تحت الخيام، مما يؤدي إلى المزيد من المشاكل الاجتماعية.

إيران:الثبات على المبادىء

وأخيراً، إن محاولة زجّ إيران في مسألة "لوكربي" هي جزء من المحاولات الاستكبارية المخابراتية لتشويه صورتها وإرباك مسيرتها، وذلك من خلال إدراج بعض الأسماء الإيرانية في لعبة المخابرات الدولية التي تخطط لآلاف الاتهامات الباطلة التي كشف العالم زيفها.

وإذا كانت هذه المحاولة وسيلة من وسائل مساومة إيران على مواقفها المبدئية في القضية الفلسطينية، أو في قضايا التحرر، فعلى الساعين لذلك أن يعرفوا أن كل تجاربهم السابقة قد تساقطت، ما يؤكد أن اللعبة الجديدة سوف تسقط تحت تأثير الصمود الإسلامي في إيران.

إن علينا جميعاً أن نعرف أن أمريكا لا تزال تلعب اللعبة المخابراتية على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي، لإسقاط كل حركة الحرية والاستقلال في المنطقة، ولذلك لا بد من العمل على توحيد الموقف والخطة والصوت ضد السياسة الأمريكية الاستكبارية.

دعوة عليّ (ع) للأجيال : العمل.. العمل قبل الأجل


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبة سماحته الأولى :

إننا نحتاج دائماً إلى ما يُذكّرنا بالله، وما يُذكّرنا من خلال ذكر الله مسؤولياتنا في الدنيا، وما نُقبل عليه في الآخرة، لأن ذلك هو سبيل النجاة، والله تعالى يقول: {وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}. ومَن أولى بأن نستمع إليه وهو يذكّرنا بالله والآخرة من وليّ الله، الذي أحب الله ورسوله كما لم يحبهما أحد، والذي أحبّه الله ورسوله كما لم يحبا أحداً، وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)!!

الانشغال بعبادة الله:

يقول الإمام عليّ(ع): "فليعمل العامل منكم في أيام مهله قبل إرهاق أجله - إن الله أمهلكم فيما أعطاكم من عمر قد يطول وقد يقصر، وقد جعل لكم هذه المهلة فرصة من أجل أن تؤمنوا به وتتقوه، وتؤدوا فرائضه وتقفوا عند حدوده، فاعملوا في أيام المهلة قبل أن يأتي إليكم الأجل ليرهقكم فلا يبقي لكم حياة أو فرصة - وفي فراغه قبل أوان شغله - إن لكم فراغاً تستطيعون أن تؤدوا فيه تكاليفكم، وقد تُشغلون بالمرض أو بالخوف أو بالكثير مما قد يُعطّل لكم فرص العمل، وقد يُشغلكم الموت الذي لا بد منه - وفي متنفسه قبل أن يؤخذ بكظمه - اعملوا وأنتم تتنفسون ـ وهو كناية عن الحياة ـ قبل أن يؤخذ بكظم كل واحد منكم فلا يستطيع أن يتنفس - وليُمهّد لنفسه وقدمه - مهّد لنفسك الفراش الذي تجلس عليه، ولقدمك الطريق الذي تسير فيه - وليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته - أنتم الآن في دار الرحيل، لأن كل واحد منا يرتحل في كل يوم إلى الآخرة، لأن من كان مطيته الليل والنهار فإنه يُسار به وإن كان واقفاً.

العمل بكتاب الله:

- فالله الله أيها الناس - وهذه الكلمة تُطلق عندما يكون الوضع حرجاً، فتطلق فيما يشبه الاستغاثة ليستنفر الناس نحو ما يُراد الحديث عنه - فيما استحفظكم من كتابه - لأن الله أراد للناس أن يحفظوا الكتاب الذي أنزله إليهم، لا أن يحفظوه ككلمات، بل أن يحفظوا فكره وحكمه وشرائعه ومواعظه ووصاياه ونصائحه - واستودعكم من حقوقه - فإن لله حقوقاً علينا أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وأن نطيعه ولا نعصيه، وأن نسير في خط الاستقامة إليه على خط التوحيد، وتلك الحقوق هي وديعة الله عندنا وعلينا أن نؤدي إليه ودائعه.

إلقاء الحجة:

- فإن الله سبحانه لم يخلقكم عبثاً - فالله تعالى لا يعبث بل هو الحكيم - ولم يترككم سدى - لم يهملكم - ولم يدعكم في جهالة ولا في عمى - بل أعطاكم عقلاً تفكرون فيه وحواسّ وأنزل عليكم رسالة ـ قد سمّى آثاركم، وعلم أعمالكم، وكتب آجالكم - فإذا جاء أجل كل واحد منا فلا يتقدم ولا يتأخر - وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكل شيء، وعمّر فيكم نبيّه أزماناً - فقد عاش النبي معهم في نبوته ثلاثاً وعشرين سنة - حتى أكمل له ولكم ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الذي رضي لنفسه - {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} - وأنهى إليكم على لسانه - على لسان رسول الله، فما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا - محابّه من الأعمال - ما يحبه من الأعمال - ومكارهه - وما يكرهها - ونواهيه وأوامره، وألقى إليكم المعذرة - فلا عذر لأحد منكم أن يقول لله "لم يأتني نذير" - واتخذ عليكم الحجة - فلله الحجة البالغة - وقدّم إليكم بالوعيد - {يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم} - وأنذركم بين يدي عذاب شديد، فاستدركوا بقية أيامكم - كم هي الأيام الباقية لكم، يا أبناء الستين أو الأربعين أو العشرين، إن لكم بقية من عمركم، فإذا فاتتكم بعض الواجبات والمسؤوليات استدركوها فيما بقي من هذا العمر بالتوبة - واصبروا لها أنفسكم - حاولوا أن تصبّروا أنفسكم على الطاعة والتوبة وعن المعصية - فإنها قليل في كثير الأيام التي تكون منكم فيها الغفلة - فما أكثر الأيام التي قضيتموها بالغفلة - والتشاغل عن الموعظة - كنتم تنشغلون عن الموعظة باللغو والعبث والشهوات - ولا ترخّصوا لأنفسكم فتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة - بل لا بدّ أن تقفوا عند حدود الله ولا تستهينوا بها - ولا تُداهنوا فيهجم بكم الإدهان على المعصية"، سيروا في الخط المستقيم ولا تتلوّنوا أو تتحركوا في خط الغفلة لأن ذلك يسير بكم إلى مواقع المعصية..

سلامة الدين:

ويتابع أمير المؤمنين نداءه: "عباد الله.. إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه - فالذي يحب نفسه أكثر هو الذي يعمل لإنجاء نفسه وسلامتها وسلامة مصيره - وإن أغشهم لنفسه أعصاهم لربه - لأنه ورّط نفسه في نار جهنم - والمغبون من غبن نفسه - ليس المغبون هو الذي اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه، أو باع شيئاً بأقل من ثمنه، لأن المال والربح والخسارة تأتي وتذهب، لكن إذا غبنت نفسك بالرخيص، كأن بعتها بشربة خمر أو شهوة زنى وما إلى ذلك، فإن ذلك هو الغبن بعينه - والمغبوط - الذي يُمدح ويُهنّأ - مَن سَلِم له دينه - لأنّ من سلم له دينه سلمت له آخرته ونال رضى ربه وجنته - والسعيد من وُعظ بغيره - بأن يتعظ بالناس الذين ينحرفون كيف تكون نتائجهم - والشقي من انخدع لهواه وغروره - من اتبع هواه فخدعه ومنعه من وضوح الرؤية فيما يجب أن يصل إليه - واعلموا أن يسير الرياء شرك - فلا تعمل من أجل أن يمدحك الناس، بل عليك أن تعمل لله ولا تلتفت إلى غيره وإلا فقد أشركت وإن كان هذا الشرك خفياً.

الدعوة إلى محاسن القيم:

- ومجالسة أهل الهوى منساة للإيمان ومحضرة للشيطان - إذا جالست الناس الذين يتبّعون أهواءهم وشهواتهم فإنهم ينسونك إيمانك ويحضرون فيما بينك وبينهم شيطانهم وشيطانك - جانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان - فلا تكذبوا في الصغير ولا في الكبير لأنه يُبعد عن الإيمان الذي هو الالتزام بالحق، والكذب هو التزام بالباطل، ولا يجتمع في قلب مؤمن التزام بالحق وبالباطل معاً - الصادق على شفا منجاة وكرامة - الذي يصدق في حديثه وموقفه ومعاملاته، الصادق مع ربه ومع نفسه ومع الناس، فإن الله ينجيه من سخطه وعذابه ويكرمه بجنته - والكاذب على شرف مهواة ومهانة -لأن الكذب يجره إلى الهاوية والهوان - ولا تحاسدوا - لا يتمنى أحدكم نعمة غيره ليطلب من الله أن يزيلها عنه ليعطيه إياها ـ فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب، ولا تباغضوا - لا يحقد بعضكم على بعض أو يعادي بعضكم بعضاً - فإنها الحالقة - فالبغضاء تحلق الإيمان كما تحلق الموس الشعر - واعلموا أن الأمل يُسهي العقل - لأنه يجعل الإنسان لا يفكر بطريقة واقعية فيما يقبل عليه - ويُنسي الذكر، فأكذبوا الأمل فإنه غرور وصاحبه مغرور"..

التأسي بعلي(ع):

هذا حديث أمير المؤمنين(ع)، وهو الحديث الذي يدخل القلب ويليّنه، وهو الحديث الذي يفتح عقولنا على المصير وعلى ما يرضاه الله ويحبه، لذلك "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني - على أنفسكم - بورع - عن الحرام - واجتهاد - في طاعة الله - وعفّة وسداد". علينا دائماً أن نتوجه إلى الله لنقول: اللهم أعنّا على أنفسنا بما تعين به الصالحين على أنفسهم، لأن "اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل"، فليدبّر كل واحد منا نفسه، وهذا كلام أمير المؤمنين لا بد أن يدخل إلى أعماق عقولنا وقلوبنا، حتى تتغير حياتنا على هداه، وهو الهادي إلى الحق.

الخطبة السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وتذكروا عندما تقبلون عليه كيف تقفون بين يديه، وهو {الذي يعلم السر وأخفى}، و{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}، وينطلق النداء في القيامة: {لمن الملك اليوم - لقد تساقطت كل الملوك وكل القوى - لله الواحد القهار}.. ليكن ذكركم للموقف بين يدي الله وفي الطريق إلى الله.. أن نفكر بهذه المواقف كيف نصوغ الجواب وكيف ندافع عن أنفسنا، وكيف نرتّب حساباتنا، مَن منا يرتّب حساباته لذلك اليوم؟ نحن مشغولون بحسابات عصبياتنا وشهواتنا وأحقادنا وأحزابنا، أما حساب أنفسنا فنحن مشغولون عنها، فتذكّروا ذلك اليوم حتى تنطلق الذكرى وتدفعكم إلى التوازن والانضباط والوقوف عند حدود الله..

وعلى ضوء هذا، ينبغي لكل واحد منا أن يتعرف مسؤولياته، لأن من لا يعرف مسؤولياته مما أوجب الله عليه أن يفعل، ومما حرّم الله أن يفعل، فسترتبك أموره ليرى الحق باطلاً والباطل حقاً. لذلك لا بد لنا أن نعيش الاهتمام بكل مسؤولياتنا العامة والخاصة، ومن بين ذلك مسؤوليتنا عن الأمة، فماذا هناك؟

العدوان الإسرائيلي برعاية أمريكية ـ أوروبية

مرّت علينا قبل أيام ذكرى النكسة في الخامس من حزيران عام 67، وذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في الرابع من حزيران عام 82، وإذا كانت النكسة قد حدثت بفعل الفوضى السياسية والأمنية العربية، ما جعل إسرائيل تظهر أمام الرأي العام الدولي وفي أكثر من موقع بأنها الأقوى في المنطقة، فإن الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي مثّل الذروة في الوحشية الصهيونية، تحرك من خلال الأوضاع القلقة في لبنان على الصعيد الطائفي، ومن خلال الفوضى على الساحتين الوطنية والفلسطينية..

لقد كان الحدثان نتيجة واقعية لقيام إسرائيل بعدوانها برعايةٍ أمريكية وأوروبية، لا سيما أن المرحلة كانت في دائرة الحرب الباردة بين الشرق والغرب، والمواجهة ضد تيار القومية العربية والمقاومة الفلسطينية، لتصفية حركة التحرر العربي وانطلاقة القضية الفلسطينية.

الجهاد أسقط أهداف الاجتياح

وقد اعتقد العدو أن اجتياحه للبنان سوف يحقق أول صلح مع ثاني بلد عربي – بعد مصر - وهو لبنان، مستغلاً عناصر الضعف التي كانت كامنة فيه، وكان اتفاق 17 أيار المدخل للتسوية اللبنانية – الإسرائيلية، ولكن حركة الجهاد في انتفاضة المجاهدين استطاعت إسقاط الاتفاق المشؤوم، وامتدت في ساحة المواجهة، وتحدّت العدو في عنفوانه،وأثخنته بالجراح، وحوّلت احتلاله إلى مأزق، وأسقطت جيش عملائه، ما ألحق به هزيمة نكراء لأول مرة في تاريخ الصراع معه، بحيث لم يحقق في انسحابه من لبنان أي مكسب سياسي أو أمني أو مائي أو جغرافي. وقد حاول العدو حفظ ماء وجهه وإبقاء عنفوانه، فلجأ إلى الأمم المتحدة لأول مرة في تاريخه، ولكن التحديات الجهادية كانت أكبر من ذلك، وكان الانتصار رداً للاجتياح، ورداً على هزيمة الـ67، وكان التحرير.

إننا أمام هذا المشهد نريد من المجاهدين والشعب اللبناني أن لا يأخذهم الزهو والانتفاخ بالنصر، بل عليهم التواضع لله والشكر له على ما أولاهم من هذه النعمة العظيمة، وأن لا ينسوا ما يُحضّر لنا على مستوى المنطقة كلها، فإن من أبرز شروط الحفاظ على النصر وتحصينه هو منع العدو من النفاذ إلينا بطروحات عديدة من خلال التسوية المقبلة، بحيث يكون هدفها البعيد هو السعي للسيطرة على القرار السياسي للبلد، بعد العجز عن السيطرة على الأرض.

محاولات أمريكية لإرباك الساحة

ولا بد لنا من الانتباه إلى اللعبة الأمريكية في المنطقة، التي تسعى إلى إدخال الانسحاب الإسرائيلي في لعبة التسوية، وفرض الشروط على لبنان من خلال الأمم المتحدة، وتحريك الأوضاع العربية في إرباكٍ جديد، لا سيما وأننا نسمع بعض الأصوات السياسية العربية التي تتناغم مع الخطط الأمريكية في قضية المقاومة ونشر الجيش من دون شروط موضوعية واقعية، وذلك بفعل تأثير الإحراج الذي عاشه أكثر من نظام عربي جرّاء انتصار لبنان بمقاومته، هذه الأنظمة التي تمثل حرّاساً لأمريكا في المنطقة، والتي تمنع شعوبها من الاستفادة من الإمكانات الذاتية، ومن الانتصارات الهادفة إلى طرد الهزيمة التي يحاولون تعميمها من خلال التسوية.

إن من بين الأهداف التي تسعى إليها الحركة الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة هو الضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات السياسية في قضية القدس واللاجئين والمستوطنات، لتسهيل مهمة "باراك" الذي يتخبط بأكثر من مأزق سياسي داخلي، وللّعب على التناقض بين المسارات العربية، بالإيحاء بأن سوريا هي التي تشكّل العقبة، لأنها لم تقبل تقديم التنازلات من أرضها وكرامتها، وذلك باعتماد سياسة الترغيب والترهيب، وإثارة مسألة الوجود السوري في لبنان، من خلال التصريحات الأمريكية وبعض الأصوات اللبنانية، التي تتحرك من دون دراسة موضوعية للظروف المحيطة بلبنان داخلياً وخارجياً..

إننا ندعو الفلسطينيين إلى الحذر والوعي للّعبة الأمريكية – الإسرائيلية، خاصة وأن الشعب الفلسطيني أثبت أنه يستطيع إدخال العدو في المأزق السياسي والأمني من جديد من خلال الانتفاضة.

لبنان قادر على رد العدوان:

وفي هذا الجو، سمعنا "باراك" يهدد بالعودة إلى لبنان، ونحن نعلم أنه لا يملك الجدية في ذلك، لأنه يعرف الثمن الذي يدفعه مستقبلاً – كما في الماضي - إذا حاول العودة بجيشه إلى لبنان، ولكنه كان يمارس عملية الاستهلاك الداخلي لتهدئة المستوطنين، الذين لا يزالون يعيشون الرعب من المقاومة.

إننا نقول له: إن الشعب اللبناني بمقاومته ودولته، وتأييد الشعوب العربية والإسلامية له، قادر ومصمم على رد أيّ عدوان مستقبلي فيما لو جرّبت إسرائيل القيام به، وأن المقاومة سوف تبقى كجيش شعبي احتياطي في ساحة المواجهة، للدفاع عن الأرض والإنسان ضد أي عدوان.

التحرير يكتمل باقتلاع الفساد

إننا أمام كل هذا الوضع، علينا أن لا نغفل الأزمات الحقيقية الكبرى التي يمر بها البلد، لا سيما بعدما تحدثت بعض التقارير الاقتصادية أن الأزمة الاقتصادية في لبنان باتت تهدد بانعكاسات اجتماعية واقتصادية تكاد تصل إلى حد الإفلاس، ما يفرض على الجميع – على مستوى الدولة والمعارضة والموالاة – التخطيط والتكامل من أجل مواجهة هذا الاستحقاق الحيوي الكبير، الذي قد يتحوّل إلى احتلال غير مباشر، لأنه سيدفع الآخرين إلى استغلال حاجاتنا للعمل على رهن البلد سياسياً واقتصادياً.

وعلى الدولة – بعد التحرير – أن تعمل على تحرير البلد من الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي، لأنه لا قيمة لتحرير الأرض إذا لم يواكبه تحرير البلد من الفساد الذي يأكل الواقع كله على مستوى الحاضر والمستقبل..

وبهذه المناسبة، لا بد من التخطيط لإعمار الجنوب بما يشبه حالة الطوارئ، ولا سيما القرى المهدَّمة كلياً مثل "حانين" و"سجد" و"ميدون" وغيرها، حيث لا يجد أهل هذه القرى مأوى إلا تحت الخيام، مما يؤدي إلى المزيد من المشاكل الاجتماعية.

إيران:الثبات على المبادىء

وأخيراً، إن محاولة زجّ إيران في مسألة "لوكربي" هي جزء من المحاولات الاستكبارية المخابراتية لتشويه صورتها وإرباك مسيرتها، وذلك من خلال إدراج بعض الأسماء الإيرانية في لعبة المخابرات الدولية التي تخطط لآلاف الاتهامات الباطلة التي كشف العالم زيفها.

وإذا كانت هذه المحاولة وسيلة من وسائل مساومة إيران على مواقفها المبدئية في القضية الفلسطينية، أو في قضايا التحرر، فعلى الساعين لذلك أن يعرفوا أن كل تجاربهم السابقة قد تساقطت، ما يؤكد أن اللعبة الجديدة سوف تسقط تحت تأثير الصمود الإسلامي في إيران.

إن علينا جميعاً أن نعرف أن أمريكا لا تزال تلعب اللعبة المخابراتية على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي، لإسقاط كل حركة الحرية والاستقلال في المنطقة، ولذلك لا بد من العمل على توحيد الموقف والخطة والصوت ضد السياسة الأمريكية الاستكبارية.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية