لأنها تمثل صناعة جديدة للنفس : التوبة باب أهل الإيمان إلى المغفرة

لأنها تمثل صناعة جديدة للنفس : التوبة باب أهل الإيمان إلى المغفرة
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد:{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كلّ شيء قدير}. بهذا النداء الإلهي الذي يتكرر في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، يريد الله تعالى أن يدعو عباده إلى أن يرجعوا إليه، ويخلصوا له، ويستقيموا في دربه، كي لا ينساقوا وراء إغراءات الشيطان، مما يؤدي إلى الانحراف عن الصراط المستقيم والبعد عن الله والوقوع في المعصية.

التوبة النصوح:

فالله سبحانه يريد أن يقول للإنسان: إنني أعرف أنك قد تواقع الخطيئة، وقد تنحرف عن الدرب، وقد تسقط أمام التجربة، ولكني لا أريد لك أن تشعر باليأس من رحمتي وبالقنوط من مغفرتي، فقد فتحت لك، في كل موقع تشعر فيه بالحاجة إلى أن تعود إليّ، الطريق بأوسع مما بين السماء والأرض، بأن تتوب إليّ توبة تندم بها على سوء ما فعلته، وما يترتب على ذلك من نتائج سيئة تحصل لك في الدنيا والآخرة، ثم لتفكر في المستقبل، باعتبار أنه يمنحك أكثر من فرصة لتجديد علاقتك بالله وللحصول على رضاه، وللتحرك في مواقع قربه، وعند ذلك يمكن لك أن تغلق تاريخ الماضي، تاريخ المعصية والانحراف، وتفتح لنفسك تاريخاً تصنعه من جديد، وهو تاريخ العودة إلى الله والسير في الخط المستقيم والطاعة لله. وهذه هي التوبة النصوح، أن تفكر عند التوبة أن لا تعود إلى المعصية، بحيث تتعامل مع نفسك من موقع وعيك لخطورة المعصية وعظمة الطاعة ومسألة القرب إلى الله.

{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم - إذا تبتم وعشتم في هذا الجو ورجعتم إليه - أن يكفّر عنكم سيئاتكم - فيجعل تلك السيئات كما لو لم تكن، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له - ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار - لتنضموا إلى المسيرة التي بدأها رسول الله (ص) واتبعه فيها المؤمنون وساروا على نهجه - يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه - هؤلاء الذين عاشوا الإيمان فكراً وحركة وجهاداً، وأخلصوا لله ولرسوله وجاهدوا في سبيل الله، يقفون في يوم القيامة والنبي قائدهم - نورهم يسعى بين أيديهم - وهو نور الإيمان والجهاد والطاعة - وبأيمانهم - لأنهم كانوا يحركون أيمانهم في ما يرضي الله، سواء في مقام العطاء أو التعاون على البرّ والتقوى أو في مقام الجهاد - يقولون - وهم يشعرون أنهم ربما أخطأوا بعض الخطأ في ما عاشوه في الدنيا، أو صدرت منهم بعض المعاصي، فيقولون: - ربنا أتمم لنا نورنا - حتى يدخلوا الجنة وكلهم نور، حيث لا نقص في هذا النور، بل إتمام النور بالمغفرة - واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}.

استعجال التوبة:

وقد أعطانا الله تعالى الفرصة الواسعة في ما بقي لنا من عمر، حتى نستعجل التوبة ولا نسوّفها، لأنّ الشيطان الوسواس الخنّاس يعمل على جعل الإنسان يسوّف التوبة، فيقول له: غداً تتوب أو بعد مضي سنيّ شبابك وبلوغك مرحلة الكهولة، وإذا بلغ هذه المرحلة فإنه يدعوه إلى أن يؤخّر التوبة إلى مرحلة الشيخوخة، وهكذا يموت قبل أن يتوب، كما قال ذلك الشاعر:

لا تقل في غدٍ أتوب لعل الغد يأتي وأنت تحت التراب

وعلى ضوء هذا، ينبغي للإنسان أن يجلس مع نفسه ويقرأ تاريخه في ما أكل أو شرب من حرام، وفي ما اشتهى من شهوة حرام، أو أخذ من مال حرام، أو سكن في بيت حرام، وفي ما تكلم بكلام حرام، أو أنشأ من علاقات الحرام. فكّر في كل ما مضى من تاريخك، لأن كل ما فعلت سجّله الملكان عليك، {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، لذلك، استعرض تاريخ معصيتك لله وحاول أن تقول: يا رب إني تائب، فإذا كنت قد أخطأت مع إنسان في كلام، فعليك أن تتسامح منه، لا سيما إذا كنت قد اغتبته أو شهّرت به أو آذيته أو سببته أو ما إلى ذلك، أو إذا كنت قد أكلت مال إنسان بغير حق، فأرجع إليه ماله قبل أن يأتي يوم لا تملك فيه مالاً لترجعه إليه، وإذا تحركت في أيّ موقع من المواقع التي لا ترضي الله، فأيدت من لا يجيز الله لك أن تؤيده، استغفر ربك من ذلك، واعزم أن لا تؤيد شخصاً مماثلاً له، وإذا خذلت إنساناً لا يجوز لك أن تخذله، فحاول أن تستغفر الله من ذلك، حتى لا تتحرك ثانية في خذلان مؤمن في هذا المجال. فكّروا في ما يرضاه الله وقولوا: يا رب، إننا تائبون، حتى ينصرف عنا كتّاب السيئات بصحيفة خالية من ذكر سيئاتنا، ويتولى كتّاب الحسنات عنا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا، "وإذا انقضت أيام حياتنا وتصرّمت مدّد أعمارنا - هذا الكلام للإمام زين العابدين (ع) - واستحضرتنا دعوتك التي لا بدّ منها ومن إجابتها، فصلِّ على محمد وآله، واجعل ختام ما تحصي علينا كتبة أعمالنا توبة مقبولة لا توقفنا بعدها على ذنب اجترحناه ولا معصية اقترفناها، ولا تكشف عنا ستراً سترته على رؤوس الأشهاد يوم تبلو أخبار عبادك، إنك رحيم بمن دعاك ومستجيب لمن ناداك"..

بالتوبة نحصل على محبة الله:

التوبة تصحح لك نفسك وتغيّرها، وتجعلك تصنع نفسك صناعة جديدة؛ الآن قبل غد، وغداً قبل بعد غد: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا". وإذا تبت إلى ربك وعرف الله منك صدق التوبة وأنها التوبة النصوح، فسوف يحبك، {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، و{يحب التوّابين}، وما أحلى أن نحصل على محبة الله. إن حلاوة محبتنا لله وحلاوة محبة الله لنا هي السعادة كل السعادة، هي اللذة كل اللذة، هي الخير كل الخير، ولذا لا قيمة لحب الناس لنا مقابل حب الله، لأن حب الناس زائل، بينما حب الله يمنحنا رضوانه وقربه وجنته، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.

مشكلتنا أننا نفكر بأن يحبنا إنسان قد نجد عنده رغبتنا وموقعنا وشهوتنا وأموالنا، ولكن حبنا لله هو الذي يرتفع به وجودنا، ويسمو به موقعنا، ويتصل به مصيرنا، لأنه الباقي والكل فانون، {ورضوان من الله أكبر}. لذلك، فلنفكر بالمسألة بعمق، لأننا نخشى، عندما نفكر بذلك، أن يقف الشيطان بباب المسجد عندما نخرج منه ليوسوس لنا، ولينسينا كل ما سمعناه، مزيناً لنا طول الأمل، حتى إذا ذكرنا مَن فارقناه من أحبتنا، قال لنا الشيطان: إنكم تعيشون بعده زمناً طويلاً، لننسى بذلك آخرتنا. ومما جاء عن رسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (ع) في بعض ما تحدثنا عنه:

ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة"، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: "ينسي مَلَكَيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي إلى جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه - فلا تشهد عليه يده أو رجله أو لسانه - ويوحي إلى بقاع الأرض - لأن كل أرض تعصي الله فيها تشهد عليك، وكل أرض تطيع الله فيها تشهد لك - اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب"..

وعن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) يقول: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزّ وجل: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً}؟ قال (ع): "يتوب العبد من الذنب لا يعود فيه".. وورد عن أحد أصحابه أيضاً يقول: قلت لأبي عبد الله (ع): {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً}؟ قال (ع): "هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً"، قلت: وأيّنا لم يعد؟ فقال: "يا أبا محمد، إن الله يحب من عباده المفتن التوّاب"..

لا تُقنِطوا المؤمن من رحمة الله:

وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع) قال: "يا محمد بن مسلم، ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله، إنها ليست إلا لأهل الإيمان"، قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة؟ فقال: "يا محمد بن مسلم، أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته"؟ قلت: فإنه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر الله، فقال: "كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله بالمغفرة، إن الله غفور رحيم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإياك أن تقنّط المؤمنين من رحمة الله". بعض الناس إذا أتاه شاب قد أسرف على نفسه فإنه يقنّطه من رحمة الله ويبعده عن التوبة ويجعله ييأس من رحمة الله، والله تعالى لا يغلق بابه في أيّ وقت في وجه أحد، لذا لا تغلق على أي إنسان باب التوبة والمغفرة، لأن الله يتقبل التائبين من عباده..

إننا الخطّاؤون، كل ابن آدم خطّاء، وقد عصينا الله في الكبيرة والصغيرة، وما زلنا نعصي الله في كلماتنا وأعمالنا وعلاقاتنا ومواقفنا، وقد فتح الله لنا باب التوبة، فتعالوا - ونحن بين يدي الله في يوم الجمعة الذي عظّمه الله - لنتوب إلى الله توبة نصوحاً، ولنجدد أنفسنا في خط الطاعة.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، وأصلحوا أنفسكم، وتحركوا من أجل أن تنطلقوا في مواقع رضى الله، لأن القرب من الله تعالى بالإيمان والطاعة، هو الذي يرفع للإنسان درجته ويمنحه السعادة في الدنيا والآخرة. ومن طاعة الله أن لا نتحرك في تأييد المستكبرين، بل أن ننطلق بكل ما لدينا من قوة لمواجهة كل خططهم وأوضاعهم، لأنهم يمارسون الضغوط على المستضعفين في بلاد الله، ويعيثون في الأرض فساداً.. ونحن في عالمنا الإسلامي كله، لا نزال نعيش تحت تأثير الفتن والمشاكل والضغوط التي يمارسها المستكبرون على المسلمين المستضعفين وغيرهم، ولذلك لا بدّ أن نواجه المسألة بالكثير من الوعي، فماذا نجد؟

إرادة التحدي هزمت العدوّ:

مرت علينا ذكرى "حرب تشرين" التي دلّلت على أن إرادة التحدي إذا تحركت في مواجهة العدو أمكنها أن تهزمه، ولكن المشكلة هي أن الحالة التراجعية التي عاشها النظام المصري أمام الخطة الأمريكية - الإسرائيلية التي حوّلت النصر إلى هزيمة، هي التي أنتجت الصلح مع إسرائيل، وأسقطت حالة الحرب مع العدو.. والعبرة التي نستمدها من هذه الذكرى، هي أنّ مسألة الصراع مع إسرائيل بحاجة إلى إرادة متحركة مستمرة في حجم المستقبل، بعيداً عن كل نقاط الضعف التي يثيرها الآخرون في الأمة.

من مكافحة الصهيونية إلى مكافحة أعدائها:

وإنه لمن المؤسف أن يتحول العمل السياسي العربي من التخطيط لمكافحة الصهيونية إلى التخطيط لمكافحة أعداء الصهيونية، حيث نسمع في هذه الأيام عن الإعداد لـ"بنية مشتركة بين العرب وإسرائيل وأمريكا لمكافحة الإرهاب"، وقد سبق وشملت هذه البنية السلطة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية الأخرى، والإعداد جارٍ لتوسعتها ليحصل العرب على شهادة حُسْن سلوك من أمريكا، لنجاحهم في مكافحة قضايا الأمة.. ونحن نعلم أن مصطلح الإرهاب في المفهوم الأمريكي - الإسرائيلي هو العمل لمواجهة السياسة الأمريكية والصهيونية ضد الشعوب في المنطقة.

وليس بعيداً من ذلك، نرى أنّ السلطة الفلسطينية لا تزال غارقة في تفاصيل تنفيذ اتفاق "شرم الشيخ"، الذي ينقلها من تعقيد إلى تعقيد، وفي مقدمة ذلك الممر "غير الآمن" بين الضفة وغزة، والذي يمنح إسرائيل كل إمكانات الضغط على الفلسطينيين في هذا الممر.. وهكذا، بدأ الحديث عن تجميد القرار 194 الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتحويله إلى مؤتمر دولي حول اللاجئين، الأمر الذي يصادر القضية كلها، كما هي العادة في كل القضايا التائهة في المؤتمرات الدولية.

أمريكا تسمم الأجواء في الخليج:

وفي هذا الجو، فقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إثارة الإعلام ضد إيران واتهامها بالضلوع في انفجار "الخُبر"، هذا في الوقت الذي تعترف فيه السلطات الأمريكية بأنها لا تملك دليلاً على ذلك، ولكنها تريد إثارة الأجواء المسمومة المعقّدة التي تترك بعض التأثيرات السلبية على علاقات إيران بالسعودية وبدول الخليج.. إننا نخشى من وجود مشروع أمريكي جديد في الخليج يسعى للضغط على إيران مجدداً من خلال هذا الاتهام الذي سبق للسعودية أن أعلنت براءة إيران منه، ومن غير المستبعد أن يكون لهذا الاتهام ارتباط بالحركة الأمريكية في الخليج أو بالتسوية في المنطقة.. إننا نأمل من دول الخليج - وخاصة السعودية - أن تعمل لقطع الطريق على الخطة الأمريكية الرامية إلى العودة بالعلاقات العربية والإسلامية إلى مرحلة سابقة تجاوزها الجميع.

المقاومة.. أساليب جديدة في المواجهة:

أما في لبنان، فلا تزال الاعتداءات الإسرائيلية تتحرك بطريقة جديدة يستخدمها العدو، وتتمثل بالاعتداءات الجوية التي بلغت خلال شهر أيلول حوالي مائة غارة جوية، مستهدفة المدنيين، وذلك للهروب من خسائره الكبيرة في حركته على الأرض، ولكن هذا الأسلوب لن يحقق للعدو أهدافه، بفضل صمود الشعب اللبناني، وبطولة مقاومته السائرة في خط المواجهة بأساليب متطورة قد تفاجئ العدو بخطوات جديدة وأسلحة غير مألوفة.

إسرائيل تخاف من انقلاب الفرص:

إن لبنان الذي يقف مع حقه في دعم المقاومة لن يخضع، وكذلك سوريا التي ترى شرعية مقاومة الشعب اللبناني للاحتلال، وسيبقى الموقف متماسكاً وموحّداً، يتجلى بوحدة المسارين المرتكز على أرضية صلبة لمواجهة خطط العدو.. وإذا كان العدو يتحدث بأن "باب الفرص في الشرق الأوسط مفتوح الآن، ولن يظل مفتوحاً إلى الأبد"، فهو يحاول إيهام الرأي العام العالمي بأن العقدة في سوريا وليست في الاحتلال الإسرائيلي، لكننا نعرف أن العدو هو الذي يخاف من أن تنقلب الفرص على حساب مصالحه في المستقبل.

عيناثا.. الموقف الصلب:

وفي هذا الإطار، فقد قام العدّو بحصار بلدة "عيناثا" الصامدة المجاهدة، واعتقال الرجال والنساء الصامدين الذين لم يعطوا بأيديهم إعطاء الذليل ولم يقروا إقرار العبيد، ورفضوا الاستسلام للعدو والخضوع لعملائه.. إننا نحيي أهلنا في "عيناثا" وفي كل المنطقة المحتلة، ونقول لهم: تابعوا الصمود والرفض واحتقار العملاء الذين سيواجهون في المستقبل عقاب الأمة وعقاب الله.. ونريد للبنان ولكل الأحرار في البلاد العربية والإسلامية أن يقفوا مع هؤلاء المجاهدين الصامدين.

ليقتصد السياسيون في كلامهم:

وأخيراً، إن أمامنا مرحلة ستتكثف فيها الضغوط والاعتداءت، وعلينا مواجهتها بالمزيد من الوحدة، ولكن ما نشهده من لغو داخلي ومن إثارات مستمرة لمواضيع هامشية ليس وقتها الآن، لا تتناسب مع حجم الأخطار المحيطة بالبلد من الداخل أو بموقعه في المنطقة.. ولذلك، فإن أحوج ما نكون إليه هو القليل من الكلام والكثير من العمل. أيها السياسيون: اقتصدوا في كلامكم وضاعفوا من مسؤولياتكم وأعمالكم في خدمة القضايا الكبرى، قبل أن تغرق هذه القضايا في وُحول السجالات العقيمة.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد:{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كلّ شيء قدير}. بهذا النداء الإلهي الذي يتكرر في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، يريد الله تعالى أن يدعو عباده إلى أن يرجعوا إليه، ويخلصوا له، ويستقيموا في دربه، كي لا ينساقوا وراء إغراءات الشيطان، مما يؤدي إلى الانحراف عن الصراط المستقيم والبعد عن الله والوقوع في المعصية.

التوبة النصوح:

فالله سبحانه يريد أن يقول للإنسان: إنني أعرف أنك قد تواقع الخطيئة، وقد تنحرف عن الدرب، وقد تسقط أمام التجربة، ولكني لا أريد لك أن تشعر باليأس من رحمتي وبالقنوط من مغفرتي، فقد فتحت لك، في كل موقع تشعر فيه بالحاجة إلى أن تعود إليّ، الطريق بأوسع مما بين السماء والأرض، بأن تتوب إليّ توبة تندم بها على سوء ما فعلته، وما يترتب على ذلك من نتائج سيئة تحصل لك في الدنيا والآخرة، ثم لتفكر في المستقبل، باعتبار أنه يمنحك أكثر من فرصة لتجديد علاقتك بالله وللحصول على رضاه، وللتحرك في مواقع قربه، وعند ذلك يمكن لك أن تغلق تاريخ الماضي، تاريخ المعصية والانحراف، وتفتح لنفسك تاريخاً تصنعه من جديد، وهو تاريخ العودة إلى الله والسير في الخط المستقيم والطاعة لله. وهذه هي التوبة النصوح، أن تفكر عند التوبة أن لا تعود إلى المعصية، بحيث تتعامل مع نفسك من موقع وعيك لخطورة المعصية وعظمة الطاعة ومسألة القرب إلى الله.

{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم - إذا تبتم وعشتم في هذا الجو ورجعتم إليه - أن يكفّر عنكم سيئاتكم - فيجعل تلك السيئات كما لو لم تكن، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له - ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار - لتنضموا إلى المسيرة التي بدأها رسول الله (ص) واتبعه فيها المؤمنون وساروا على نهجه - يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه - هؤلاء الذين عاشوا الإيمان فكراً وحركة وجهاداً، وأخلصوا لله ولرسوله وجاهدوا في سبيل الله، يقفون في يوم القيامة والنبي قائدهم - نورهم يسعى بين أيديهم - وهو نور الإيمان والجهاد والطاعة - وبأيمانهم - لأنهم كانوا يحركون أيمانهم في ما يرضي الله، سواء في مقام العطاء أو التعاون على البرّ والتقوى أو في مقام الجهاد - يقولون - وهم يشعرون أنهم ربما أخطأوا بعض الخطأ في ما عاشوه في الدنيا، أو صدرت منهم بعض المعاصي، فيقولون: - ربنا أتمم لنا نورنا - حتى يدخلوا الجنة وكلهم نور، حيث لا نقص في هذا النور، بل إتمام النور بالمغفرة - واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}.

استعجال التوبة:

وقد أعطانا الله تعالى الفرصة الواسعة في ما بقي لنا من عمر، حتى نستعجل التوبة ولا نسوّفها، لأنّ الشيطان الوسواس الخنّاس يعمل على جعل الإنسان يسوّف التوبة، فيقول له: غداً تتوب أو بعد مضي سنيّ شبابك وبلوغك مرحلة الكهولة، وإذا بلغ هذه المرحلة فإنه يدعوه إلى أن يؤخّر التوبة إلى مرحلة الشيخوخة، وهكذا يموت قبل أن يتوب، كما قال ذلك الشاعر:

لا تقل في غدٍ أتوب لعل الغد يأتي وأنت تحت التراب

وعلى ضوء هذا، ينبغي للإنسان أن يجلس مع نفسه ويقرأ تاريخه في ما أكل أو شرب من حرام، وفي ما اشتهى من شهوة حرام، أو أخذ من مال حرام، أو سكن في بيت حرام، وفي ما تكلم بكلام حرام، أو أنشأ من علاقات الحرام. فكّر في كل ما مضى من تاريخك، لأن كل ما فعلت سجّله الملكان عليك، {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، لذلك، استعرض تاريخ معصيتك لله وحاول أن تقول: يا رب إني تائب، فإذا كنت قد أخطأت مع إنسان في كلام، فعليك أن تتسامح منه، لا سيما إذا كنت قد اغتبته أو شهّرت به أو آذيته أو سببته أو ما إلى ذلك، أو إذا كنت قد أكلت مال إنسان بغير حق، فأرجع إليه ماله قبل أن يأتي يوم لا تملك فيه مالاً لترجعه إليه، وإذا تحركت في أيّ موقع من المواقع التي لا ترضي الله، فأيدت من لا يجيز الله لك أن تؤيده، استغفر ربك من ذلك، واعزم أن لا تؤيد شخصاً مماثلاً له، وإذا خذلت إنساناً لا يجوز لك أن تخذله، فحاول أن تستغفر الله من ذلك، حتى لا تتحرك ثانية في خذلان مؤمن في هذا المجال. فكّروا في ما يرضاه الله وقولوا: يا رب، إننا تائبون، حتى ينصرف عنا كتّاب السيئات بصحيفة خالية من ذكر سيئاتنا، ويتولى كتّاب الحسنات عنا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا، "وإذا انقضت أيام حياتنا وتصرّمت مدّد أعمارنا - هذا الكلام للإمام زين العابدين (ع) - واستحضرتنا دعوتك التي لا بدّ منها ومن إجابتها، فصلِّ على محمد وآله، واجعل ختام ما تحصي علينا كتبة أعمالنا توبة مقبولة لا توقفنا بعدها على ذنب اجترحناه ولا معصية اقترفناها، ولا تكشف عنا ستراً سترته على رؤوس الأشهاد يوم تبلو أخبار عبادك، إنك رحيم بمن دعاك ومستجيب لمن ناداك"..

بالتوبة نحصل على محبة الله:

التوبة تصحح لك نفسك وتغيّرها، وتجعلك تصنع نفسك صناعة جديدة؛ الآن قبل غد، وغداً قبل بعد غد: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا". وإذا تبت إلى ربك وعرف الله منك صدق التوبة وأنها التوبة النصوح، فسوف يحبك، {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، و{يحب التوّابين}، وما أحلى أن نحصل على محبة الله. إن حلاوة محبتنا لله وحلاوة محبة الله لنا هي السعادة كل السعادة، هي اللذة كل اللذة، هي الخير كل الخير، ولذا لا قيمة لحب الناس لنا مقابل حب الله، لأن حب الناس زائل، بينما حب الله يمنحنا رضوانه وقربه وجنته، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.

مشكلتنا أننا نفكر بأن يحبنا إنسان قد نجد عنده رغبتنا وموقعنا وشهوتنا وأموالنا، ولكن حبنا لله هو الذي يرتفع به وجودنا، ويسمو به موقعنا، ويتصل به مصيرنا، لأنه الباقي والكل فانون، {ورضوان من الله أكبر}. لذلك، فلنفكر بالمسألة بعمق، لأننا نخشى، عندما نفكر بذلك، أن يقف الشيطان بباب المسجد عندما نخرج منه ليوسوس لنا، ولينسينا كل ما سمعناه، مزيناً لنا طول الأمل، حتى إذا ذكرنا مَن فارقناه من أحبتنا، قال لنا الشيطان: إنكم تعيشون بعده زمناً طويلاً، لننسى بذلك آخرتنا. ومما جاء عن رسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (ع) في بعض ما تحدثنا عنه:

ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة"، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: "ينسي مَلَكَيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي إلى جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه - فلا تشهد عليه يده أو رجله أو لسانه - ويوحي إلى بقاع الأرض - لأن كل أرض تعصي الله فيها تشهد عليك، وكل أرض تطيع الله فيها تشهد لك - اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب"..

وعن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) يقول: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزّ وجل: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً}؟ قال (ع): "يتوب العبد من الذنب لا يعود فيه".. وورد عن أحد أصحابه أيضاً يقول: قلت لأبي عبد الله (ع): {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً}؟ قال (ع): "هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً"، قلت: وأيّنا لم يعد؟ فقال: "يا أبا محمد، إن الله يحب من عباده المفتن التوّاب"..

لا تُقنِطوا المؤمن من رحمة الله:

وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع) قال: "يا محمد بن مسلم، ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله، إنها ليست إلا لأهل الإيمان"، قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة؟ فقال: "يا محمد بن مسلم، أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته"؟ قلت: فإنه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر الله، فقال: "كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله بالمغفرة، إن الله غفور رحيم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإياك أن تقنّط المؤمنين من رحمة الله". بعض الناس إذا أتاه شاب قد أسرف على نفسه فإنه يقنّطه من رحمة الله ويبعده عن التوبة ويجعله ييأس من رحمة الله، والله تعالى لا يغلق بابه في أيّ وقت في وجه أحد، لذا لا تغلق على أي إنسان باب التوبة والمغفرة، لأن الله يتقبل التائبين من عباده..

إننا الخطّاؤون، كل ابن آدم خطّاء، وقد عصينا الله في الكبيرة والصغيرة، وما زلنا نعصي الله في كلماتنا وأعمالنا وعلاقاتنا ومواقفنا، وقد فتح الله لنا باب التوبة، فتعالوا - ونحن بين يدي الله في يوم الجمعة الذي عظّمه الله - لنتوب إلى الله توبة نصوحاً، ولنجدد أنفسنا في خط الطاعة.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، وأصلحوا أنفسكم، وتحركوا من أجل أن تنطلقوا في مواقع رضى الله، لأن القرب من الله تعالى بالإيمان والطاعة، هو الذي يرفع للإنسان درجته ويمنحه السعادة في الدنيا والآخرة. ومن طاعة الله أن لا نتحرك في تأييد المستكبرين، بل أن ننطلق بكل ما لدينا من قوة لمواجهة كل خططهم وأوضاعهم، لأنهم يمارسون الضغوط على المستضعفين في بلاد الله، ويعيثون في الأرض فساداً.. ونحن في عالمنا الإسلامي كله، لا نزال نعيش تحت تأثير الفتن والمشاكل والضغوط التي يمارسها المستكبرون على المسلمين المستضعفين وغيرهم، ولذلك لا بدّ أن نواجه المسألة بالكثير من الوعي، فماذا نجد؟

إرادة التحدي هزمت العدوّ:

مرت علينا ذكرى "حرب تشرين" التي دلّلت على أن إرادة التحدي إذا تحركت في مواجهة العدو أمكنها أن تهزمه، ولكن المشكلة هي أن الحالة التراجعية التي عاشها النظام المصري أمام الخطة الأمريكية - الإسرائيلية التي حوّلت النصر إلى هزيمة، هي التي أنتجت الصلح مع إسرائيل، وأسقطت حالة الحرب مع العدو.. والعبرة التي نستمدها من هذه الذكرى، هي أنّ مسألة الصراع مع إسرائيل بحاجة إلى إرادة متحركة مستمرة في حجم المستقبل، بعيداً عن كل نقاط الضعف التي يثيرها الآخرون في الأمة.

من مكافحة الصهيونية إلى مكافحة أعدائها:

وإنه لمن المؤسف أن يتحول العمل السياسي العربي من التخطيط لمكافحة الصهيونية إلى التخطيط لمكافحة أعداء الصهيونية، حيث نسمع في هذه الأيام عن الإعداد لـ"بنية مشتركة بين العرب وإسرائيل وأمريكا لمكافحة الإرهاب"، وقد سبق وشملت هذه البنية السلطة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية الأخرى، والإعداد جارٍ لتوسعتها ليحصل العرب على شهادة حُسْن سلوك من أمريكا، لنجاحهم في مكافحة قضايا الأمة.. ونحن نعلم أن مصطلح الإرهاب في المفهوم الأمريكي - الإسرائيلي هو العمل لمواجهة السياسة الأمريكية والصهيونية ضد الشعوب في المنطقة.

وليس بعيداً من ذلك، نرى أنّ السلطة الفلسطينية لا تزال غارقة في تفاصيل تنفيذ اتفاق "شرم الشيخ"، الذي ينقلها من تعقيد إلى تعقيد، وفي مقدمة ذلك الممر "غير الآمن" بين الضفة وغزة، والذي يمنح إسرائيل كل إمكانات الضغط على الفلسطينيين في هذا الممر.. وهكذا، بدأ الحديث عن تجميد القرار 194 الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتحويله إلى مؤتمر دولي حول اللاجئين، الأمر الذي يصادر القضية كلها، كما هي العادة في كل القضايا التائهة في المؤتمرات الدولية.

أمريكا تسمم الأجواء في الخليج:

وفي هذا الجو، فقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إثارة الإعلام ضد إيران واتهامها بالضلوع في انفجار "الخُبر"، هذا في الوقت الذي تعترف فيه السلطات الأمريكية بأنها لا تملك دليلاً على ذلك، ولكنها تريد إثارة الأجواء المسمومة المعقّدة التي تترك بعض التأثيرات السلبية على علاقات إيران بالسعودية وبدول الخليج.. إننا نخشى من وجود مشروع أمريكي جديد في الخليج يسعى للضغط على إيران مجدداً من خلال هذا الاتهام الذي سبق للسعودية أن أعلنت براءة إيران منه، ومن غير المستبعد أن يكون لهذا الاتهام ارتباط بالحركة الأمريكية في الخليج أو بالتسوية في المنطقة.. إننا نأمل من دول الخليج - وخاصة السعودية - أن تعمل لقطع الطريق على الخطة الأمريكية الرامية إلى العودة بالعلاقات العربية والإسلامية إلى مرحلة سابقة تجاوزها الجميع.

المقاومة.. أساليب جديدة في المواجهة:

أما في لبنان، فلا تزال الاعتداءات الإسرائيلية تتحرك بطريقة جديدة يستخدمها العدو، وتتمثل بالاعتداءات الجوية التي بلغت خلال شهر أيلول حوالي مائة غارة جوية، مستهدفة المدنيين، وذلك للهروب من خسائره الكبيرة في حركته على الأرض، ولكن هذا الأسلوب لن يحقق للعدو أهدافه، بفضل صمود الشعب اللبناني، وبطولة مقاومته السائرة في خط المواجهة بأساليب متطورة قد تفاجئ العدو بخطوات جديدة وأسلحة غير مألوفة.

إسرائيل تخاف من انقلاب الفرص:

إن لبنان الذي يقف مع حقه في دعم المقاومة لن يخضع، وكذلك سوريا التي ترى شرعية مقاومة الشعب اللبناني للاحتلال، وسيبقى الموقف متماسكاً وموحّداً، يتجلى بوحدة المسارين المرتكز على أرضية صلبة لمواجهة خطط العدو.. وإذا كان العدو يتحدث بأن "باب الفرص في الشرق الأوسط مفتوح الآن، ولن يظل مفتوحاً إلى الأبد"، فهو يحاول إيهام الرأي العام العالمي بأن العقدة في سوريا وليست في الاحتلال الإسرائيلي، لكننا نعرف أن العدو هو الذي يخاف من أن تنقلب الفرص على حساب مصالحه في المستقبل.

عيناثا.. الموقف الصلب:

وفي هذا الإطار، فقد قام العدّو بحصار بلدة "عيناثا" الصامدة المجاهدة، واعتقال الرجال والنساء الصامدين الذين لم يعطوا بأيديهم إعطاء الذليل ولم يقروا إقرار العبيد، ورفضوا الاستسلام للعدو والخضوع لعملائه.. إننا نحيي أهلنا في "عيناثا" وفي كل المنطقة المحتلة، ونقول لهم: تابعوا الصمود والرفض واحتقار العملاء الذين سيواجهون في المستقبل عقاب الأمة وعقاب الله.. ونريد للبنان ولكل الأحرار في البلاد العربية والإسلامية أن يقفوا مع هؤلاء المجاهدين الصامدين.

ليقتصد السياسيون في كلامهم:

وأخيراً، إن أمامنا مرحلة ستتكثف فيها الضغوط والاعتداءت، وعلينا مواجهتها بالمزيد من الوحدة، ولكن ما نشهده من لغو داخلي ومن إثارات مستمرة لمواضيع هامشية ليس وقتها الآن، لا تتناسب مع حجم الأخطار المحيطة بالبلد من الداخل أو بموقعه في المنطقة.. ولذلك، فإن أحوج ما نكون إليه هو القليل من الكلام والكثير من العمل. أيها السياسيون: اقتصدوا في كلامكم وضاعفوا من مسؤولياتكم وأعمالكم في خدمة القضايا الكبرى، قبل أن تغرق هذه القضايا في وُحول السجالات العقيمة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية