ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}. بالأمس كانت ذكرى ولادة سيدتنا، سيدة نساء العالمين، السيدة الجليلة المعصومة فاطمة الزهراء (ع)، هذا اليوم الذي أُريد له أن يكون يوم المرأة المسلمة، باعتبار أن ليس هناك امرأة مسلمة يمكن أن تكون قدوة للرجال وللنساء معاً، ولا سيما للنساء، كفاطمة (ع)، لأنها تجمع كل الصفات التي يكبر فيها الإنسان ويعظم، ويقرب من خلالها إلى ربه ويتحرك في الحياة على أساس القيام بمسؤوليته.
أخلاقها أخلاق الرسول(ص):
كانت فاطمة الزهراء (ع) الإنسانة التي ارتفعت بروحانيتها إلى الله تعالى، فعاشت معه في ابتهالاتها ودعواتها وصلواتها، وتحدثت إليه في كل آلامها وأحزانها وحاجاتها في الحياة. إنها الإنسانة التي امتلأت علماً، وهي التي نهلت فكر الإسلام وثقافة القرآن، من الينبوع الصافي الطاهر للإسلام؛ من عقل رسول الله (ص) وقلبه وفكره وتجربته. وكيف لا يكون ذلك، وهي التي عاشت معه وتربّت على يديه، حيث كان الوحي ينـزل عليه وهي في بيته، كما أنها تعلمت وعلي(ع) من رسول الله(ص)، وعاشا كل معانيه الروحية والفكرية.
لقد حملت الزهراء(ع) كل أخلاق رسول الله (ص)، فكانت الرؤوفة العطوفة والرحيمة بالآخرين، وكانت الصابرة على كل تعقيدات الحياة ومشاكلها الخاصة والعامة. وكانت (ع) الابنة كأفضل ما تكون البنات لآبائهن، والزوجة كأفضل ما تكون الزوجات لأزواجهن، والأم كأفضل ما تكون الأمهات لأبنائهن، والمسلمة كأفضل ما تكون المسلمات لمجتمعهن، كما أنها لم تدع فرصة إلاّ واستفادت منها، فكانت المعلمة لنساء عصرها، والمحدّثة عن رسول الله (ص)، حيث رُوي عنها - من الرجال والنساء - أحاديث كثيرة عن رسول الله (ص). وكانت (ع) الصادعة بالحق، فوقفت أول امرأة مسلمة بين الرجال، لتخطب خطبة فيها الكثير من علم الإسلام وفقهه واحتجاجاته.
لقد بلغ الوعي لديها درجة اتسعت لكل المرحلة التي عاشتها، فقد كانت - وهي الثكلى برسول الله(ص)، والمظلومة من خلال ما جرى لها، مع ما ألقي عليها من مسؤولية - كانت تخرج لتدافع عن الحق، تارة باستقبالها للمسلمين والمسلمات، وأخرى ـ كما تقول بعض الروايات - بالطواف على جموعهم لتحدثهم عن حق عليّ (ع)، كان كل هذا يعيش في شخصية شابة لم تبلغ العشرين من عمرها على أشهر الروايات، أو لم تبلغ الثلاثين من عمرها قدوة المرأة المسلمة:
لذلك، فإن إنسانة تملك هذه الشخصية، حريّ بها أن تكون قدّوة للمرأة المسلمة، لا سيما وأنها سيدة نساء العالمين. من هنا، على كل نساء العالمين أن يقتدين بها ويتعلمن منها، وأن يعشن المسؤولية من خلال سيرتها وحياتها، وأن يرتفعن إلى مستوى الطهر الذي ارتفعت إليه. وعليه، فإن إعزاز رسول الله(ص) لها لم يكن إعزاز أب لابنته، وإن كان للعاطفة دورها في علاقة الأب بابنته، ولكنه إعزاز الأب النبي الذي رأى بابنته تجسيد رسالته، ولهذا حدّثنا عنها وهو يراقب كل فكرها فلا يرى في فكرها إلا الحق، ويراقب كل خطواتها فلا يرى في خطواتها إلاّ خطوات الحق، ويراقب كلماتها فلا يرى في كلماتها إلا كلمات الحق، ويراقب كل شؤونها فيرى فاطمة (ع) الإنسانة التي ترضى لرضى الله وتغضب لغضبه، ولذلك كان يرضيه ما يرضيها لأنه يرضي الله، ويغضبه ما يغضبها لأنه يغضب الله، فهي المعصومة التي لم تقدّم رجلاً في فكر أو قول أو عمل، ولم تؤخّر أخرى، إلا من خلال ما تعلم أنّ فيه رضى الله تعالى.
لذلك، فإن الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، الذي أراد ليوم ولادة الزهراء (ع) في العشرين من جمادى الآخرة أن يكون يوم المرأة المسلمة، قد بلغ الغاية من ذلك، لأن ليس هناك امرأة مسلمة أو غير مسلمة جمعت من الفضائل الروحية والثقافية والحركية ما جمعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع).
لتنمية طاقات المرأة:
وفي ضوء ذلك، ينبغي لنا - وقد أراد لنا رسول الله(ص) أن نعظّم الزهراء (ع) كرمز للمرأة المسلمة، ونرفع من شأن المرأة في كل منطلقاتها - أن ننمي طاقات المرأة، فقد عمل رسول الله (ص) على تنمية طاقات الزهراء (ع)، وعمل عليّ على تنمية طاقات زينب (ع)، وهذا ما يوجب علينا جميعاً - رجالاً ونساءً - أن نعمل في سبيل أن يتكامل الرجل مع المرأة علماً، ليكون للمرأة طاقة العلم كما للرجل، وحركةً في المواقع التي يرضاها الله، ليكون للمرأة التحرك إلى جانب تحرك الرجل. إن الله تعالى أراد للمرأة أن تكون بنتاً ترعى والديها، وزوجة لزوجها وأمّاً لأبنائها، ولكنه أراد لها أن تكون واعية للإسلام ولحركة المسؤولية في الحياة، وقد خسر المسلمون - كما خسر غير المسلمين في كل التاريخ - طاقات المرأة، عندما عملوا على إبقائها جاهلة ومتخلّفة، تعيش على هامش حياة الرجل، على أساس أن دور المرأة هو في البيت، ولكن ألا ينبغي أن يتحلى من في البيت بالوعي والعلم والثقافة؟!، كيف يمكن للمرأة الجاهلة أن تربي الأولاد المنفتحين على المعرفة، وكيف يمكن لها أن تملأ حياة زوجها وحياتها بالذات.؟!
تكامل الرجل والمرأة:
إنّ الله تعالى خلق للمرأة عقلاً وطاقة كما خلق للرجل عقلاً وطاقة، وأراد لهما أن يتكاملا في كل مجالات الحياة، ولذلك فإن الإسلام، بكل شريعته، نـزل للمرأة والرجل على حدّ سواء، فقد كلّف الله تعالى، في الخطوط العامة التي يُكلّف بها الناس في عباداتهم ومعاملاتهم وأوضاعهم، كلّف المرأة بما كلّف به الرجل، في الصلاة والصوم والحجّ والخمس والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهكذا أراد للمرأة أن تنطلق في كل ما يتعلق بحياتها من إرادتها، فليس لأب أو لزوج أو لأخ أو ولد أن يضغط على إرادة المرأة في ما لا تريد، وليس لأحد أن يجبرها على زوج لا تريده أو على معاملة في أموالها لا توافق عليها، فالزوج الذي يصادر مهر زوجته أو راتبها أو إرثها سارق، ولا يحق لأحد أن يضغط عليها في أيّ موقف من المواقف، سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً مما لا تريده، كما ليس لأحد أن يجبر الرجل على ما لا يريد، فللمرأة إرادتها المستقلة وللرجل إرادته المستقلة، الزواج بالإكراه باطل، سواء أُكره عليه الرجل أو المرأة، البيع بالإكراه باطل، وهكذا في كل المعاملات.
فاعلية المرأة في الحياة:
إن الله تعالى أراد للمرأة أن تكون إنساناً فاعلاً في الحياة، وأن تشاطر الرجل في النتاج الإنساني في إنتاج العلم والواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، طبعاً كل بحسب ظروفه، فنحن لا نقول للمرأة أن تترك بيتها، كما لا نقول للرجل أن يترك بيته أو عمله، لكن هناك مساحة للأب خارج نطاق عمله الأبوي، ومساحة للأم خارج نطاق عملها الأمومي، لا بد من أن يعطي الرجل والمرأة جهدهما فيها من أجل المجتمع كله، ولذلك رأينا أن الله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض - يتناصرون ويتعاونون ويتساعدون - يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، فكما أن هناك معروفاً سياسياً وفقهياً واجتماعياً واقتصادياً، فإن هناك في المقابل منكراً من هذا القبيل أيضاً.
الرجل والمرأة يتساويان عند الله:
وعندما ندرس ما حدثنا به الله تعالى في القرآن الكريم في الخطوط العامة التي يريد للمرأة ـ كما للرجل ـ أن تتصف بها، فإننا نرى أنه لم يفرّق بين المرأة والرجل في ما يريد إعطاءه لهما. ولنقرأ هذه الآية المباركة في سورة "الأحزاب": {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً}، فالله تعالى عندما تحدث عن كل هذه النماذج، فإنه تحدّث أن الرجل والمرأة يتساويان عند الله في ما يمنحهما من الأجر ويعطيهما من المغفرة، وعندما يكلّف الله الرجل والمرأة، فإنه لا يفرّق بينهما، وهذا ما نلاحظه في الآية الكريمة: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم - فالرجل والمرأة أمام أوامر الله ونواهيه لا يملكان أن يفكرا في إمكانية القبول أو الرفض، ولذلك ليس هناك أمام الله كلمة "أنا حرّ" - ومن يعصِ الله ورسوله - في ما أمر الله ورسوله به أو في ما نهيا عنه - فقد ضلّ ضلالاً مبيناً}، وفي الجانب الآخر ،فإن الله لا يضيع {عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}.
المرأة النموذج:
في يوم المرأة المسلمة، لا بدّ لنا من أن نعمل جميعاً لنرفع شأن المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي، ولنواجه التحديات الصعبة في كل المجتمع الكافر والمستكبر الذي يستخدم المرأة في غير مواقع رضى الله، ويعمل على انحرافها لتبتعد عن إسلامها فكراً وروحاً وسلوكاً. إن الله تعالى ضرب مثلاً امرأة فرعون التي رفضت كل سلطانه لتقترب من الله، ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين. إن الله يريد للمرأة أن ترتفع إلى مستوى القرب منه، ويريد للرجل أن يرتفع إلى مستوى القرب منه، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله، وتحركوا في كل مواقعكم من أجل أن تمارسوا العدل مع الرجال والنساء معاً، فلا يظلم أحدكم زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه، كما لا تظلم امرأة زوجها وأباها وابنها وأمها وما إلى ذلك، لأن الله أراد للناس كلهم أن يقوموا بالعدل فيما بينهم، فلا تنطلق العلاقات بين الناس على أساس القوة والضعف ـ ليقهر القوي الضعيف، بل أراد الله للقوي، سواء كان قوياً في بدنه أوماله أو في موقعهأو في سلطته،أن يمارس العدل مع الضعيف في كل جانب من هذه الجوانب..
إن ما نشكو منه في هذا العالم المستكبر، هو أن المستكبرين في أكثر من موقع يظلمون المستضعفين، فإذا كنا ننكر أن يظلم المستكبرون المستضعفين، فلماذا لا ننكر الظلم من أنفسنا عندما نظلم أزواجنا وآباءنا وأمهاتنا وجيراننا والضعفاء من حولنا؟ إن الله العادل أراد لنا أن نكون العادلين، وعلينا في كل ما نتحرك فيه أن نفتح عيوننا على كل مواقع الظلم، لنقف ضد كل الظالمين الصغار والكبار، ونقف مع المظلومين الصغار والكبار، ولنا ظلامات كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، فتعالوا نلاحق خطوات الظالمين، لنعرف كيف يتحرك المظلومون ليردّوا ظلم الظالمين.
التطبيع وشر ذمة الواقع العربي:
في جوابنا عن طبيعة الخطة الأمريكية الجديدة - القديمة، التي تسعى أمريكا من خلالها تأكيد الدعم العربي لإسرائيل نقول إن الإدارة الأمريكية تعمل على تطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني من أجل تقوية الوجود "الإسرائيلي" في العالم العربي سياسياً واقتصادياً وأمنياً، قبل تحقيق أيّ حلّ لمشكلة الاحتلال "اليهودي" لأكثر من موقع عربي، بدءاً من فلسطين وانتهاءً بسوريا ولبنان، حتى لو أدى هذا التطبيع إلى إيجاد تعقيدات وخلافات عربية - عربية لحساب العلاقات بإسرائيل.. فقد كنا في السابق، نخشى - في المشكلة العربية - من تعدد المحاور في العالم العربي، وأصبحنا نخاف الآن من محور عربي ـ إسرائيلي ضد محور عربي آخر، لتتحقق بذلك خطة "باراك" التي ترمي إلى تطويق العرب بالعرب.
التنازلات مطلوبة من الفلسطينيين:
كما أن واشنطن تسعى إلى إعادة المؤتمرات المتعددة الجنسيات المتصلة بالمياه والعلاقات الاقتصادية، من أجل تمييع الحقوق العربية وتدويلها، لتخرج عن خصوصياتها في حاجات شعوبها، لتحصل إسرائيل على الحصة الكبرى منها.. وفي السياق نفسه، نجد وزيرة الخارجية الأمريكية قد دعت - في مفاوضات الحل النهائي بين سلطة الحكم الذاتي والكيان الصهيوني، في مسألتي اللاجئين والقدس ـ إلى تنازلات مؤلمة على حد تعبيرها، ونحن نعرف أن هذه التنازلات لن تكون إلا من الجانب الفلسطيني، لأن الكونغرس الأمريكي قرّر اعتبار القدس الموحّدة "عاصمة لإسرائيل"، وفي المقابل سحبت أمريكا قرارها مجلس الأمن الذي ينص على حق العودة للاجئين إلى فلسطين..
"امركة" المنطقة:
بالإضافة إلى ذلك، نلحظ تشجيعاً أمريكياً متواصلاً لحركة الاستيطان التي تشهد تصاعداً منذ وصول حزب "العمل" إلى الحكم، ولمصادرة أراضي الفلسطينيين ومنعهم من إعمارها بحجة الحاجات الأمنية الإسرائيلية، الأمر الذي لا يُبقي للفلسطينيين أرضاً يفاوضون عليها.. كما أن الإدارة الأمريكية تمنع الأمم المتحدة من التدخل في التسوية، لأن المصالح الدولية قد تقضي بأن تمارس أكثر من دولة كبرى ضغوطاً على إسرائيل، وقد تكشّفت الخطة الأمريكية في التآمر على المنطقة من خلال عملية التسوية كوسيلة من وسائل التخطيط لـ"أمركة" المنطقة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً..
التطبيع خيانة عظمى
إننا ندعو العرب والمسلمين إلى وعي المرحلة بشكل واسع ودقيق، لأن إسرائيل، اذا نجحت في خطتها بالتحالف مع أمريكا في تطبيع علاقاتها العربية لإضعاف الموقع الفلسطيني والسوري واللبناني، فسوف تمتد إلى كل العالم العربي لإضعاف كل مواقعه، لتكون إسرائيل القوة الكبرى المسيطرة على الواقع كله..
إننا نعتقد أن أيّ تطبيع جديد، وعلى أي مستوى كان، سواء من خلال الاعتراف بإسرائيل، أو المكاتب التمثيلية أو العلاقات الاقتصادية من أية دولة عربية وإسلامية، يمثل الخيانة العظمى للعرب وللمسلمين..
أيها العرب، أيها المسلمون، ليكن النداء واحداً في هذه المرحلة: كونوا مع فلسطين وسوريا ولبنان، وإلا فإنكم لن تكونوا في موقع القوة بعد ذلك، لأن إسرائيل لن تعطي القوة لأحد، بل هدفها الدائم العمل على إضعاف أي قوة عربية أو إسلامية.
الوقوف مع "الشيشان" لمنع الجريمة:
وفي هذا الجو، فإننا ننظر - بقلق - إلى القصف الروسي المجنون على "الشيشان" البلد المسلم، وقتل المدنيين الأبرياء وتهجيرهم من أرضهم بحجة ملاحقة "الإرهاب" هناك، مع العلم أن المسألة هناك هي مسألة تحرر ومطالبة بتقرير المصير.. إن روسيا تستخدم الأسلوب الأمريكي - الأطلسي ضد يوغوسلافيا. هذا، ومن المؤسف أن منظمة "المؤتمر الإسلامي" لم تحرك ساكناً في هذه القضية المؤلمة، بينما احتجّت أكثر من دولة أوروبية وعبّرت عن قلقها إزاء الموضوع.. إننا ندعو المسلمين في كل أنحاء العالم إلى الوقوف مع شعب "الشيشان" المسلم وكل شعوب القوقاز، من أجل منع الجريمة التدميرية الجديدة ضدها.
المقاومة تؤكدها وحدها العنفوان العربي ـ الإسرائيلي:
أما في لبنان، فإن القصف الوحشي الصهيوني في الجنوب والبقاع الغربي يدل على مدى المأزق الذي يعيشه العدو والهزائم المتلاحقة التي يمنى بها جنوده وعملاؤه، أمام ضربات المقاومة التي تواصل عملياتها من أجل التحرير وإخراج المحتل بعيداً عن أية حالة تفاوضية، مما يحاول العدو أن يثيره في تحليله حول أسباب تصاعد العمليات الجهادية.
إننا ندعو إلى الوقوف مع المقاومة بكل قوة، لا سيما في هذه المرحلة بالذات، وإلى دعمها عربياً وإسلامياً عل مستوى الحكومات والشعوب، لأنها السبيل الوحيد لتأكيد العنفوان العربي والإسلامي، ولتقوية الموقف الفلسطيني والسوري واللبناني في مواجهة خطط العدو على أكثر من صعيد.
البلد يعيش مرحلة الوحل السياسي:
وأخيراً، إننا نطالب الجميع في لبنان بضبط الحركة السياسية الداخلية بما يقوي موقع المقاومة، ويرتفع بالموقف إلى مستوى المرحلة في ساحة التحديات، لأنه ليس هناك أيّ مبرر لإشغال البلد بالسجالات التي وصلت إلى حدّ التراشق الشخصي بالاتهامات والتفاهات الذاتية، والانتقال من قضية داخلية إلى قضية أخرى..
أيها اللبنانيون: لقد أصبحت السياسة في هذا البلد مشكلة بدلاً من أن تكون حلاًّ، وبدأ الوطن يدخل في مرحلة الوحل السياسي بدلاً من الصفاء الوطني.. إن مسؤولية الجميع أن يدركوا أنهم أمام منعطفات مصيرية لا تجوز معها الحرتقات والبهلوانيات السياسية التي أفسدت علينا وعلى الوطن الكثير من مشاريع الإصلاح.. إن البلد يحتاج إلى إعمار اقتصادي وسياسي وأمني، فأبعدوا معاول الهدم عن مواقع البناء.
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}. بالأمس كانت ذكرى ولادة سيدتنا، سيدة نساء العالمين، السيدة الجليلة المعصومة فاطمة الزهراء (ع)، هذا اليوم الذي أُريد له أن يكون يوم المرأة المسلمة، باعتبار أن ليس هناك امرأة مسلمة يمكن أن تكون قدوة للرجال وللنساء معاً، ولا سيما للنساء، كفاطمة (ع)، لأنها تجمع كل الصفات التي يكبر فيها الإنسان ويعظم، ويقرب من خلالها إلى ربه ويتحرك في الحياة على أساس القيام بمسؤوليته.
أخلاقها أخلاق الرسول(ص):
كانت فاطمة الزهراء (ع) الإنسانة التي ارتفعت بروحانيتها إلى الله تعالى، فعاشت معه في ابتهالاتها ودعواتها وصلواتها، وتحدثت إليه في كل آلامها وأحزانها وحاجاتها في الحياة. إنها الإنسانة التي امتلأت علماً، وهي التي نهلت فكر الإسلام وثقافة القرآن، من الينبوع الصافي الطاهر للإسلام؛ من عقل رسول الله (ص) وقلبه وفكره وتجربته. وكيف لا يكون ذلك، وهي التي عاشت معه وتربّت على يديه، حيث كان الوحي ينـزل عليه وهي في بيته، كما أنها تعلمت وعلي(ع) من رسول الله(ص)، وعاشا كل معانيه الروحية والفكرية.
لقد حملت الزهراء(ع) كل أخلاق رسول الله (ص)، فكانت الرؤوفة العطوفة والرحيمة بالآخرين، وكانت الصابرة على كل تعقيدات الحياة ومشاكلها الخاصة والعامة. وكانت (ع) الابنة كأفضل ما تكون البنات لآبائهن، والزوجة كأفضل ما تكون الزوجات لأزواجهن، والأم كأفضل ما تكون الأمهات لأبنائهن، والمسلمة كأفضل ما تكون المسلمات لمجتمعهن، كما أنها لم تدع فرصة إلاّ واستفادت منها، فكانت المعلمة لنساء عصرها، والمحدّثة عن رسول الله (ص)، حيث رُوي عنها - من الرجال والنساء - أحاديث كثيرة عن رسول الله (ص). وكانت (ع) الصادعة بالحق، فوقفت أول امرأة مسلمة بين الرجال، لتخطب خطبة فيها الكثير من علم الإسلام وفقهه واحتجاجاته.
لقد بلغ الوعي لديها درجة اتسعت لكل المرحلة التي عاشتها، فقد كانت - وهي الثكلى برسول الله(ص)، والمظلومة من خلال ما جرى لها، مع ما ألقي عليها من مسؤولية - كانت تخرج لتدافع عن الحق، تارة باستقبالها للمسلمين والمسلمات، وأخرى ـ كما تقول بعض الروايات - بالطواف على جموعهم لتحدثهم عن حق عليّ (ع)، كان كل هذا يعيش في شخصية شابة لم تبلغ العشرين من عمرها على أشهر الروايات، أو لم تبلغ الثلاثين من عمرها قدوة المرأة المسلمة:
لذلك، فإن إنسانة تملك هذه الشخصية، حريّ بها أن تكون قدّوة للمرأة المسلمة، لا سيما وأنها سيدة نساء العالمين. من هنا، على كل نساء العالمين أن يقتدين بها ويتعلمن منها، وأن يعشن المسؤولية من خلال سيرتها وحياتها، وأن يرتفعن إلى مستوى الطهر الذي ارتفعت إليه. وعليه، فإن إعزاز رسول الله(ص) لها لم يكن إعزاز أب لابنته، وإن كان للعاطفة دورها في علاقة الأب بابنته، ولكنه إعزاز الأب النبي الذي رأى بابنته تجسيد رسالته، ولهذا حدّثنا عنها وهو يراقب كل فكرها فلا يرى في فكرها إلا الحق، ويراقب كل خطواتها فلا يرى في خطواتها إلاّ خطوات الحق، ويراقب كلماتها فلا يرى في كلماتها إلا كلمات الحق، ويراقب كل شؤونها فيرى فاطمة (ع) الإنسانة التي ترضى لرضى الله وتغضب لغضبه، ولذلك كان يرضيه ما يرضيها لأنه يرضي الله، ويغضبه ما يغضبها لأنه يغضب الله، فهي المعصومة التي لم تقدّم رجلاً في فكر أو قول أو عمل، ولم تؤخّر أخرى، إلا من خلال ما تعلم أنّ فيه رضى الله تعالى.
لذلك، فإن الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، الذي أراد ليوم ولادة الزهراء (ع) في العشرين من جمادى الآخرة أن يكون يوم المرأة المسلمة، قد بلغ الغاية من ذلك، لأن ليس هناك امرأة مسلمة أو غير مسلمة جمعت من الفضائل الروحية والثقافية والحركية ما جمعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع).
لتنمية طاقات المرأة:
وفي ضوء ذلك، ينبغي لنا - وقد أراد لنا رسول الله(ص) أن نعظّم الزهراء (ع) كرمز للمرأة المسلمة، ونرفع من شأن المرأة في كل منطلقاتها - أن ننمي طاقات المرأة، فقد عمل رسول الله (ص) على تنمية طاقات الزهراء (ع)، وعمل عليّ على تنمية طاقات زينب (ع)، وهذا ما يوجب علينا جميعاً - رجالاً ونساءً - أن نعمل في سبيل أن يتكامل الرجل مع المرأة علماً، ليكون للمرأة طاقة العلم كما للرجل، وحركةً في المواقع التي يرضاها الله، ليكون للمرأة التحرك إلى جانب تحرك الرجل. إن الله تعالى أراد للمرأة أن تكون بنتاً ترعى والديها، وزوجة لزوجها وأمّاً لأبنائها، ولكنه أراد لها أن تكون واعية للإسلام ولحركة المسؤولية في الحياة، وقد خسر المسلمون - كما خسر غير المسلمين في كل التاريخ - طاقات المرأة، عندما عملوا على إبقائها جاهلة ومتخلّفة، تعيش على هامش حياة الرجل، على أساس أن دور المرأة هو في البيت، ولكن ألا ينبغي أن يتحلى من في البيت بالوعي والعلم والثقافة؟!، كيف يمكن للمرأة الجاهلة أن تربي الأولاد المنفتحين على المعرفة، وكيف يمكن لها أن تملأ حياة زوجها وحياتها بالذات.؟!
تكامل الرجل والمرأة:
إنّ الله تعالى خلق للمرأة عقلاً وطاقة كما خلق للرجل عقلاً وطاقة، وأراد لهما أن يتكاملا في كل مجالات الحياة، ولذلك فإن الإسلام، بكل شريعته، نـزل للمرأة والرجل على حدّ سواء، فقد كلّف الله تعالى، في الخطوط العامة التي يُكلّف بها الناس في عباداتهم ومعاملاتهم وأوضاعهم، كلّف المرأة بما كلّف به الرجل، في الصلاة والصوم والحجّ والخمس والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهكذا أراد للمرأة أن تنطلق في كل ما يتعلق بحياتها من إرادتها، فليس لأب أو لزوج أو لأخ أو ولد أن يضغط على إرادة المرأة في ما لا تريد، وليس لأحد أن يجبرها على زوج لا تريده أو على معاملة في أموالها لا توافق عليها، فالزوج الذي يصادر مهر زوجته أو راتبها أو إرثها سارق، ولا يحق لأحد أن يضغط عليها في أيّ موقف من المواقف، سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً مما لا تريده، كما ليس لأحد أن يجبر الرجل على ما لا يريد، فللمرأة إرادتها المستقلة وللرجل إرادته المستقلة، الزواج بالإكراه باطل، سواء أُكره عليه الرجل أو المرأة، البيع بالإكراه باطل، وهكذا في كل المعاملات.
فاعلية المرأة في الحياة:
إن الله تعالى أراد للمرأة أن تكون إنساناً فاعلاً في الحياة، وأن تشاطر الرجل في النتاج الإنساني في إنتاج العلم والواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، طبعاً كل بحسب ظروفه، فنحن لا نقول للمرأة أن تترك بيتها، كما لا نقول للرجل أن يترك بيته أو عمله، لكن هناك مساحة للأب خارج نطاق عمله الأبوي، ومساحة للأم خارج نطاق عملها الأمومي، لا بد من أن يعطي الرجل والمرأة جهدهما فيها من أجل المجتمع كله، ولذلك رأينا أن الله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض - يتناصرون ويتعاونون ويتساعدون - يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، فكما أن هناك معروفاً سياسياً وفقهياً واجتماعياً واقتصادياً، فإن هناك في المقابل منكراً من هذا القبيل أيضاً.
الرجل والمرأة يتساويان عند الله:
وعندما ندرس ما حدثنا به الله تعالى في القرآن الكريم في الخطوط العامة التي يريد للمرأة ـ كما للرجل ـ أن تتصف بها، فإننا نرى أنه لم يفرّق بين المرأة والرجل في ما يريد إعطاءه لهما. ولنقرأ هذه الآية المباركة في سورة "الأحزاب": {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً}، فالله تعالى عندما تحدث عن كل هذه النماذج، فإنه تحدّث أن الرجل والمرأة يتساويان عند الله في ما يمنحهما من الأجر ويعطيهما من المغفرة، وعندما يكلّف الله الرجل والمرأة، فإنه لا يفرّق بينهما، وهذا ما نلاحظه في الآية الكريمة: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم - فالرجل والمرأة أمام أوامر الله ونواهيه لا يملكان أن يفكرا في إمكانية القبول أو الرفض، ولذلك ليس هناك أمام الله كلمة "أنا حرّ" - ومن يعصِ الله ورسوله - في ما أمر الله ورسوله به أو في ما نهيا عنه - فقد ضلّ ضلالاً مبيناً}، وفي الجانب الآخر ،فإن الله لا يضيع {عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}.
المرأة النموذج:
في يوم المرأة المسلمة، لا بدّ لنا من أن نعمل جميعاً لنرفع شأن المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي، ولنواجه التحديات الصعبة في كل المجتمع الكافر والمستكبر الذي يستخدم المرأة في غير مواقع رضى الله، ويعمل على انحرافها لتبتعد عن إسلامها فكراً وروحاً وسلوكاً. إن الله تعالى ضرب مثلاً امرأة فرعون التي رفضت كل سلطانه لتقترب من الله، ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين. إن الله يريد للمرأة أن ترتفع إلى مستوى القرب منه، ويريد للرجل أن يرتفع إلى مستوى القرب منه، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله، وتحركوا في كل مواقعكم من أجل أن تمارسوا العدل مع الرجال والنساء معاً، فلا يظلم أحدكم زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه، كما لا تظلم امرأة زوجها وأباها وابنها وأمها وما إلى ذلك، لأن الله أراد للناس كلهم أن يقوموا بالعدل فيما بينهم، فلا تنطلق العلاقات بين الناس على أساس القوة والضعف ـ ليقهر القوي الضعيف، بل أراد الله للقوي، سواء كان قوياً في بدنه أوماله أو في موقعهأو في سلطته،أن يمارس العدل مع الضعيف في كل جانب من هذه الجوانب..
إن ما نشكو منه في هذا العالم المستكبر، هو أن المستكبرين في أكثر من موقع يظلمون المستضعفين، فإذا كنا ننكر أن يظلم المستكبرون المستضعفين، فلماذا لا ننكر الظلم من أنفسنا عندما نظلم أزواجنا وآباءنا وأمهاتنا وجيراننا والضعفاء من حولنا؟ إن الله العادل أراد لنا أن نكون العادلين، وعلينا في كل ما نتحرك فيه أن نفتح عيوننا على كل مواقع الظلم، لنقف ضد كل الظالمين الصغار والكبار، ونقف مع المظلومين الصغار والكبار، ولنا ظلامات كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، فتعالوا نلاحق خطوات الظالمين، لنعرف كيف يتحرك المظلومون ليردّوا ظلم الظالمين.
التطبيع وشر ذمة الواقع العربي:
في جوابنا عن طبيعة الخطة الأمريكية الجديدة - القديمة، التي تسعى أمريكا من خلالها تأكيد الدعم العربي لإسرائيل نقول إن الإدارة الأمريكية تعمل على تطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني من أجل تقوية الوجود "الإسرائيلي" في العالم العربي سياسياً واقتصادياً وأمنياً، قبل تحقيق أيّ حلّ لمشكلة الاحتلال "اليهودي" لأكثر من موقع عربي، بدءاً من فلسطين وانتهاءً بسوريا ولبنان، حتى لو أدى هذا التطبيع إلى إيجاد تعقيدات وخلافات عربية - عربية لحساب العلاقات بإسرائيل.. فقد كنا في السابق، نخشى - في المشكلة العربية - من تعدد المحاور في العالم العربي، وأصبحنا نخاف الآن من محور عربي ـ إسرائيلي ضد محور عربي آخر، لتتحقق بذلك خطة "باراك" التي ترمي إلى تطويق العرب بالعرب.
التنازلات مطلوبة من الفلسطينيين:
كما أن واشنطن تسعى إلى إعادة المؤتمرات المتعددة الجنسيات المتصلة بالمياه والعلاقات الاقتصادية، من أجل تمييع الحقوق العربية وتدويلها، لتخرج عن خصوصياتها في حاجات شعوبها، لتحصل إسرائيل على الحصة الكبرى منها.. وفي السياق نفسه، نجد وزيرة الخارجية الأمريكية قد دعت - في مفاوضات الحل النهائي بين سلطة الحكم الذاتي والكيان الصهيوني، في مسألتي اللاجئين والقدس ـ إلى تنازلات مؤلمة على حد تعبيرها، ونحن نعرف أن هذه التنازلات لن تكون إلا من الجانب الفلسطيني، لأن الكونغرس الأمريكي قرّر اعتبار القدس الموحّدة "عاصمة لإسرائيل"، وفي المقابل سحبت أمريكا قرارها مجلس الأمن الذي ينص على حق العودة للاجئين إلى فلسطين..
"امركة" المنطقة:
بالإضافة إلى ذلك، نلحظ تشجيعاً أمريكياً متواصلاً لحركة الاستيطان التي تشهد تصاعداً منذ وصول حزب "العمل" إلى الحكم، ولمصادرة أراضي الفلسطينيين ومنعهم من إعمارها بحجة الحاجات الأمنية الإسرائيلية، الأمر الذي لا يُبقي للفلسطينيين أرضاً يفاوضون عليها.. كما أن الإدارة الأمريكية تمنع الأمم المتحدة من التدخل في التسوية، لأن المصالح الدولية قد تقضي بأن تمارس أكثر من دولة كبرى ضغوطاً على إسرائيل، وقد تكشّفت الخطة الأمريكية في التآمر على المنطقة من خلال عملية التسوية كوسيلة من وسائل التخطيط لـ"أمركة" المنطقة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً..
التطبيع خيانة عظمى
إننا ندعو العرب والمسلمين إلى وعي المرحلة بشكل واسع ودقيق، لأن إسرائيل، اذا نجحت في خطتها بالتحالف مع أمريكا في تطبيع علاقاتها العربية لإضعاف الموقع الفلسطيني والسوري واللبناني، فسوف تمتد إلى كل العالم العربي لإضعاف كل مواقعه، لتكون إسرائيل القوة الكبرى المسيطرة على الواقع كله..
إننا نعتقد أن أيّ تطبيع جديد، وعلى أي مستوى كان، سواء من خلال الاعتراف بإسرائيل، أو المكاتب التمثيلية أو العلاقات الاقتصادية من أية دولة عربية وإسلامية، يمثل الخيانة العظمى للعرب وللمسلمين..
أيها العرب، أيها المسلمون، ليكن النداء واحداً في هذه المرحلة: كونوا مع فلسطين وسوريا ولبنان، وإلا فإنكم لن تكونوا في موقع القوة بعد ذلك، لأن إسرائيل لن تعطي القوة لأحد، بل هدفها الدائم العمل على إضعاف أي قوة عربية أو إسلامية.
الوقوف مع "الشيشان" لمنع الجريمة:
وفي هذا الجو، فإننا ننظر - بقلق - إلى القصف الروسي المجنون على "الشيشان" البلد المسلم، وقتل المدنيين الأبرياء وتهجيرهم من أرضهم بحجة ملاحقة "الإرهاب" هناك، مع العلم أن المسألة هناك هي مسألة تحرر ومطالبة بتقرير المصير.. إن روسيا تستخدم الأسلوب الأمريكي - الأطلسي ضد يوغوسلافيا. هذا، ومن المؤسف أن منظمة "المؤتمر الإسلامي" لم تحرك ساكناً في هذه القضية المؤلمة، بينما احتجّت أكثر من دولة أوروبية وعبّرت عن قلقها إزاء الموضوع.. إننا ندعو المسلمين في كل أنحاء العالم إلى الوقوف مع شعب "الشيشان" المسلم وكل شعوب القوقاز، من أجل منع الجريمة التدميرية الجديدة ضدها.
المقاومة تؤكدها وحدها العنفوان العربي ـ الإسرائيلي:
أما في لبنان، فإن القصف الوحشي الصهيوني في الجنوب والبقاع الغربي يدل على مدى المأزق الذي يعيشه العدو والهزائم المتلاحقة التي يمنى بها جنوده وعملاؤه، أمام ضربات المقاومة التي تواصل عملياتها من أجل التحرير وإخراج المحتل بعيداً عن أية حالة تفاوضية، مما يحاول العدو أن يثيره في تحليله حول أسباب تصاعد العمليات الجهادية.
إننا ندعو إلى الوقوف مع المقاومة بكل قوة، لا سيما في هذه المرحلة بالذات، وإلى دعمها عربياً وإسلامياً عل مستوى الحكومات والشعوب، لأنها السبيل الوحيد لتأكيد العنفوان العربي والإسلامي، ولتقوية الموقف الفلسطيني والسوري واللبناني في مواجهة خطط العدو على أكثر من صعيد.
البلد يعيش مرحلة الوحل السياسي:
وأخيراً، إننا نطالب الجميع في لبنان بضبط الحركة السياسية الداخلية بما يقوي موقع المقاومة، ويرتفع بالموقف إلى مستوى المرحلة في ساحة التحديات، لأنه ليس هناك أيّ مبرر لإشغال البلد بالسجالات التي وصلت إلى حدّ التراشق الشخصي بالاتهامات والتفاهات الذاتية، والانتقال من قضية داخلية إلى قضية أخرى..
أيها اللبنانيون: لقد أصبحت السياسة في هذا البلد مشكلة بدلاً من أن تكون حلاًّ، وبدأ الوطن يدخل في مرحلة الوحل السياسي بدلاً من الصفاء الوطني.. إن مسؤولية الجميع أن يدركوا أنهم أمام منعطفات مصيرية لا تجوز معها الحرتقات والبهلوانيات السياسية التي أفسدت علينا وعلى الوطن الكثير من مشاريع الإصلاح.. إن البلد يحتاج إلى إعمار اقتصادي وسياسي وأمني، فأبعدوا معاول الهدم عن مواقع البناء.