شعار المؤمنين: قولوا للناس حسناً.. الفحَّاشون شركا

شعار المؤمنين: قولوا للناس حسناً.. الفحَّاشون شركا
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

هناك مجموعة من الأمور والصفات السلبية أخذت تبرز بكثرة بين الناس، سواء على الصعيد الأخلاقي أو السلوكي، في البيت والشارع وفي أماكن العمل، لا سيما عندما يختلفون فيما بينهم؛ زوج وزوجة، أب وأولاد، جيران أو أشخاص متصاحبون. ومن هذه الأمور ما نلاحظه في كثير من الناس حيث يستعملون كلام الفحش، فيخاطبون بعضهم بعضاً بالكلمات التي تخدش الحياء أو التي تهتك الأعراض وتسيء إلى الكرامات، وهؤلاء هم الفحّاشون الذين يمارسون ما يسمى بالبذاء، ويستخدمون كلمات اللعن فيما بينهم فيلعنون بعضهم بعضاً..

البذاء محرم شرعاً:

هذا الخُلُق موجود في واقعنا الاجتماعي، وهو يدل على تخلّف الذين يمارسونه، لأن الإنسان المتحضّر هو الإنسان المهذب في كلماته والذي يحترم الناس ويحترمونه، وقد وردت آية في القرآن الكريم تجمع كل ذلك التهذيب: {وقولوا للناس حسناً}. عندما تتحدث مع الناس فقل الكلمة الطيبة الحسنة.. وفي الوقت نفسه، فإن البذاء محرّم شرعاً. فقد جاء عن رسول الله (ص) مما رواه عنه أئمة أهل البيت (ع)، أن الإنسان الذي يمارس هذا العمل أحد شخصين: إما أن يكون ابن زنا، أو ممن شارك الشيطان فيه، لأن الله تعالى حدّثنا في خطابه للشيطان: {وشاركهم في الأموال والأولاد}، وهذه المشاركة تفسّر على جوانب عدة..

وقد ورد في ما نتلو عليكم من أحاديث، أن الإنسان الذي يمارس مثل هذا الخُلُق السيّىء لا يدخل الجنة حتى لو صام وصلى، فتعالوا لنستمع إلى ما ورد عن رسول الله (ص) مما رواه أهل البيت (ع) عنه، ومما جاء في كلماتهم (ع) التي هي كلمات رسول الله… ففي الحديث عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "قال رسول الله(ص): إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له – بحيث يسب الناس ويفحش عليهم ويسبونه ويفحشون عليه وهو غير مبالٍ بهذا السبّ – فإنه لغيّة أو شرك شيطان"، واللغية تفسّر بأنها ابن الزنا.

علامة شراكة الشيطان:

وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "إن من علامات شرك الشيطان ـ بمعنى أن الشيطان شارك فيه ـ الذي لا يُشك فيه، أن يكون فحّاشاً"، ونقرأ في الأحاديث عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "قال رسول الله (ص): إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغيّة أو شرك شيطان"، فقيل: يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان؟ فقال (ص):" أما تقرأ قول الله عزّ وجل: {وشاركهم في الأموال والأولاد}، فعلى من يأكل المال الحرام من سرقة أو اغتصاب لمال الناس، أو الذي يبيع الخمر ولحم الميتة، أن يعرف أن للشيطان شراكة في ولده الذي انعقدت نطفته من مال حرام، وهذا مما يترك تأثيره السلبي عليه.

وسأل رجل فقيهاً ـ والمقصود به أحد الأئمة (ع) ـ: هل في الناس من لا يبالي ما قيل له؟ قال: "من تعرّض للناس يشتمهم وهو يعلم أنهم لا يتركونه، فذاك الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له". وعن الإمام الباقر (ع) قال: "إن الله يبغض الفاحش المتفحّش"، وفي الحديث عن بعض أصحاب الإمام جعفر الصادق (ع) قال: كان لأبي عبد الله (ع) صديق يكاد لا يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين ومعه غلام سندي يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة – أي يا ابن الزانية - أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله (ع) يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثم قال: "سبحان الله، تقذف أمه! قد كنت أرى أن لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع"، فقال: جُعلت فداك، إن أمه سندية مشركة، فقال (ع): "أما علمت أن لكل أمّة نكاحاً، تنحّ عني"، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما.. وفي رواية أخرى أنه (ع) قال: "إن لكل أمة نكاحاً يحتجزون به عن الزنا"، وقد أمضى الإسلام زواج كل الملل، فلا نستطيع أن نعتبر أن كل أولاد غير المسلمين هم أولاد زنا، لأن الزوجين من غير المسلمين يعقدان قرانهما على طريقتهم، وقد أمضى الإسلام طريقتهم.. وعندما نريد أن نقف قليلاً عند هذا الحديث نقول: إن هذا الشخص من أصحاب الإمام الصادق (ع) تحدث بالفحش مع غلام له سندي مجوسي مشرك، ومع ذلك فقد قاطعه الإمام، ونحن نسبّ أولادنا وجيراننا والعاملين عندنا، فهل سيسمح لنا الإمام الصادق أن نتقرّب منه؟

الفحش مثال سَوْء:

وفي الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال لعائشة: "يا عائشة، إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سَوء"، وقد قال النبي (ص) لعائشة هذا الحديث عندما كان النبي جالساً فمر عليه يهودي فقال له: السام عليك ـ والسام يعني الموت، وكأنه يريد أن يستغفل النبي ليهزأ به عند جماعته بعد أن يرد النبي السلام عليه – فقال له النبي (ص): "وعليك"، فالتفتت عائشة إلى ذلك وبدأت تسب هذا اليهودي وتلعنه، فالتفت إليها رسول الله (ص) وقال لها: "يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سَوء، إن الرفق ما وُضع على شيء إلا زانه، وما رُفع عن شيء إلا شانه، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"… وهذه الكلمات عندما نسمعها، فلا بدّ أن ندخلها إلى العقل لينضّجها وتركّزها الإرادة، ولا بدّ أن تبلغوها للآخرين، لأن ما تسمعونه هو حجه لله تعالى عليكم.

وفي الحديث عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "كان في بني إسرائيل رجل، فدعا الله أن يرزقه غلاماً ثلاث سنين، فلما رأى أن الله لا يجيبه قال: يا ربّ أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت مني فلا تجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه فقال له: إنك تدعو الله عزّ وجل بلسان بذيء – بلسان وسخ – وقلب عاتٍ غير تقي ـ أي قلب قاسٍ ليس فيه رحمة ـ ونيّة غير صادقة، فأقلع عن بذائك، وليتقِ الله قلبك، ولتحسّن نيّتك، قال: ففعل الرجل ذلك ثم دعا الله فوُلد له غلام"، ومعنى ذلك، أن هناك كثيراً من الدعاء لا يستجيبه الله، لأنه تعالى لا ينظر إلى الكلمات فقط، بل إلى اللسان الذي انطلق منه الدعاء، وإلى القلب الذي انطلق منه، وإلى النية التي انفتح منها. وعن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: "إن من شرّ عباد الله من تُكره مجالسته لفحشه"، أي لا تسمع من هذا الإنسان الذي تجالسه إلا كلاماً فاحشاً سيئاً، بحيث لا تطيق أن تجلس إليه.. وعنه (ع) قال: "البذاء من الجفاء – لأنه يمثل الغلظة والقسوة وعدم البرّ بالناس – والجفاء في النار".. وعنه (ع): "إن الفحش والبذاء والسلاطة – الإنسان الحادّ في لسانه – من النفاق"، وقد ورد في الحديث: "من فحش على أخيه المسلم، نزع الله منه بركة رزقه ووكله إلى نفسه وأفسد عليه معيشته"..

الكلمة الطيبة:

ودخل شخص على الإمام الصادق (ع) وهو "سماعة"، فقال له الإمام مبتدئاً: "يا سماعة، ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك؟! إياك أن تكون صخّاباً أو لعاناً"، فقال: والله لقد كان ذلك أنه ظلمني، فقال (ع): "إن كان ظلمك فقد أربيت عليه – بحيث تجاوزت في ظلمه مستوى ما ظلمك به – إن هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي، استغفر ربك ولا تعد"، فقال: أستغفر الله ولا أعود..

إن الإسلام أراد لنا أن نكون الأمة المهذبة النظيفة اللسان والقلب والجسد، إن الله تعالى أرادنا أن نعيش مع الناس ليحبونا من خلال الكلمة الطيبة والروح الطيبة والأسلوب الطيب، لأن الكلمة الطيبة تفتح قلوب الناس عليك وعلى ما تمثل، وإن الكلمة السيئة الوسخة تُغلق قلوب الناس عليك وتُغلق أبواب السماء عنك فلا يُستجاب دعاؤك.. هذا هو خط الإسلام، خط رسول الله (ص) {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، فعلينا أن نأخذ بما جاءنا عن رسول الله(ص) ونترك ما نهانا عنه، وأن نعمل على أن نكون الناس الذين يحبون الآخرين ويحترمونهم، ليحترمنا الناس ويحبونا.

الخطبة الثانية

 

عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم وأوضاعكم، وراقبوه في ما تتكلمون، واخشوه في ما تعملون، وكونوا المسؤولين في حياتكم عن أنفسكم وعن المسلمين من حولكم وعن الحياة التي تتحركون فيها، فإن الله تعالى خلق الإنسان وحمّله المسؤولية أن يبني نفسه على الإيمان وأن يدعو الناس إلى الله، وأن يعمّر الأرض على الخط الذي يريده الله تعالى من ذلك، إن الله لا يريد العبد البطّال ولا يريد العبد الذي يعيش اللامبالاة أمام قضايا الناس والحياة. لذلك، علينا أن نهتم بأمور المسلمين في كل القضايا، لأن الإنسان اللامبالي الذي لا يهتم إلا بنفسه، هو بعيد عن الإسلام، فتعالوا لنعرف ماذا هناك مما ينبغي أن نهتم به من كل قضايانا.

وعي اللعبة الأمريكية ـ الإسرائيلية الجديدة:

لا يزال الواقع السياسي العربي خاضعاً للمدّ والجزر في تصريحات "باراك"، التي قد تقرّبهم من الحُلُم في تحقيق التسوية بالسرعة التي يريدونها، وبالنتائج التي يتمنونها.. فيما لاحظنا حجم الحفاوة الأمريكية في استقبال هذا القادم الجديد، حتى في ظل دعواته لتكون أمريكا مجرد شاهد لا ضاغط، ولتُصبح بعد ذلك الضامن لمطالب إسرائيل بالكامل.

لقد حذّرنا من هذا الرجل الذي أعطى العرب الكلمات المعسولة في لقاءاته مع المسؤولين العرب، وقلنا إنه الأخطر من بين المسؤولين الصهاينة، وذلك ليأخذ العرب بأسباب الحذر، لأنه عسكري في ثوب مدني، ولأنه إرهابي في موقع سياسي.. وإننا نقول لهم: تواضعوا في أحلامكم وانفتحوا على وعي اللعبة الجديدة في الغزل الأمريكي – الإسرائيلي، الذي قد يهيّئ لتسوية يدفع العرب كل أثمان عزتهم وكرامتهم ومستقبل شعوبهم مقابلها، لأن أمريكا التي تمسك بأوراق اللعبة، سوف تضغط وتضغط عليهم باسم إنجاح التسوية لحساب إسرائيل.

ندعو لعقلانية الخطاب والحفاظ على النظام الإسلامي:

وفي جانب آخر، فقد هدأت الأوضاع في الجمهورية الإسلامية بعد تدخّل القيادة الإسلامية الشرعية والمدنية في إعادة التوازن إلى الساحة، وإننا ندعو المسؤولين إلى دراسة هذه التطورات بدقة، من خلال التعرّف على أسبابها وخلفياتها بعمق وشمولية.

إن الاستكبار العالمي الذي لا يريد لإيران خيراً، يعمل على الاستفادة من بعض المفردات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الداخل، بالإضافة إلى الأساليب العنيفة في الخطاب السياسي في هذا الجانب أو ذاك. وإننا ندعو الجميع إلى عقلانية الخطاب وانفتاحه على الآخر، واحترام تطلعات الشباب نحو المستقبل، والمحافظة على الحريات العامة في إطار المسؤولية عن سلامة البلد واستقراره، والدقة في المحاسبة على أساس العدل..

لقد لاحظنا أن أمريكا وحلفاءها في المنطقة قد هللوا لما حدث في إيران، وعملوا على تضخيم الأحداث والدخول على الخط في عملية الإثارة السياسية والأمنية، وحاولوا الإيحاء بأن هناك خلافاً في المواقع القيادية، وأن الرئاسة تحوّلت إلى فريق في مواجهة القيادة، ولعب البعض في الداخل على هذا الوتر، ورأينا كيف أن الرئيس خاتمي كان في موقع رجل الدولة في المحافظة على النظام العام في البلد على أساس القانون، ولم يكن في موقع رئيس فريق معيّن، وكيف أن آية الله السيد الخامنئي كان في موقع الأبوّة القيادية، وأن الجميع التقوا على حلّ المشكلة من أجل حفظ النظام الإسلامي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

إننا ندعو الجميع في إيران للارتفاع إلى مستوى المرحلة، لأن النظام الإسلامي هو أمانة الله في أعناق الجميع على مستوى الشعب والمسؤولين، فلا مجال للانفعال، ولا مبرر لإثارة التوتر من جديد، ولا بدّ من الدخول في الحوار بين الدولة وبين الطلاب، وبين هذا الخط أو ذاك، بعيداً عن القمع والاستغلال.

قصف المدنيين قاعدة جديدة للعدوان:

فإذا وصلنا إلى لبنان، فإننا نلاحظ أن اللبنانيين قد هللوا لعودة لجنة تفاهم نيسان إلى العمل، وربما شعروا بالرضا لإدانتها إسرائيل على قصفها للبنية التحتية للبنان، ولكن هذه اللجنة تحوّلت إلى حائط مبكى يخفف من الإحراج الإسرائيلي والأمريكي في مجلس الأمن لو نقل لبنان شكواه إليه.. إننا نتصور أن العدوان الصهيوني سوف يستمر على لبنان، وسوف تتكرر الشكاوى المتبادلة من دون نتيجة.. لقد أعلن نتنياهو أنه بادر إلى هذا القصف على المواقع المدنية بعد أن رأى قصف الحلف الأطلسي لها في صربيا، مما يوحي بأن هناك قاعدة جديدة للعدوان على الشعوب تتحرك بها الدول الكبرى ويستفيد منها الاحتلال الصهيوني، باعتبارها الأسلوب الجديد للمبادرات العسكرية العدوانية دون عقاب.

أعطوا السياسة جرعة من المحبة:

أما على المستوى الداخلي، فقد دار سجال طويل متنوع مختلف الأبعاد في الجلسة النيابية، ما بين الحكومة والموالاة من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، وقد لاحظنا أن الانفعال والتوتر وتسجيل النقاط هي العناصر الغالبة على أغلب المداخلات..

إننا نقول لهم: مع احترامنا للكثير من الملاحظات والاعتراضات والمبادرات والردود، إن المرحلة هي مرحلة تجميع النقاط لخدمة الشعب، وتكامل المعارضة مع الحكومة في البحث عن الحلول، والابتعاد عن العنف في المشاعر والكلمات والمواقف.. أعطوا السياسة جرعة من المحبة، والحركة جرعة من العقل، والنقد جرعة من الواقعية، والمرحلة جرعة من التوازن في المسؤولية، والشعب جرعات من العدالة.. إنكم لستم سادة الشعب وجلاّديه، بل أنتم وكلاؤه والمؤتمنون على قضاياه، فارتفعوا إلى مستوى المسؤولية في خطورة الواقع وتحديات المرحلة والمستقبل.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

هناك مجموعة من الأمور والصفات السلبية أخذت تبرز بكثرة بين الناس، سواء على الصعيد الأخلاقي أو السلوكي، في البيت والشارع وفي أماكن العمل، لا سيما عندما يختلفون فيما بينهم؛ زوج وزوجة، أب وأولاد، جيران أو أشخاص متصاحبون. ومن هذه الأمور ما نلاحظه في كثير من الناس حيث يستعملون كلام الفحش، فيخاطبون بعضهم بعضاً بالكلمات التي تخدش الحياء أو التي تهتك الأعراض وتسيء إلى الكرامات، وهؤلاء هم الفحّاشون الذين يمارسون ما يسمى بالبذاء، ويستخدمون كلمات اللعن فيما بينهم فيلعنون بعضهم بعضاً..

البذاء محرم شرعاً:

هذا الخُلُق موجود في واقعنا الاجتماعي، وهو يدل على تخلّف الذين يمارسونه، لأن الإنسان المتحضّر هو الإنسان المهذب في كلماته والذي يحترم الناس ويحترمونه، وقد وردت آية في القرآن الكريم تجمع كل ذلك التهذيب: {وقولوا للناس حسناً}. عندما تتحدث مع الناس فقل الكلمة الطيبة الحسنة.. وفي الوقت نفسه، فإن البذاء محرّم شرعاً. فقد جاء عن رسول الله (ص) مما رواه عنه أئمة أهل البيت (ع)، أن الإنسان الذي يمارس هذا العمل أحد شخصين: إما أن يكون ابن زنا، أو ممن شارك الشيطان فيه، لأن الله تعالى حدّثنا في خطابه للشيطان: {وشاركهم في الأموال والأولاد}، وهذه المشاركة تفسّر على جوانب عدة..

وقد ورد في ما نتلو عليكم من أحاديث، أن الإنسان الذي يمارس مثل هذا الخُلُق السيّىء لا يدخل الجنة حتى لو صام وصلى، فتعالوا لنستمع إلى ما ورد عن رسول الله (ص) مما رواه أهل البيت (ع) عنه، ومما جاء في كلماتهم (ع) التي هي كلمات رسول الله… ففي الحديث عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "قال رسول الله(ص): إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له – بحيث يسب الناس ويفحش عليهم ويسبونه ويفحشون عليه وهو غير مبالٍ بهذا السبّ – فإنه لغيّة أو شرك شيطان"، واللغية تفسّر بأنها ابن الزنا.

علامة شراكة الشيطان:

وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "إن من علامات شرك الشيطان ـ بمعنى أن الشيطان شارك فيه ـ الذي لا يُشك فيه، أن يكون فحّاشاً"، ونقرأ في الأحاديث عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "قال رسول الله (ص): إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغيّة أو شرك شيطان"، فقيل: يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان؟ فقال (ص):" أما تقرأ قول الله عزّ وجل: {وشاركهم في الأموال والأولاد}، فعلى من يأكل المال الحرام من سرقة أو اغتصاب لمال الناس، أو الذي يبيع الخمر ولحم الميتة، أن يعرف أن للشيطان شراكة في ولده الذي انعقدت نطفته من مال حرام، وهذا مما يترك تأثيره السلبي عليه.

وسأل رجل فقيهاً ـ والمقصود به أحد الأئمة (ع) ـ: هل في الناس من لا يبالي ما قيل له؟ قال: "من تعرّض للناس يشتمهم وهو يعلم أنهم لا يتركونه، فذاك الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له". وعن الإمام الباقر (ع) قال: "إن الله يبغض الفاحش المتفحّش"، وفي الحديث عن بعض أصحاب الإمام جعفر الصادق (ع) قال: كان لأبي عبد الله (ع) صديق يكاد لا يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين ومعه غلام سندي يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة – أي يا ابن الزانية - أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله (ع) يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثم قال: "سبحان الله، تقذف أمه! قد كنت أرى أن لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع"، فقال: جُعلت فداك، إن أمه سندية مشركة، فقال (ع): "أما علمت أن لكل أمّة نكاحاً، تنحّ عني"، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما.. وفي رواية أخرى أنه (ع) قال: "إن لكل أمة نكاحاً يحتجزون به عن الزنا"، وقد أمضى الإسلام زواج كل الملل، فلا نستطيع أن نعتبر أن كل أولاد غير المسلمين هم أولاد زنا، لأن الزوجين من غير المسلمين يعقدان قرانهما على طريقتهم، وقد أمضى الإسلام طريقتهم.. وعندما نريد أن نقف قليلاً عند هذا الحديث نقول: إن هذا الشخص من أصحاب الإمام الصادق (ع) تحدث بالفحش مع غلام له سندي مجوسي مشرك، ومع ذلك فقد قاطعه الإمام، ونحن نسبّ أولادنا وجيراننا والعاملين عندنا، فهل سيسمح لنا الإمام الصادق أن نتقرّب منه؟

الفحش مثال سَوْء:

وفي الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال لعائشة: "يا عائشة، إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سَوء"، وقد قال النبي (ص) لعائشة هذا الحديث عندما كان النبي جالساً فمر عليه يهودي فقال له: السام عليك ـ والسام يعني الموت، وكأنه يريد أن يستغفل النبي ليهزأ به عند جماعته بعد أن يرد النبي السلام عليه – فقال له النبي (ص): "وعليك"، فالتفتت عائشة إلى ذلك وبدأت تسب هذا اليهودي وتلعنه، فالتفت إليها رسول الله (ص) وقال لها: "يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سَوء، إن الرفق ما وُضع على شيء إلا زانه، وما رُفع عن شيء إلا شانه، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"… وهذه الكلمات عندما نسمعها، فلا بدّ أن ندخلها إلى العقل لينضّجها وتركّزها الإرادة، ولا بدّ أن تبلغوها للآخرين، لأن ما تسمعونه هو حجه لله تعالى عليكم.

وفي الحديث عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "كان في بني إسرائيل رجل، فدعا الله أن يرزقه غلاماً ثلاث سنين، فلما رأى أن الله لا يجيبه قال: يا ربّ أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت مني فلا تجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه فقال له: إنك تدعو الله عزّ وجل بلسان بذيء – بلسان وسخ – وقلب عاتٍ غير تقي ـ أي قلب قاسٍ ليس فيه رحمة ـ ونيّة غير صادقة، فأقلع عن بذائك، وليتقِ الله قلبك، ولتحسّن نيّتك، قال: ففعل الرجل ذلك ثم دعا الله فوُلد له غلام"، ومعنى ذلك، أن هناك كثيراً من الدعاء لا يستجيبه الله، لأنه تعالى لا ينظر إلى الكلمات فقط، بل إلى اللسان الذي انطلق منه الدعاء، وإلى القلب الذي انطلق منه، وإلى النية التي انفتح منها. وعن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: "إن من شرّ عباد الله من تُكره مجالسته لفحشه"، أي لا تسمع من هذا الإنسان الذي تجالسه إلا كلاماً فاحشاً سيئاً، بحيث لا تطيق أن تجلس إليه.. وعنه (ع) قال: "البذاء من الجفاء – لأنه يمثل الغلظة والقسوة وعدم البرّ بالناس – والجفاء في النار".. وعنه (ع): "إن الفحش والبذاء والسلاطة – الإنسان الحادّ في لسانه – من النفاق"، وقد ورد في الحديث: "من فحش على أخيه المسلم، نزع الله منه بركة رزقه ووكله إلى نفسه وأفسد عليه معيشته"..

الكلمة الطيبة:

ودخل شخص على الإمام الصادق (ع) وهو "سماعة"، فقال له الإمام مبتدئاً: "يا سماعة، ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك؟! إياك أن تكون صخّاباً أو لعاناً"، فقال: والله لقد كان ذلك أنه ظلمني، فقال (ع): "إن كان ظلمك فقد أربيت عليه – بحيث تجاوزت في ظلمه مستوى ما ظلمك به – إن هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي، استغفر ربك ولا تعد"، فقال: أستغفر الله ولا أعود..

إن الإسلام أراد لنا أن نكون الأمة المهذبة النظيفة اللسان والقلب والجسد، إن الله تعالى أرادنا أن نعيش مع الناس ليحبونا من خلال الكلمة الطيبة والروح الطيبة والأسلوب الطيب، لأن الكلمة الطيبة تفتح قلوب الناس عليك وعلى ما تمثل، وإن الكلمة السيئة الوسخة تُغلق قلوب الناس عليك وتُغلق أبواب السماء عنك فلا يُستجاب دعاؤك.. هذا هو خط الإسلام، خط رسول الله (ص) {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، فعلينا أن نأخذ بما جاءنا عن رسول الله(ص) ونترك ما نهانا عنه، وأن نعمل على أن نكون الناس الذين يحبون الآخرين ويحترمونهم، ليحترمنا الناس ويحبونا.

الخطبة الثانية

 

عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم وأوضاعكم، وراقبوه في ما تتكلمون، واخشوه في ما تعملون، وكونوا المسؤولين في حياتكم عن أنفسكم وعن المسلمين من حولكم وعن الحياة التي تتحركون فيها، فإن الله تعالى خلق الإنسان وحمّله المسؤولية أن يبني نفسه على الإيمان وأن يدعو الناس إلى الله، وأن يعمّر الأرض على الخط الذي يريده الله تعالى من ذلك، إن الله لا يريد العبد البطّال ولا يريد العبد الذي يعيش اللامبالاة أمام قضايا الناس والحياة. لذلك، علينا أن نهتم بأمور المسلمين في كل القضايا، لأن الإنسان اللامبالي الذي لا يهتم إلا بنفسه، هو بعيد عن الإسلام، فتعالوا لنعرف ماذا هناك مما ينبغي أن نهتم به من كل قضايانا.

وعي اللعبة الأمريكية ـ الإسرائيلية الجديدة:

لا يزال الواقع السياسي العربي خاضعاً للمدّ والجزر في تصريحات "باراك"، التي قد تقرّبهم من الحُلُم في تحقيق التسوية بالسرعة التي يريدونها، وبالنتائج التي يتمنونها.. فيما لاحظنا حجم الحفاوة الأمريكية في استقبال هذا القادم الجديد، حتى في ظل دعواته لتكون أمريكا مجرد شاهد لا ضاغط، ولتُصبح بعد ذلك الضامن لمطالب إسرائيل بالكامل.

لقد حذّرنا من هذا الرجل الذي أعطى العرب الكلمات المعسولة في لقاءاته مع المسؤولين العرب، وقلنا إنه الأخطر من بين المسؤولين الصهاينة، وذلك ليأخذ العرب بأسباب الحذر، لأنه عسكري في ثوب مدني، ولأنه إرهابي في موقع سياسي.. وإننا نقول لهم: تواضعوا في أحلامكم وانفتحوا على وعي اللعبة الجديدة في الغزل الأمريكي – الإسرائيلي، الذي قد يهيّئ لتسوية يدفع العرب كل أثمان عزتهم وكرامتهم ومستقبل شعوبهم مقابلها، لأن أمريكا التي تمسك بأوراق اللعبة، سوف تضغط وتضغط عليهم باسم إنجاح التسوية لحساب إسرائيل.

ندعو لعقلانية الخطاب والحفاظ على النظام الإسلامي:

وفي جانب آخر، فقد هدأت الأوضاع في الجمهورية الإسلامية بعد تدخّل القيادة الإسلامية الشرعية والمدنية في إعادة التوازن إلى الساحة، وإننا ندعو المسؤولين إلى دراسة هذه التطورات بدقة، من خلال التعرّف على أسبابها وخلفياتها بعمق وشمولية.

إن الاستكبار العالمي الذي لا يريد لإيران خيراً، يعمل على الاستفادة من بعض المفردات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الداخل، بالإضافة إلى الأساليب العنيفة في الخطاب السياسي في هذا الجانب أو ذاك. وإننا ندعو الجميع إلى عقلانية الخطاب وانفتاحه على الآخر، واحترام تطلعات الشباب نحو المستقبل، والمحافظة على الحريات العامة في إطار المسؤولية عن سلامة البلد واستقراره، والدقة في المحاسبة على أساس العدل..

لقد لاحظنا أن أمريكا وحلفاءها في المنطقة قد هللوا لما حدث في إيران، وعملوا على تضخيم الأحداث والدخول على الخط في عملية الإثارة السياسية والأمنية، وحاولوا الإيحاء بأن هناك خلافاً في المواقع القيادية، وأن الرئاسة تحوّلت إلى فريق في مواجهة القيادة، ولعب البعض في الداخل على هذا الوتر، ورأينا كيف أن الرئيس خاتمي كان في موقع رجل الدولة في المحافظة على النظام العام في البلد على أساس القانون، ولم يكن في موقع رئيس فريق معيّن، وكيف أن آية الله السيد الخامنئي كان في موقع الأبوّة القيادية، وأن الجميع التقوا على حلّ المشكلة من أجل حفظ النظام الإسلامي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

إننا ندعو الجميع في إيران للارتفاع إلى مستوى المرحلة، لأن النظام الإسلامي هو أمانة الله في أعناق الجميع على مستوى الشعب والمسؤولين، فلا مجال للانفعال، ولا مبرر لإثارة التوتر من جديد، ولا بدّ من الدخول في الحوار بين الدولة وبين الطلاب، وبين هذا الخط أو ذاك، بعيداً عن القمع والاستغلال.

قصف المدنيين قاعدة جديدة للعدوان:

فإذا وصلنا إلى لبنان، فإننا نلاحظ أن اللبنانيين قد هللوا لعودة لجنة تفاهم نيسان إلى العمل، وربما شعروا بالرضا لإدانتها إسرائيل على قصفها للبنية التحتية للبنان، ولكن هذه اللجنة تحوّلت إلى حائط مبكى يخفف من الإحراج الإسرائيلي والأمريكي في مجلس الأمن لو نقل لبنان شكواه إليه.. إننا نتصور أن العدوان الصهيوني سوف يستمر على لبنان، وسوف تتكرر الشكاوى المتبادلة من دون نتيجة.. لقد أعلن نتنياهو أنه بادر إلى هذا القصف على المواقع المدنية بعد أن رأى قصف الحلف الأطلسي لها في صربيا، مما يوحي بأن هناك قاعدة جديدة للعدوان على الشعوب تتحرك بها الدول الكبرى ويستفيد منها الاحتلال الصهيوني، باعتبارها الأسلوب الجديد للمبادرات العسكرية العدوانية دون عقاب.

أعطوا السياسة جرعة من المحبة:

أما على المستوى الداخلي، فقد دار سجال طويل متنوع مختلف الأبعاد في الجلسة النيابية، ما بين الحكومة والموالاة من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، وقد لاحظنا أن الانفعال والتوتر وتسجيل النقاط هي العناصر الغالبة على أغلب المداخلات..

إننا نقول لهم: مع احترامنا للكثير من الملاحظات والاعتراضات والمبادرات والردود، إن المرحلة هي مرحلة تجميع النقاط لخدمة الشعب، وتكامل المعارضة مع الحكومة في البحث عن الحلول، والابتعاد عن العنف في المشاعر والكلمات والمواقف.. أعطوا السياسة جرعة من المحبة، والحركة جرعة من العقل، والنقد جرعة من الواقعية، والمرحلة جرعة من التوازن في المسؤولية، والشعب جرعات من العدالة.. إنكم لستم سادة الشعب وجلاّديه، بل أنتم وكلاؤه والمؤتمنون على قضاياه، فارتفعوا إلى مستوى المسؤولية في خطورة الواقع وتحديات المرحلة والمستقبل.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية