محاضرات
14/12/2024

منطقُ الالتزامِ عندَ عليّ (ع) في مواجهة التحدّيات

منطقُ الالتزامِ عندَ عليّ (ع) في مواجهة التحدّيات

إنَّ منطق الالتزام هو المنطق الَّذي ينطلق فيه الإنسان عندما يشتدّ ويقوى، وعندما يدخل ساحة الصِّراع، ويواجه التحدّيات، فلا تغيب الرّسالة عنه، بل تبقى أمامه، هذا الَّذي "لَمْ يُقَدِّمْ رِجْلاً، ولَمْ يُؤَخِّرْ رِجْلاً، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِلَّه رِضًا"، بحيث إنَّه يبقى واعياً لما يدافع عنه، وللحدود الَّتي يريد الله له أن يقف عندها.
وهذا ما نلاحظه في أئمَّة أهل البيت (ع)، وهم صراط النّجاة وخطّ الهدى. الإمام عليّ (ع) كان الإنسان الملتزم، لأنَّه كان الإنسان الَّذي شارك في بناء الرِّسالة وتقويتها، لا بسيفه فقط، كما يقول بعض النَّاس، وأنا لا أتفاعل مع هذا الكلام، بأنَّ الإسلام بُنِيَ أو قَوِيَ بمال خديجة وسيف عليّ، ويذكرون من عليٍّ (ع) فقط سيفه. طبعاً رسول الله (ص) هو الأساس، ولكنَّ الإسلام بُنِيَ بسيفِ عليّ، وعلمِ عليّ، وصبرِ عليّ، وصلابة عليٍّ وحكمته، وكلّ ما يمثّله عليّ (ع)، وليس فقط بسيفه.
من أكبر الأخطاء أن نتحدَّث فقط عن سيف عليّ (ع)، وعليٌّ مدينة العلم، كما قال رسول الله (ص) عنه: "أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُها"، وعليّ يمثِّل كلَّ الفضائل في كلِّ حياته. الإمام عليّ (ع) واجه مسألة من أشدِّ المسائل صعوبةً وحساسيّةً بعد النّبيّ (ص). في يوم الغدير، بايعه المسلمون بإمرة المؤمنين، ولكن عندما ارتفع رسول الله (ص) إلى الرَّفيق الأعلى، وكان عليّ (ع) مشغولاً بتجهيزه، رُتِّبَتِ الخطَّةُ وتحركت، فكيف واجه عليّ (ع) المسألة؟ اتّخذ في البداية أسلوب الحياديَّة السَّلبيَّة، ولكنَّ المسلمين بدأوا يواجهون المشاكل، لأنَّه على عهد رسول الله (ص)، كان النَّاس يلجأون إليه (ص) من الدَّاخل والخارج ليسألوه، فيجيبهم عن كلِّ أسئلتهم، ولكن بعد الرَّسول (ص)، لم يكن هناك في المسلمين من يملك أن يجيب عن كلِّ سؤال، وأن يحلَّ كلَّ مشكلة، إلَّا عليّ (ع).
طبعاً هذا الانسحاب من السَّاحة والحياديّة والموقف السلبيّ منه (ع)، ترك فراغاً في الحكم الإسلاميّ، فالَّذين تولّوا الحكم، كانوا لا يملكون ثقافةً يستطيعون من خلالها أن يواجهوا كلَّ المشاكل الفكريَّة والثقافيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، فبدأ الإسلام يهتزُّ من خلال فتنة الردَّة وارتداد النّاس عن الإسلام، وكان الواقع مهيّأً لأن تتطوَّر المسألة بشكلٍ سلبيّ، لأنَّ رسول الله (ص) كان هو الَّذي يملك زمام القوَّة، والَّذي كان يجمع هذا الواقع الإسلاميَّ كلَّه.
لذلك، وقف الإمام عليّ (ع) في السَّاحة، وأعطى الرَّأي، وحلَّ المشاكل، وعمل على حماية الواقع الإسلاميّ بعلمه وجهده ومواقفه، وهذا ما عبَّر عنه، وأنا أحبُّ لكلّ شبابنا أن يحفظوا هذا الكتاب الَّذي كتبه إلى أهل مصر، لأنَّه يمثِّل أسلوب أهل البيت (ع) عندما يواجهون المشاكل الَّتي تعمل على أن تهزَّ الإسلام من جذوره، وكيف يتعاملون معها لحماية الإسلام، حتَّى على حساب قضاياهم الخاصَّة.
يقول (ع) كما ورد في نهج البلاغة: "فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ (يقصد أبا بكر) يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي - وقفت موقفاً سلبيّاً - حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ - بدأت هناك فتنة الرّدّة والخروج من الإسلام، فبعد أن كان النَّاس يدخلون في دين الله أفواجاً، صار النَّاس يخرجون منه - يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (ص)، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ – يقول إنَّ نصرة الإسلام الَّذي كان معرَّضاً لأن يهتزَّ ويهدم، أهمُّ عندي من فوت الولاية - الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ – وأسرعت، وعلّمت، وأعطيت كلَّ جهدي فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ، حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ".
كان منطق القوم منطق العصبيَّة، وكان منطق عليّ منطق الالتزام. ومنطق الالتزام قد يتحرَّك بالرّفق تارةً إذا كانت الرِّسالة تفرض عليه الرّفق، وقد يتحرَّك بالقوَّة أخرى إذا كانت الرِّسالة تفرض عليه ذلك.
* من خطبة عاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 12/ 05/ 1997م.
إنَّ منطق الالتزام هو المنطق الَّذي ينطلق فيه الإنسان عندما يشتدّ ويقوى، وعندما يدخل ساحة الصِّراع، ويواجه التحدّيات، فلا تغيب الرّسالة عنه، بل تبقى أمامه، هذا الَّذي "لَمْ يُقَدِّمْ رِجْلاً، ولَمْ يُؤَخِّرْ رِجْلاً، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِلَّه رِضًا"، بحيث إنَّه يبقى واعياً لما يدافع عنه، وللحدود الَّتي يريد الله له أن يقف عندها.
وهذا ما نلاحظه في أئمَّة أهل البيت (ع)، وهم صراط النّجاة وخطّ الهدى. الإمام عليّ (ع) كان الإنسان الملتزم، لأنَّه كان الإنسان الَّذي شارك في بناء الرِّسالة وتقويتها، لا بسيفه فقط، كما يقول بعض النَّاس، وأنا لا أتفاعل مع هذا الكلام، بأنَّ الإسلام بُنِيَ أو قَوِيَ بمال خديجة وسيف عليّ، ويذكرون من عليٍّ (ع) فقط سيفه. طبعاً رسول الله (ص) هو الأساس، ولكنَّ الإسلام بُنِيَ بسيفِ عليّ، وعلمِ عليّ، وصبرِ عليّ، وصلابة عليٍّ وحكمته، وكلّ ما يمثّله عليّ (ع)، وليس فقط بسيفه.
من أكبر الأخطاء أن نتحدَّث فقط عن سيف عليّ (ع)، وعليٌّ مدينة العلم، كما قال رسول الله (ص) عنه: "أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُها"، وعليّ يمثِّل كلَّ الفضائل في كلِّ حياته. الإمام عليّ (ع) واجه مسألة من أشدِّ المسائل صعوبةً وحساسيّةً بعد النّبيّ (ص). في يوم الغدير، بايعه المسلمون بإمرة المؤمنين، ولكن عندما ارتفع رسول الله (ص) إلى الرَّفيق الأعلى، وكان عليّ (ع) مشغولاً بتجهيزه، رُتِّبَتِ الخطَّةُ وتحركت، فكيف واجه عليّ (ع) المسألة؟ اتّخذ في البداية أسلوب الحياديَّة السَّلبيَّة، ولكنَّ المسلمين بدأوا يواجهون المشاكل، لأنَّه على عهد رسول الله (ص)، كان النَّاس يلجأون إليه (ص) من الدَّاخل والخارج ليسألوه، فيجيبهم عن كلِّ أسئلتهم، ولكن بعد الرَّسول (ص)، لم يكن هناك في المسلمين من يملك أن يجيب عن كلِّ سؤال، وأن يحلَّ كلَّ مشكلة، إلَّا عليّ (ع).
طبعاً هذا الانسحاب من السَّاحة والحياديّة والموقف السلبيّ منه (ع)، ترك فراغاً في الحكم الإسلاميّ، فالَّذين تولّوا الحكم، كانوا لا يملكون ثقافةً يستطيعون من خلالها أن يواجهوا كلَّ المشاكل الفكريَّة والثقافيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، فبدأ الإسلام يهتزُّ من خلال فتنة الردَّة وارتداد النّاس عن الإسلام، وكان الواقع مهيّأً لأن تتطوَّر المسألة بشكلٍ سلبيّ، لأنَّ رسول الله (ص) كان هو الَّذي يملك زمام القوَّة، والَّذي كان يجمع هذا الواقع الإسلاميَّ كلَّه.
لذلك، وقف الإمام عليّ (ع) في السَّاحة، وأعطى الرَّأي، وحلَّ المشاكل، وعمل على حماية الواقع الإسلاميّ بعلمه وجهده ومواقفه، وهذا ما عبَّر عنه، وأنا أحبُّ لكلّ شبابنا أن يحفظوا هذا الكتاب الَّذي كتبه إلى أهل مصر، لأنَّه يمثِّل أسلوب أهل البيت (ع) عندما يواجهون المشاكل الَّتي تعمل على أن تهزَّ الإسلام من جذوره، وكيف يتعاملون معها لحماية الإسلام، حتَّى على حساب قضاياهم الخاصَّة.
يقول (ع) كما ورد في نهج البلاغة: "فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ (يقصد أبا بكر) يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي - وقفت موقفاً سلبيّاً - حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ - بدأت هناك فتنة الرّدّة والخروج من الإسلام، فبعد أن كان النَّاس يدخلون في دين الله أفواجاً، صار النَّاس يخرجون منه - يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (ص)، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ – يقول إنَّ نصرة الإسلام الَّذي كان معرَّضاً لأن يهتزَّ ويهدم، أهمُّ عندي من فوت الولاية - الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ – وأسرعت، وعلّمت، وأعطيت كلَّ جهدي فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ، حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ".
كان منطق القوم منطق العصبيَّة، وكان منطق عليّ منطق الالتزام. ومنطق الالتزام قد يتحرَّك بالرّفق تارةً إذا كانت الرِّسالة تفرض عليه الرّفق، وقد يتحرَّك بالقوَّة أخرى إذا كانت الرِّسالة تفرض عليه ذلك.
* من خطبة عاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 12/ 05/ 1997م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية