"فلاَ تَنْسَ لَهُم اللَّهُمَّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ، وأرْضِهِمْ مِنْ رِضْوانِكَ وبِما حَاشُوا الخَلْقَ عليْكَ، وكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إلَيْكَ، وأشْكَرَهُمْ علَى هَجْرِهِمْ فِيكَ دِيَارَ قَوْمِهِمْ، وخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ المَعَاشِ إلى ضِيقِهِ، ومَنْ كَثَّرْتَ في إعْزَازِ دِينِكَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ".
اللَّهمَّ اذكر لهم - بما تذكر به أولياءك من عظيم ثوابك وجزيل أجرك - ما تركوه من علاقاتهم وملذَّاتهم وشهواتهم وأطماعهم وراحتهم للوصول إلى قربك والحصول على رضاك، وما عملوا به في سبيل الدَّعوة إليك والجهاد في خطِّك المستقيم في مواجهة أعدائك وأعداء دينك، فلا تَنْسَ لهم - يا ربّ - ذلك كلَّه، وأعطهم من رضاكَ ما تقرُّ به عيونهم وترتاح له نفوسهم، وترتفع به درجاتهم، من خلال جهدهم في جمع النَّاس إلى دينك، وترغيبهم إلى طاعتك، وتقريبهم إليك، واتّباعهم لرسولك، وصحبتهم له، وإخلاصهم لرسالته، وما بذلوه من الجهد الكبير في الدَّعوة إليك قربةً لك وخضوعاً لأوامرك... واشكر لهم - يا ربّ - هجرتهم بلادهم وديار أهلهم، مع عمق الألفة لها، والمحبّة الذاتيَّة لها في ذكريات طفولتهم وملاعب شبابهم، ومرتع أحبّائهم وأقربائهم، من أجل الثَّبات على دينك والجهاد في سبيلك، مع ما يفرضه ذلك عليهم من ضيق العيش بعد أن كانوا في سعة منه، ومن وحشة الغربة بعد أن عاشوا في أنس الوطن، فإنَّك تشكر لعبادك المخلصين لك، المجاهدين في سبيلك، بأن تمنحهم رضوانك، وتسكنهم جنّتك، وتجزل لهم الثواب العظيم.
هؤلاء هم الَّذين عاشوا لك وهاجروا إليك وجاهدوا في سبيل إعزاز دينك، ممن واجهوا ظلم المشركين وتعذيبهم قبل الهجرة، حتى قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75]، كلّ ذلك إعزازاً لدينك.
*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.