كتابات
21/02/2022

رسولُ اللهِ (ص): صاحبُ الرِّسالةِ الّتي بلَّغَها بكلِّ جهدِهِ

رسولُ اللهِ (ص): صاحبُ الرِّسالةِ الّتي بلَّغَها بكلِّ جهدِهِ
يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه في الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد:]

"وأدْأبَ نفْسَهُ في تَبْليغِ رِسالتِكَ، وأتْعَبَها بالدُّعاءِ إلى ملَّتِكَ، وشَغَلَها بِالنُّصْحِ لأهْلِ دَعْوَتِكَ، وهَاجَرَ إلى بِلادِ الغُرْبَةِ ومَحَلِّ النَّأيِ عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ، ومَوْضِعِ رِجْلِهِ، ومَسْقَطِ رأسِهِ، ومأنَسِ نفْسِهِ، إرادَةً مِنْهُ لإعْزازِ دِينِكَ، واسْتِنْصاراً على أهْلِ الكُفْرِ، حتّى اسْتَتَبَّ لهُ ما حاوَل في أعْدائِكَ، واسْتَتَمَّ له ما دَبَّر في أوْلِيَائِكَ، فنَهَدَ إلَيْهِمْ مستَفْتِحاً بِعَوْنِكَ، ومُتَقوِّياً علَى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ، فغَزَاهُم في عُقْرِ دِيارِهِم، وهَجَمَ علَيْهِمْ فِي بُحْبُوحةِ قرَارِهِمْ، حتَّى ظَهَرَ أمْرُكَ، وعلَتْ كَلِمَتُكَ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون".

يا ربّ، لقد كان رسولك محمَّد (ص) الرَّسول الَّذي جعل حياته كلَّها وقفاً على إبلاغ رسالتك للنَّاس، فوظَّف كلَّ طاقاته في هذا الاتجاه، فلم يدَّخر جهداً، ولم يوفِّر قوَّةً، فكان النبيَّ الَّذي اجتهد أبلغ الاجتهاد في إيصال الرّسالة إلى كلِّ إنسان ممن يملك الوسيلة إلى إبلاغه، وتحمَّل المتاعب كأقسى ما يكون التَّعب، من أجل ربط النَّاس بالملّة الَّتي شرعتها وكلّفت النَّاس بها، تقريباً لهم إلى ما يصلحهم، وإبعاداً لهم عمَّا يفسدهم، وتوجيهاً لهم إلى ما يعمّر لهم البلاد، ويهيّىء لهم سبل النجاة في المعاد، وكانت النصيحة لأهل الدَّعوة شغله الشاغل، وهمّه الكبير، وقد عاش ذلك في كلّ كيانه، فكان يقاسي الآلام النفسيّة إذا رأى ابتعاد الناس عن الإيمان بالرسالة، واستمرارهم بالضّلالة، حتى نزل الوحي عليه منك في قولك - تباركت وتعاليت - : {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: 3].

وقولك سبحانك: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}[الكهف: 6].

وقولك: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً نفسك عليهم حسرات}[فاطر: 8]، وغيرها من الآيات التي توحي بأنّه كان النبيّ الذي ينفتح على الناس من موقع المحبَّة لا من موقع الحقد، ومن طبيعة الرّحمة لا القسوة، ولذلك كانت مشاعره الإنسانيَّة مع كلّ الناس من حوله، ليهتدوا به ويستضيئوا بنوره، من أجل الله لا من أجل نفسه، حتى بلغ في ذلك كلّه ما بلغه من الأذى، حتى قال: "ما أُوذيَ نبيّ مثل ما أُوذيت"1.

وقد عبّر عن ذلك أمير المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب (ع) الذي رافقه منذ بداية رسالته حتى آخر حياته، واطّلع على كلّ معاناته في سبيل الله، فقال: "خاضَ إلى رِضوان الله كُلَّ غَمْرةٍ، وَتَجرَّع فيه كلّ غُصَّة، وَقَد تَلَوّنَ له الأَدْنَوْنَ، وتَأَلّبَ عليه الأَقْصَوْنَ، وَخَلَعتْ إليهِ العربُ أعنَّتَها، وَضَربَتْ إلى محاربتهٍ بطونَ رواحِلِها، حتى أَنْزَلَتْ بساحتِهِ عداوتَهَا مِنْ أَبْعَدِ الدّارِ، وأَسْحَقِ الَمَزار"2.

وهكذا اضطرَّ إلى الهجرة إلى بلاد غير بلاده، وموطنٍ غير موطنه، وموقعٍ غير موقعه، فابتعد عن ساحات الأنس ومواقع الألفة، ووطن الآباء والأجداد، ما يمثِّل ضغطاً نفسياً عميقاً على الإنسان في مشاعره الداخليَّة، ولكنّه كان صاحب رسالة، وكانت رسالته أكثر أهميّةً لديه من ذلك كلّه، لأنَّ ذاته لم يكن لها شأن عنده، فقد كان كلّ همّه إعزاز دينك، ومواجهة مجتمع الكفر للانتصار عليه، بفعل رعايتك له ونصرك إيَّاه، فاستكمل القوَّة للمواجهة، وحوّل نقاط الضّعف إلى نقاط قوَّة، وانطلق المؤمنون معه بروحية الشهادة، وحركية الأمل بالنَّصر، منفتحين عليك، لائذين بك، متطلّعين إلى نصرك، واثقين برحمتك. واندفعوا إلى الحرب لا حباً بها، ولكن لتكون كلمتك هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى، وكان النصر بعد تجارب مؤلمة وهزائم منكرة، وانفتحت ديار الكافرين على الإسلام، ودخل النَّاس في دين الله أفواجاً، وجاء الحقّ وزهق الباطل، وعلت كلمتك وظهر أمرك، وانطلقت المسيرة من خلال جهده الفكري والروحي وإخلاصه العملي. فقد كان بكلِّه لك، فلا شيء في ذاته لذاته ولا لغيره في الجانب الشخصي من ذلك، فأنت كلّ غايته ومقصده ومبتغاه.

*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.

[1]البحار، ج: 77، ص:60.

[2]الكافي، ج: 6، ص: 49.

يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه في الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد:]

"وأدْأبَ نفْسَهُ في تَبْليغِ رِسالتِكَ، وأتْعَبَها بالدُّعاءِ إلى ملَّتِكَ، وشَغَلَها بِالنُّصْحِ لأهْلِ دَعْوَتِكَ، وهَاجَرَ إلى بِلادِ الغُرْبَةِ ومَحَلِّ النَّأيِ عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ، ومَوْضِعِ رِجْلِهِ، ومَسْقَطِ رأسِهِ، ومأنَسِ نفْسِهِ، إرادَةً مِنْهُ لإعْزازِ دِينِكَ، واسْتِنْصاراً على أهْلِ الكُفْرِ، حتّى اسْتَتَبَّ لهُ ما حاوَل في أعْدائِكَ، واسْتَتَمَّ له ما دَبَّر في أوْلِيَائِكَ، فنَهَدَ إلَيْهِمْ مستَفْتِحاً بِعَوْنِكَ، ومُتَقوِّياً علَى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ، فغَزَاهُم في عُقْرِ دِيارِهِم، وهَجَمَ علَيْهِمْ فِي بُحْبُوحةِ قرَارِهِمْ، حتَّى ظَهَرَ أمْرُكَ، وعلَتْ كَلِمَتُكَ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون".

يا ربّ، لقد كان رسولك محمَّد (ص) الرَّسول الَّذي جعل حياته كلَّها وقفاً على إبلاغ رسالتك للنَّاس، فوظَّف كلَّ طاقاته في هذا الاتجاه، فلم يدَّخر جهداً، ولم يوفِّر قوَّةً، فكان النبيَّ الَّذي اجتهد أبلغ الاجتهاد في إيصال الرّسالة إلى كلِّ إنسان ممن يملك الوسيلة إلى إبلاغه، وتحمَّل المتاعب كأقسى ما يكون التَّعب، من أجل ربط النَّاس بالملّة الَّتي شرعتها وكلّفت النَّاس بها، تقريباً لهم إلى ما يصلحهم، وإبعاداً لهم عمَّا يفسدهم، وتوجيهاً لهم إلى ما يعمّر لهم البلاد، ويهيّىء لهم سبل النجاة في المعاد، وكانت النصيحة لأهل الدَّعوة شغله الشاغل، وهمّه الكبير، وقد عاش ذلك في كلّ كيانه، فكان يقاسي الآلام النفسيّة إذا رأى ابتعاد الناس عن الإيمان بالرسالة، واستمرارهم بالضّلالة، حتى نزل الوحي عليه منك في قولك - تباركت وتعاليت - : {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: 3].

وقولك سبحانك: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}[الكهف: 6].

وقولك: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً نفسك عليهم حسرات}[فاطر: 8]، وغيرها من الآيات التي توحي بأنّه كان النبيّ الذي ينفتح على الناس من موقع المحبَّة لا من موقع الحقد، ومن طبيعة الرّحمة لا القسوة، ولذلك كانت مشاعره الإنسانيَّة مع كلّ الناس من حوله، ليهتدوا به ويستضيئوا بنوره، من أجل الله لا من أجل نفسه، حتى بلغ في ذلك كلّه ما بلغه من الأذى، حتى قال: "ما أُوذيَ نبيّ مثل ما أُوذيت"1.

وقد عبّر عن ذلك أمير المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب (ع) الذي رافقه منذ بداية رسالته حتى آخر حياته، واطّلع على كلّ معاناته في سبيل الله، فقال: "خاضَ إلى رِضوان الله كُلَّ غَمْرةٍ، وَتَجرَّع فيه كلّ غُصَّة، وَقَد تَلَوّنَ له الأَدْنَوْنَ، وتَأَلّبَ عليه الأَقْصَوْنَ، وَخَلَعتْ إليهِ العربُ أعنَّتَها، وَضَربَتْ إلى محاربتهٍ بطونَ رواحِلِها، حتى أَنْزَلَتْ بساحتِهِ عداوتَهَا مِنْ أَبْعَدِ الدّارِ، وأَسْحَقِ الَمَزار"2.

وهكذا اضطرَّ إلى الهجرة إلى بلاد غير بلاده، وموطنٍ غير موطنه، وموقعٍ غير موقعه، فابتعد عن ساحات الأنس ومواقع الألفة، ووطن الآباء والأجداد، ما يمثِّل ضغطاً نفسياً عميقاً على الإنسان في مشاعره الداخليَّة، ولكنّه كان صاحب رسالة، وكانت رسالته أكثر أهميّةً لديه من ذلك كلّه، لأنَّ ذاته لم يكن لها شأن عنده، فقد كان كلّ همّه إعزاز دينك، ومواجهة مجتمع الكفر للانتصار عليه، بفعل رعايتك له ونصرك إيَّاه، فاستكمل القوَّة للمواجهة، وحوّل نقاط الضّعف إلى نقاط قوَّة، وانطلق المؤمنون معه بروحية الشهادة، وحركية الأمل بالنَّصر، منفتحين عليك، لائذين بك، متطلّعين إلى نصرك، واثقين برحمتك. واندفعوا إلى الحرب لا حباً بها، ولكن لتكون كلمتك هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى، وكان النصر بعد تجارب مؤلمة وهزائم منكرة، وانفتحت ديار الكافرين على الإسلام، ودخل النَّاس في دين الله أفواجاً، وجاء الحقّ وزهق الباطل، وعلت كلمتك وظهر أمرك، وانطلقت المسيرة من خلال جهده الفكري والروحي وإخلاصه العملي. فقد كان بكلِّه لك، فلا شيء في ذاته لذاته ولا لغيره في الجانب الشخصي من ذلك، فأنت كلّ غايته ومقصده ومبتغاه.

*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.

[1]البحار، ج: 77، ص:60.

[2]الكافي، ج: 6، ص: 49.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية