"الاستضعاف في العقيدة" نعني به الحالة الَّتي لا يملك الإنسان معها الانفتاح على الحقّ، من خلال الفكر القويّ المرن، أو الوسائل الّتي تتيح له أن يحصل على المعرفة التفصيليَّة في وجهات النظر المتنوّعة، أو المعرفة الإجماليَّة التي تثير أمامه احتمالات الفكرة المضادَّة لما يملكه من فكر وقناعة. وقد يتمثَّل هذا النموذج في عدّة أسباب:
1 ـــ القصور الفكريّ الذاتيّ الذي يمنع الإنسان من مواجهة المشاكل الفكريَّة أو القضايا العقيديّة في انفتاح وسعة وعمق، فإذا حدثت لديه الشّبهة، فإنّه لا يستطيع أن يحاكمها أو يحلِّلها، بل يقف أمامها حائراً جامداً، لأنّه لا يملك القوّة الفكريّة الّتي تواجه ذلك كلّه بالمناقشة والتحليل.
2 ـــ الغفلة المطبقة التي تغلق على الإنسان كلّ نوافذ الاحتمال المضادّ، لأنَّ الظروف الموضوعيَّة المحيطة به، لم تهيِّئ له الانفتاح على وجود فكرة مضادَّة من خلال ما سمعه أو قرأه أو فكّر فيه، ومن خلال ذلك، يبقى هذا الإنسان في دائرة أفكاره الموروثة، من دون أن يكون له أيّ حافز نحو البحث والتَّفتيش عن شيء آخر.
ويتمثّل هؤلاء بالأشخاص الَّذين لم تصلهم الدَّعوة من خلال الوسائل العادية للحصول عليها، فلم يسمعوا بالإسلام من أيّ جهةٍ كانت، وبأيّ وسيلةٍ كانت، أو سمعوا به بطريقة لم تثر في داخلهم أيّ شعور بالحاجة الذاتيَّة إلى البحث والتفتيش، كما في الحالات التي يُعرض فيها بأسلوب لا يدع مجالاً للاحتمال، وقد نجد هذه النَّماذج في كثيرٍ من مجاهل العالم التي تعيش في نطاق محدود من المعرفة الدينيّة.
3 ـــ الوسائل المحدودة للمعرفة من خلال الموانع الخارجيَّة الحقيقيّة التي تمنع الإنسان من الوصول إلى مواطن البحث والمعرفة، أو تمنع من وصول أدواتها ووسائلها إليه، كنتيجة لفقدان الحرّية في الحركة أو في الفكر أو في غير ذلك، ما يفسح المجال للمعرفة، وقد يجمع نماذج هذا النَّوع قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}[النِّساء: 98]، فإنّ القاصر فكرياً لا يملك الحيلة ولا يهتدي السبيل، لأنّ فكره محدود لا يتحرّك أبعد من مجاله الَّذي يعيش فيه، فكيف يمكن أن يجد الحلّ لقضية المعرفة في ذاته.
وهكذا الغافل الَّذي قد يملك الوسيلة للمعرفة من خلال الأدوات المطروحة لديه، ولكنّه لا يملك الحالة النفسية التي تدفعه إلى استعمالها في سبيل الوصول، لأنّه لا يشعر بالحاجة إليها، لعدم الشعور بوجود جهل أو مشكلة تحتاج إلى حلّ. أمّا الذي ينفتح على الاحتمالات المضادَّة، ولكنّه لا يملك وسائل المعرفة، فإنَّه لا يستطيع حيلةً ولا يجد سبيلاً من خلال الحواجز التي تحول بينه وبين ذلك.
وقد نستفيد هذه الحدود من بعض أحاديث أئمّة أهل البيت (ع)، فقد ورد عن الإمام محمد الباقر (ع) ـــ فيما رواه زرارة عنه ـــ قال: سألت أبا جعفر عن المستضعف، فقال: "هو الَّذي لا يستطيع حيلةً إلى الكفر ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان، لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر، فهم الصبيان ومن كان من الرّجال والنساء على مثل عقول الصّبيان مرفوع عنهم القلم.."1، في إشارة إلى حالة القصور الفكريّ الذاتيّ الَّتي تصل إلى حدّ السَّذاجة المطبقة التي تشبه البَلَهْ.
وجاء في حديث الإمام جعفر الصّادق (ع) ـــ في حديث أبي بصير عنه ـــ قال: “مَن عَرَفَ اختلاف الناس فليس بمستضعف"2.
وورد عن الإمام موسى الكاظم (ع) ـــ في حديث عليّ بن سويد عنه ـــ قال: “سألته عن الضّعفاء، فكتب إليّ: الضَّعيف مَن لم ترفع إليه حجّة، ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف"3. وفي هذا إشارة إلى حالة الغفلة، والحواجز الذاتيّة والخارجيَّة المانعة من الوصول إلى المعرفة للحقّ...
*من كتاب "مع الحكمة في خطِّ الإسلام".
[1]الكافي، الشّيخ الكليني، ج2، ص 404.
[2]الكافي، ج2، ص 406.
[3]الكافي، ج2، ص 406
"الاستضعاف في العقيدة" نعني به الحالة الَّتي لا يملك الإنسان معها الانفتاح على الحقّ، من خلال الفكر القويّ المرن، أو الوسائل الّتي تتيح له أن يحصل على المعرفة التفصيليَّة في وجهات النظر المتنوّعة، أو المعرفة الإجماليَّة التي تثير أمامه احتمالات الفكرة المضادَّة لما يملكه من فكر وقناعة. وقد يتمثَّل هذا النموذج في عدّة أسباب:
1 ـــ القصور الفكريّ الذاتيّ الذي يمنع الإنسان من مواجهة المشاكل الفكريَّة أو القضايا العقيديّة في انفتاح وسعة وعمق، فإذا حدثت لديه الشّبهة، فإنّه لا يستطيع أن يحاكمها أو يحلِّلها، بل يقف أمامها حائراً جامداً، لأنّه لا يملك القوّة الفكريّة الّتي تواجه ذلك كلّه بالمناقشة والتحليل.
2 ـــ الغفلة المطبقة التي تغلق على الإنسان كلّ نوافذ الاحتمال المضادّ، لأنَّ الظروف الموضوعيَّة المحيطة به، لم تهيِّئ له الانفتاح على وجود فكرة مضادَّة من خلال ما سمعه أو قرأه أو فكّر فيه، ومن خلال ذلك، يبقى هذا الإنسان في دائرة أفكاره الموروثة، من دون أن يكون له أيّ حافز نحو البحث والتَّفتيش عن شيء آخر.
ويتمثّل هؤلاء بالأشخاص الَّذين لم تصلهم الدَّعوة من خلال الوسائل العادية للحصول عليها، فلم يسمعوا بالإسلام من أيّ جهةٍ كانت، وبأيّ وسيلةٍ كانت، أو سمعوا به بطريقة لم تثر في داخلهم أيّ شعور بالحاجة الذاتيَّة إلى البحث والتفتيش، كما في الحالات التي يُعرض فيها بأسلوب لا يدع مجالاً للاحتمال، وقد نجد هذه النَّماذج في كثيرٍ من مجاهل العالم التي تعيش في نطاق محدود من المعرفة الدينيّة.
3 ـــ الوسائل المحدودة للمعرفة من خلال الموانع الخارجيَّة الحقيقيّة التي تمنع الإنسان من الوصول إلى مواطن البحث والمعرفة، أو تمنع من وصول أدواتها ووسائلها إليه، كنتيجة لفقدان الحرّية في الحركة أو في الفكر أو في غير ذلك، ما يفسح المجال للمعرفة، وقد يجمع نماذج هذا النَّوع قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}[النِّساء: 98]، فإنّ القاصر فكرياً لا يملك الحيلة ولا يهتدي السبيل، لأنّ فكره محدود لا يتحرّك أبعد من مجاله الَّذي يعيش فيه، فكيف يمكن أن يجد الحلّ لقضية المعرفة في ذاته.
وهكذا الغافل الَّذي قد يملك الوسيلة للمعرفة من خلال الأدوات المطروحة لديه، ولكنّه لا يملك الحالة النفسية التي تدفعه إلى استعمالها في سبيل الوصول، لأنّه لا يشعر بالحاجة إليها، لعدم الشعور بوجود جهل أو مشكلة تحتاج إلى حلّ. أمّا الذي ينفتح على الاحتمالات المضادَّة، ولكنّه لا يملك وسائل المعرفة، فإنَّه لا يستطيع حيلةً ولا يجد سبيلاً من خلال الحواجز التي تحول بينه وبين ذلك.
وقد نستفيد هذه الحدود من بعض أحاديث أئمّة أهل البيت (ع)، فقد ورد عن الإمام محمد الباقر (ع) ـــ فيما رواه زرارة عنه ـــ قال: سألت أبا جعفر عن المستضعف، فقال: "هو الَّذي لا يستطيع حيلةً إلى الكفر ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان، لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر، فهم الصبيان ومن كان من الرّجال والنساء على مثل عقول الصّبيان مرفوع عنهم القلم.."1، في إشارة إلى حالة القصور الفكريّ الذاتيّ الَّتي تصل إلى حدّ السَّذاجة المطبقة التي تشبه البَلَهْ.
وجاء في حديث الإمام جعفر الصّادق (ع) ـــ في حديث أبي بصير عنه ـــ قال: “مَن عَرَفَ اختلاف الناس فليس بمستضعف"2.
وورد عن الإمام موسى الكاظم (ع) ـــ في حديث عليّ بن سويد عنه ـــ قال: “سألته عن الضّعفاء، فكتب إليّ: الضَّعيف مَن لم ترفع إليه حجّة، ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف"3. وفي هذا إشارة إلى حالة الغفلة، والحواجز الذاتيّة والخارجيَّة المانعة من الوصول إلى المعرفة للحقّ...
*من كتاب "مع الحكمة في خطِّ الإسلام".
[1]الكافي، الشّيخ الكليني، ج2، ص 404.
[2]الكافي، ج2، ص 406.
[3]الكافي، ج2، ص 406