إسلام الوارث إذا كان المورِّث مسلماً
ـ لا إشكال في أن المسلمين يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب الفقهية أو اختلفوا في بعض العقائد، فلا يمنع كون الوالد على مذهب والولد على مذهب آخر من أن يرث كل منهما الآخر، نعم إذا كان المخالف منكراً لضرورةٍ يَستلزمُ إنكارُها الكفرَ بالنحو الذي بيّناه في باب الطهارة من الجزء الأول فإنه لا يرثُ المسلـم ـ حينئذ ـ كما سيأتي (أنظر في الجزء الأول: فقرة (العاشر)، ص: 46).
كما أنه لا إشكال في أن الكفار يتوارثون مهما اختلفت مللهم وأديانهم، فلا يمنع ـ في شرعنا ـ كون الوالد يهودياً أو بوذياً والولد نصرانياً أو مجوسياً من أن يرث كل واحد منهما الآخر ويورثه.
هذا إذا كان المتوارثون كلهم مسلمين أو كفاراً، أما إذا كانوا مختلفين في الإسلام والكفر فإن الحكم يختلف بالنحو الذي سيأتي بيانه.
ـ إذا مات المسلم وكان في ورثته كافر ومسلم لم يرثه الكافر مهما كان قريباً في النسب، بل ولم يرثه بالسبب إذا كان زوجة، بناءً على جواز تزوج المسلم بالكتابية، ويرثه المسلم مهما كان بعيداً، فلو مات مسلم عن ولد كافرٍ وعن ضامن جريرةٍ مسلم ورثه ضامن الجريرة المسلم لا ولدُه الكافر؛ وكذا لو لم يكن له من ورثته المسلمين غير الإمام أو من يقوم مقامه، ورثه الإمام ولم يكن للكافر نصيب في ميراثه، بنسبٍ ولا بسبب. نعم إذا أسلم واحد منهم أو أكثر بعد موت المورث بلا فصل كثير يُعتدُّ به ورثه من أسلم دون غيره من أقربائه الكفار، ودون الإمام.
هذا، ولا فرق في الكافر بين الكافر الأصلي الحربي أو الذمّي وبين المرتد الفطري أو الملي، كما لا فرق في المسلم بين الإمامي وغيره.
ـ إذا مات الكافر، وكان في ورثته مسلم وكافر، كان حكمه نفس ما مر في المسألة السابقة فيرثه المسلم مهما كان بعيداً في نسبه دون الكافر مهما كان قريباً، فلو مات الكافر عن ولد كافر وعن ضامن جريرة مسلم ورثه ضامن الجريرة المسلم لا ولده الكافر، نعم يختلف عنه في أمر واحد، وهو ما إذا كان جميع ورثته ـ نسباً وسبباً ـ كفاراً، فإنهم يرثونه دون الإمام إذا كان المورِّث كافراً أصلياً، وكذا إذا كان مرتداً عن ملة، بل عن فطرة على الأقرب.
هذا، ويستثنى من الحرمان التام من تركة الكافر ولدُه الصغيرُ الذي يُلحق به في الكفر تَبَعِيَّةً، فإن الأحوط وجوباً للوارث المسلم أن ينفق عليه مما ورثه ـ ولو كان متعدداً ـ إلى أن يبلغ، فإن أسلم حينئذ دفع إليه ما بقي من التركة إن كان قد بقي شيء عن نفقته وعن ما يكون قد صرفه المسلم منها على نفسه بالنحو الذي يشاء، بل إنه لو ظهر الإسلام على ذلك الصغير قبل بلوغه فالأجدر بالوارث المسلم من باب الاحتياط تسليم ما بقي من التركة إلى الحاكم الشرعي ليتولى هو الإنفاق على الصبي، ثم إذا بقي مسلماً بعد بلوغه دفع إليه الحاكم ما بقي من التركة إن كان لها بقية، وإلا رد الحاكم ما بقي من التركة إلى الوارث المسلم.
ـ لقد تبين مما سبق أن الكافر لا يرث المسلم، وأن المسلم يرث الكافر، بل ينفرد بميراثه دون الكافر من سائر ذوي قرابته نسباً وسبباً، فيجري الأمر على هذا النحو ما لم يُسلم ـ بعد موته ـ أحد الورثة الكفار؛ فإن أسلم أحد ورثته الكفار، إضافة إلى وارثه المسلم فِعْلاً أو الكافر، فإنَّ حكمَ هذه المسألة هو ما يلي:
أولاً: إذا أسلم الكافر بعدما أخذ الوارث المسلم أو الكافر التركة لم ينفع ذلك الذي أسلم إسلامُه، سواءً كان الوارث واحداً أو متعدداً، وسواءً كان هو الإمام أو غيره. هذا، وإنما يتحقّق الأخذ من الإمام بقبض المال وجعله في بيت المال، فإن كان الإمام قد قبضه ولم يجعله في بيت المال بعدُ، كان ذلك الذي أسلم من الورثة أولى بما في يد الإمام فيدفعه إليه.
ثانياً: إذا أسلم الكافر قبل اقتسام التركة من قِبَل الوارثِ الكافر أو المسلم فِعْلاً، دخل ذلك الذي أسلم في الميراث، فإن كان المورث كافراً، وكان جميع الورثة كفاراً انفرد ذلك الذي أسلم بالتركة، وأما إذا كان في الورثة مسلم، سواءً كان المورث كافراً أو مسلماً، نُظِر في ذلك الذي أسلم، فإن كان شريكاً للمسلم في طبقته ودرجته شاركه في ميراثه، وإن كان أولى منه انفرد بالتركة دونه، سواءً كان الوارث المسلم واحداً أو متعدداً، نعم لو كان ذلك الوارثُ الواحد هو الإمام، فقد قلنا سابقاً: «إنه إذا كان المورِّث كافراً، وكان ورثته ـ جميعـاً ـ كفاراً، لم يرثه الإمام، وإذا كان المورِّث مسلماً، وكان ورثته ـ جميعاً ـ كفاراً، ورثه الإمام دونهم»، وبناءً عليه فإن فَرْضَ ما لو كان المورِّث كافراً خارج عن موضوع الكلام، لأن الإمام عليه السلام لا يرثه ـ أصلاً ـ مع وجود ورثته الكفار كي يكون شريكاً لمن أسلم منهم بعد ذلك أو منافساً له. وأما فرضُ ما لو كان المورِّث مسلماً فهو الذي يعنينا، إذ لو فرض أن أحدَ ورثة هذا المسلم قد أسلم قبل أن يأخذ الإمام التركة كان هذا الذي أسلم أولى من الإمام، سواءً كان الذي أسلمَ واحداً أو متعدداً.
هذا، ولا يضر في توريث من أسلم كونُ إسلامه حالَ القسمة، أي حين جلوسهم وشروعهم في تحديد السهام مقدمةً لتوزيعها، فإنها في الحكم لا تختلف عما لو أسلم قبل القسمة.
ثالثاً: لو أسلم الكافر أثناء اقتسام التركة، بحيث قُسِّم بعضها فَتَسَلَّمَهُ أصحابه وبقي بعضها لمَّا يوزع بعدُ، ورثَ من أسلم مما بقي ولم يرث مما وُزِّع.
رابعاً: لا فرق في جميع ما ذكر في الفقرات الثلاث الآنفة الذكر بين ما لو كان الوارث المسلمُ ممن يرث الميت بالقرابة وبين ما لو كان ممن يرثه بسبب الزوجية، فلو مات المسلم عن زوج أو زوجة مسلمين، أو ماتت المرأة الكتابية عن زوج مسلم، وكان مع هذا الزوج المسلم ـ أو الزوجة ـ ورثة كفار، إضافة إلى الإمام، فإذا أسلم الكافر قبل أن يستبد الإمام بما يبقى عن فرض الزوجة، أو قبل أن يستبد الزوج المسلم بتمام التركة فرضاً ورداً، ورث هذا الذي أسلم ما بقي من التركة دون الإمام ودون الزوج، وإلا لم ينفعه إسلامه في استحقاق ما ضمه الإمام إلى بيت المال، ولا في شيء مما ضمه الزوج إليه. وهكذا سائر فروع هذه المسألة بالنسبة للزوجية أو ضمان الجريرة.