الإمامُ الحسنُ (ع): العابدُ الزّاهدُ الرّساليُّ

الإمامُ الحسنُ (ع): العابدُ الزّاهدُ الرّساليُّ

مثَّل الإمام الحسن (ع) الكمال النبويّ والعَلويّ والفاطميّ، بحيث كان روحاً تتحرَّك في الواقع.. وتعالوا نستمع إلى بعض حالاته الروحية التي يحدِّثنا بها بعض المؤرّخين، فقد ورد عنه أنّه كان إذا توضّأ، ارتعدت فرائصه، واصفرّ لونه، وقيل له في ذلك، فقال: "حقٌّ على كلِّ مَنْ وقَفَ بين يدي ربِّ العرش أن يصفرَّ لونه وترتعد فرائصه"1.

أعبدُ النّاسِ وأزهدُهم

ويصف الإمام زين العابدين (ع) عمّه الحسن (ع) من خلال ما رواه الصّادق (ع)، عن أبيه الباقر (ع)، عن أبيه عليّ بن الحسين (ع)، ومن الطبيعيّ أنّ الإمام زين العابدين عندما يصف عمّه، فإنّها الصورة الصادقة التي تجعلك تتصوّره كما لو كنتَ تراه. فكيف وصَفَه؟

يقول الإمام زين العابدين (ع): "كانَ أَعْبَدَ النّاسِ في زمانِه وأزهَدَهم وأفضلَهم، كان إذا حجَّ حجَّ ماشياً، وربّما مشَى حافياً، وكان إذا ذَكَرَ الموتَ بكى، وإذا ذَكَرَ القبرَ بكى، وإذا ذَكر البعثَ والنّشورَ بكى، وإذا ذَكَر الممرَّ على الصّراط بَكى، وإذا ذَكَرَ العَرضَ على الله تعالى ذِكرُه شَهقَ شَهْقَةً يُغشى عليهِ منها. وكان إذا قامَ في صلاتِه ترتعدُ فرائِصُهُ بينَ يدي ربِّه عزَّ وجلَّ، وكان إذا ذَكر الجنَّةَ والنارَ اضطربَ اضطرابَ السّليمِ، وسألَ اللهَ الجنَّةَ وتعوَّذَ من النارِ. وكان لا يقرأ من كتابِ اللهِ عزَّ وجلّ: {يَا أَيُّها الّذينَ آمنوا}، إلّا قال: لبّيك اللَّهمَّ لبّيك - لأنَّه يتحسَّس أنَّ الله يناديه كما لو كان يلقي النّداء إليه الآن - ولم يُرَ في شيءٍ من أحوالِهِ إلّا ذاكِراً للهِ سبحانه"2

وكذلك التحرُّك في حلِّ مشاكل الناس وقضاء حاجاتهم، وهداية ضالهم، وتعليم جاهلهم وتقوية ضعيفهم، فإنَّ ذلك كلّه يمثِّل معنى العبادة في سرِّ الخضوع لله في كلِّ شيء، بحيث يرى الله أمامه ليطيعهُ فيما يأمره به أو ينهاه عنه، وليبلغ بذلك رضوانه3 .

أخلاقٌ رساليّةٌ

[ومن أخلاقه وأسلوبه الحكيم] أنّه كان (ع) راكباً ذات يوم على بغلته، وحوله أصحابه وإخوانه وأبناؤه وأهل بيته، ومرّ شخص شاميّ وسأل: من هذا؟ فقيل له: هذا الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ع)، فبدأ يسبّه ويشتمه ويشتم أباه بدون مناسبة، حتى سار إليه المحيطون بالإمام (ع) ليقتلوه، لكنّ الإمام (ع) نهاهم قائلاً: رويداً، والتفت إلى الشاميّ بكلّ وداعة وابتسام، وقال له: "أظنّك غريباً، ولعلّك شبّهت"، أي أنّك خاضع لغسيل دماغ، كما يقال هذه الأيّام... "فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً"4.

فذهبوا به، والرجل لا يصدّق ما يرى ويسمع، ولكنه بعد أن دخل بيت الإمام (ع) وأكرموه، تطلّع إلى البيت الرساليّ، فوجد الخلق العظيم وحسن الوفادة، فخرج وهو يقول: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته. فمن أين جاء ذلك الانعطاف في الموقف؟ إنَّ الإمام (ع) لو قال لأصحابه أدّبوه، أو اقتلوه، لكان تخلّص منه بأيسر السبل، ولكن ما هي النّتيجة؟ كان الإمام (ع) بفعله ربما قد خسر هذا الإنسان، لكنّه بأسلوبه الحكيم الطيّب والطلّة الرحيمة المؤنسة ربح صديقاً، فربما كان الإمام (ع) قد درس المسألة، ورأى أن هذا الشخص مغرَّر به، وإلّا فلا مشكلة بينه وبين الإمام (ع)، ولذا حاول أن يصحّح له فكرته. فبعض الناس قد يسبّونك وهم يتقرّبون بذلك إلى الله تعالى، لأنّهم سمعوا كلاماً لم يتحرّوا الحقيقة فيه، فجعلهم يشعرون بأنّك على الباطل، ولذلك فعلى منْ ابتلي بهذا أن يصبر عليه حتى تنجلي للآخرين الحقيقة5.

مِن مواعظِه (ع)

ومن مواعظ الإمام الحسن بن عليّ (ع) في آخر لحظات حياته، قال لجنادة: "اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدَّق قولك، وان صلت شدّ صولك" في الدفاع عن نفسك "وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدَّها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت إحدى الملمّات به ساواك"6.

المصدر : صلاة الجمعة الكلمة والموقف

[1]الأنوار البهيّة، الشّيخ عبّاس القمّي، ص 87.

[2]الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 244.

[3]في رحاب أهل البيت، المرجع فضل الله (رض)، ج 1.

[4]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 43، ص 346.

[5]النّدوة، ج 7.

[6]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 2، ص 1584. النص من كتاب "النّدوة"، ج 8.

مثَّل الإمام الحسن (ع) الكمال النبويّ والعَلويّ والفاطميّ، بحيث كان روحاً تتحرَّك في الواقع.. وتعالوا نستمع إلى بعض حالاته الروحية التي يحدِّثنا بها بعض المؤرّخين، فقد ورد عنه أنّه كان إذا توضّأ، ارتعدت فرائصه، واصفرّ لونه، وقيل له في ذلك، فقال: "حقٌّ على كلِّ مَنْ وقَفَ بين يدي ربِّ العرش أن يصفرَّ لونه وترتعد فرائصه"1.

أعبدُ النّاسِ وأزهدُهم

ويصف الإمام زين العابدين (ع) عمّه الحسن (ع) من خلال ما رواه الصّادق (ع)، عن أبيه الباقر (ع)، عن أبيه عليّ بن الحسين (ع)، ومن الطبيعيّ أنّ الإمام زين العابدين عندما يصف عمّه، فإنّها الصورة الصادقة التي تجعلك تتصوّره كما لو كنتَ تراه. فكيف وصَفَه؟

يقول الإمام زين العابدين (ع): "كانَ أَعْبَدَ النّاسِ في زمانِه وأزهَدَهم وأفضلَهم، كان إذا حجَّ حجَّ ماشياً، وربّما مشَى حافياً، وكان إذا ذَكَرَ الموتَ بكى، وإذا ذَكَرَ القبرَ بكى، وإذا ذَكر البعثَ والنّشورَ بكى، وإذا ذَكَر الممرَّ على الصّراط بَكى، وإذا ذَكَرَ العَرضَ على الله تعالى ذِكرُه شَهقَ شَهْقَةً يُغشى عليهِ منها. وكان إذا قامَ في صلاتِه ترتعدُ فرائِصُهُ بينَ يدي ربِّه عزَّ وجلَّ، وكان إذا ذَكر الجنَّةَ والنارَ اضطربَ اضطرابَ السّليمِ، وسألَ اللهَ الجنَّةَ وتعوَّذَ من النارِ. وكان لا يقرأ من كتابِ اللهِ عزَّ وجلّ: {يَا أَيُّها الّذينَ آمنوا}، إلّا قال: لبّيك اللَّهمَّ لبّيك - لأنَّه يتحسَّس أنَّ الله يناديه كما لو كان يلقي النّداء إليه الآن - ولم يُرَ في شيءٍ من أحوالِهِ إلّا ذاكِراً للهِ سبحانه"2

وكذلك التحرُّك في حلِّ مشاكل الناس وقضاء حاجاتهم، وهداية ضالهم، وتعليم جاهلهم وتقوية ضعيفهم، فإنَّ ذلك كلّه يمثِّل معنى العبادة في سرِّ الخضوع لله في كلِّ شيء، بحيث يرى الله أمامه ليطيعهُ فيما يأمره به أو ينهاه عنه، وليبلغ بذلك رضوانه3 .

أخلاقٌ رساليّةٌ

[ومن أخلاقه وأسلوبه الحكيم] أنّه كان (ع) راكباً ذات يوم على بغلته، وحوله أصحابه وإخوانه وأبناؤه وأهل بيته، ومرّ شخص شاميّ وسأل: من هذا؟ فقيل له: هذا الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ع)، فبدأ يسبّه ويشتمه ويشتم أباه بدون مناسبة، حتى سار إليه المحيطون بالإمام (ع) ليقتلوه، لكنّ الإمام (ع) نهاهم قائلاً: رويداً، والتفت إلى الشاميّ بكلّ وداعة وابتسام، وقال له: "أظنّك غريباً، ولعلّك شبّهت"، أي أنّك خاضع لغسيل دماغ، كما يقال هذه الأيّام... "فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً"4.

فذهبوا به، والرجل لا يصدّق ما يرى ويسمع، ولكنه بعد أن دخل بيت الإمام (ع) وأكرموه، تطلّع إلى البيت الرساليّ، فوجد الخلق العظيم وحسن الوفادة، فخرج وهو يقول: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته. فمن أين جاء ذلك الانعطاف في الموقف؟ إنَّ الإمام (ع) لو قال لأصحابه أدّبوه، أو اقتلوه، لكان تخلّص منه بأيسر السبل، ولكن ما هي النّتيجة؟ كان الإمام (ع) بفعله ربما قد خسر هذا الإنسان، لكنّه بأسلوبه الحكيم الطيّب والطلّة الرحيمة المؤنسة ربح صديقاً، فربما كان الإمام (ع) قد درس المسألة، ورأى أن هذا الشخص مغرَّر به، وإلّا فلا مشكلة بينه وبين الإمام (ع)، ولذا حاول أن يصحّح له فكرته. فبعض الناس قد يسبّونك وهم يتقرّبون بذلك إلى الله تعالى، لأنّهم سمعوا كلاماً لم يتحرّوا الحقيقة فيه، فجعلهم يشعرون بأنّك على الباطل، ولذلك فعلى منْ ابتلي بهذا أن يصبر عليه حتى تنجلي للآخرين الحقيقة5.

مِن مواعظِه (ع)

ومن مواعظ الإمام الحسن بن عليّ (ع) في آخر لحظات حياته، قال لجنادة: "اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدَّق قولك، وان صلت شدّ صولك" في الدفاع عن نفسك "وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدَّها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت إحدى الملمّات به ساواك"6.

المصدر : صلاة الجمعة الكلمة والموقف

[1]الأنوار البهيّة، الشّيخ عبّاس القمّي، ص 87.

[2]الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 244.

[3]في رحاب أهل البيت، المرجع فضل الله (رض)، ج 1.

[4]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 43، ص 346.

[5]النّدوة، ج 7.

[6]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 2، ص 1584. النص من كتاب "النّدوة"، ج 8.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية