عندما ندرس الإمام الحسن (ع)... فإنّنا نجد أنّ طفولته امتصّت الكثير من إيحاءات رسول الله (ص) في أخلاقيّته وروحانيّته ورساليّته، لأنَّ الطّفولة قد لا تمتلك التَّعبير عمَّا يحيط بها، ولكنَّها تختزنه في العمق شعوراً وإحساساً، وربما فكرةً يحيط بها الضَّباب، لتتمثَّل ذلك كلَّه في المستقبل.
وفي الحديث، أنّ النبيّ (ص) أعطى الإمام الحسن (ع) هيبته وسؤدده، ما يفهم منه أنَّ هذا العطاء لم يكن مجرَّد منحة غيبيَّة، بل كان النبيّ (ص) يغرسه في شخصيّة الإمام الحسن (ع).
ومما ينقل في سيرتة، أنّه (ع) في أيّامه التي برز فيها إلى النَّاس، وعاشوا معه في أكثر من موقع، كان يمثّل الهيبة التي ينحني لها كبار القوم، فكان إذا جلس على باب داره، فانّ الطريق ينقطع من المارّة، لأنهم عندما يتطلّعون إليه، تأخذهم هيبته، فلا يملكون أن يمرّوا أمامه، فإذا علم ذلك، قام ودخل البيت حتى لا يعطّل الطّريق...
ويقال إنّه (ع) كان يحجّ إلى بيت الله الحرام ماشياً، فإذا رآه النّاس، وفيهم علية القوم، لم يملكوا أنفسهم إلّا أن يترجّلوا ويسيروا معه...1.
وينقل بعض كتّاب سيرته من العلماء من غير الشّيعة، أنَّ الحسن وهو ابن سبع سنين، كان يحضر مجلس رسول الله (ص) في المسجد، ويستمع إلى ما يلقيه النبيّ (ص) من وحي وما يشرحه، فيحفظ ذلك، فيأتي إلى أمّه فيلقيه عليها2.
وقد كان الحسن (ع)، ومعه أخوه الحسين (ع)، يعيشان طفولتهما الأولى في أحضان رسول الله (ص) الّذي أعطاهما كلّ عاطفة الأبوّة للأبناء، لأنّه عاش هذه العاطفة في عمق إحساسه وشعوره، ولم تكن عاطفة عفويّة ساذجة، بل كانت عاطفة مشحونة بالمعاني الروحيّة المتمثّلة في هذين الحبيبين، حيث ينقل المؤرّخون ـ وأكثرهم من غير أهل الشّيعة ـ أنّه كان عندما يحمل الحسن (ع) على عاتقه، يقول: "اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه"3، وفي رواية: "من أحبّني فليحبّه"4...5
وعندما ننفذ إلى داخل شخصيّة الإمام الحسن (ع)، فإنّنا نرى فيها شخصيّة رسول الله (ص) في عناصرها الإنسانيّة والروحيّة والأخلاقيّة، ونرى فيها علم عليّ بن أبي طالب (ع)، وروحانيّة فاطمة الزّهراء (ع)، فلقد كان الإنسان الّذي يمثِّل هؤلاء كلّهم، وكانت شخصيَّته اختصاراً لشخصيّاتهم...6
ويروي رواة السنّة والشيعة، أنّ رسول الله (ص) قال: "الحسن والحسين سَيِّدا شبابِ أهل الجنّة"7. وعندما نستنطق هذه الكلمة، فإنّها تعني أنّ كلّ ما قام به الإمام الحسن (ع)، فإنّه يمثّل الشرعيّة الإسلاميّة بكلّ مفرداتها، وأنّ كلّ ما قام به الإمام الحسين (ع) يمثّل الخطّ الإسلاميّ بكلّ استقامته، لأنَّ مَن كان سيِّداً لشباب أهل الجنَّة، لا بدّ أن يكون معصوماً في فكره وفي حركته وفي كلّ منطلقاته. وفي الجنّة، يوجد الّذين اصطفاهم الله تعالى للقرب منه.
ومن هنا، فإنَّنا لا نحتاج إلى الكثير من التَّحليل لنعرف شرعيَّة صلح الإمام الحسن (ع) في دائرة الظّروف التي عاشها، وثورة الإمام الحسين (ع) في دائرة التحدّيات التي واجهها8.
أمّا ما يدور على الألسن حول شخصيّة الإمام الحسن (ع) وشخصيّة الإمام الحسين (ع) في عمليّة المقارنة بينهما، في أنّ شخصيّة الإمام الحسن هي شخصيّة المسالم، وشخصيّة الإمام الحسين هي شخصيّة الثّائر، [فأقول إنَّ] هذا الحديث خطأ، لأنَّ صاحب الرّسالة تحكمه رسالته، وليس له مزاج خاصّ، ولا حريّة له في أن يحكّم مزاجه الذّاتيّ في حركته الرّساليّة، بل لا بدَّ لكلّ صاحب رسالة ولكلّ صاحب قضيَّة، أن يكون مزاحه في خطّ الرّسالة، وأن تكون حركته في خطّ حركة الرّسالة.
من هنا، لا نستطيع أن نقول إنّ شخصيّة الإمام الحسن (ع) هي شخصيّة الرقّة والسّلام واللّين، وشخصيّة الإمام الحسين (ع) هي شخصيّة العنف والثّورة والقسوة، بل كان الإمام الحسين حسنيّاً في أسلوب الرّسالة في مرحلة الإمام الحسن (ع)، ولذلك وقّع الإمام الحسين (ع) ـ كما نقول هذه الأيّام ـ إلى جانب توقيع الإمام الحسن (ع)9.
لم يكن الإمام الحسن (ع) ضعيفاً، ولم يكن مسالماً من خلال طبيعة هذه الحالة النفسيَّة التي تمثّل المسالمين الّذين لا يحبّون الدّخول في ساحة الصّراع، ونحن نعرف أنّ الحسن (ع) دخل ساحة الصّراع بكلّ قوّة، وعمل على أن يستكمل من أجل الحقّ ما بدأه أبوه عليّ (ع)، ولكنّ المشكلة التي واجهت عليّاً في آخر أيّامه من خلال هذا الاهتزاز في جيشه، عادت لتتمثّل في أقسى ما يكون في جيش الحسن (ع)10.
[1]النّدوة، ج6.
[2]النّدوة: ج 3.
[3]البحار، المجلسي، ج:36، باب:41، رواية:158،ص:313
[4]المصدر نفسه، ج:43، باب:12، رواية:23، ص:266
[5]النّدوة، ج 5.
[6]النّدوة: ج6
[7]صحيح الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومسند أحمد...
[8]في رحاب أهل البيت، ج 1
[9]النّدوة: ج 5.
[10]النّدوة: ج3.