ولادةُ المسيحِ (ع) ورأسُ السَّنة محطَّةٌ للتَّخطيطِ للزَّمنِ القادمِ

ولادةُ المسيحِ (ع) ورأسُ السَّنة محطَّةٌ للتَّخطيطِ للزَّمنِ القادمِ

هذا اليوم هو أوَّل رأس السَّنة الميلاديَّة الَّتي تنطلق من ميلادِ السيِّد المسيح (ع)، روح الله وكلمته الَّتي ألقاها إلى مريم، ورسولِه الَّذي انطلق ليقولَ للنَّاس كما قال الأنبياء من قبله: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران: 51- 53].
وهكذا، نقف مع التَّأريخ، لنقف مع عيسى (ع) في ولادته الَّتي كانت مظهراً لقدرة الله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: 59]، لنرى تجلّي قدرة الله في خلق عيسى، ولنزدادَ إيمانا ًبذلك.
حياة التَّوحيد والطَّاعة
وهكذا، أيّها الأحبَّة، تلك هي حياة النَّاس مع الرّسل ومع الرّسالات؛ هي حياة تنفتح على الله سبحانه وتعالى، وتقترب منه، وتعيش معه، لتوحِّده في العبادة وفي الطَّاعة، وفي كلِّ مسار الحياة، حتَّى لا يكون هناك شيء في الإنسان لغير الله، بل يكون الإنسان كلُّه لله سبحانه وتعالى، في عقلِه وقلبِه ومشاعرِه، وفي حركتِه في الحياة.
ما أعظمَ أن يكونَ الإنسانُ حبيبَ الله! ما أعظمَ أن يكونَ الإنسانُ محبّا ًلله! إنَّها الكلمة الَّتي توَّجَ بها رسول الله (ص) عليّاً، عندما دفع به إلى المعركة في خيبر: "لأعطينَّ الرَّايةَ رجلاً يُحبُّ اللّٰهَ ورسولَهَ، ويحبُّهُ اللّٰهُ ورسولُه"، هذا الحبُّ المتبادَلُ؛ أن يكونَ الإنسانُ حبيبَ الله، وأن يكون اللهُ حبيبَه. ونحن نستطيع أن نقترب من هذا الجوّ، لأنَّ الله قال لنا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: 31] ، فإذا أردت أن يحبَّكَ الله كما تزعم أنَّك تحبّه، فلا بدَّ لك من أن تتَّبع رسالاته في كلِّ ما أمر به، وفي كلِّ ما نهى عنه.
إنّنا، أيُّها الأحبَّة، نتذكَّر عيسى (ع) في رأس هذه السَّنة، كما نتذكَّر النبيَّ (ص) في مولدِهِ وفي مبعثه، وفي إسرائِه وفي معراجه، وفي كلِّ صلاةٍ نصلّيها، حتَّى نندمج في روحيَّة هذين النبيّين العظيمين وبقيَّة الأنبياء. ونسمع عن عليٍّ (ع) ونقرأ له، عندما كان يذكر عيسى (ع)، يقول: "وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليه السَّلام: فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ – ينام عليه - وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ، وَيَأْكُلُ الْجَشِبَ – أي الطَّعام القاسي- وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ – كان لا يأكل إلَّا قليلاً - وَسِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ- ليس له سراجٌ خاصٌّ في ليله - وَظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَفَاكِهَتُهُ وَرَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ، وَلَا وَلَدٌ يحْزُنُهُ، وَلَا مَالٌ يَلْفِتُهُ، وَلَا طَمَعٌ يُذِلُّهُ، دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ، وَخَادِمُهُ يَدَاهُ".
ثمَّ يقول لبعض أصحابه: "يا نوفُ، طُوبى للزَّاهدين في الدُّنيا، الرَّاغبين في الآخرة، أولئكَ الَّذين اتَّخذوا الأرضَ بساطاً، وترابَها فراشاً، وماءَها طيباً، والقرآنَ دثاراً، والدُّعاءَ شعاراً، وقرضوا من الدّنيا تقريضاً على منهاجِ عيسى بن مريم (ع)".
العقيدةُ الإسلاميّةُ في المسيح (ع)
وفي ضوء ذلك، لا بدَّ أن نتذكَّر ما تحدَّثنا به في الأسبوع الماضي عن العقيدة الإسلاميَّة في السيِّد المسيح (ع)، وهي ما قاله: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}[مريم: 30 - 33]، فهو عبد الله، وليس إلهاً يتجسَّد الله فيه، كما يقول الكثيرون من النَّصارى في هذا المجال.. هو عبد الله، كان يصلِّي لله، وكان يقدِّم الزكاة لله، وكان يمتثل أوامر الله في البرِّ بوالدته، وكان نبيّاً يدعو النَّاس إلى عبادة الله، وكان الإنسانَ الَّذي عاش السَّلام في نفسه، وعاش السَّلام مع ربِّه، وعاشَ السَّلام مع النَّاس، فهو رسولُ السَّلام، وإنسانُ السَّلام، الَّذي كان يتحرَّك في خطِّ السَّلام ليملأ الدّنيا سلاماً ومحبّةً، ولكنَّه في كثير من كلماته، كان يريد أن يتركَّز السَّلام على إسقاط كلِّ الجبابرة، وإسقاط كلّ الظَّالمين واللّصوص، الَّذين يتحركون ليسرقوا أمن النَّاس، وسياسة النَّاس، وحياة النَّاس، وقد طردَ اللّصوصَ من ساحةِ الهيكل، وهكذا كان يقول في مواجهة المستكبرين: "وَمَنْ لَيْسَ لَهُ سيفٌ، فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا".
استحضارُ التَّأريخِ الهجريّ
إنّنا، أيُّها الأحبَّة، نعيش هذه الأفكار عندما نقف عند رأس السَّنة الميلاديَّة، ولكلِّ شعبٍ من الشّعوب رأس سنة؛ فلليهودِ رأسُ سنةٍ عبريَّة، وللنَّصارى رأسُ سنةٍ مسيحيَّة، وللمسلمين رأسُ سنةٍ هجريَّة، ولكلِّ رأس سنةٍ مناسبةٌ ينطلق بها النَّاسُ ليتابعوا التَّأريخ، ليتذكَّروها في كلِّ تأريخهم، أو في كلّ حركة التأريخ فيما يقدمون عليه من السنة.
فنحن نلاحظ أنَّ رأس السَّنة الميلاديَّة هي ميلاد السيِّد المسيح (ع)، باعتبار ما لميلاده من مظهرٍ لقدرة الله، وما له من بركةٍ على النَّاس وعلى الحياة، ورأس السَّنة الهجريَّة تنطلق من هجرة النبيّ (ص)، لأنَّ الهجرة هي المناسبة الَّتي استطاعَ المسلمونَ فيها أن ينتقلوا من موقع الضّعف إلى موقع القوَّة، وأن يؤسِّسوا دولةَ الإسلامِ في المدينة، وأن يواجهوا التحدّيات الكبرى الَّتي كانت تضغط عليهم من خلال المشركين.. ومن خلال ذلك، فإنَّ المسلمين إذا تذكَّروا الهجرةَ في كلِّ رأس سنةٍ تبدأ عندهم، فإنهم يتذكَّرون كيف عانى النبيّ (ص) في مكَّة في رسالته وفي دعوته لله، حتَّى قال: "ما أوذيَ نبيٌّ مثلَما أوذيت"، وكيف أخرج من مكَّة لأنهم كانوا يريدون أن يغتالوه، وكيف عانى المسلمون معه، حتَّى يتذكَّر المسلمون أنَّ الإسلام لم يصل إلينا إلَّا من خلال معاناة النبيّ (ص)، ومن خلال معاناة المسلمين الَّذين كانوا معه، ومن خلال حركة الجهاد الَّتي انطلقت في بدرٍ كأوَّل حركة للتحدّي ضدَّ الشِّرك، والَّتي سنتحدَّث عنها، إن شاء الله، في ذكرى معركة بدر، حتى يتذكَّر المسلمون هذا الجوَّ الحركيَّ الَّذي انطلق بالمسلمين، ليشعروا بأنَّ التَّأريخ لم يتجمَّدْ عندَ السَّنة الأولى للهجرة، بل إنَّ التَّأريخ يبقى متحركاً من هجرةٍ إلى هجرة، ومن مواجهةٍ إلى مواجهة، ومن دعوةٍ إلى دعوة، حتَّى يكون التَّأريخُ الإسلاميُّ حركةً في مواجهةِ الكافرينَ والمستكبرينَ، وفي مواجهةِ الظَّالمين، لأنَّ الله لا يريد للمسلمين أن يعيشوا حالة الاسترخاء وحالة الضّعف وحالة الذّلّ، بل إنَّه يريد لهم أن يعيشوا حالة الحركة، ليبلّغوا رسالات الله، ويخشوا الله، ولا يخشوا أحداً إلَّا الله.. وهكذا، أيّها الأحبَّة، يعيشون حركة الجهاد في كلِّ مجالاتهم.
حساباتُ الرِّبحِ والخسارة
هذه هي إيحاءات رأس السَّنة، عندما يبدأ الإنسان رأس سنته. ثمَّ هناك إيحاءات أخرى، وهي أنَّ الإنسان عندما يطوي سنة ويستقبل سنة، فإنَّ عليه أن يشغل نفسه في رأس السَّنة وفيما بعدها، بالتَّفكير في السنة الماضية كيف كانت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر: 18]، ماذا قدَّمت لغدِك؟ ما هو رصيدُك عندَ الله، ما هي حسناتُكَ في تلك السَّنة، وما هي سيِّئاتك في تلك السَّنة، لتستزيدَ من الحسناتِ إذا أحصيْتَ حسناتِك، ولتستغفرَ الله من السيِّئاتِ عندما تحصي سيِّئاتِك، أن تكون في رأس السَّنة أكثر وعيا ًمن أيِّ يوم آخر، لأنَّك عندما تقفُ في أوَّلِ سنتِك، فإنَّ عليك أن تحسبَ حساباتِك جيِّداً.. إنَّ النَّاسَ يحسبون حسابات المال؛ كم خسروا من المال، وكم ربحوا من المال، وكيف يواجهون رصيدهم من خلال الخسارة والرِّبح، ولكن: {ما عِندَكُم يَنفَدُ وَما عِندَ اللَّهِ باقٍ}[النّحل: 96]، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف: 46]. علينا، أيُّها الأحبَّة، أن نحسبَ حساب الرّبح والخسارة في أعمالنا وأقوالنا وعلاقاتنا ومواقفنا، عندما نؤيِّد هنا ونرفض هناك، حتَّى نشهدَ الله على أنفسنا أنَّنا أخلصنا له، وعندما نواجه بعض سيِّئاتنا، فإنَّنا نستغفره.
تعالوا معي، أيُّها الأحبَّة، لنجد هذا الجوَّ في الدّعاء المنسوب إلى الإمام الكاظم (ع) في بداية السَّنة، والَّذي يعرّفنا إلى البرنامج الَّذي ينبغي أن ننطلق به عند كلِّ أوَّل رأسِ سنة. يقول (ع): "وَأَلْبِسْنِي فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هَذِهِ سِتْرَكَ، وأضئْ وَجْهِي بِنُورِكَ، وَأَحْينِي بِمَحَبَّتِكَ، وبلِّغ بي رِضْوَانَكَ، وَشَرِيفَ كَرَامتكَ، وَجَسِيمَ عطائكَ، مِنْ خَيْرِ مَا عِنْدَكَ، وَمِنْ خَيْرِ مَا أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، وَأَلْبِسْنِي مَعَ ذَلِكَ عَافِيَتَكَ. يَا مَوْضِعَ كُلِّ شَكْوَى، وَيَا شَاهِدَ كُلِّ نَجْوَى، وَيَا عَالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ، وَيَا دَافِعَ مَا تَشَاءُ مِنْ بَلِيَّةٍ. يَا كَرِيمَ الْعَفْوِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، تَوَفَّنِي عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَفِطْرَتِهِ، وَعَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَسُنَّتِهِ، وَعَلَى خَيْرِ الْوَفَاةِ، فَتَوَفَّنِي مُوَالِياً لِأَوْلِيَائِكَ، مُعَادِياً لِأَعْدَائِكَ. اللَّهُمَّ، وَجَنِّبْنِي فِي هَذِهِ السَّنَةِ كُلَّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُبَاعِدُنِي مِنْكَ، وَاجْلِبْنِي إِلَى كُلِّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْكَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَامْنَعْنِي مِنْ كُلِّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَكُونُ مِنِّي أَخَافُ ضَرَرَ عَاقِبَتِهِ، وَأَخَافُ مَقْتَكَ إِيَّايَ عَلَيْهِ، حِذَارَ أَنْ تَصْرِفَ وَجْهَكَ الْكَرِيمَ عَنِّي، فَأَسْتَوْجِبَ بِهِ نَقْصاً مِنْ حَظٍّ لِي عِنْدَكَ، يَا رَؤوفُ يَا رَحِيمُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هَذِهِ فِي حِفْظِكَ وَجِوَارِكَ وَكَنَفِكَ، وَجَلِّلْنِي سِتْرَ عَافِيَتِكَ، وَهَبْ لِي كَرَامَتَكَ. عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي تَابِعاً لِصَالِحِي مَنْ مَضَى مِنْ أَوْلِيَائِكَ، وَأَلْحِقْنِي بِهِمْ، وَاجْعَلْنِي مُسَلِّما لِمَنْ قَالَ بِالصِّدْقِ عَلَيْكَ مِنْهُمْ، وَأَعُوذُ بِكَ، يَا إِلَهِي، أَنْ تُحِيطَ بِي خَطِيئَتِي وَظُلْمِي وَإِسْرَافِي عَلَى نَفْسِي، وَاتِّبَاعِي لِهَوَايَ، وَاشْتِغَالِي بِشَهَوَاتِي، فَيَحُولُ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَحْمَتِكَ وَرِضْوَانِكَ، فَأَكُونَ مَنْسِيّاً عِنْدَكَ، مُتَعَرِّضاً لِسَخَطِكَ وَنِقْمَتِكَ...".
هذا بعض كلام الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) فيما روي عنه في أوَّل السنة.
وهذا يعطينا الفكرة بأنَّ علينا في بدايات السَّنة، أو في بدايات الأشهر، أو في بدايات أيِّ زمن، أن ننفتح على الله، وأن نجلس بين يديه، بعيداً من كلِّ الضَّوضاء، وبعيداً من كلِّ الأوضاع النفسيَّة وغير النفسيَّة، لنخلص له، حتَّى نطلب منه أن يوفِّقنا في سنتنا المقبلة لأن نكون في خطِّ رضاه وطاعته، لأنَّنا لا ندري هل تأتي السَّنة الجديدة ونحن في قيد الحياة، كم هناك من إخواننا وأقربائنا ومعارفنا، مَنْ كانوا معنا في بداية السَّنة، ولكنَّهم فارقوا الحياةَ بعدَ ذلك؟!
لذلك، لا بدَّ أن نستعدَّ، أيُّها الأحبَّة، أن نخطِّط، كما تخطِّطون لمشاريعكم العمرانيّة، لمشاريعكم الاجتماعيَّة، كما تخطِّطون لكلِّ المشاريع، خطّطوا للمستقبل، لينطلق المستقبل على أساس تخطيط، وعلى أساس وعي، وعلى أساس دراسةٍ لحدود المسؤوليَّة فيما نأخذ به وفيما نتركه.
وفي ضوء ذلك أيضاً، لا بدَّ لنا أن نستوحي من هذا الجوِّ الكاظميّ، أن يعيش الإنسان في ليلة رأس سنته، وفي يوم رأس سنته، جوّاً من الهدوء، وأن يعيشَ جوّاً من الروحانيَّة، وجوّاً من الانقطاع إلى الله، لأنَّ معنى أن تمضي سنةٌ وتأتي سنةٌ، أنَّك فقدت سنة من عمرك، ماتت سنة من عمرك، وأنت في سنة جديدة تموت تدريجيّاً، كلَّما تُنزِل في كلِّ يوم ورقةً من التّقويم الَّذي هو أمامك. لذلك، عندما نستقبل رأس السنة، علينا أن نقوم بحفلة تأبينيَّة للسنة الماضية، لا على أساس أن نقوم بما يقوم به النَّاس.
المفرقعاتُ تخلّفٌ وإزعاج
لذلك، نحبُّ أن نركِّز على عدَّة نقاط، أيُّها الأحبَّة، ومن هذه النقاط: كلّكم عشتم في اللَّيلة الماضية، وفي ليلة الميلاد، وسوف نعيش أيضاً في يوم عيد الفطر، بهذه المفرقعات الَّتي بدأ تجَّار الإزعاج، هؤلاء الَّذين يتاجرون بها من أجل إزعاج النَّاس، بدأوا يغرون الأطفال بشرائها، وإزعاج النَّاس من خلالها، ولم نجد من الآباء والأمَّهات، ولا في الجوِّ العامّ، من يقف لينكر هذا.
إنَّ هذه المسألة تثير، أوَّلاً: أنَّها تجعل أطفالنا يعيشون منذ بداية طفولتهم في أجواء من التخلّف، لأنَّ مثل هذه التصرّفات لا تأخذ بها الأمم المتحضَّرة، حتَّى إنَّنا عندما ننتقل من الضَّاحية إلى داخل بيروت، لماذا نجد الهدوء كلَّه هناك، ونجد الضَّجيج كلَّه هنا؛ هل إنَّنا نريد أن نثبت إخلاصنا للسيِّد المسيح (ع) بأنَّنا نحتفل برأس السَّنة؟ هل هذا هو الإخلاص للسيِّد المسيح (ع)؟ هل الإخلاص له، وهو الَّذي جاء بالسَّلام، أن تجعل المنطقة تعيش حالة تشبه حالة حرب، وهو الَّذي جاء ليجعل الإنسانَ هادئاً في نفسه وفي عقله، ونحن نريد أن نخلق هذا الضَّجيج؟!
لذلك، لا بدَّ أن نتعاون، أيُّها الأحبَّة، وقد تحدَّثت أكثر من مرَّة معكم في هذا المجال، في كلِّ مناسبة ينطلق فيها هؤلاء النَّاس من أجل الأخذ بأسلوب المفرقعات، لا بدَّ أن يعمل كلُّ إنسانٍ، ولو مع ولدِهِ، لا تعطِ ولدك المال الَّذي يشتري به هذه المفرقعات، امنعْ عنه ذلك المال. كذلك على الَّذين يتاجرون بهذه المفرقعات أن يبحثوا عن تجارة أخرى، لأنَّ على الإنسان أن لا يتاجر بأعصاب النَّاس، ولا بآلام النَّاس.. هناك أناس لا يستطيعون النَّوم، ولا يستطيعون القراءة، هناك مرضى لا يستطيعون أن يرتاحوا، وهم يحتاجون إلى النَّقاهة في مرضهم.. ثمَّ هناك حالات - وأنتم تعرفونها أكثر مني - يعيش فيها أطفالكم في البيت الرّعب من ذلك، بحيث إنهم يتمثَّلون الرّعب عندما تثير هذه المفرقعات في ذاكرتهم أيَّام الحرب وما إلى ذلك. فما الفائدة من ذلك؟
إنَّنا إذا أردنا أن نحتفل بميلاد السيِّد المسيح (ع)، نجلس في البيت، ونجمع أولادنا، ونقدِّم إليهم أطايب الطَّعام، ثمَّ نتلو عليهم سورةَ مريم، حتَّى يفهم أولادنا ما معنى ولادة السيِّد المسيح (ع)، وما هو رمز ولادة السيِّد المسيح (ع). هذه نقطة.
حرمةُ المفرقعاتِ والأصواتِ العالية
ثمَّ هناك نقطة ثانية، وهي أنَّ هذا العمل بحسب الحكم الشَّرعيّ هو عمل حرام، لأنَّه لا فرق بين أن تدخل إلى بيت صاحبك وتهزّه بعنف، وتضغط عليه، وتوقظه من نومه، وتمنعه من القراءة ومن الرَّاحة ، وبين أن تعمل شيئاً في الشَّارع يوصل هذا الإزعاج إليه فيمنعه من ذلك، لا فرق أبداً.
لو جاء أحدٌ إلى بيتك وأنت تريد النَّوم، وهزَّك بشكل عنيف، أو وضع يده على الجرس، مثلاً، ماذا تقول عنه؛ ألا تقول إنَّه همجيّ وحشيّ، ليس عنده ذوق ولا احترام لمشاعر النَّاس، ألا تقول ذلك؟ فما الفرق بين هذا الَّذي يضع يده على الجرس ويمنعك من النَّوم، وبين من يطلق المفرقعات في كلّ دقيقة في الشَّارع ويمنعك من النَّوم؟ وخصوصاً اليوم، صار من المقام العالي عند بعض النَّاس أن يعطي ابنه المال الكثير ليشتري المفرقعات...
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إنَّ الَّذي يرفع صوت التِّلفاز بحيث يزعج النَّاس، حرام، الَّذي يرفع صوت الرّاديو أو المسجِّلة، حتى بالقرآن، بحيث يزعج جيرانه، حرام، الَّذي يكون عنده مناسبة وتقبّل تعازٍ، وخصوصاً في أيَّام الصَّيف، بحيث يترك المسجِّل من الصّباح إلى آخر اللّيل، هل يحصل الثَّواب في هذا؟... هذا حرام... إذا كنت تقيم العرس في أيَّام الصَّيف، مثلاً، على السَّطح، وتأتي بالمغنّي، والنَّاس لا تقدر أن تنام، هذا كلُّه حرام... لا تقدر أن تقول هذا التِّلفاز لي، هو لك عندما يكون في دائرتك الخاصَّة، أمَّا عندما ينتقل صوته في الهواء، فالهواء ليس لك.
أحبّ، أيُّها الإخوة، أن نتعاون في ذلك: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: 2]، نتعاون لكي نخلِّص مجتمعنا من هذا المرض، حتَّى نحسِّن صورتنا أمام الآخرين، لأنَّ الآخرين دائما ًيتحدَّثون عن الضَّاحية أو عن المناطق الأخرى، كما عندما كنَّا في النَّبعة حينها، أنَّها فوضى وصراخ، إلى جانب الحديث عن الأوساخ، لماذا؟ نحن عندنا دين: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان: 19]، عبَّرت عنها ذلك اليوم بالذَّوق الحماريّ، مقابل الذَّوق الفنّيّ والمرهف وما إلى ذلك.
فلنتعاون في أن نجعل منطقتنا حضاريّة، ونجعل الوطن كلَّه حضاريّاً، بحيث عندما يرانا الآخرون، يجدون حضارة الإسلام وروحيَّة الإسلام. أيُّها الأحبَّة، الله يقول: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[سورة العصر]، فليوصِ كلُّ واحد منّا الآخر، وهكذا... أنا الآن أجد من واجبي أن أتحدَّث عن هذا الأمر.
كذلك بعض النَّاس الَّذين يعملون على أساس أن يجرّبوا حظَّهم بلعبة قمار، ولو كانت خفيفة، جرِّبْ حظَّك بطاعة الله، جرِّبْ حظَّك بصلاةِ اللَّيل، جرِّب حظَّكَ بقراءةِ سورة قرآن، جرِّبْ حظَّك بدعوة الله سبحانه وتعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ}[الذَّاريات: 22]. وحتَّى لو فرضنا أنَّ الشّخص يلعب على شيء صغير، ولكن كلُّه حرام، فكلّ عمليّة فيها مسألة قمار محرَّمة، صغيراً كان القمار أو كبيراً.
ثمَّ أيضاً هذا الجوّ من اللَّهو والرّقص الّذي يتحوَّل النَّاس فيه إلى ما يشبه المجانين في ليلة رأس السنة، هذا أيضاً ليس إسلاميّا،ً وليس مُرضِياً لله سبحانه وتعالى.
أهميّةُ التّاريخِ الهجريّ
وفي نهاية المطاف، نركِّز على نقطة، وهي أنّنا ليس عندنا عقدة من التَّاريخ المسيحي، المسيح هو كما النبيّ كما كلّ الرّسل: {لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه}[البقرة: 285]، لكن لماذا نترك التَّأريخ الهجريّ؟ لماذا لا نجعله إلى جانب التأريخ المسيحي؟
لو قمتم بإحصائيَّة الآن بين أبنائكم وبناتكم، وسألتموهم كم هو اليوم في التَّاريخ الهجريّ؟ هل هناك من سيعرف كم في السَّنة الهجريَّة الآن؟ نحن اليوم في السَّنة 1419 هجريَّة، ولكنَّ القليل من النَّاس الَّذين يعرفون التَّأريخ الهجريّ. فهذا التَّاريخ هو جزء من شخصيَّتك، جزء من هويَّتك... هل رأيت أحداً من اليهود أو النصارى يكتب بالتَّاريخ الهجريّ؟ نحن لا نريد أن نثير عصبيَّة، ليس عندنا مانع من أن نكتب بالتَّاريخ الميلادي، لكن على أن نكتب أيضاً بالتَّاريخ الهجري.
هذه نقطة يجب أن نتعلَّمها، وخصوصاً أنَّ أكثر أعمالنا مرتبطة بالشّهور القمريَّة، مثلاً يوم العيد، صيام أوَّل شهر رمضان، أوَّل شوَّال، وشهر ذي الحجَّة، وعاشوراء، ومحرَّم، ومولد النبيّ (ص)، ومواليد الأئمَّة (ع)... كلّ حركة مناسباتنا الدينيّة، سواء كانت مناسبات تتعلَّق بشخصيَّاتنا الإسلاميَّة، أو مناسباتنا الَّتي تتعلَّق بصومنا وحجِّنا وصلاتنا.. فمن المفروض أن نتعلَّم ونعلِّم أولادنا التَّاريخ الهجريّ القمريّ في هذا المجال. وليس هناك من مشكلة، كما قلنا، أن نأخذ بالتَّاريخ الميلاديّ، لأنَّنا نريد أن نستوحي النبيَّ عيسى (ع)، كما نستوحي النّبيَّ محمّدًا (ص) في تاريخه...
هذه بعض الأفكار الَّتي أحبُّ أن تعيشوها وتعملوا لها، لأنَّها الأفكار الَّتي تقرّبنا إلى الله تعالى، وتجعلنا نسير على الصِّراط المستقيم.

الخطبة الثَّانية
 
عباد الله، اتَّقوا الله في كلِّ ما تعيشونه، وفي كلِّ ما تتحركون فيه، في الزَّمان والمكان، في بدايات السِّنين، وفي نهاياتها، وفي بدايةِ كلِّ زمن، لتواجهوا مسؤوليَّاتكم أمام الله، لأنَّ الزَّمن، كما نقرأ ذلك في دعاء الإمام زين العابدين (ع)، سوف يتحوَّل إلى شاهد علينا، يشهد لنا ويشهد علينا في كلِّ ما قمنا به في داخله، وهذا ما نقرأه في دعاء الصَّباح والمساء للإمام (ع): "وَهَذَا يَومٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَينَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ، إن أحسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمد، وَإِن أسَأْنا فارَقَنا بِذَمّ". وعلينا أيضاً أن نشعر في بداية اليوم، وفي بداية السَّنة، بأنَّ الزَّمن يحوِّله الله يومَ القيامةِ إلى شاهدٍ يشهد علينا في كلِّ ما نقوله وفي كلِّ ما نفعله، تماماً كما أنَّ الله يجعل جوارحنا وأعضاءنا شهوداً علينا، ويجعل الملكين شاهدين علينا: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 17 – 18]، "وكنْتَ أنت الرَّقيب عليَّ من ورائهم، والشَّاهد لما خفي عنهم".
لذلك، أيُّها الأحبَّة، علينا أن يكون لدينا إحساس بالزَّمن، يعني قبل أن تذهب السَّاعة من يومك، فكِّر أنَّ هذه السَّاعة سوف تذهب ولن تعودَ من جديد، فكيف يمكن أن أحمِّلها ما تحمله إلى الله سبحانه وتعالى من عمل صالح؟!
وهكذا في كلِّ يوم تعيشه، فكِّر أنَّ هذا اليوم سوف يمضي ولن يعود أبداً، فعليَّ أن أعمل به عملاً يقرّبني إلى الله... وهكذا في الشَّهر وفي السَّنة؛ أن يشعر الإنسان بمسؤوليَّته في الزَّمن، بأنَّ الزّمن هو عمره، وأنَّ الزَّمن هو رأس ماله الَّذي يتاجر به مع الله. فلنحاولْ جميعاً أن نعمل على أساس أن يكون لنا وعي الزّمن، والإحساس بالزَّمن، قبل أن يذهب وقبل أن يفلت؛ أن نمسكه، أن نعتصره، حتى نستنزف كلَّ ما في داخله من طاقة، من أجل أن نعبِّئه بالطَّاقة التي يحبّها الله.
وهكذا، أيُّها الأحبَّة، الزَّمن يمضي، والسنون تمضي، وعلينا أمام حركة الزَّمن فينا، أن نواجه في كلِّ سنة مشاكلنا وقضايانا وأوضاعنا، أن ندرس مثلاً السَّنة الماضية، كيف كان وضعنا الاقتصاديّ فيها على مستوى الأمَّة، كما ندرس كيف هو وضعنا الاقتصاديّ على مستوى الأفراد، كيف هو وضعنا السياسيّ في البلد وفي المنطقة وفي العالم، كيف هو وضعنا الأمني والحركي والاجتماعي، علينا كأمَّة عندما نقف على حافة السَّنة، أن ندرس أيّ سنة كانت سنتنا الماضية، وأيّ سنة سوف تكون سنتنا القادمة.
إنَّ العالم يخطِّط، وعلينا أن نخطِّط، والعالم ينظر إلى المستقبل مقارناً بالحاضر، وعلينا أن ننظر إلى المستقبل مقارناً بالحاضر. علينا أن نكون المستقبليّين الَّذين يأخذون للمستقبل ما يبقى من دروس الماضي ودروس الحاضر.. تلك هي الأمَّة الَّتي يريد الله لها أن تكسب عزَّتها وحريَّتها وكرامتها وموقعها في العالم، وقد قال الله عن الأمم السَّابقة: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة: 134].
وقد واجهنا في السَّنة الماضية كثيراً من التحدِّيات على أكثر من بلد إسلاميّ وأكثر من بلد عربيّ، واجهنا التحدّيات في اقتصادنا وسياستنا وفي أمننا، وفي أوضاعنا الثقافيّة والاجتماعيّة، لأنَّ الاستكبار العالمي، وفي مقدَّمه أمريكا، يعمل على أساس أن يصادر لنا ذلك كلَّه، حتَّى يبقى هذا الاستكبار يمثِّل القيادة الوحيدة للعالم، كما يحاولون أن يتحدَّثوا بين وقتٍ وآخر. إنَّ الله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر}ِ[آل عمران: 110]، وعلينا أن نجدِّد ذلك، علينا أن نعمل على أن نستنفر طاقتنا بتكامل الطَّاقات، وبتوزّع الأدوار، وبالوحدة.
أيُّها الأحبَّة، إنَّنا أمامَ المرحلةِ الَّتي نعيشها الآن بمواجهةِ التحدّيات الكبرى الَّتي يتحرَّك فيها الاستكبار ليحاصر بلداً هنا ويفرض عليه الجوع، ويقصف بلداً هناك ويفرض عليه القوَّة... إنَّ علينا، أيُّها الأحبَّة، أن نعمل على الابتعاد عن كلِّ خلافاتنا الصَّغيرة، لأنَّ المسألة هي أنَّ الخلاف الأكبر مع الشَّيطان؛ شيطان الإنس المتمثّل بالاستكبار العالمي، وشيطان الجنِّ المتمثّل بإبليس وجنوده.
إنَّ انشغالنا بالخلافات الجزئيّة، سواء كانت خلافات حزبيّة، أو سياسيّة، أو طائفيَّة، إنَّ انشغالنا بهذه الخلافات، هو الَّذي يمكِّن العدوَّ من رقابنا، ومن أرضنا، ومن اقتصادنا وسياساتنا، وعلينا أن نكون واعين للمستقبل، كما نحن واعون للحاضر في كلِّ مجالات الحياة.
وعلينا أن نقف وقفةً قصيرةً حولَ ما عشناه في هذه المرحلةِ من الزَّمن.
العدوانُ الصّهيونيُّ على الجنوب
لا يزالُ الجنوبُ يخضع للعدوان الصّهيوني المتنقّل؛ من الغارات الجويَّة، إلى القصف المدفعيّ، وأخيرا ًجرف البيوت، كما حدث في أرنون، على غرار ما يقوم به العدوّ في فلسطين المحتلَّة، من دون أن يثير ذلك أيَّ استنكار عالميّ، حتَّى إنَّ الإعلام الغربي لم يبادر إلى إبراز صورة مجزرة جنتا، في الوقت الَّذي ركَّز هذا الإعلام على صواريخ الكاتيوشا الَّتي أُطلِقَتْ على المستوطنات، والَّتي كانت ردَّ فعلٍ على العدوان الإسرائيلي. ومن اللافت في بيان لجنة المراقبة، مساواة الضحيَّة بالمجرم في أسلوب التَّنديد، وقد حاول مندوب العدوّ انتزاع قرار بمنع القصف بالكاتيوشا، حتَّى يأخذ العدوُّ حرّيّته في ضرب المدنيّين اللّبنانيّين، من دون أيِّ ردِّ فعلٍ من المقاومة ضدَّه، ولكنَّ المندوب اللّبنانيّ وقف ضدَّ ذلك.
وعلينا في كلِّ حال، أمام الصِّراع الدَّاخليّ في الكيان الصّهيوني، أن نكون حذرين من قيام العدوّ بأعمال عدوانيّة ضدَّ لبنان، باعتباره السَّاحةَ الوحيدةَ المفتوحةَ الَّتي قد يقومُ العدوُّ بالهروب إليها من أزمته الداخليَّة، وإن كنَّا نستبعد ذلك، بفعل الظّروف السياسيَّة المعقَّدة، سواء محلّياً عنده، أو إقليميّاً أو دوليّاً، مؤكِّدين أنَّ المجاهدين يقفونَ بقوَّة لمجابهةِ كلِّ الاحتمالات، ولا سيَّما أنَّ الشَّعب والحكومة يقفان وراء المقاومة في جهادها من أجلِ التَّحرير.
وعلينا أن ندرس خطوةَ العملاءِ في انسحابِهم الجزئيّ الَّذي قد يراد منه إيجاد فتنة داخليَّة، كما كان الحديث سابقاً في انسحابهم من الجبل وغيره، ولكنَّ الوعي السياسي اللُّبنانيَّ أصبح في مستوى المناعة الصَّلبة الَّتي تمنع العدوّ من أيِّ فرصة للَّعب بأوراق الفتنة في لبنان.
القضيَّةُ تراوحُ مكانَها
وفي اتجاه آخر، تبقى القضيَّة الفلسطينيَّة تراوح مكانها، وتقف سلطة الحكم الذَّاتي في مواجهة الفشل الذَّريع، بكلّ اتّفاقاتها مع العدوّ الّذي يعمل على إذلالها بمختلف الوسائل، وابتزازها بكلِّ ما يملك من قوَّة، ما يجعلنا ندعو هذه السّلطة للعودة إلى شعبها، والانفتاح على رجال الانتفاضة، ولا سيَّما الحركة الإسلاميّة المجاهدة حماس، الَّتي لا تزال تقف بوعيٍ سياسيٍّ يمنع الفتنة الداخليَّة، وبصلابةٍ جهاديَّةٍ في مواجهة العدوّ، وصبرٍ حازمٍ أمام كلِّ التحدّيات الخارجيَّة والداخليَّة، كما ندعو السلطة الفلسطينيَّة للدّخول في حوار مع حركة حماس، للتَّخطيط للمرحلة المقبلة، على أساس الامتناع عن الرّهان على خلافات العدوّ السياسيّة الداخليّة، لأنَّهم - أي جماعة العدوّ - لا يختلفون لحسابنا، بل يتَّحدون ضدَّنا، ليكون بعضهم بالنِّسبة إلينا بمثابة سرطان الرّئة، وبعضهم الآخر بمثابة سرطان المعدة، إلى آخر الأساليب السرطانيَّة للاحتلال. فسواء نجح حزب العمل أو حزب اللّيكود، فكلاهما وجهان لعملة واحدة...
علينا أن نكون أكثر وعياً وأكثر فهماً لطبيعة هذا العدوّ في كلِّ تأريخه، لأنّه العدوّ الّذي كان تاريخه تاريخَ قتل الأنبياء بغير حقّ.
قتلُ الرّهائنِ في اليمن!
وفي هذا الجوّ، نتوقَّف عند ظاهرة قتل الرَّهائن الأجانب في اليمن، من قبل جماعة تطلق على نفسها "الجهاد الإسلامي"، وتضمُّ محاربين قدامى في أفغانستان، للضَّغط على الحكومة اليمنيَّة لإطلاق زعيمها، والمطالبة برفع الحظر عن العراق.
إنَّنا لا نناقش المطالبَ الَّتي لا تخلو من الشَّرعيَّة، ولكنَّنا نرفض هذا الأسلوب اللا إنساني في الضَّغط، ولا سيَّما أنَّ هؤلاء الرَّهائن جاؤوا إلى البلاد بقصد السِّياحة لا بقصد عدوانيّ، فهم ضيوف على المسلمين هناك، كما نؤكِّد أنَّ الإسلام لا يقرُّ مثل هذه الأعمال، ويبقى المبدأ الإسلاميّ القرآنيّ في قاعدة العدالة: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
ونضيف إلى هذه المسألة، ما يحدث في الجزائر من مجازر وحشيَّة، كان آخرها المجزرة الَّتي ذهب ضحيَّتها 16 مزارعاً، بينهم 8 أولاد، واتَّهمت قوات الأمن الجزائريَّة من أسمتهم متشدِّدين إسلاميّين بالقيام بذلك. ولكنَّنا نعرف من التَّجارب السَّابقة، ومن خلال شهادات دوليَّة متعدِّدة، أنَّ قوَّات الأمن الرسميّة الجزائريَّة هي الَّتي تقوم بمثل هذه الأعمال، أو توجِّه بعض الجماعات المخترَقة من قبلها للقيام بذلك باسم الإسلام، والإسلام براءٌ من ذلك، بهدف تشويه صورة الإسلاميّين هناك، ولإبقاء النَّزيف الجزائريّ لاعتبارات سياسيّة محليّة ودوليّة.
لبنان: التَّخطيطُ لمواجهةِ التحدّياتِ
أمَّا في لبنان، فإنَّنا نتابع الحركة السياسيَّة الرسميَّة، في خطواتها الأخيرة الَّتي من شأنها تفعيل الإدارة، ومحاصرة الهدر، والبدء بدورة اقتصاديَّة جديدة، ونأمل أن تتحرَّك الدَّولة للتَّنفيذ الَّذي نريده أن يكون منصفاً عادلاً، لا يبخس النَّاس أشياءهم وحقوقهم، في الوقت الَّذي يعيد إلى الدَّولة حقوقها، بعيداً من الحساسيات السياسيَّة، حتى لا تتمَّ معالجة أخطاء سابقة بأخطاء لاحقة، ولا تتحرَّك القضايا في ثأر عهد من عهد، مما نتصوَّر أنَّ العهد الجديد لا يستهدف ذلك.
وإنَّنا في الوقت الَّذي نسمع عودة الحديث عن الضَّرائب المباشرة وغير المباشرة، نريد للحكومة، وللدَّولة كلّها، أن تقدِّم تصوّراً واضحاً للشَّعب حول الخطط ومشاريع الحلول القادمة للأزمة الاقتصاديَّة، لأنَّ مسألة الضَّرائب من القضايا الحسَّاسة في تفاصيلها، باعتبار أنَّ فرض أيِّ ضريبة جديدة على الشَّعب، لا بدَّ أن يسبقه تخطيط اقتصاديّ لإيجاد فرص عمل منتجة، على مستوى الإنتاج الزراعي في حماية المنتجات الزراعيَّة، ووضع خطَّة لتصنيعها وتصديرها، إضافةً إلى تشجيع الصّناعات المحلّيّة، وإعادة السيولة النقديَّة إلى البلد، ودراسة أفضل الوسائل لمواجهة الدّيون الدَّاخليَّة والخارجيَّة الَّتي قد تؤدِّي بالبلد إلى الإفلاس الاقتصادي.
ونحن في الوقت الَّذي ندعو الدَّولة إلى مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية ومشكلة الاحتلال، ندعو الشَّعب إلى التَّكامل معها، لأنَّ ذلك هو الَّذي يمنح القوّة للوطن كلّه، وهو الَّذي يوحِّد الجميع خلف المقاومة من أجل التحرير.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 1/1/ 1999م.
هذا اليوم هو أوَّل رأس السَّنة الميلاديَّة الَّتي تنطلق من ميلادِ السيِّد المسيح (ع)، روح الله وكلمته الَّتي ألقاها إلى مريم، ورسولِه الَّذي انطلق ليقولَ للنَّاس كما قال الأنبياء من قبله: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران: 51- 53].
وهكذا، نقف مع التَّأريخ، لنقف مع عيسى (ع) في ولادته الَّتي كانت مظهراً لقدرة الله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: 59]، لنرى تجلّي قدرة الله في خلق عيسى، ولنزدادَ إيمانا ًبذلك.
حياة التَّوحيد والطَّاعة
وهكذا، أيّها الأحبَّة، تلك هي حياة النَّاس مع الرّسل ومع الرّسالات؛ هي حياة تنفتح على الله سبحانه وتعالى، وتقترب منه، وتعيش معه، لتوحِّده في العبادة وفي الطَّاعة، وفي كلِّ مسار الحياة، حتَّى لا يكون هناك شيء في الإنسان لغير الله، بل يكون الإنسان كلُّه لله سبحانه وتعالى، في عقلِه وقلبِه ومشاعرِه، وفي حركتِه في الحياة.
ما أعظمَ أن يكونَ الإنسانُ حبيبَ الله! ما أعظمَ أن يكونَ الإنسانُ محبّا ًلله! إنَّها الكلمة الَّتي توَّجَ بها رسول الله (ص) عليّاً، عندما دفع به إلى المعركة في خيبر: "لأعطينَّ الرَّايةَ رجلاً يُحبُّ اللّٰهَ ورسولَهَ، ويحبُّهُ اللّٰهُ ورسولُه"، هذا الحبُّ المتبادَلُ؛ أن يكونَ الإنسانُ حبيبَ الله، وأن يكون اللهُ حبيبَه. ونحن نستطيع أن نقترب من هذا الجوّ، لأنَّ الله قال لنا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: 31] ، فإذا أردت أن يحبَّكَ الله كما تزعم أنَّك تحبّه، فلا بدَّ لك من أن تتَّبع رسالاته في كلِّ ما أمر به، وفي كلِّ ما نهى عنه.
إنّنا، أيُّها الأحبَّة، نتذكَّر عيسى (ع) في رأس هذه السَّنة، كما نتذكَّر النبيَّ (ص) في مولدِهِ وفي مبعثه، وفي إسرائِه وفي معراجه، وفي كلِّ صلاةٍ نصلّيها، حتَّى نندمج في روحيَّة هذين النبيّين العظيمين وبقيَّة الأنبياء. ونسمع عن عليٍّ (ع) ونقرأ له، عندما كان يذكر عيسى (ع)، يقول: "وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليه السَّلام: فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ – ينام عليه - وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ، وَيَأْكُلُ الْجَشِبَ – أي الطَّعام القاسي- وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ – كان لا يأكل إلَّا قليلاً - وَسِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ- ليس له سراجٌ خاصٌّ في ليله - وَظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَفَاكِهَتُهُ وَرَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ، وَلَا وَلَدٌ يحْزُنُهُ، وَلَا مَالٌ يَلْفِتُهُ، وَلَا طَمَعٌ يُذِلُّهُ، دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ، وَخَادِمُهُ يَدَاهُ".
ثمَّ يقول لبعض أصحابه: "يا نوفُ، طُوبى للزَّاهدين في الدُّنيا، الرَّاغبين في الآخرة، أولئكَ الَّذين اتَّخذوا الأرضَ بساطاً، وترابَها فراشاً، وماءَها طيباً، والقرآنَ دثاراً، والدُّعاءَ شعاراً، وقرضوا من الدّنيا تقريضاً على منهاجِ عيسى بن مريم (ع)".
العقيدةُ الإسلاميّةُ في المسيح (ع)
وفي ضوء ذلك، لا بدَّ أن نتذكَّر ما تحدَّثنا به في الأسبوع الماضي عن العقيدة الإسلاميَّة في السيِّد المسيح (ع)، وهي ما قاله: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}[مريم: 30 - 33]، فهو عبد الله، وليس إلهاً يتجسَّد الله فيه، كما يقول الكثيرون من النَّصارى في هذا المجال.. هو عبد الله، كان يصلِّي لله، وكان يقدِّم الزكاة لله، وكان يمتثل أوامر الله في البرِّ بوالدته، وكان نبيّاً يدعو النَّاس إلى عبادة الله، وكان الإنسانَ الَّذي عاش السَّلام في نفسه، وعاش السَّلام مع ربِّه، وعاشَ السَّلام مع النَّاس، فهو رسولُ السَّلام، وإنسانُ السَّلام، الَّذي كان يتحرَّك في خطِّ السَّلام ليملأ الدّنيا سلاماً ومحبّةً، ولكنَّه في كثير من كلماته، كان يريد أن يتركَّز السَّلام على إسقاط كلِّ الجبابرة، وإسقاط كلّ الظَّالمين واللّصوص، الَّذين يتحركون ليسرقوا أمن النَّاس، وسياسة النَّاس، وحياة النَّاس، وقد طردَ اللّصوصَ من ساحةِ الهيكل، وهكذا كان يقول في مواجهة المستكبرين: "وَمَنْ لَيْسَ لَهُ سيفٌ، فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا".
استحضارُ التَّأريخِ الهجريّ
إنّنا، أيُّها الأحبَّة، نعيش هذه الأفكار عندما نقف عند رأس السَّنة الميلاديَّة، ولكلِّ شعبٍ من الشّعوب رأس سنة؛ فلليهودِ رأسُ سنةٍ عبريَّة، وللنَّصارى رأسُ سنةٍ مسيحيَّة، وللمسلمين رأسُ سنةٍ هجريَّة، ولكلِّ رأس سنةٍ مناسبةٌ ينطلق بها النَّاسُ ليتابعوا التَّأريخ، ليتذكَّروها في كلِّ تأريخهم، أو في كلّ حركة التأريخ فيما يقدمون عليه من السنة.
فنحن نلاحظ أنَّ رأس السَّنة الميلاديَّة هي ميلاد السيِّد المسيح (ع)، باعتبار ما لميلاده من مظهرٍ لقدرة الله، وما له من بركةٍ على النَّاس وعلى الحياة، ورأس السَّنة الهجريَّة تنطلق من هجرة النبيّ (ص)، لأنَّ الهجرة هي المناسبة الَّتي استطاعَ المسلمونَ فيها أن ينتقلوا من موقع الضّعف إلى موقع القوَّة، وأن يؤسِّسوا دولةَ الإسلامِ في المدينة، وأن يواجهوا التحدّيات الكبرى الَّتي كانت تضغط عليهم من خلال المشركين.. ومن خلال ذلك، فإنَّ المسلمين إذا تذكَّروا الهجرةَ في كلِّ رأس سنةٍ تبدأ عندهم، فإنهم يتذكَّرون كيف عانى النبيّ (ص) في مكَّة في رسالته وفي دعوته لله، حتَّى قال: "ما أوذيَ نبيٌّ مثلَما أوذيت"، وكيف أخرج من مكَّة لأنهم كانوا يريدون أن يغتالوه، وكيف عانى المسلمون معه، حتَّى يتذكَّر المسلمون أنَّ الإسلام لم يصل إلينا إلَّا من خلال معاناة النبيّ (ص)، ومن خلال معاناة المسلمين الَّذين كانوا معه، ومن خلال حركة الجهاد الَّتي انطلقت في بدرٍ كأوَّل حركة للتحدّي ضدَّ الشِّرك، والَّتي سنتحدَّث عنها، إن شاء الله، في ذكرى معركة بدر، حتى يتذكَّر المسلمون هذا الجوَّ الحركيَّ الَّذي انطلق بالمسلمين، ليشعروا بأنَّ التَّأريخ لم يتجمَّدْ عندَ السَّنة الأولى للهجرة، بل إنَّ التَّأريخ يبقى متحركاً من هجرةٍ إلى هجرة، ومن مواجهةٍ إلى مواجهة، ومن دعوةٍ إلى دعوة، حتَّى يكون التَّأريخُ الإسلاميُّ حركةً في مواجهةِ الكافرينَ والمستكبرينَ، وفي مواجهةِ الظَّالمين، لأنَّ الله لا يريد للمسلمين أن يعيشوا حالة الاسترخاء وحالة الضّعف وحالة الذّلّ، بل إنَّه يريد لهم أن يعيشوا حالة الحركة، ليبلّغوا رسالات الله، ويخشوا الله، ولا يخشوا أحداً إلَّا الله.. وهكذا، أيّها الأحبَّة، يعيشون حركة الجهاد في كلِّ مجالاتهم.
حساباتُ الرِّبحِ والخسارة
هذه هي إيحاءات رأس السَّنة، عندما يبدأ الإنسان رأس سنته. ثمَّ هناك إيحاءات أخرى، وهي أنَّ الإنسان عندما يطوي سنة ويستقبل سنة، فإنَّ عليه أن يشغل نفسه في رأس السَّنة وفيما بعدها، بالتَّفكير في السنة الماضية كيف كانت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر: 18]، ماذا قدَّمت لغدِك؟ ما هو رصيدُك عندَ الله، ما هي حسناتُكَ في تلك السَّنة، وما هي سيِّئاتك في تلك السَّنة، لتستزيدَ من الحسناتِ إذا أحصيْتَ حسناتِك، ولتستغفرَ الله من السيِّئاتِ عندما تحصي سيِّئاتِك، أن تكون في رأس السَّنة أكثر وعيا ًمن أيِّ يوم آخر، لأنَّك عندما تقفُ في أوَّلِ سنتِك، فإنَّ عليك أن تحسبَ حساباتِك جيِّداً.. إنَّ النَّاسَ يحسبون حسابات المال؛ كم خسروا من المال، وكم ربحوا من المال، وكيف يواجهون رصيدهم من خلال الخسارة والرِّبح، ولكن: {ما عِندَكُم يَنفَدُ وَما عِندَ اللَّهِ باقٍ}[النّحل: 96]، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف: 46]. علينا، أيُّها الأحبَّة، أن نحسبَ حساب الرّبح والخسارة في أعمالنا وأقوالنا وعلاقاتنا ومواقفنا، عندما نؤيِّد هنا ونرفض هناك، حتَّى نشهدَ الله على أنفسنا أنَّنا أخلصنا له، وعندما نواجه بعض سيِّئاتنا، فإنَّنا نستغفره.
تعالوا معي، أيُّها الأحبَّة، لنجد هذا الجوَّ في الدّعاء المنسوب إلى الإمام الكاظم (ع) في بداية السَّنة، والَّذي يعرّفنا إلى البرنامج الَّذي ينبغي أن ننطلق به عند كلِّ أوَّل رأسِ سنة. يقول (ع): "وَأَلْبِسْنِي فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هَذِهِ سِتْرَكَ، وأضئْ وَجْهِي بِنُورِكَ، وَأَحْينِي بِمَحَبَّتِكَ، وبلِّغ بي رِضْوَانَكَ، وَشَرِيفَ كَرَامتكَ، وَجَسِيمَ عطائكَ، مِنْ خَيْرِ مَا عِنْدَكَ، وَمِنْ خَيْرِ مَا أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، وَأَلْبِسْنِي مَعَ ذَلِكَ عَافِيَتَكَ. يَا مَوْضِعَ كُلِّ شَكْوَى، وَيَا شَاهِدَ كُلِّ نَجْوَى، وَيَا عَالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ، وَيَا دَافِعَ مَا تَشَاءُ مِنْ بَلِيَّةٍ. يَا كَرِيمَ الْعَفْوِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، تَوَفَّنِي عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَفِطْرَتِهِ، وَعَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَسُنَّتِهِ، وَعَلَى خَيْرِ الْوَفَاةِ، فَتَوَفَّنِي مُوَالِياً لِأَوْلِيَائِكَ، مُعَادِياً لِأَعْدَائِكَ. اللَّهُمَّ، وَجَنِّبْنِي فِي هَذِهِ السَّنَةِ كُلَّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُبَاعِدُنِي مِنْكَ، وَاجْلِبْنِي إِلَى كُلِّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْكَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَامْنَعْنِي مِنْ كُلِّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَكُونُ مِنِّي أَخَافُ ضَرَرَ عَاقِبَتِهِ، وَأَخَافُ مَقْتَكَ إِيَّايَ عَلَيْهِ، حِذَارَ أَنْ تَصْرِفَ وَجْهَكَ الْكَرِيمَ عَنِّي، فَأَسْتَوْجِبَ بِهِ نَقْصاً مِنْ حَظٍّ لِي عِنْدَكَ، يَا رَؤوفُ يَا رَحِيمُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هَذِهِ فِي حِفْظِكَ وَجِوَارِكَ وَكَنَفِكَ، وَجَلِّلْنِي سِتْرَ عَافِيَتِكَ، وَهَبْ لِي كَرَامَتَكَ. عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي تَابِعاً لِصَالِحِي مَنْ مَضَى مِنْ أَوْلِيَائِكَ، وَأَلْحِقْنِي بِهِمْ، وَاجْعَلْنِي مُسَلِّما لِمَنْ قَالَ بِالصِّدْقِ عَلَيْكَ مِنْهُمْ، وَأَعُوذُ بِكَ، يَا إِلَهِي، أَنْ تُحِيطَ بِي خَطِيئَتِي وَظُلْمِي وَإِسْرَافِي عَلَى نَفْسِي، وَاتِّبَاعِي لِهَوَايَ، وَاشْتِغَالِي بِشَهَوَاتِي، فَيَحُولُ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَحْمَتِكَ وَرِضْوَانِكَ، فَأَكُونَ مَنْسِيّاً عِنْدَكَ، مُتَعَرِّضاً لِسَخَطِكَ وَنِقْمَتِكَ...".
هذا بعض كلام الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) فيما روي عنه في أوَّل السنة.
وهذا يعطينا الفكرة بأنَّ علينا في بدايات السَّنة، أو في بدايات الأشهر، أو في بدايات أيِّ زمن، أن ننفتح على الله، وأن نجلس بين يديه، بعيداً من كلِّ الضَّوضاء، وبعيداً من كلِّ الأوضاع النفسيَّة وغير النفسيَّة، لنخلص له، حتَّى نطلب منه أن يوفِّقنا في سنتنا المقبلة لأن نكون في خطِّ رضاه وطاعته، لأنَّنا لا ندري هل تأتي السَّنة الجديدة ونحن في قيد الحياة، كم هناك من إخواننا وأقربائنا ومعارفنا، مَنْ كانوا معنا في بداية السَّنة، ولكنَّهم فارقوا الحياةَ بعدَ ذلك؟!
لذلك، لا بدَّ أن نستعدَّ، أيُّها الأحبَّة، أن نخطِّط، كما تخطِّطون لمشاريعكم العمرانيّة، لمشاريعكم الاجتماعيَّة، كما تخطِّطون لكلِّ المشاريع، خطّطوا للمستقبل، لينطلق المستقبل على أساس تخطيط، وعلى أساس وعي، وعلى أساس دراسةٍ لحدود المسؤوليَّة فيما نأخذ به وفيما نتركه.
وفي ضوء ذلك أيضاً، لا بدَّ لنا أن نستوحي من هذا الجوِّ الكاظميّ، أن يعيش الإنسان في ليلة رأس سنته، وفي يوم رأس سنته، جوّاً من الهدوء، وأن يعيشَ جوّاً من الروحانيَّة، وجوّاً من الانقطاع إلى الله، لأنَّ معنى أن تمضي سنةٌ وتأتي سنةٌ، أنَّك فقدت سنة من عمرك، ماتت سنة من عمرك، وأنت في سنة جديدة تموت تدريجيّاً، كلَّما تُنزِل في كلِّ يوم ورقةً من التّقويم الَّذي هو أمامك. لذلك، عندما نستقبل رأس السنة، علينا أن نقوم بحفلة تأبينيَّة للسنة الماضية، لا على أساس أن نقوم بما يقوم به النَّاس.
المفرقعاتُ تخلّفٌ وإزعاج
لذلك، نحبُّ أن نركِّز على عدَّة نقاط، أيُّها الأحبَّة، ومن هذه النقاط: كلّكم عشتم في اللَّيلة الماضية، وفي ليلة الميلاد، وسوف نعيش أيضاً في يوم عيد الفطر، بهذه المفرقعات الَّتي بدأ تجَّار الإزعاج، هؤلاء الَّذين يتاجرون بها من أجل إزعاج النَّاس، بدأوا يغرون الأطفال بشرائها، وإزعاج النَّاس من خلالها، ولم نجد من الآباء والأمَّهات، ولا في الجوِّ العامّ، من يقف لينكر هذا.
إنَّ هذه المسألة تثير، أوَّلاً: أنَّها تجعل أطفالنا يعيشون منذ بداية طفولتهم في أجواء من التخلّف، لأنَّ مثل هذه التصرّفات لا تأخذ بها الأمم المتحضَّرة، حتَّى إنَّنا عندما ننتقل من الضَّاحية إلى داخل بيروت، لماذا نجد الهدوء كلَّه هناك، ونجد الضَّجيج كلَّه هنا؛ هل إنَّنا نريد أن نثبت إخلاصنا للسيِّد المسيح (ع) بأنَّنا نحتفل برأس السَّنة؟ هل هذا هو الإخلاص للسيِّد المسيح (ع)؟ هل الإخلاص له، وهو الَّذي جاء بالسَّلام، أن تجعل المنطقة تعيش حالة تشبه حالة حرب، وهو الَّذي جاء ليجعل الإنسانَ هادئاً في نفسه وفي عقله، ونحن نريد أن نخلق هذا الضَّجيج؟!
لذلك، لا بدَّ أن نتعاون، أيُّها الأحبَّة، وقد تحدَّثت أكثر من مرَّة معكم في هذا المجال، في كلِّ مناسبة ينطلق فيها هؤلاء النَّاس من أجل الأخذ بأسلوب المفرقعات، لا بدَّ أن يعمل كلُّ إنسانٍ، ولو مع ولدِهِ، لا تعطِ ولدك المال الَّذي يشتري به هذه المفرقعات، امنعْ عنه ذلك المال. كذلك على الَّذين يتاجرون بهذه المفرقعات أن يبحثوا عن تجارة أخرى، لأنَّ على الإنسان أن لا يتاجر بأعصاب النَّاس، ولا بآلام النَّاس.. هناك أناس لا يستطيعون النَّوم، ولا يستطيعون القراءة، هناك مرضى لا يستطيعون أن يرتاحوا، وهم يحتاجون إلى النَّقاهة في مرضهم.. ثمَّ هناك حالات - وأنتم تعرفونها أكثر مني - يعيش فيها أطفالكم في البيت الرّعب من ذلك، بحيث إنهم يتمثَّلون الرّعب عندما تثير هذه المفرقعات في ذاكرتهم أيَّام الحرب وما إلى ذلك. فما الفائدة من ذلك؟
إنَّنا إذا أردنا أن نحتفل بميلاد السيِّد المسيح (ع)، نجلس في البيت، ونجمع أولادنا، ونقدِّم إليهم أطايب الطَّعام، ثمَّ نتلو عليهم سورةَ مريم، حتَّى يفهم أولادنا ما معنى ولادة السيِّد المسيح (ع)، وما هو رمز ولادة السيِّد المسيح (ع). هذه نقطة.
حرمةُ المفرقعاتِ والأصواتِ العالية
ثمَّ هناك نقطة ثانية، وهي أنَّ هذا العمل بحسب الحكم الشَّرعيّ هو عمل حرام، لأنَّه لا فرق بين أن تدخل إلى بيت صاحبك وتهزّه بعنف، وتضغط عليه، وتوقظه من نومه، وتمنعه من القراءة ومن الرَّاحة ، وبين أن تعمل شيئاً في الشَّارع يوصل هذا الإزعاج إليه فيمنعه من ذلك، لا فرق أبداً.
لو جاء أحدٌ إلى بيتك وأنت تريد النَّوم، وهزَّك بشكل عنيف، أو وضع يده على الجرس، مثلاً، ماذا تقول عنه؛ ألا تقول إنَّه همجيّ وحشيّ، ليس عنده ذوق ولا احترام لمشاعر النَّاس، ألا تقول ذلك؟ فما الفرق بين هذا الَّذي يضع يده على الجرس ويمنعك من النَّوم، وبين من يطلق المفرقعات في كلّ دقيقة في الشَّارع ويمنعك من النَّوم؟ وخصوصاً اليوم، صار من المقام العالي عند بعض النَّاس أن يعطي ابنه المال الكثير ليشتري المفرقعات...
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إنَّ الَّذي يرفع صوت التِّلفاز بحيث يزعج النَّاس، حرام، الَّذي يرفع صوت الرّاديو أو المسجِّلة، حتى بالقرآن، بحيث يزعج جيرانه، حرام، الَّذي يكون عنده مناسبة وتقبّل تعازٍ، وخصوصاً في أيَّام الصَّيف، بحيث يترك المسجِّل من الصّباح إلى آخر اللّيل، هل يحصل الثَّواب في هذا؟... هذا حرام... إذا كنت تقيم العرس في أيَّام الصَّيف، مثلاً، على السَّطح، وتأتي بالمغنّي، والنَّاس لا تقدر أن تنام، هذا كلُّه حرام... لا تقدر أن تقول هذا التِّلفاز لي، هو لك عندما يكون في دائرتك الخاصَّة، أمَّا عندما ينتقل صوته في الهواء، فالهواء ليس لك.
أحبّ، أيُّها الإخوة، أن نتعاون في ذلك: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: 2]، نتعاون لكي نخلِّص مجتمعنا من هذا المرض، حتَّى نحسِّن صورتنا أمام الآخرين، لأنَّ الآخرين دائما ًيتحدَّثون عن الضَّاحية أو عن المناطق الأخرى، كما عندما كنَّا في النَّبعة حينها، أنَّها فوضى وصراخ، إلى جانب الحديث عن الأوساخ، لماذا؟ نحن عندنا دين: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان: 19]، عبَّرت عنها ذلك اليوم بالذَّوق الحماريّ، مقابل الذَّوق الفنّيّ والمرهف وما إلى ذلك.
فلنتعاون في أن نجعل منطقتنا حضاريّة، ونجعل الوطن كلَّه حضاريّاً، بحيث عندما يرانا الآخرون، يجدون حضارة الإسلام وروحيَّة الإسلام. أيُّها الأحبَّة، الله يقول: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[سورة العصر]، فليوصِ كلُّ واحد منّا الآخر، وهكذا... أنا الآن أجد من واجبي أن أتحدَّث عن هذا الأمر.
كذلك بعض النَّاس الَّذين يعملون على أساس أن يجرّبوا حظَّهم بلعبة قمار، ولو كانت خفيفة، جرِّبْ حظَّك بطاعة الله، جرِّبْ حظَّك بصلاةِ اللَّيل، جرِّب حظَّكَ بقراءةِ سورة قرآن، جرِّبْ حظَّك بدعوة الله سبحانه وتعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ}[الذَّاريات: 22]. وحتَّى لو فرضنا أنَّ الشّخص يلعب على شيء صغير، ولكن كلُّه حرام، فكلّ عمليّة فيها مسألة قمار محرَّمة، صغيراً كان القمار أو كبيراً.
ثمَّ أيضاً هذا الجوّ من اللَّهو والرّقص الّذي يتحوَّل النَّاس فيه إلى ما يشبه المجانين في ليلة رأس السنة، هذا أيضاً ليس إسلاميّا،ً وليس مُرضِياً لله سبحانه وتعالى.
أهميّةُ التّاريخِ الهجريّ
وفي نهاية المطاف، نركِّز على نقطة، وهي أنّنا ليس عندنا عقدة من التَّاريخ المسيحي، المسيح هو كما النبيّ كما كلّ الرّسل: {لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه}[البقرة: 285]، لكن لماذا نترك التَّأريخ الهجريّ؟ لماذا لا نجعله إلى جانب التأريخ المسيحي؟
لو قمتم بإحصائيَّة الآن بين أبنائكم وبناتكم، وسألتموهم كم هو اليوم في التَّاريخ الهجريّ؟ هل هناك من سيعرف كم في السَّنة الهجريَّة الآن؟ نحن اليوم في السَّنة 1419 هجريَّة، ولكنَّ القليل من النَّاس الَّذين يعرفون التَّأريخ الهجريّ. فهذا التَّاريخ هو جزء من شخصيَّتك، جزء من هويَّتك... هل رأيت أحداً من اليهود أو النصارى يكتب بالتَّاريخ الهجريّ؟ نحن لا نريد أن نثير عصبيَّة، ليس عندنا مانع من أن نكتب بالتَّاريخ الميلادي، لكن على أن نكتب أيضاً بالتَّاريخ الهجري.
هذه نقطة يجب أن نتعلَّمها، وخصوصاً أنَّ أكثر أعمالنا مرتبطة بالشّهور القمريَّة، مثلاً يوم العيد، صيام أوَّل شهر رمضان، أوَّل شوَّال، وشهر ذي الحجَّة، وعاشوراء، ومحرَّم، ومولد النبيّ (ص)، ومواليد الأئمَّة (ع)... كلّ حركة مناسباتنا الدينيّة، سواء كانت مناسبات تتعلَّق بشخصيَّاتنا الإسلاميَّة، أو مناسباتنا الَّتي تتعلَّق بصومنا وحجِّنا وصلاتنا.. فمن المفروض أن نتعلَّم ونعلِّم أولادنا التَّاريخ الهجريّ القمريّ في هذا المجال. وليس هناك من مشكلة، كما قلنا، أن نأخذ بالتَّاريخ الميلاديّ، لأنَّنا نريد أن نستوحي النبيَّ عيسى (ع)، كما نستوحي النّبيَّ محمّدًا (ص) في تاريخه...
هذه بعض الأفكار الَّتي أحبُّ أن تعيشوها وتعملوا لها، لأنَّها الأفكار الَّتي تقرّبنا إلى الله تعالى، وتجعلنا نسير على الصِّراط المستقيم.

الخطبة الثَّانية
 
عباد الله، اتَّقوا الله في كلِّ ما تعيشونه، وفي كلِّ ما تتحركون فيه، في الزَّمان والمكان، في بدايات السِّنين، وفي نهاياتها، وفي بدايةِ كلِّ زمن، لتواجهوا مسؤوليَّاتكم أمام الله، لأنَّ الزَّمن، كما نقرأ ذلك في دعاء الإمام زين العابدين (ع)، سوف يتحوَّل إلى شاهد علينا، يشهد لنا ويشهد علينا في كلِّ ما قمنا به في داخله، وهذا ما نقرأه في دعاء الصَّباح والمساء للإمام (ع): "وَهَذَا يَومٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَينَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ، إن أحسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمد، وَإِن أسَأْنا فارَقَنا بِذَمّ". وعلينا أيضاً أن نشعر في بداية اليوم، وفي بداية السَّنة، بأنَّ الزَّمن يحوِّله الله يومَ القيامةِ إلى شاهدٍ يشهد علينا في كلِّ ما نقوله وفي كلِّ ما نفعله، تماماً كما أنَّ الله يجعل جوارحنا وأعضاءنا شهوداً علينا، ويجعل الملكين شاهدين علينا: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 17 – 18]، "وكنْتَ أنت الرَّقيب عليَّ من ورائهم، والشَّاهد لما خفي عنهم".
لذلك، أيُّها الأحبَّة، علينا أن يكون لدينا إحساس بالزَّمن، يعني قبل أن تذهب السَّاعة من يومك، فكِّر أنَّ هذه السَّاعة سوف تذهب ولن تعودَ من جديد، فكيف يمكن أن أحمِّلها ما تحمله إلى الله سبحانه وتعالى من عمل صالح؟!
وهكذا في كلِّ يوم تعيشه، فكِّر أنَّ هذا اليوم سوف يمضي ولن يعود أبداً، فعليَّ أن أعمل به عملاً يقرّبني إلى الله... وهكذا في الشَّهر وفي السَّنة؛ أن يشعر الإنسان بمسؤوليَّته في الزَّمن، بأنَّ الزّمن هو عمره، وأنَّ الزَّمن هو رأس ماله الَّذي يتاجر به مع الله. فلنحاولْ جميعاً أن نعمل على أساس أن يكون لنا وعي الزّمن، والإحساس بالزَّمن، قبل أن يذهب وقبل أن يفلت؛ أن نمسكه، أن نعتصره، حتى نستنزف كلَّ ما في داخله من طاقة، من أجل أن نعبِّئه بالطَّاقة التي يحبّها الله.
وهكذا، أيُّها الأحبَّة، الزَّمن يمضي، والسنون تمضي، وعلينا أمام حركة الزَّمن فينا، أن نواجه في كلِّ سنة مشاكلنا وقضايانا وأوضاعنا، أن ندرس مثلاً السَّنة الماضية، كيف كان وضعنا الاقتصاديّ فيها على مستوى الأمَّة، كما ندرس كيف هو وضعنا الاقتصاديّ على مستوى الأفراد، كيف هو وضعنا السياسيّ في البلد وفي المنطقة وفي العالم، كيف هو وضعنا الأمني والحركي والاجتماعي، علينا كأمَّة عندما نقف على حافة السَّنة، أن ندرس أيّ سنة كانت سنتنا الماضية، وأيّ سنة سوف تكون سنتنا القادمة.
إنَّ العالم يخطِّط، وعلينا أن نخطِّط، والعالم ينظر إلى المستقبل مقارناً بالحاضر، وعلينا أن ننظر إلى المستقبل مقارناً بالحاضر. علينا أن نكون المستقبليّين الَّذين يأخذون للمستقبل ما يبقى من دروس الماضي ودروس الحاضر.. تلك هي الأمَّة الَّتي يريد الله لها أن تكسب عزَّتها وحريَّتها وكرامتها وموقعها في العالم، وقد قال الله عن الأمم السَّابقة: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة: 134].
وقد واجهنا في السَّنة الماضية كثيراً من التحدِّيات على أكثر من بلد إسلاميّ وأكثر من بلد عربيّ، واجهنا التحدّيات في اقتصادنا وسياستنا وفي أمننا، وفي أوضاعنا الثقافيّة والاجتماعيّة، لأنَّ الاستكبار العالمي، وفي مقدَّمه أمريكا، يعمل على أساس أن يصادر لنا ذلك كلَّه، حتَّى يبقى هذا الاستكبار يمثِّل القيادة الوحيدة للعالم، كما يحاولون أن يتحدَّثوا بين وقتٍ وآخر. إنَّ الله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر}ِ[آل عمران: 110]، وعلينا أن نجدِّد ذلك، علينا أن نعمل على أن نستنفر طاقتنا بتكامل الطَّاقات، وبتوزّع الأدوار، وبالوحدة.
أيُّها الأحبَّة، إنَّنا أمامَ المرحلةِ الَّتي نعيشها الآن بمواجهةِ التحدّيات الكبرى الَّتي يتحرَّك فيها الاستكبار ليحاصر بلداً هنا ويفرض عليه الجوع، ويقصف بلداً هناك ويفرض عليه القوَّة... إنَّ علينا، أيُّها الأحبَّة، أن نعمل على الابتعاد عن كلِّ خلافاتنا الصَّغيرة، لأنَّ المسألة هي أنَّ الخلاف الأكبر مع الشَّيطان؛ شيطان الإنس المتمثّل بالاستكبار العالمي، وشيطان الجنِّ المتمثّل بإبليس وجنوده.
إنَّ انشغالنا بالخلافات الجزئيّة، سواء كانت خلافات حزبيّة، أو سياسيّة، أو طائفيَّة، إنَّ انشغالنا بهذه الخلافات، هو الَّذي يمكِّن العدوَّ من رقابنا، ومن أرضنا، ومن اقتصادنا وسياساتنا، وعلينا أن نكون واعين للمستقبل، كما نحن واعون للحاضر في كلِّ مجالات الحياة.
وعلينا أن نقف وقفةً قصيرةً حولَ ما عشناه في هذه المرحلةِ من الزَّمن.
العدوانُ الصّهيونيُّ على الجنوب
لا يزالُ الجنوبُ يخضع للعدوان الصّهيوني المتنقّل؛ من الغارات الجويَّة، إلى القصف المدفعيّ، وأخيرا ًجرف البيوت، كما حدث في أرنون، على غرار ما يقوم به العدوّ في فلسطين المحتلَّة، من دون أن يثير ذلك أيَّ استنكار عالميّ، حتَّى إنَّ الإعلام الغربي لم يبادر إلى إبراز صورة مجزرة جنتا، في الوقت الَّذي ركَّز هذا الإعلام على صواريخ الكاتيوشا الَّتي أُطلِقَتْ على المستوطنات، والَّتي كانت ردَّ فعلٍ على العدوان الإسرائيلي. ومن اللافت في بيان لجنة المراقبة، مساواة الضحيَّة بالمجرم في أسلوب التَّنديد، وقد حاول مندوب العدوّ انتزاع قرار بمنع القصف بالكاتيوشا، حتَّى يأخذ العدوُّ حرّيّته في ضرب المدنيّين اللّبنانيّين، من دون أيِّ ردِّ فعلٍ من المقاومة ضدَّه، ولكنَّ المندوب اللّبنانيّ وقف ضدَّ ذلك.
وعلينا في كلِّ حال، أمام الصِّراع الدَّاخليّ في الكيان الصّهيوني، أن نكون حذرين من قيام العدوّ بأعمال عدوانيّة ضدَّ لبنان، باعتباره السَّاحةَ الوحيدةَ المفتوحةَ الَّتي قد يقومُ العدوُّ بالهروب إليها من أزمته الداخليَّة، وإن كنَّا نستبعد ذلك، بفعل الظّروف السياسيَّة المعقَّدة، سواء محلّياً عنده، أو إقليميّاً أو دوليّاً، مؤكِّدين أنَّ المجاهدين يقفونَ بقوَّة لمجابهةِ كلِّ الاحتمالات، ولا سيَّما أنَّ الشَّعب والحكومة يقفان وراء المقاومة في جهادها من أجلِ التَّحرير.
وعلينا أن ندرس خطوةَ العملاءِ في انسحابِهم الجزئيّ الَّذي قد يراد منه إيجاد فتنة داخليَّة، كما كان الحديث سابقاً في انسحابهم من الجبل وغيره، ولكنَّ الوعي السياسي اللُّبنانيَّ أصبح في مستوى المناعة الصَّلبة الَّتي تمنع العدوّ من أيِّ فرصة للَّعب بأوراق الفتنة في لبنان.
القضيَّةُ تراوحُ مكانَها
وفي اتجاه آخر، تبقى القضيَّة الفلسطينيَّة تراوح مكانها، وتقف سلطة الحكم الذَّاتي في مواجهة الفشل الذَّريع، بكلّ اتّفاقاتها مع العدوّ الّذي يعمل على إذلالها بمختلف الوسائل، وابتزازها بكلِّ ما يملك من قوَّة، ما يجعلنا ندعو هذه السّلطة للعودة إلى شعبها، والانفتاح على رجال الانتفاضة، ولا سيَّما الحركة الإسلاميّة المجاهدة حماس، الَّتي لا تزال تقف بوعيٍ سياسيٍّ يمنع الفتنة الداخليَّة، وبصلابةٍ جهاديَّةٍ في مواجهة العدوّ، وصبرٍ حازمٍ أمام كلِّ التحدّيات الخارجيَّة والداخليَّة، كما ندعو السلطة الفلسطينيَّة للدّخول في حوار مع حركة حماس، للتَّخطيط للمرحلة المقبلة، على أساس الامتناع عن الرّهان على خلافات العدوّ السياسيّة الداخليّة، لأنَّهم - أي جماعة العدوّ - لا يختلفون لحسابنا، بل يتَّحدون ضدَّنا، ليكون بعضهم بالنِّسبة إلينا بمثابة سرطان الرّئة، وبعضهم الآخر بمثابة سرطان المعدة، إلى آخر الأساليب السرطانيَّة للاحتلال. فسواء نجح حزب العمل أو حزب اللّيكود، فكلاهما وجهان لعملة واحدة...
علينا أن نكون أكثر وعياً وأكثر فهماً لطبيعة هذا العدوّ في كلِّ تأريخه، لأنّه العدوّ الّذي كان تاريخه تاريخَ قتل الأنبياء بغير حقّ.
قتلُ الرّهائنِ في اليمن!
وفي هذا الجوّ، نتوقَّف عند ظاهرة قتل الرَّهائن الأجانب في اليمن، من قبل جماعة تطلق على نفسها "الجهاد الإسلامي"، وتضمُّ محاربين قدامى في أفغانستان، للضَّغط على الحكومة اليمنيَّة لإطلاق زعيمها، والمطالبة برفع الحظر عن العراق.
إنَّنا لا نناقش المطالبَ الَّتي لا تخلو من الشَّرعيَّة، ولكنَّنا نرفض هذا الأسلوب اللا إنساني في الضَّغط، ولا سيَّما أنَّ هؤلاء الرَّهائن جاؤوا إلى البلاد بقصد السِّياحة لا بقصد عدوانيّ، فهم ضيوف على المسلمين هناك، كما نؤكِّد أنَّ الإسلام لا يقرُّ مثل هذه الأعمال، ويبقى المبدأ الإسلاميّ القرآنيّ في قاعدة العدالة: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
ونضيف إلى هذه المسألة، ما يحدث في الجزائر من مجازر وحشيَّة، كان آخرها المجزرة الَّتي ذهب ضحيَّتها 16 مزارعاً، بينهم 8 أولاد، واتَّهمت قوات الأمن الجزائريَّة من أسمتهم متشدِّدين إسلاميّين بالقيام بذلك. ولكنَّنا نعرف من التَّجارب السَّابقة، ومن خلال شهادات دوليَّة متعدِّدة، أنَّ قوَّات الأمن الرسميّة الجزائريَّة هي الَّتي تقوم بمثل هذه الأعمال، أو توجِّه بعض الجماعات المخترَقة من قبلها للقيام بذلك باسم الإسلام، والإسلام براءٌ من ذلك، بهدف تشويه صورة الإسلاميّين هناك، ولإبقاء النَّزيف الجزائريّ لاعتبارات سياسيّة محليّة ودوليّة.
لبنان: التَّخطيطُ لمواجهةِ التحدّياتِ
أمَّا في لبنان، فإنَّنا نتابع الحركة السياسيَّة الرسميَّة، في خطواتها الأخيرة الَّتي من شأنها تفعيل الإدارة، ومحاصرة الهدر، والبدء بدورة اقتصاديَّة جديدة، ونأمل أن تتحرَّك الدَّولة للتَّنفيذ الَّذي نريده أن يكون منصفاً عادلاً، لا يبخس النَّاس أشياءهم وحقوقهم، في الوقت الَّذي يعيد إلى الدَّولة حقوقها، بعيداً من الحساسيات السياسيَّة، حتى لا تتمَّ معالجة أخطاء سابقة بأخطاء لاحقة، ولا تتحرَّك القضايا في ثأر عهد من عهد، مما نتصوَّر أنَّ العهد الجديد لا يستهدف ذلك.
وإنَّنا في الوقت الَّذي نسمع عودة الحديث عن الضَّرائب المباشرة وغير المباشرة، نريد للحكومة، وللدَّولة كلّها، أن تقدِّم تصوّراً واضحاً للشَّعب حول الخطط ومشاريع الحلول القادمة للأزمة الاقتصاديَّة، لأنَّ مسألة الضَّرائب من القضايا الحسَّاسة في تفاصيلها، باعتبار أنَّ فرض أيِّ ضريبة جديدة على الشَّعب، لا بدَّ أن يسبقه تخطيط اقتصاديّ لإيجاد فرص عمل منتجة، على مستوى الإنتاج الزراعي في حماية المنتجات الزراعيَّة، ووضع خطَّة لتصنيعها وتصديرها، إضافةً إلى تشجيع الصّناعات المحلّيّة، وإعادة السيولة النقديَّة إلى البلد، ودراسة أفضل الوسائل لمواجهة الدّيون الدَّاخليَّة والخارجيَّة الَّتي قد تؤدِّي بالبلد إلى الإفلاس الاقتصادي.
ونحن في الوقت الَّذي ندعو الدَّولة إلى مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية ومشكلة الاحتلال، ندعو الشَّعب إلى التَّكامل معها، لأنَّ ذلك هو الَّذي يمنح القوّة للوطن كلّه، وهو الَّذي يوحِّد الجميع خلف المقاومة من أجل التحرير.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 1/1/ 1999م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية