لقد أولت الشريعة الإسلامية المطهرة القرابة النَّسَبية عناية مميزة، فجعلتها ركيزة التضامن العائلي، ثم التضامن الإجتماعي بعامة، فجسدت هذا التضامن بين الأقرباء في عدة حقوق واجبة، وجعلتها مواكبة لهم في شتى مراحل حياتهم، فالولاية ـ ومعها الحضانة ـ حق واجب للولد على والديه يواكبه حتى بلوغه، وبر الوالدين ـ ومنه طاعتهما ـ حق واجب للوالدين على الولد يواكبه مدى العمر، وإنفاق الآباء والأبناء بعضهم على بعض حق واجب على القادر ما دام الآخر عاجزاً، وأما صلة الرحم فحق واجب لكل من يراه العرف رحماً قريبة، فيمتد أثرها في التواصل والتعارف والتعاون إلى مدى أبعد من دائرة الأسرة التي يظلها سقف واحد، فيصل إلى أفراد كثيرين وأماكن متباعدة. ثم إن ذلك التضامن وما يتجلى به من حقوق لا يقف عند حدود الحياة، بل هو يتعداها لما بعد الموت ليكون الأقربُ من الأرحام هو الأولى بالمال الذي تعب ذلك المُتَوفَّى في تحصيله، فيتوِّجُ تشريعُ الميراثِ قِمَّةَ هذه الحقوق. ورغم ما لقرابة المصاهرة والرضاع من أهمية في تحقيق المزيد من التعارف والتواصل فليس لها تلكم الحقوق، وهو ما سبق ذكره مفصلاً في مبحث (القرابة) من هذا الفصل.
لكنَّ ثمة حقاً مُميَّزاً لا يختص وجوبُه بالأقرباء النسبيين، وهو وجوب الإنفاق على كل إنسان فقد القدرة على تحصيل القوت إلى درجة صار معها في معرض الهلاك، بل إن الإنفاق واجب على الدابة الضالة التي يخشى عليها من الموت جوعاً كما سبق ذكره في مبحث اللقطة (أنظر فقرة «الثاني» من المسألة: 339)، إضافة إلى مسؤولية المكلف عن الحيوان المملوك له ولزوم تقديم ما يلزمه من طعام وشراب ومأوى، إجمالاً، كما سيأتي بيانه.
إن هذه الموضوعات هي ما سوف نستعرضه في ثلاثة فروع على النحو التالي: