ما يـزال القـرض ـ وعلى مـدى تاريـخ الإنسـان ـ يحتل مكانة مهمة في علاقات الناس الاقتصادية، وذلك لما فيه من تسهيل لعمليات التبادل التجاري وسد حاجة المحتاجين؛ وكما هو الشأن في كثير من أعمال الإنسان التي قد يداخلها الطمع والحرص على الربح إلى حد الجشع، وخشية أن لا يظلم الإنسان أخاه جَرَّاء ذلك، فإن الإسلام قد شرع لهذا الجانب أحكاماً مفصلة تسمو بالمكلف عن الظلم وتحثه على التعاطف مع حاجة الآخر وعدم استغلالها لتحقيق أرباح باطلة، لا سيّما أنّ عصرنا قد شهد حركة اقتصادية عظيمة مرتكزة على القروض وعلى وجود مؤسسات مالية كبرى لإعطاء هذه القروض وتقديم الخدمات المالية المتنوعة، كما شهد عصرنا ـ بسبب ما خالطها من أطماع ـ ظلماً عظيماً طال الأفراد والدول.
والقرض ـ كما أشرنا إليه في تمهيد المقصد ـ وإن كان منعقداً على عين خارجية غير أنه بمجرد قبض المقترض لها تصير مالاً في الذمة، فلا يكون المطلوب ـ حين الأداء ـ أداءَ نفس العين، بل مثلها أو قيمتها، فتصير (ديناً)؛ وبذلك فإن الأحكـام التي تلحق القرض في هذه المرحلة ـ أي مرحلة تحوله إلى دين ـ هي نفسها الأحكام التي تلحق كل ديـن؛ وعلـى هـذا الأسـاس ـ وبما أن القرض هو أحد الأسباب الموجبة للدين ـ فإننا سوف نقدمه في مباحث هذا الباب ونخصه بالفصل الأول الذي نتناول فيه (القرض) كمعاملة لها خصائصها، ثم نجعل الفصل الثاني لأحكام الدين بعامة.