السيد فضل الله لصحيفة "وول ستريت جورنال":لم أجد في كل تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي موقفاً واحداً أمريكياً حيادياً
عن الحالة الشيعية وأصول العمل السياسي في الفكر الشيعي، والانتخابات النيابية في لبنان، وعن رؤيته للإدارة الأمريكية الجديدة التي يترأسها أوباما على ضوء تصريحاته الأخيرة، سأل الصحفي الأمريكي روبرت بوكوك، العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وهذا نصّ الحوار:
التفكير الديني ومراكز التعليم الديني
س: يوصف سماحة السيد فضل الله بالمفكر الديني التقدمي، ماذا يعني ذلك؟
ج: تتكون هذه الرؤية عن الإنسان عندما يكون محترماً لنفسه ومحترماً للناس من حوله، سواء ممن يتفق معهم أو ممّن يختلف معهم، وعندما يفكر لهم ومعهم، لأن الفكر هو الذي ينضج مسألة الالتزام بما يعتقده الإنسان، باعتباره ينطلق من عمق دراسة الأمور في ظروفها الطبيعية الواقعية، كما أن عليه عندما يفكر أن يعيش عصره، أن لا يستحضر الماضي، لأنه يعيش في هذا العصر، وعليه أن يفكر كيف يجعل الحياة أفضل للناس الذين يعاصرهم ويعيش معهم، لأن بعض مشاكل الشعوب تظل تعيش مع التاريخ ولا تعيش في الواقع. وإضافة إلى ذلك، فإنني عندما أحاور أي إنسان، أحاول أن أدرس عقله وأن أتحدث معه بلغته، ولا أخاطبه بالطريقة التي أفكر فيها، بل بالطريقة التي يفكر هو فيها...
س: وعلى هذا الأساس نبدأ معك الحوار.... عندما يفكر الناس في التشيّع، يعتبرون دائماً أن مركز التعليم هو إما في قم وإما في النجف، أما أنت فتعيش في لبنان، لماذا قررت أن تعيش هنا؟
ج: أنا لبناني الهوية، ولكن ولدت في النجف، لأن والدي كان، ولمدة 30 سنة، أستاذاً في الحوزة العلمية في النجف، وقد عشت أغلب شبابي في العراق، ولذلك فأنا لا أفكر محلياً، وإنما أفكر على مستوى العالم، وأنا أعتقد أن المشاكل التي نواجهها في المنطقة مرتبطة بالأوضاع الدولية والعالمية، إضافةً إلى المشاكل الدولية التي تنطلق من أسس متداخلة بعضها مع بعض.
لذلك أنا لا أفكر كنجفي أو كقمي، بل أفكر كإنسان ينفتح على الإنسان كله في العالم، وأرى إمكان الاستفادة من أي تجربة عالمية يمكن أن تعطي الإنسان الغنى في دراسة واقعه ومشاكله في أي مكان. طبعاً، النجف وقمّ تمثلان جامعتين لدراسة الإسلام، ولذلك نرى أنّ كل الذين يدرسون في هاتين الجامعتين عندما يتخرجون، يحاول كلٌ بحسب طبيعة ثقافته، أن يمتد في المنطقة التي يعيش فيها.
عندما أحاور أي إنسان أحاول أن أدرس عقله وأن أتحدث معه بلغته وأخاطبه بالطريقة التي يفكر هو فيها
العراق بعد صدّام
س: كيف تقرأ الواقع العراقي الآن؛ هل أنت مسرور بأن العراقيين أصبحوا من دون صدّام حسين؟
ج: لقد عانى العراقيون من الحكم الدكتاتوري لصدّام حسين، والذي كانت سياسته وطريقته في الحكم تخدم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، سواء في هجومه على إيران، أو في احتلاله الكويت أو في حركته السياسية التي كان يضطهد بها شعبه من خلال علاقته بالإدارة الأمريكية السابقة.لقد كان صدّام حسين موظفاً لصالح الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولكن وظيفته انتهت في نهاية المطاف. وأنا أعتقد أن الفوضى التي عاشها العراقيون في أوضاعهم بعد الاحتلال الأمريكي، كان لهذا الاحتلال دور كبير في تعميمها، وهي التي كان يطلق عليها الرئيس بوش اسم "الفوضى البنّاءة"، إضافةًٍ إلى حركة التكفيريين الذين تشجعهم بعض الدول العربية، ما أوجب أن يعيش العراق في وضع أمني صعب جداً. ولذلك فإننا نعتقد أنه كلما استطاع العراق أن يستقل ويتحرر من الاحتلال ومن التكفيريين والإرهابيين أكثر، استطاع أن يحقق نفسه ويؤكد تطوره أكثر.
كلما استطاع العراق أن يستقل ويتحرر من الاحتلال ومن التكفيريين والإرهابيين أكثر استطاع أن يحقق نفسه
الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة
س: هناك انتخابات نيابية قادمة في لبنان، ماذا تقول للبنانيين في هذه المناسبة؟
ج : أما بخصوص الانتخابات النيابية، فإننا ندعو اللبنانيين إلى أن تكون هذه الانتخابات ديمقراطية لا يتدخل فيها أي محور إقليمي أو دولي، وأن لا يستخدم المال في استغلال فقر الناس وحاجتهم لتكون أصواتهم في سوق المزاد التجاري. كما نتمنى أن تكون هذه الانتخابات حرة، كما هي في الدول المتحضرة. ولكن مشكلتنا في العالم العربي، أن الشعوب تخاف من حكّامها، ولذا فهي لا تستطيع أن تغيّرهم، بينما الأمر الطبيعي هو أن يخاف الحكام من شعوبهم، لأن الشعوب عندما تمتلك الإرادة القوية، وتكون حرة، فإنها تستطيع أن تغيّر الحكام وواقع الحكم وتحقق بذلك تداول السلطة.
لذلك نحن نقدّر الطريقة التي تدار بها الانتخابات في أمريكا أو في الغرب، حيث إن الأمريكيين أو الأوروبيين لا يجمدون على شخصية واحدة، بل يدرسون نجاح هذا الرئيس أو فشله، أو نجاح هذه الإدارة أو فشلها، ويعملون على تغيير الرئيس والإدارة بين وقت وآخر. أما في لبنان فتبقى المشكلة في نظامه الطائفي، حيث يقسّم إلى عدة طوائف دينية، وكل طائفة تتحرك بطريقة شبه مستقلة في سياستها وفي رجال دينها ومناطقها، وهذا ما يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الحالة الوطنية. ولذلك فنحن في خطابنا السياسي ندعو إلى المواطنة، وإلى إسقاط النظام الطائفي، ليتحرك اللبنانيون على أساس وطني، ولتكون لهم حقوق المواطن ومسؤولياته. إننا نتصور أن الطائفية ليست ديناً، بل هي أشبه بالتجمع القبلي الذي يتحرك بفعل الدوائر الضيقة، فالطوائف لا تجتمع على أساس المبادىء الوطنية، بل على أساس المصالح الخاصة.
ندعو اللبنانيين إلى أن تكون هذه الانتخابات ديمقراطية لا يتدخل فيها أي محور إقليمي أو دولي وأن لا يستخدم المال في استغلال فقر الناس وحاجاتهم
ولاية الفقيه والديمقراطية
س: عندما يفكر الناس في التشيع، يفكرون أيضاً في ولاية الفقيه، فما هو أساس نظرية ولاية الفقيه؟
ج: أنا لا أتصوّر أن لنظرية ولاية الفقيه أي دور عملي في لبنان، فلا يمكن من الناحية الواقعية أن يخضع لبنان في نظامه السياسي للولي الفقيه. ربما نجد بعض اللبنانيين الذين يلتزمون سياسة الولي الفقيه، كما يلتزم بعضهم سياسة الفاتيكان. أما رأيي، فأنا لا أرى نظرية ولاية الفقيه كنظام إسلامي حاسم، بل قد تفرضها الظروف في بعض البلدان، وقد لا تفرضها، وكل ذلك بحسب المصالح الوطنية لأي وطن.ففي إيران، مثلاً، التي انطلقت منها حركة ولاية الفقيه على يد الإمام الخميني(ره)، نرى أن هناك نوعاً من التزاوج بين ولاية الفقيه والديمقراطية، فالولي الفقيه ينتخبه الشعب، ولكن ليس بطريقة مباشرة، لأن الشعب هو الذي ينتخب مجلس الخبراء ومجلس الخبراء هو الذي ينتخب الولي الفقيه، فهناك نوع من التكامل بين الديمقراطية وولاية الفقيه، ويمكن للشعب أن يسقط الولي الفقيه إذا انحرف عن الخط العام، كما يحصل في أي بلد من بلدان العالم التي فيها نظام ديمقراطي. فالولي الفقيه لا يستطيع أن يحكم بذاته حكماً ذاتياً، بل لا بد له من مشاركة مجموعة من الخبراء والاختصاصيين الذين يعطونه المشورة والرأي في القرارات التي يريد أن يصدرها، ويمكن أن يناقشوه في قراراته.
في إيران هناك نوع من التكامل بين الديمقراطية وولاية الفقيه ويمكن للشعب أن يسقط الولي الفقيه إذا انحرف عن الخط العام
الشخصية السياسية للولي
س: هل يجب أن يكون لعالم الدين خبرات سياسية تفوق الخبرات السياسية عند الإنسان العادي؟
ج: إذا كان الإنسان في مركز ولاية الفقيه، فمن الطبيعي أن تكون له ثقافة سياسية واسعة على مستوى العالم، ولكن نحن نعتقد أن أي عالم دين، سواء كان في مركز ولاية الفقيه أو لم يكن، لا بد من أن تكون له ثقافة سياسية شاملة على مستوى المنطقة، وعلى مستوى العالم، لأن هناك حقيقة إسلامية، وهي أن الأديان كلها عندما شرّعها الله، فإنه شرّعها من أجل إقامة العدل بين الناس، وعلى ضوء هذا، فلا عدل من دون سياسة. ولذلك فإن السياسة تتكامل مع الدين، لأن الدين يؤكد العدالة بين الناس، بأن يأخذ كل صاحب حق حقه، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان هناك عدل في القانون، وعدل عند الحاكم، وعدل بين الناس، وعدل في العلاقات العامة بين الناس بعضهم مع بعض: {
لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25]، يعني بالعدل.ونحن نلاحظ أن القرآن الكريم يؤكد مسألة العدل حتى مع العدو، فعلى الإنسان أن يكون عادلاً حتى مع عدوّه، فلا يظلمه إذا كان له حق عنده، وأن يكون عادلاً مع قريبه وصديقه... فالعدل لا دين له؛ فعليه أن يكون عادلاً حتى مع الكافرين إذا كان لهم حقوق عليه، والظلم لا دين له؛ فعلى الإنسان رفض الظلم حتى من المسلمين. وعليه بالتالي أن يكون إنسانياً في حقوق الناس الذين يعيش معهم، فيعطيهم حقوقهم كما يريد أن يأخذ حقوقه منهم. ولذلك لا بدّ لنا عندما نريد أن نمارس العمل السياسي، من أن لا نتّبع سياسة الخداع أو سياسة اللّعب على الحبال كما يقولون، بل سياسة تدبير أمور الناس وتأكيد مبدأ العدالة الإنسانية في العالم كلّه.
لا بد من أن تكون لأي عالم دين ثقافة سياسية شاملة على مستوى المنطقة، وعلى مستوى العالم، سواء كان في مركز ولاية الفقيه أو لم يكن، لأن الأديان كلها شرّعها الله من أجل إقامة العدل بين الناس
س: عندما يذهب المسلم إلى التصويت، هل يجب أن يهتمّ بموقف العالِم الذي يقلّده؟
ج: على النّاخب أن يهتمّ بموقفه الذاتي، وخصوصاً إذا كان من أصحاب الفكر الذين يفكّرون بشكل مستقلّ، أو ممّن يرجعون إلى أهل الخبرة الّذين يعطونه الرأي الذي يتناسب مع مسؤوليته، لأنّ الفكرة الإسلامية تقول إنك عندما تضع ورقتك في الصندوق فعليك أن تراقب الله، لأنّ الله سوف يحاسبك على النتائج المترتّبة على ذلك من خلال ورقتك، فإذا كان الشخص الذي صوّتت له ظالماً، فإن الله يحاسبك لمشاركتك معه في الظلم، لأنك كنت السبب في نجاحه وإحكام سلطته على النّاس. ولذلك فإنّ الأمريكيين الذين صوّتوا لجورج بوش يتحمّلون مسؤوليّة كلّ الدماء التي أسالها في حروبه واحتلالاته في العالم.
الأمريكيون الذين صوتوا لجورج بوش يتحملون مسؤولية كل الدماء التي أسالها في حروبه واحتلالاته في العالم
واقع الشيعة الإيديولوجي
س: ارتبط الشيعة أكثر فأكثر بالعقل الغربي، فهل هذا تطوّر جيّد؟
ج: أنا أعتقد أنّ الشيعة منذ انفتحوا على الواقع العالمي، أصبحوا يفكّرون كما يفكّر الناس الآخرون، وقد دخل الشيعة الجامعات، وأخذوا بالثقافات المتعدّدة، سواء الثّقافة التاريخية أو الثقافة المعاصرة، ولذلك فإنّني أعتقد أن الشيعة هم مواطنون لبنانيون في لبنان، وعراقيون في العراق، وإيرانيون في إيران، وهم يحاولون أن يأخذوا بأسباب المعرفة وأن يتطوّروا ويتعلّموا من الشعوب الأخرى، ونحن نقرأ في تراثنا أنّ النبيّ محمداً(ص) قال: "اطلبوا العلم ولو في الصّين".
س: ماذا عن ارتباط الشّيعة بحزب الله؟
ج: حزب الله يمثل فريقاً من الشيعة الذين تجد فيهم مثقّفين وجامعيّين، ونحن نرى أنّ الجامعات، سواء هنا في لبنان أو في الغرب، تضمّ الكثيرين ممن ينتمون إلى فكر حزب الله، ونحن نشجّع على التفكير كما يفكر العالم، ولكن مع بقاء هويتنا العقيدية والثوابت الفكرية التي نلتزمها، كما يلتزم الغربيون ثوابتهم الفكرية، كما أننا نقرأ فكر الآخرين بطريقة حرّة ونناقشها، فنقبل منها ما نقتنع به، ونرفض ما لا نقتنع به، على أساس المحاكمة الثقافية. نحن لا نرفض الغرب، بل إنّنا نختلف مع بعض الإدارات الغربية، ونحن نعتقد أن أمريكا ليست فقط الإدارة التي تحكم البلاد، بل هي الجامعات ومراكز الدّراسات وهي الشّعب الأمريكي.ونحن نحب أن نكون أصدقاء الشّعب الأمريكي بكلّ تنوعاته، ولذلك كنت أوّل شخصيّة إسلاميّة استنكرت ما حدث في أحداث11 أيلول، فقد أصدرت بياناً بعد أربع ساعات، وقلت: إنّ هذا الأمر لا يقبله عقلٌ ولا شرعٌ ولا دين، لأنّ ما قام به هؤلاء الناس كان موجّهاً إلى الشعب الأمريكي، وليس إلى الإدارة الأمريكية.
نحن نعتقد أن أمريكا ليست فقط الإدارة التي تحكم البلاد، بل هي الجامعات ومراكز الدراسات وهي الشعب الأمريكي
س: ولكنّك قلت قبل قليل إنّ الشّعب الأمريكيّ يتحمّل المسؤوليّة في بعض ما قام به بوش؟
ج: هو يتحمّل مسؤوليّة هذا الانتخاب، لأنه ربّما كان يعتقد بصلاح هؤلاء، ولكنّ النتيجة كانت أنه انتخب الفاسدين، وإن كان لا يعرف أنهم سوف يتحوّلون إلى مثل هذه الأعمال. أنا أقول: نحن نريد أن نكون أصدقاء الشعب الأمريكي لندخل معه في حوار حول اختياراته، كما يدخل هو معنا في حوار حول اختياراتنا، فالصداقة تعني أن تسلّم لصديقك بحقّه في أن يختار ويلتزم ما يراه مناسباً، والحوار يؤكّد الصداقة ولا يلغيها.
أمريكا لا يحكمها شخص وإنما تحكمها مؤسسات
أوباما والإدارة الجديدة
س: في رأيك، سماحة السيّد، هل يستطيع أوباما أن يحسّن العلاقة بين الإسلام وأمريكا؟
ج: أنا أتصوّر أنّ بعض ما صدر من الرئيس أوباما من تصريحات يدلّ على أنه يؤمن بالحوار، ولكن هناك نقطة مهمّة، وهي أنّ أمريكا لا يحكمها شخص وإنّما تحكمها المؤسّسات. والسّؤال الذي يرد هنا: ما هو تأثير المؤسسات، كالكونغرس وغيره، على الرئيس الأمريكي؟ وهل يستطيع إذا كانت له آراء خاصّة أن ينفّذها أمام المؤسّسات وأمام الأوضاع التي تتحدّى الإدارة، أو أنّه لا يستطيع؟ ونحن في البلاد العربية أو في الشرق ليست لدينا مؤسّسات، لأنّ الحاكم شخص واحد، وعائلة واحدة.ولذلك، فإنّ الشّعب لا يستطيع أن يعترض على الحاكم، ونحن نتمنّى على الرئيس أوباما أن يعمل بكلّ ما يتاح له من صلاحيّات على تأكيد الشعارات التي أطلقها عندما كان مرشّحاً للرئاسة أو بعدما أصبح رئيساً، وأن يحاول بكلّ قوة أن يجعل العالم ساحةً للحوار وليس ساحةً للحرب. فمشكلتنا ليست مع شخص الرئيس، إنما مع سياسة إدارته التي ربّما تؤثّر على مصالحنا الاستراتيجية. نحن نحبّ الحرية، ولذلك فإننا نرحّب بأيّ رئيس يتعاطى معنا على أساس أننا أحرار، وفي إحدى المرات، سألني صحفي أمريكي، وقال: إذا التقيت بالرئيس بوش، فماذا تقول له؟ قلت: أقول له: كلّ يوم عندما تستيقظ من النوم انظر إلى تمثال الحرية وفكّر في أنّ كل الشعوب تحبّ الحرية كما يحبّها الشعب الأمريكي، فلا تتدخّل في حرية الشعوب.
س: الرئيس بوش قال أكثر من مرة إنه يريد أن يأتي بالديمقراطية إلى العراق وإلى العالم العربي، فهل كان صادقاً؟
ج: هل الديمقراطية تُفرض على الشعوب، وهل احتلال الشعوب يمثل عنوان الديمقراطية؟! الديمقراطية تنطلق من خلال الخيارات الحرة للشعوب، ولذلك فإن الرئيس بوش، ومن خلال سياسته، جعل أمريكا مكروهةً في كل أنحاء العالم، لأن سياسته كانت تنطلق من ذهنية الحرب لا من ذهنية إنسانية، ربما كان يتحدث عن السلام، ولكنه يختزن في داخل كلمة السلام الحرب، ولذلك رفضه حتى الرأي العام الأمريكي.
هل احتلال الشعوب يمثل عنوان الديمقراطية؟! الديمقراطية تنطلق من خلال الخيارات الحرة للشعوب
نحن نرحب بأي رئيس يتعاطى معنا على أساس أننا أحرار
مشروع حزب الله
س: بالعودة إلى حزب الله، هل تظنّ أنّ حزب الله لديه مشروع ليس فقط في لبنان، ولكن أيضاً خارج لبنان؟
ج: أنا لا أظنّ أن حزب الله يملك مشروعاً يتجاوز لبنان، لأنه لا يملك قدرةً على ذلك، وهذا الطّرح لا واقعيّة له، فحزب الله إنما نشأ في لبنان كردّ فعل على الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على لبنان، والتي بدأت قبل عشرات السنين، ولأنّ الجيش اللبناني ضعيف من ناحية ما يملكه من قوة الردع في السلاح، ولا يستطيع مواجهة أيّ عدوان إسرائيلي، ولذلك نشأ حزب الله ليكون مكمّلاً لدور الجيش اللبناني في الدفاع عن البلد، وعندما يصل الجيش اللبناني إلى مستوى من القوة، بحيث يستطيع أن يدافع عن الوطن، تنتفي الحاجة بعد ذلك إلى المقاومة.
س: عماد مغنيّة بالنّسبة إلى الأمريكيين ليس مجرد مقاتل لإسرائيل، فقد قتل الكثير منهم، هل يجب على اللبنانيين أن ينظروا إليه باعتباره بطلاً؟
ج: في تصوّري، أن لبنان كان يعيش حالاً من الفوضى التي تتشابك فيها الخطوط السياسية الدولية، بحيث كانت خطوط السياسة الأمريكية متداخلةً مع خطوط السياسة الإسرائيلية، كما أنّ المرحلة التي حدثت فيها التفجيرات كانت من مراحل الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب، ولذلك نرى أن المسألة لم تكن تنطلق من شخص، وإنما كانت تنطلق من خلال حركة الصراع بين الشرق والغرب، ومن خلال الفوضى السياسية والأمنية التي كان يعيشها لبنان.
المشكلة الأساس تتمثل بالسياسة الأمريكية في مطابقتها المطلقة مع السياسة الإسرائيلية
السياسة الأمريكية صناعة إسرائيلية
س: أنت تقول إنّ هذه المرحلة ولّت، كيف؟
ج: في عقيدتي أن تلك المرحلة بتفاصيلها لم تعد موجودةً، ولكن بقيت المشكلة الأساس، وهي التي تتمثّل بالسياسة الأمريكية في مطابقتها المطلقة مع السياسة الإسرائيلية، ولذلك لم نسمع أيّ موقف أمريكي يدين ما حصل من مجازر في فلسطين، وخصوصاً في قطاع غزّة، أمّا الصواريخ التي كانت تطلقها المقاومة، فقد كانت ردّ فعل للعدوان الإسرائيلي الذي يملك الطائرات الأمريكية التي لا تستخدم إلا في الحروب الكبرى، إضافةً إلى الصواريخ والمدافع والقنابل الفوسفورية وما إلى ذلك.لذلك نجد أنّ الإدارة الأمريكية كانت تتحدث عن الصواريخ، ولكنها لم تتحدث عن المجازر التي قامت بها إسرائيل في غزّة ضدّ المستشفيات وضدّ المساجد وضدّ المعاهد التربوية. لذلك نحن نعتبر أن السياسة الأمريكية مسؤولة عن كل ما تقوم به إسرائيل في المنطقة، لأن هناك تحالفاً استراتيجياً بين إسرائيل وأمريكا في كلّ ما تقوم به إسرائيل من عدوان. إن هناك انطباعاً في المنطقة العربية، قد يدور الجدل حوله، هو أن إسرائيل هي التي تحكم أمريكا وليست أمريكا هي التي تحكم إسرائيل، فأمريكا مستعمرة من مستعمرات اليهود. أنا لم أجد في كل تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي موقفاً واحداً أمريكياً حيادياً، كنا نحبّ أمريكا في الأربعينات عندما كانت مبادىء ويلسون تمثّل الحرية وتنادي بالحرية في مقابل أوروبا التي كانت تستعمر الشعوب، ولكن عندما أصبحت الصهيونية تصنع لها سياستها، أصبحت أسوأ من الاستعمارات البريطانية والفرنسية السابقة.على كلٍّ، نحن نعتقد أن أوباما عاش في بيئة فقيرة ومستضعفة، وكان فقيراً، ولذلك، فإننا نسمع في بعض تصريحاته أنه يعمل على أن يخفّف الضرائب عن الفقراء ويفرضها على الأغنياء. ونحن نقول له: كن مع المستضعفين في الأرض، كن مع الفقراء، كن مع الناس الذين يعيشون إنسانيتهم ويبحثون عن إنسانيتهم، ولتكن أفضل رئيس أمريكي في التاريخ، كن إنسانياً.
شكراً لك على الوقت الثمين..
أقول لأوباما... لتكن أفضل رئيس أمريكي في التاريخ، كن مع الناس الذين يعيشون إنسانيتهم ويبحثون عن إنسانيتهم... كن إنسانياً
روبرت بوكوك
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 06 ربيع الأول 1430 هـ الموافق: 14/03/2009 م