السيد فضل الله لتلفزيون "المسار":
السيد الشهيد محمد باقر الصدر يمثل الشخصية الإسلامية العالمية
التي تتميز بعبقرية فكرية إبداعية
عن نشأته النجفية، والمرجعية اللبنانية، وعن ذكرياته مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر في ذكرى شهادته، سأل تلفزيون "المسار" العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله،
وهذا نصّ الحوار:
سماحة السيد، بدايةً، أنقل إليكم تحيات المسلمين في العراق، وهم يدعون لكم بدوام الصحة والتوفيق إن شاء الله.
ـ أسأل الله سبحانه وتعالى للعراق المزيد من الاستقلال والاستقرار والحرية والتخلص من نير الاحتلال الأمريكي البريطاني، لأن الشعب العراقي هو الشعب الذي يعيش الحرية في وجدانه، ويرفض كل استعمار واستكبار، وهو الذي انتفض في ثورة العشرين التي قادها العلماء، وكانت الانطلاقة التي عاش العراق في امتداداتها روح الحركية التحررية، والمعارضة للاستعمار البريطاني الذي سيطر على العراق.
الشعب العراقي هو الشعب الذي يعيش الحرية في وجدانه ويرفض كل استعمار واستكبار
النشأة النجفية
س: سماحة السيد، هل من إطلالة على نشأتكم وحياتكم الكريمة، ولاسيما أنها كانت في مدينة الإمام علي(ع) في النجف الأشرف؛ المدينة التي كانت تحتضن جهابذة العلم في ذلك الوقت؟ ومن أبرز من عاصرتهم من المفكرين والعلماء؟
ج: لقد ولدت في النجف الأشرف، لأن أبي المرحوم أية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله، عاش مدة ثلاثين سنة فيها، وقد انطلقت فيها، أتنفس في أجوائها الروحية المستمدة من المقام المقدس للإمام علي(ع)، وأعيش الأجواء الإسلامية التي كانت تتنوع من خلال المواكب الحسينية، ومن خلال الشعر الشعبي الذي كان يتميز في تلك المرحلة بانفتاحه على القضايا الاجتماعية والسياسية، وكنا نتابع هذه التجارب، كما كنا نعيش أجواء الشعر التي كانت تنطلق في مراثي العلماء المراجع التي كانت تمتد من يوم الوفاة إلى ذكرى الأربعين، وهو ما كان الإنسان في النجف يتنفس شعراً بشكل تلقائي.
وقد كانت بداياتي التعلّمية في الكتاتيب التي كانت معروفةً في ذلك الوقت، والتي كانت تعلِّم الإنسان القرآن الكريم، ثم انتقلت إلى المدرسة الابتدائية التي أنشاها منتدى النشر، ولم أنهِ هذه المرحلة، لأنني دخلت الحوزة العلمية في النجف الأشرف مبكراً، وقمت بدراسة ما يسمى بالمقدمات التي امتدت بعد ذلك إلى السطوح، وكان أستاذي في هذه المرحلة هو المرحوم الوالد الذي كان من المجتهدين الكبار، فهو أستاذي الأول الذي درست عليه الدروس الحوزوية، وانفتحت من خلاله على الصدر الرحب الذي يتقبل الحوار حتى في الأمور المعقدة، التي ربما يحرِّم الناس في الحوزة الحوار حولها، لأنه كان يؤمن بأن من حق الإنسان، أي إنسان، حتى لو كان ولده، أن يفكر بحرية، وأن يطرح على نفسه علامات الاستفهام.
كان والدي أستاذي الأول الذي درست عليه الدروس الحوزوية وانفتحت من خلاله على الصدر الرحب الذي يتقبل الحوار حتى في الأمور المعقدة
ولذلك كان يفتح لي عقله وقلبه ليناقشني، في الوقت الذي كنت ما أزال في بدايات الشباب. ثم إنني، إلى جانب الدروس الحوزوية في النجف، انطلقت في الانفتاح على العصر، حيث كنت أتابع في المكتبات النجفية المجلات والإصدارات المصرية، كمجلة الرسالة على المستوى الثقافي، والكتب المتنوعة الأخرى، كما كنت أتابع المجلات السياسية (آخر ساعة) و(المصور)، إضافةً إلى أنني كنت أنفتح على الشعر المصري من خلال أحمد شوقي وحافظ ابراهيم، إلى جانب الشعر اللبناني، حتى رأيت نفسي أمارس نظم الشعر وأنا في العاشرة من عمري، وهكذا كنت أتفاعل سياسياً مع القضايا العربية الإسلامية، وأذكر أنني في سنة 1948م، نظمت لي قصيدةً في فلسطين أذكر منها بيتين:
دافعوا عن حقّنا المغتصبِ في فلسطين بحدّ القضبِ
واذكروا عهد صلاح حينما هبّ فيها طارداً للأجنبي
وانطلقت بعد ذلك مع المرحوم الشهيد، السيد محمد مهدي الحكيم، الذي تربطني به قرابة رحمية، وتشاركت معه في إصدار مجلة خطية تحت اسم "الأدب"، وقد كنا نكتب فيها ونستكتب بعض أدباء النجف، إضافةً إلى المشاركة في جمعية "منتدى النشر" في خان الشفاء الذي كان إلى جانب الصحن الحيدري، والتي كانت لها جرائد حائطية، حيث كان أغلب الطلاب في ذلك الوقت يقرأون هذه المجلة ويأخذون منها، وقد بدأ إصدارها في العام 1948م تقريباً. وهكذا أصبحت داخل الجو الأدبي في النجف، وقد كنت أشارك في الحفلات النجفية.
البدايات اللبنانية
س: أنتم ترعرعتم ودرستم في النجف الأشرف، لماذا اخترتم لبنان، مع أنه كان في حينها في سبعينات القرن الماضي، في حال حرب، حيث كانت هناك حرب أهلية بين الأحزاب العلمانية والقومية...؟
ج: عندما جئت إلى لبنان، لم تكن الحرب الأهلية قد بدأت، فكانت أول سنة سافرت فيها إلى لبنان، في عام 1952، وقد شاركت في تأبين المرحوم السيد محسن الأمين، وشاركت بقصيدة في أربعينه، وكانت هذه القصيدة متنوعة الأبعاد، تحدثت فيها عن الاستعمار ونتائجه، وعن الوحدة الإسلامية، وعن مشاكل الشباب، وكنت في سن السادسة عشرة في ذلك الوقت. والتقيت في تلك الفترة مع كثير من الأدباء والمفكرين، وتحدثت معهم، وكنت أعقد بعض الندوات الحوارية مع الشباب المتعلم في المناطق، ثم عدت إلى النجف وأكملت دراستي الحوزوية على مستوى الخارج، حيث تتلمذت في هذه المرحلة على أستاذنا السيد أبو القاسم الخوئي، والشيخ حسين الحلي، والسيد محسن الحكيم.
وهكذا التقيت بالشهيد السيد محمد باقر الصدر، الذي كانت علاقتي بأخيه السيد اسماعيل الصدر قويةً، وكذلك كانت علاقتي مع آل الصدر بالمستوى الحميم جداً، وأذكر أنه طلب مني تقريرات ما كتبته من بحث درس السيد الخوئي، وقال: إنني أريد أن أثبت للسيد الخوئي أن في العرب فضلاء. وأخذ مني التقرير وأقرأه للسيد الخوئي، وكما ذكر لي، كان انطباع السيد الخوئي جيداًً حول هذا الموضوع. وانطلقنا معاً في الحركة الإسلامية في النجف من خلال هذا التجمع الإسلامي الحركي الذي كان يضم نخبةً من الشباب المؤمن المجاهد، كالمرحوم عبد الصاحب دخيّل، والمرحوم أبو حسن السبيتي، والسيد مهدي الحكيم... إلى آخره، وكان الشهيد الصدر هو المنظِّر للحركة الإسلامية، وكنا معاً في الإشراف على مجلة الأضواء التي كانت تصدر باسم جماعة علماء النجف الأشرف، وكان السيد الشهيد الصدر يكتب الافتتاحية الأولى بعنوان "رسالتنا"، وكنت أكتب الافتتاحية الثانية بعنوان "كلمتنا".
وهكذا كنا نعيش هذا الجو الإسلامي الحركي الذي كان يؤكد أن الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة.
كنا في النجف نعيش الجو الإسلامي الحركي الذي كان يؤكد أن الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة
الإسلام فكر عالمي
س: سماحة السيد، من خلال أفكاركم وأطروحاتكم المعاصرة، طرحتم الإسلام كفكر عالمي، ولم تحصروه بالإطار الجغرافي أو تجعلوه حزباً أو تنظيماً سياسياً، مع العلم أن سماحتكم لديكم الملايين من المقلدين في جميع أنحاء العالم، لماذا لم تسعوا إلى تشكيل حزب أو تنظيم باسمكم كما سعت بقية المراجع مثلاً؟
ج : نحن كنا نفكر في الإسلام الحضاري الوحدوي المنفتح، وقد كان من أهدافنا التخطيط والعمل من أجل الوحدة الإسلامية، ولذلك كانت عندنا علاقات مع بعض الحركيين من علماء المسلمين السنة، ومنهم الشهيد عبد العزيز البدري، وكنا نعمل على أن تكون مجلة "الأضواء" الإسلامية المجلة التي تتابع قضايا المسلمين في العالم. ولذلك كانت المجلة هي التي واجهت مسألة اعتراف الشاه بإسرائيل بطريقة واقعية، ما أغضب البعض ممن يؤيدون الشاه في الحوزة العلمية النجفية، ووصلت رسالة إلى السيد الحكيم تطلب منه التدخل لحل هذا الموضوع.
كنا في طموحاتنا الفكرية نفكر في أسلمة العالم
لقد كنا نفكر في الإسلام على مستوى العالم، على أساس أنه رسالة الله التي أوحى بها إلى النبي محمد(ص)، وقال له: {
وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ:28]، {
وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} [الأنبياء:107]، {
يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} [الأعراف:158]، لذلك كنا في طموحاتنا الفكرية نفكر في أسلمة العالم.
س: سماحة السيد، كيف وجدتم وضع الإسلام والمسلمين في بلاد الغرب، وخصوصاً أنه كانت لكم زيارات إلى بلاد الغرب؟
ج: كنت ألاحظ أن هناك جموداً بشكل عام في نشاطات المسلمين وفي حركتهم بالمستوى الذي يجعل منهم قوة حركية سياسية في البلاد الغربية، بالنظر إلى قوتهم العددية، ما جعلهم ينكفئون عن التأثير في سياسات البلدان التي يسكنونها، ولكن كانت هناك بعض الجمعيات الثقافية الإسلامية تعقد المؤتمرات الإسلامية الثقافية التي يلتقي فيها الحركيون الإسلاميون ليبحثوا قضاياهم الإسلامية السياسية الحركية ومشاكلهم التي كانوا يعانون منها إلى جانب المنهج الثقافي الذي يتحركون فيه.
مشكلة المسلمين في الغرب هي مشكلتهم في الشرق من حيث التفرقة المذهبية
ولعل مشكلة المسلمين في الغرب هي مشكلتهم في الشرق، من حيث التفرقة المذهبية التي تجعل لكل مذهب إسلامي مساجده وسلوكياته الخاصة التي تغيب عنها الوحدة الإسلامية، بل إننا نجد أن بعض المجموعات التي تشرف عليها بعض الجمعيات في بعض الدول العربية التي تتبنى السلفية الحادة، تحاول أن تنطلق لتجذر العصبية في نفوس المسلمين بين مذهب ومذهب آخر.
ولعل هذا ما أدى إلى أن يتحرك اليهود كمؤثرين وفاعلين في السياسة الأمريكية وفي سياسة الدول الغربية الأخرى، بينما نجد أن المسلمين الذين قد يملكون قوة عددية مساوية لليهود أو أكثر في أمريكا، يعيشون على هامش الواقع السياسي، تماماً كما هم المسلمون في العالم الإسلامي الذي نجد أن المسؤولين الرسميين في أكثر بلدانه يخضعون للسياسة الأمريكية، ما يعطل دورهم في تقرير مصيرهم في بلادهم، فضلاً عن أن يشاركوا في تقرير المصير في العالم.
العلاقة مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر
س: سماحة السيد، في التاسع من نيسان، تتّشح رايات الأحرار في العالم بالسواد، وتتجلى قيم الفداء والتضحية التي تقف في وجه الدكتاتوريات في العالم، "لا"، قالها السيد الشهيد محمد باقر الصدر هو وأخته العلوية بنت الهدى، متأسياً بجده الإمام الحسين(ع). في هذه المناسبة، ماذا تحدثنا عن ذكرياتك مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر؟
ج : لقد عشت مع السيد الشهيد (رحمه الله) علاقات حميمةً وقويةً، وكنا نلتقي في الخط الإسلامي الأصيل، وكان هو الذي اقترح عليّ أن أكتب الافتتاحية الثانية في مجلة الأضواء الإسلامية، وكنت أتابع نمو السيد الشهيد حتى في بدايات شبابه، لأنه كان ظاهرة فكرية قلما تجدها في الأشخاص الذين كانوا في مستوى عمره، وربما كان للبيئة التي ولد فيها دور كبير في تشجيعه، باعتبار أن خاله، وهو المرجع الكبير، الشيخ محمد رضا آل ياسين، كان أستاذاً لمجموعة من فضلاء النجف الأشرف، الذين كانت الحوزة العلمية تحترمهم، وتجد فيهم المجتهدين والفضلاء الكبار، وكان هؤلاء يشجعونه عندما كان يطرح بعض أفكاره في المجالس، وبذلك احتُضِنَ عاطفياً من خلال هذه المجموعة من الفضلاء، حتى قيل إن المرحوم الفقيه الشيخ عباس الربيشي، كان يطلب منه أن يجلس إليه عندما كان يكتب بعض فتاواه.
كان الشهيد السيد محمد باقر الصدر ظاهرة فكرية قلما تجدها في الأشخاص الذين كانوا في مستوى عمره
وقد انفتح السيد الشهيد في مرحلته الأولى على الأبحاث الأصولية، وتأثر تأثراً بالغاً بالمرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني، المعروف بأصوليته الفلسفية، وكان يتباحث مع بعض الطلاب في النجف حول حاشيته على الكفاية، كما تأثر بالشيخ ضياء الدين العراقي، ثم انطلق بعد ذلك في درس أستاذنا السيد أبي القاسم الخوئي، الذي كان يقدره تقديراً كبيراً، حتى إنه عندما كان يطرح أي إشكال في الدرس، كان السيد الخوئي (رحمه الله) يقرر إشكاله أمام التلامذة ويجيب عنه.
وهكذا كان يتحرك في الحوزة العلمية وهو في سن مبكرة جداً، وكان يُنظر إليه كأستاذ لبعض كتب السطوح التي لا يدرسها إلا الأشخاص الذين يملكون الثقافة الأصولية العميقة. وهكذا بدأ درس الفلسفة عند أستاذها المعروف في النجف، الشيخ ملا صدرا البادكوبي، حتى إنّ أخاه السيد إسماعيل الصدر، استبدل كتاب الحدائق التي كانت عندهم بكتاب الأسفار لكي يدرِّس السيد محمد باقر الصدر هذا الكتاب.
إلى جانب كل ذلك، كان السيد الصّدر يشرف على التيار الإسلامي، وينظِّر للحركة الإسلامية في ما كتبه من الأسس الإسلامية، وكان الإسلاميون، ومنهم الشيخ عارف البصري (رحمه الله) وآخرون، يلتقون معه ويجتمعون عنده ويستفيدون منه. ولذلك فإننا نعتقد أنه كان يمثل القيادة الفكرية للحركة الإسلامية، وعندما حدث الانقلاب في العراق من خلال عبد الكريم قاسم، ونشأت جماعة العلماء في النجف الأشرف كردّ فعل على المد الأحمر، كان هو الذي يكتب بيانات جماعة العلماء في النجف الأشرف.
الشهيد السيد محمد باقر الصدر أعطى الثقافة الإسلامية في العالم خطاً جديداً فكان أول كاتب إسلامي يؤلّف كتاباً في الاقتصاد الإسلامي
وقد قام بدور كبير في الرد على الماركسية من خلال كتابه "فلسفتنا" ثم كتابه "اقتصادنا"، ما أعطى الثقافة الإسلامية في العالم خطاً جديداً، لأنه كان أول كاتب إسلامي يؤلف كتاباً في الاقتصاد الإسلامي بالطريقة العلمية التي تقارن بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الماركسي والاقتصاد الإسلامي، ولا يزال المثقفون المسلمون في العالم يستفيدون من كتاب "اقتصادنا"، ولم يحدث أن ألّف أي مفكر إسلامي، حتى من المتخصصين في مجال الاقتصاد، كتاباً جديداً يماثل هذا الكتاب.
الحكم الديكتاتوري وجريمة العصر في العراق
س: سماحة السيد، في ذلك الحين، استولى على الساحة العراقية أعتى نظام ديكتاتوري، كيف تجاوز هذا النظام كل الحدود والخطوط الحمراء، وأجهز على شخص الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وأخته العلوية؟ ولماذا كان هذا التجاوز وفي تلك المرحلة بالذات؟
ج: من المعروف أن ديكتاتور هذا النظام صدّام حسين كان منتمياً بحسب المنهج السياسي إلى حزب البعث، وكان حزب البعث في البدايات يحاول أن يجعل حركته منسجمةً مع الحركة الإسلامية التي لم تتأطر بتنظيم واضح في ذلك الوقت بالشكل القوي، لأنه كان يستفيد من هذه الحركة في مواجهة الحزب الشيوعي في العراق، ولذلك ربما كان بعض البعثيين يستفيدون من الموقف الإسلامي المناهض للشيوعية التي أصدر كبار العلماء من المراجع الفتاوى بأنها كفر وإلحاد أو ترويج للكفر والإلحاد.
ومن الطبيعي أن حزب البعث لم يكن يمتلك القوة التي يستطيع من خلالها أن يسيطر على الخط الإسلامي أو يضطهده، ولكن عندما ضعفت الشيوعية وانحسر دورها في العراق، بدأ حزب البعث في تلك المرحلة، كما لاحظناه، بالتعامل مع الأمريكيين، الذين وظفوا الديكتاتور لتنفيذ سياستهم التي أربكت العالم العربي، واضطهدت كل الأحرار في العراق، وفي مقدّمهم الأحرار الإسلاميون.
كانت أولى مهمات الديكتاتور صدام حسين أن تسقط الحوزة العلمية في النجف
وهكذا رأيناه ينفذ الدور الأمريكي، ومعه الأدوار الدولية الأخرى في الغرب، لإضعاف حركة الجمهورية الإسلامية في إيران التي قامت من خلال الثورة التي قادها الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، فكان من أولى مهمات هذا الديكتاتور أن يسقط الحوزة العلمية في النجف، وأن يضطهد الكبار من المفكرين الإسلاميين، لذلك عمل على إغراء السيد الشهيد الصدر، بأنه سوف يتبناه كمرجع عربي في مقابل المراجع غير العرب، ولكن السيد الشهيد كان أكبر من ذلك؛ أولاً لأنه كان يعرف أن المرجعية لا قومية لها، وإنما تنطلق من خلال الكفاءة؛ وثانياً، لأن السيد الشهيد كان يرى أن القاعدة الفكرية التي يرتكز عليها حزب البعث، هي قاعدة منافية للإسلام، ولذلك أصدر فتواه بحرمة الانتماء إلى حزب البعث العربي.
إن اغتيال السيد الشهيد وشقيقته العلوية يمثل جريمة كبرى تطاول العالم الإسلامي كله
ولذلك قرر الديكتاتور محاصرته واضطهاده، حتى انتهت المأساة باغتياله مع شقيقته المجاهدة بنت الهدى. ونحن نعتبر أن اغتيال السيد الشهيد يمثل جريمة كبرى تطاول العالم الإسلامي كله، لأن السيد الشهيد كان يتميز بعبقرية فكرية إبداعية، حتى إنه عندما كان يدخل في أي موقع من المواقع الفكرية، كان يأتي بجديد، ولو امتد به العمر، لاستطاع أن يجدد الكثير من المفاهيم الإسلامية، ولو استقبل من أمره ما استدبر، لكان يمثل الشخصية الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي لا على مستوى العراق فحسب.
أمانة المنهج وحفظ الخط
س: ماذا تقول للدعاة السائرين على نهج السيد الشهيد محمد باقر الصدر، وعلى هذا الخط الذي اختطّه؟
ج: إننا نقول الآن، كما قلنا لكثير من أخواننا وأبنائنا من الدعاة الإسلاميين السائرين على نهج الشهيد الصدر والمنفتحين على فكره الإسلامي، إنهم مسؤولون في العراق الجديد، أولاً بأن يطلقوا هذا الفكر الإسلامي في الواقع الشعبي، لأن هناك خطة أمريكية غربية، وربما عربية، في إبعاد الإسلام عن أن يكون هو الطابع الذي يتحرك به العراق الجديد.
نقول لكل الدعاة الإسلاميين أن الإسلام أمانة في أعناقكم، والإخلاص لدماء الشهيد الصدر هو أن تتوحدوا في فكره ونهجه
لذلك نقول لهم إن الإسلام أمانة الله في أعناقكم، وإن عليكم أن لا تنشغلوا عن الإسلام في كل حركتكم، وفي كل علاقتكم، وفي كل أوضاعكم. الوحدة الإسلامية هي الخيار الوحيد لكم، ونعتقد أن أي نوع من أنواع التمزق على أساس الطموحات الشخصية هنا وهناك، أو على أساس الخلافات الهامشية، سوف يكون خيانة للإسلام كله وللعراق كله، وخيانة للسيد الشهيد الذي بذل حياته من أجل الإسلام. ولذلك فإن الإخلاص لدمه الطاهر، هو أن تتوحدوا في فكره، وتتوحدوا في نهجه، وتتوحدوا في خطه السياسي الذي يعتبر العراق مجرد قاعدة إسلامية لا بد من أن تمتد إلى العالم كله.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 27 ربيع الأول 1430 هـ الموافق: 24/03/2009 م