الإسـلام والسّلطـة
في الحلقة الثانية من مقابلة مجلة "الآداب"، تحدّث سماحة العلامة المرجع، السيد محمّد حسين فضل الله، عن السّلطة من منظور إسلامي، ومدى صلاحية الحاكم، والنظام الاقتصادي في الإسلام، والحوار بين الأديان، وعن نماذج من حركات الإصلاح...
الإسلام يختزن مفهوم الدولة
س: هناك مؤسّساتٌ دينيّة رسميّة تُعتبر جزءاً من السلطة، وتَعْمل معها على قمع الفكر الآخر. ما هو الموقف الإسلامي من هذه المؤسسات؟
ج: عندما نتحدّث عن الثقافة القرآنيّة، أو عن الثقافة الدينيّة، فإنّنا نتحدّث عنها من حيث إنّها موقعٌ من مواقع المعرفة، بقطع النظر عمّن يستغلّ ذلك لمصالحه أو لأطماعه. ونحن نَعْرف أنّ في التاريخ الإسلامي مَنْ يُسمّون "وعّاظَ السلاطين"، وهم الذين يقدِّمون إلى السلطان ما يتناسب مع حكمه وجرائمه وشهواته، وقد يفسّرون القرآنَ بما يتّفق مع ما يَطْلبه منهم. بل نلاحظ أنّ هناك تيّاراً كبيراً من فقهاء المسلمين، عندما يقرأون قولَه تعالى: {
أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر منكم} [النساء:59]، يقولون إنه يجب إطاعةُ وليّ الأمر وإنْ كان فاسداً أو قاتلاً، وإنّ علينا ألاّ نثورَ عليه، بل أن نقدّم إليه النصيحةَ والموعظة! وهناك "فقهاءُ سلطة" يحضّرون لكلّ عملٍ من أعمال السلطان فتوى معيّنةً، فيقفون ضدّ إسرائيل عندما تكون السلطةُ ضدّ إسرائيل، لكنّهم يؤيّدونها عندما تؤيّدها السلطة وتصالحها؛ ويُفتون لمصلحة اليمين عندما تكون السلطةُ يمينيّة، ولمصلحة اليسار عندما تنتقل السلطةُ إلى اليسار، وربّما تكون مصلحةُ السلطة في الوسط فيكونون وسطيين!
"وعّاظ السّلاطين" هم الذين يقدّمون إلى السلطان ما يتناسب مع حكمه وجرائمه وشهواته، وقد يفسّرون القرآن بما يتّفق مع ما يطلبه منهم
س: بالعودة إلى الحديث عن العلاقة بين السلطتين السياسيّة والدينيّة، هل تعتقد، سماحة السيد، أنّ هدفَ الإسلام هو إنشاءُ دولة إسلاميّة؟
ج: في البداية، لا بدّ لنا من أن ندرس أساسَ تركيبة الدولة، فالدولة تتمثّل في قانونٍ شاملٍ يحْكم كلَّ أوضاع الناس؛ الاقتصاديّة والسياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة... وعندما نضع المسألة في هذا الإطار، فإننا نرى أنّ الإسلام يَختزن في أصوله مفهوم الدولة، باعتبار أنّ الشريعة الإسلاميّة تمثّل ثروةً قانونيّةً شاملةً لكلّ نواحي الحياة، بقطع النظر عمّا إذا كان بعضُ الناس يناقشون هذا القانونَ أو ذاك؛ فالقانون ينطلق من خلال اجتهادات العلماء التي قد يتطوّر بعضها عبر الزمن.
الإسلام يختزن في أصوله مفهوم الدّولة، باعتبار أنّ الشّريعة الإسلاميّة تمثّل ثروةً قانونيةً شاملةً لكلّ نواحي الحياة
إنّ الاجتهاد الإسلاميّ يجعل القانون الإسلاميّ متحرِّكاً لا جامداً، فهو يَخضع لاجتهادات علماء الشريعة، تماماً كما يَخضع القانونُ الوضعيّ للاجتهادات، فقد يَصدر قانون في دولة معيّنة، ثم ترى الجهاتُ المعنيّةُ بإصدار القوانين أنّ المصلحة تقتضي إلغاءه وإصدارَ قانونٍ آخر، وهكذا الأمر في الاجتهاد مع اختلاف في التوصيف؛ فقد يَجتهد المشْرفون على الدولة، إذا كانوا من المجتهدين، في تشريع قانونٍ معيّن، ثم تأتي جهةٌ أخرى، أو ربما تأتي الجهةُ الأولى نفسُها، فتكتشف خطأ ذلك القانون في مجالٍ ما.
الاجتهاد الإسلامي يجعل القانون الإسلامي متحرّكاً لا جامداً، فهو يخضع لاجتهادات علماء الشريعة، تماماً كما يخضع القانون الوضعيّ للاجتهادات
ونحن نلاحظ أنّ النبيّ(ص) عندما هاجر من مكّة إلى المدينة، بادر إلى إيجاد نوعٍ من التكافل الاجتماعيّ أو "المواطَنة" بين الناس هناك، فعقد وثيقة المدينة بين الأوس والخزرج، وكانتا العشيرتين الرئيستين في المدينة، وكانتا تعيشان حروباً تاريخيّةً، فألّف بينهما، ويذكر القرآن الكريم لنا نتيجة ذلك بقوله تعالى: {
واذكروا نعمةَ الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّفَ بين قلوبِكُمْ فأصبحتم بنعمته إخواناً} [آل عمران:103]؛ ثم حاول أن يَعقد معاهدةً بين المسلمين المقيمين في المدينة (الأنصار) والمسلمين المهاجرين، ثم بين المسلمين واليهود.
وهناك نقطة أساسيّة يمكن أن نستوحيَ منها معنى الدولة، وتبرز من خلال قوله تعالى: {لقد أرسلنا رُسُلَنا بالبيّناتِ وأنزلنا معهُمُ الكتابَ والميزانَ ليقومَ الناسُ بالقِسْط} [الحديد:25]؛ وهي تبيّن أنّ كلّ الرسالات، وكلَّ الكتب المنزِلة المقدّسة، وكلَّ الموازين التي توزَنُ بها الحقوقُ والأوضاع، أنّ هذه كلّها قد شَرّعها الله من أجل إقامة العدل.
والعدل الذي يعني أن نعطيَ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، لا يمكن أن يتحقّق إلا في إطار الدولة؛ إنّه عدل القانون، وعدلُ الحكم، وعدلُ الحاكم، وعدلُ الناس مع الحكْم، ومع بعضهم البعض. ولا يمكن إقامة العدل في مجتمع كبير من دون سلطة. والسلطة في الإسلام ليست سلطةً مطلقةً، بل هي تخضع للقانون. ويؤكد هذه السلطة ما خاطب به الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) الناس عندما كان خليفةً، قائلاً: "فلا تكلّموني بما تكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يُتحفَّظُ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي؛ فإنّ مَن استثقلَ الحقّ أن يُقال له، أو العدلَ أن يُعرضَ عليه، كان العملُ بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحقّ، أو مشورةٍ بعدل، فإنني لستُ في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلاّ أن يكفي اللهُ من نفسي ما هو أملك به منّي".
السّلطة في الإسلام ليست سلطةً مطلقةً بل هي تخضع للقانون
فالإمام الخليفة يدعو الناسَ هنا إلى أن ينقدوه، وأن يتحدّثوا معه كما يتحدّث بعضُهم مع بعض، لا كما يتحدّث المحكومُ مع الحاكم.
ونقرأ النّصّ النبويّ الشّريف: "
إنّما أهلَكَ مَنْ كان قبلَكم، أنّهم كانوا إذا سرق الشريفُ تركوه، وإذا سرق الضعيفُ أقاموا عليه الحدّ. وأيم الله، لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدَها". وفي كتاب الإمام عليّ(ع) لبعض ولاته: "لو أنّ الحسنَ والحسينَ فعلا مثل الذي فعلتَ، لما كانت لهما عندي هوادة".
إذاً، الحاكمُ في الإسلام يتقبّل المعارضةَ ويتقبّل النقدَ، بل يدعو الناسَ إلى أن يَرْصدوا حكمَه وأن ينقدوه. ولذلك نقول إنّ بعض الذين يتحدّثون عن الدولة في الإسلام بطريقة سلبية، ربّما نظروا إلى تاريخ الحكّام المسلمين الذين كانوا يعيثون في الأرض فساداً ويحاولون أن يَحْكموا الناس بالقوة؛ غير أنّ هؤلاء ليسوا مظهرَ الحكم الإسلاميّ، لأنّ القرآن أكّد مسألة إقامة العدل حتى مع الأعداء: {
ولا يَجْرِمَنْكم شنآنُ قومٍ على ألاّ تَعْدِلوا اعدلوا هو أقربُ للتقوى} [المائدة:2]، و{
وإذا قلتم فاعدِلوا ولو كان ذا قُرْبى} [الأنعام:152]، و{
يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامينَ بالقِسْطِ شهداءَ للهِ ولو على أنفسِكُمْ أو الوالديْن والأقربِين} [النساء:135].
الحاكم في الإسلام يتقبّل المعارضة ويتقبّل النقد، بل إنّه يدعو الناس إلى أن يرصدوا حكمه وأن ينقدوه
لا قداسة للحاكم
س: بما أنّ الدولة الإسلاميّة التي تقترحها ليست يوتوبيا، فمن يَضْبط الحاكم؟
ج: الشّعب! من حقّ الشّعب أن يثور على الحاكم ويسقطه.
س: لكنْ ما الآليّة؟
ج: ليس في الحياة كلِّها حكم مطْلق، سواء حَكَمَ الدينُ أو العلمانيّةُ أو أيُّ مبدأ من المبادئ، لأنّ الحكم تجربة، فقد يخطئ الحاكمُ وقد يصيب. لذا فإنّ القانون لا يعطي الحاكم السلطةَ المطلقةَ، بل يطلب من الناس أن يتابعوه ويرصدوه؛ فإنْ أخطأ قوّموه أو أسقطوه. ونحن نقرأ في القرآن الكريم قوله: {
إنّ فرعوْنَ علا في الأرض وجَعَلَ أهلَها شِيَعاً يَسْتضعفُ طائفةً منهم يذبِّحُ أبناءَهمْ ويستحيي نساءَهُمْ} [القصص:4]، و{
فقال أنا ربّكم الأعلى} [النازعات:24]، و{
فاستخفّ قومَه فأطاعوه} [الزخرف:54]. والقرآن حين يتحدّث عن كلّ هؤلاء الطغاة، فإنه لا يتحدّث عن التاريخ، بل يقول: {
لقد كان في قَصَصِهِم عبرةٌ لأولي الألباب} [يوسف:111]. لذلك فالحاكم المسلم لا يمكن أن يدّعي لنفسه القداسةَ. فالنبيّ(ص) نفسُه، وهو مقدّس، لم يدّعِ لنفسه القداسةَ، وكذلك الإمام علي(ع) والخلفاء الراشدون. ففي بعض الحالات، كان الناسُ يعترضون على الحاكم بشكلٍ طبيعيّ، وكان يتقبّل ذلك. وقد كانت المرأة تقف أمام الخليفة، وتقول له: أنت أخطأتَ، فيتقبّل منها ذلك. وفي الفتنة الكبرى التي وقعتْ بقتل الخليفة عثمان مثلاً، بقطع النظر عن الحقّ والباطل في هذا المجال، نجد أنّ المسلمين ثاروا عليه عندما قَرَّبَ عائلتَه، واستغلّ مال المسلمينَ بحسب دعواهم.
لذلك أعتقد أنّنا عندما ندرس القوانينَ الإسلاميّة والقيمَ الإسلاميّة والنظامَ الإسلاميّ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والأمنيّ، فإنّنا نلاحظ أنّ الدولة الإسلاميّة، إذا انطلقت في خطّها التأسيسي من هذه القوانين، فإنّها تكون الدولة العادلة.
س: هل الآليّة في إسقاط الحاكم تنطلق من روح العصر، أمْ هناك قواعد ثابتة؟
ج: نعم، الآليات تنطلق من روح العصر، ففي التّجربة الإيرانيّة، بقطع النظر عمّن يوافقها أو يخالفها، دعا الإمامُ الخمينيّ، وهو رجلٌ فقيه، إلى الحكومة الإسلاميّة، إلا أنّه أجرى استفتاءً شعبيّاً يسأل فيه النّاسَ إنْ كانوا يريدون الإسلامَ أو لا يريدونه، وهل يريدون قانوناً إسلاميّاً أو أنّهم يريدون قانوناً آخر؟ ثم أسّس مجلسَ الشورى، ومجلسَ الخبراء، ومجلسَ صيانة الدستور، وأكّد أنّ من حقّ الأمّة ومجلس الخبراء أن يُسقطا الوليَّ الفقيه إذا فرضْنا أنّه انحرف عن الخطّ، والوليّ الفقيه نفسه يأتي بالانتخاب؛ فالوليّ الفقيه الموجود حاليّاً في إيران حصل على سبعة وستّين صوتاً من أصل ثمانين، الأمرُ الذي يعني أنْ لا ديكتاتوريّة أو وراثة في هذا المجال.
النظام الاقتصادي في الإسلام
س: من أُسسِ بناء الدولة نظامُها الاقتصاديّ. والموجود في العالم اليوم شكلٌ أحاديٌّ من ذلك النظام، وهو الرأسمالي المتوحّش، فماذا عن النظام الاقتصاديّ في "الدولة الإسلاميّة"؟
ج: النّظام الاقتصاديّ في الإسلام يقوم على أساسٍ واقعيّ وعادل، فالإسلام ألغى الرّبا، لأنّ النظريّة الإسلاميّة تقول إنّ المال لا يُنتج المال؛ إذ حين أُقرضكَ مالاً، فإنّ هذا المال لا يُنتج لي مالاً، ففي الإسلام عندنا نظامُ المضاربة، وهو التزاوجُ بين العمل والمال: شخصٌ يَمْلك رأس مالٍ ولا يملك عملاً أو خبرةً، وشخص ثانٍ يملك العملَ والخبرةَ لكنّه لا يملك رأس مالٍ، فيتشاركان على أساس أن يكون لكلّ واحد منهما نصيبٌ من الربح إذا حصل؛ وإذا لم يحصل الربح، فالخسارة على رأس المال لا على العامل، لأنه خسر عملَه أصلاً. هذا النظام هو البديلُ عن نظام الرِّبا، لأنه يوجِد للعامل حقّاً من خلال عمله في رأس المال الذي هو ملْكٌ للآخر، ويجعل لصاحب رأس المال أيضاً حقّاً لأنّه قَدّم إلى العامل فرصةَ الكسب.
النّظام الاقتصاديّ في الإسلام يقوم على أساس واقعيّ وعادل، فالإسلام ألغى الربا باعتبار أنّ المال لا ينتج المال
وحرّم الإسلامُ الغشّ، والنصبَ، وأكْلَ المال بالباطل، وما إلى ذلك. ثم إنّه لم يسلّط أحداً على ثروات البلد؛ فالمعادن والبترول وغيرُ ذلك هي ملْك الأمة، ولا بدّ من أن تُصرف من قِبل وليّ الأمر أو النظام الحاكم. ولذلك كلّه نعتقد أنّه لو طُبّق النظامُ الإسلاميّ، لكان نظاماً عادلاً من النّاحية الاقتصاديّة.
س: ما العمل عندما تتعارض الشريعةُ المنبثقةُ من النصّ مع حقوق الإنسان الفرديّة؟ ومن أين تأتي حقوقُ الإنسان الفرديّة؟
ج: المفروض أن الذاتيّات تتنوّع؛ فلكلّ إنسان ذاته التي تنطلق من أهوائه وأطماعه وأوضاعه الشخصيّة، ولكنّ هناك نظاماً أخلاقيّاً ينظر إلى مصلحة المجتمع كلّه، سواء من الناحية المعنويّة أو من الناحية الماديّة أو من نواحي الأمن وما إلى ذلك، فللإسلام نظام في حقوق الفرد، ولكن على ألاّ تطغى هذه الحقوق على حقوق الجماعة.
وللإسلام أيضاً نظامٌ أخلاقيّ يُنقذ الإنسانَ من ظلمه لنفسه ومن إضراره بنفسه، إذ لا حريّة للإنسان في أن يُضرّ بنفسه، ولذلك حرّم اللهُ الخمرَ لأنّه يضرّ بالإنسان عقليّاً، إذ إنّه يذهب بطاقات العقل لمدّة معيّنة، أو صحّيّاً؛ وحَرّم القمارَ لأنّه ليس الوسيلة الطبيعيّة للحصول على المال؛ وحَرّم المخدّرات، بل إننا أفتينا بتحريم التدخين لأنه قد يصل بالإنسان إلى حدّ التهلكة أو الضرر البالغ، وكذلك أطلقْنا فتاوى في تحريم ما يفعله بعضُ الشيعة من ضرب رؤوسهم بالسيف أو ضرب ظهورهم بالسلاسل وما أشبه ذلك.
للإسلام نظامٌ أخلاقيٌّ ينقذ الإنسان من ظلمه لنفسه ومن إضراره بنفسه، إذ لا حرية للإنسان في أن يضرّ بنفسه
والإسلامُ حَرّم الزنا أيضاً، لأنّه يَعتبر أنّ العلاقات الجنسيّة لا بدّ من أن يكون لها نظامٌ داخل الحياة الزوجيّة. كما حرّم الاعتداءَ على الآخر؛ فلا يجوز للزوج أن يعتدي على زوجته مثلاً، لأنّ ما يحْكم العلاقةَ بينهما هو العقد، فليس للزوج حقّ على زوجته إلاّ بما يقتضيه عقدُ الزوجيّة. والإسلام لم يعط الفرد حقّ الحريّةَ الجنسيّة، كما لم يعطه حقّ الزواجَ المثليّ الذي هو مخالفٌ للطبيعة، لأنّ موقع العمليّة الجنسيّة لم يهيّأ في جسد الإنسان لمثل ذلك...
إذاً هناك حريّاتٌ فرديّةٌ بالفعل، لكنْ لا بدّ من أن تخضع للنظام الأخلاقيّ والاجتماعيّ العامّ، بحيث لا تُضرّ بسلامة المجتمع، ولا بقيمه الروحيّة والإنسانيّة.
حدود العلاقة الزوجية
س: للاستيضاح فقط، لقد أباح النصُّ القرآنيّ للزوج في علاقته مع زوجته أن يضربها، ما هو حدّ ذلك؟
ج: هناك مسألة في العلاقة الزوجيّة يَفْرضها العقدُ الزوجيّ، وهي مسألةُ حقّ الزوج في الاستمتاع بزوجته ليحفظَ نفسَه من الانحراف الجنسيّ، أي الزنا، كما أنّه جعل للزوجة الحقَّ في الجنس أيضاً، فنحن نرى أنّ لهنّ مثلَ الذي عليهنّ بالمعروف؛ فكما أنّ للزوج حقّاً على زوجته في الجنس، فإنّ لها حقّاً عليه في الجنس أيضاً. لكنْ لو امتنعت الزوجةُ عن منح الزوج حقَّه الجنسيّ، فماذا يفعل وقد مَلَكَ ذلك الحقَّ بالعقْد وبموافقة الزوجة وبإرادتها، وهو عقدٌ يرتكز على أساس المسألة الجنسيّة؟! فالقرآن يقول: {
واللاتي تخافون نشوزَهنّ فعِظوهنَّ} [النساء:34]. إذاً، حاول، أيّها الزوج، أن تبيِّنَ لزوجتك أنّ هذا النشوز يفْسد العلاقةَ الزوجيّة، وأنّه قد يضطرّك إلى أن تبحث عن زوجةٍ ثانيةٍ أو عن علاقةٍ غير شرعيّة أو غير ذلك. ثمّ يحاول النصّ أن يتطوّر في المسألة، فإذا بالزوج يهْجر زوجتَه وينام في مكان آخر. لكن إذا لم ينفعْ، فماذا يفعل؛ هل يرفع الأمرَ إلى المحاكم؟ وهل تضع المحكمةُ في غرفة النوم شرطةً تجْبر الزوجةَ على الاستجابة لزوجها؟ فهذا أمر غير واقعيّ.
إذاً، بيْن أن تُهدمَ الحياةَ الزوجيّة، فيرحلَ الزوجُ لأنّ الزوجة لا تقْبل أن تعطيه حقّه الجنسيّ، وبين أن يحافظ عليها، أباح النصُّ أن يضربها ضرباً غيرَ مبرّح، ضرباً "تربويّاً". فإذا انتهت المشكلة، يقول النصّ: {
فإنْ أطعْنَكُم فلا تَبْغوا عليهنَّ سبيلاً} [النساء:34].
الإسلام يؤكّد أنّ الأساس في العلاقة الزوجية أن تنطلق من المودّة والرحمة، أما الجانب القانوني فهو لحفظ حقوق الزوجين
فالمسألة، إذاً، مختصة بحالات الضرورة، لا من باب أنها حالة طبيعية، فليس من حقّ الزوج مطلقاً أن يَضْرب زوجته لأنها لم تقم بتنظيف البيت أو بتربية الأولاد أو بإرضاعهم أيضاً، لأن ذلك لم يفرضه العقد الزوجي.
ومن الأمور التي قد يستغربها الناس، أنّ للزوجة الحقَّ في أن تَطْلب أجراً على عملها في البيت كأيّ عاملة، حتى في ما خصّ إرضاعَ الأولاد. لكنّ الإسلام يؤكّد أن الأساس في العلاقة الزوجية أن تنطلق من المودة والرحمة، {
وجعل بينكم مودّةً ورحمةً} [الروم:21]، لأنّ الزوج يضحّي كما تضحّي الزوجة، أمّا الجانب القانوني فهو لحفظ حقوق الزوجين. وقد أصدرتُ قبل مدّةٍ فتوى أثارت جدلاًَ في الواقع الإسلاميّ كله، وهي أنّه إذا اعتدى الزوجُ على زوجته بالضرب المبرّح الذي يؤدّي إلى الإضرار بها، ولم تكن لها طريقٌ للهروب أو الاحتماء، فلها أن تدافع عن نفسها بضربه، لأنّ الله يقول: {
فمن اعتدى عليكُمْ فاعتدُوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:194].
أمّا الضرب الناشئ من امتناع الزوجة عن إعطاء زوجها حقّه الجنسيّ، فهو لمصلحة الزوجة أولاً، حتى لا يسعى الزوجُ إلى إشباع رغبته الجنسيّة خارج البيت، الأمرُ الذي قد يُحْدث تأثيراً سلبيّاً في الحياة الزوجيّة. وهذا بالطبع مشروط بألاّ يكون للزوجة عذر نفسيّ فوق العادة أو عذر صحّيّ...
س: ماذا لو انعكست الآية، والزوجُ هو من امتنع عن زوجته؟
ج: هذا يعتبر خطيئةً شرعاً، ولكنّ الضرب لا يفيد في مثل هذه الحال، كونها لا تستطيع أن تحصل على حقها إذا ضربت زوجها، ولها أن ترفع أمرَها إلى الحاكم الشرعيّ، وله ـ وهو المجتهدُ العادل ـ أن يطلّقَها إذا طلبت الطلاقَ، لأنّ زوجها لم يقم بحقّها الجنسيّ، أو لم ينفقْ عليها.
س: هل تؤيّدون التعليم الدينيّ في كلّ المدارس؟ وما هي ضوابطُ مثل هذا التعليم؟
ج: لعلّ المشكلة هي أنّ التصوّرات الدينيّة لدى الأجيال الطالعة، بشكل عامّ، لم تنطلقْ من وجدانٍ دينيّ متوازن في المعرفة الدينيّة، فهي كثيراً ما تأخذ هذه المعرفة من بيتٍ جاهل، على طريقة {إ
نّا وَجدْنا آباءَنا على أمّةٍ وإنّا على آثارِهِم مُقْتدون} [الزخرف:23]. ومن هنا، فإنّ تصوّرهم الدينيّ عادةً ما يتحرّك في خطّ العصبيّة التي تجعل من الدين مشكلةً لا حلاً. وهذا ما ألاحظه في الواقع الإسلاميّ، إذ أرى نموّاً في العصبيّة التي تجعل المسلمَ يحقد على المسلم، أو في قضايا التكفير والتضليل، أو في الإساءة إلى الشخصيّات المقدّسة. وبهذا فإنّ مسألة التعليم الدينيّ في المدارس أمرٌ ضروريّ، شرطَ أن ينطلق من الخطوط العامّة للدين، من أجل بيان العقائد الأساسيّة التي تَربط الأديانَ بعضَها ببعض، والتي تؤكّد المسألةَ العقيديّة في الخطّ الثقافيّ لا الغريزيّ، وعندها لن يكون الدينُ مشكلةً بل حلاً.
التّعليم الديني في المدارس أمرٌ ضروريّ شرط أن ينطلق من الخطوط العامّة للدين من أجل بيان العقائد الأساسية التي تربط الأديان بعضها ببعض
الحوار بين الأديان
س: بالحديث عمّا يقرّب الأديان بعضها من بعض، هل تعتبرون أنّ الإصلاح الدينيّ مدخلٌ إلى حوار حقيقيّ بين المذاهب الإسلاميّة، وبين الإسلام والأديان الأخرى؟
ج: علينا أوّلاً أن ندرس مَنْ هو المُصلِح، لأنّ المُصلح من الناحية الرسميّة، كما ذكرنا، قد يَختزن في نفسه الكثيرَ من الإفساد الدينيّ بفعل الإرث العصبيّ الذي ورثه في بيئته عن آبائه وأجداده. وعند تصوّر الإصلاحَ الدينيّ، لا بدّ من أن نركّز على بعض الأمور؛ أوّلها المنهج القرآنيّ الذي خاطب به اللهُ أهلَ الكتاب عندما قال: {
قل يا أهلَ الكتاب تعالوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينَكم ألاّ نَعْبدَ إلاّ اللهَ ولا نشركََ به شيئاً ولا يتّخذَ بعضُنا بعضاً أرباباً من دونِ الله} [آل عمران:64]. فقد أكّد القرآن أنّ هناك أرضاً مشتركةً بين الإسلام من جهة، واليهوديّة والنصرانيّة اللتين يعبَّر عن أتباعهما بـ"أهل الكتاب" من جهةٍ أخرى؛ فهو يدعوهم إلى أن نلتقي على الكلمة السواء، وهي وحدانيّة الله، وعلى الوحدة الإنسانيّة، وهي ألاّ يكون الإنسانُ ربّاً للإنسان ومستعلياً عليه.
وفي حين تَشهد التفاصيلُ العقيديّة، وفي مسألة توحيد الله تحديداً، خلافاً بين أتباع الأديان، فإنّ القرآن يتحدّث عن التوحيد: {قلْ هوَ اللهُ أحد* اللهُ الصمد* لم يلِدْ ولم يولدْ* ولم يكنْ له كُفُواً أحد} [سورة الإخلاص]؛ في حين ينطلق المسيحيّون في صلاتهم باسم الآب والابن والروح القدس إلهاً واحداً، وهو يعني تثليثَ الأقانيم للوصول إلى الإله الواحد؛ ويُنسب إلى اليهود أنهم يقولون: عزير ابنُ الله. فقد ركّز القرآن الكريم إذاً على ضرورة أن نلتقي عند مواقع الوفاق، ونتركَ التفاصيلَ للحوار.
وفي الدائرة الإسلاميّة أيضاً، نجد أنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {
واعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تَفَرّقوا واذكُروا نعمةَ اللهِ عليكمْ إذْ كنتمْ أعداءً فألّفَ بين قلوبِكم فأصبحتُمْ بنعمتِهِ إخواناً وكنتم على شفا حفْرةٍ من النارِ فأنقذكم منها} [آل عمران:103]. قد تكون هناك خلافاتٌ بين المسلمين في الأبحاث الكلاميّة، وفي قضيّة الخلافة والإمامة، وفي النظرة إلى الشخصيّات التي يقدّسها فريقٌ دون آخر، وفي بعض المسائل الفقهيّة، ولكنّ الله تعالى يقول: {
فإنْ تنازعتم في شيء فرُدُّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]. فما دمتم، أيّها المسلمون، تؤمنون بالكتاب والسنّة، فانظروا، لمعالجة اختلافاتكم، ماذا يقول كتاب الله لتلتقوا عليه، وماذا تقول السنّةُ الصحيحةُ الثابتةُ عن النبيّ لتلتقوا عليها، واعتمدوا الأسلوبَ العلميّ، وتحرّكوا بالحوار الموضوعيّ العقلانيّ لدرس القضايا من مصادرها، ولا تحاولوا أن تتحرّكوا في خلافاتكم من منطلق تسجيل النقاط بعضكم على بعض؛ بل لتكن المسألة كيف يمكن أن نلتقي على القضايا التي توحّد بيننا، أو التي تقارب بيننا إذا لم نستطعْ أن نتوحّد.
الإسلام يريد من أتباعه عند حوارهم مع أهل الكتاب أن يجادلوهم بالأسلوب الذي يفتح العقول والقلوب
والقرآن الكريم يؤكّد الجانبَ الإنسانيّ في الحوار بين الأديان، فنقرأ: {
ولا تُجادلوا أهلََ الكتابِ إلاّ بالتي هيَ أحسنُ إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهُنا وإلهُكم واحد ونحن له مسلمون} [العنكبوت:46]، و{
ادعُ إلى سبيلِ ربّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادلْهم بالتي هي أحسن} [النحل:125]، و{
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء:53]. فالإسلام يريد من أتباعه عند حوارهم مع أهل الكتاب، أن يجادلوهم بالأسلوب الذي يَفتح العقولَ والقلوبَ. واللّغة التي تُستخدم في هذا المجال مهمّة، لأنّ بعض الكلمات قد تثير العصبيّةَ، فيما هناك كلمات تثير التفكير، فمثلاً عندما أختلف معك، فإنّ هناك فرقاً بين أن أقول لك إنّكَ لا تفهم، أو أن أقول لك إنّ وجهة نظري تختلف عن وجهة نظرك. النتيجة واحدة، لكنّ الكلمة الثانية تثير التفكيرَ، بينما الأولى تثير العصبيّة.
نماذج من حركات إصلاحية
س: بالحديث عن شخصيّة "المصْلح،" ظهرتْ في بدايات القرن الماضي شخصيّاتٌ إصلاحيّة، مثل جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبْده. كيف تقرأ الحركة الإصلاحيّة التي بدأها هذان الشيخان؟
ج: بعد سقوط الخلافة العثمانيّة، حاول عبده والأفغاني أن يفتحا آفاقاً جديدةً لفهم النصّ القرآنيّ أو "السّنَّتيّ". وربما نسجّل بعضَ الملاحظات على منهج عبده، الذي حاول أن يُخضع الكثيرَ من المفردات القرآنيّة للاكتشافات الحديثة. أما بالنسبة إلى الأفغاني، فقد حاول أن ينفتحَ على الوحدة الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ، حتى يلتقي المسلمون على الفكر الأصيل الذي يجمعهم من خلال الكتاب والسنّة. ولذلك نعتبر أنّ هذين القياديين استطاعا أن يمثّلا بدايةَ عصر النهضة.
ثم نشأتْ بعدهما "حركةُ الإخوان المسلمين" على يد حسن البنّا الذي كان وحدويّاً، وكان يقول: "نلتقي على ما اتّفقنا عليه، ويعْذر بعضُنا بعضاً في ما اختلفنا فيه". ونحن نعلّق على ذلك فنقول: بل يحاور بعضُنا بعضاً في ما اختلفنا فيه، على أساس النصّ القرآنيّ في ردّ الأمر إلى الله ورسوله.
ثم جاءت حركةُ التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة التي قادها الشيخ محمد تقي القمّي، بإشراف المرجع الدينيّ السيّد حسين البروجُردي في إيران، وكذلك العلماء الأزهريّين مثل الشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت. وأعتقد أنّ هذه الحركة لو قُدِّر لها أن تمتدّ، لاستطاعت أن تركّز الخطّ الإسلاميّ الأصيل من النّاحية الثقافيّة، ومن النّاحية الاجتماعيّة والسياسيّة، في الاتجاه السليم.
في العالم الإسلامي دول ترتكز في سلطتها على المؤسسة الدينية المتعصبة التي تكفّر بعض المسلمين لمجرد وجود اختلافات في تفسير آية أو حديث
معوّقات الحوار
س: ألا تعتقد أنّ أحد معوّقات الوصول إلى هذا الحوار وجودُ دولٍ ترعى مذاهبَ معيّنةً؟
ج: من الطبيعيّ أنّ هناك دولاً ترتكز في سلطتها على المؤسّسة الدينيّة المتعصّبة التي تكفّر بعض المسلمين لمجرّد وجود اختلافاتٍ في تفسير آية أو حديث، الأمرُ الذي أكسب هذه السلطات قوّةً في واقع البلدان التي تَحْكمها، ونَذْكر في هذا المجال الفكر الوهّابي الذي يعتمده الحكمُ في السعودية، بل لقد سمعنا أخيراً أنّ مسؤولاً في ذلك البلد طالب المسلمين الشيعة بأن يحترموا المذهبَ السّنّيّ السلفيّ، وهو يقصد المذهب الوهّابي، الذي تأخذ به أكثريّةُ الشعب السعوديّ.
وقد نُقل عن بعض المسؤولين قولهم إنّنا لا نستطيع الاصطدامَ بعلماء الدين لأنّهم يمثّلون القوّة التي يرتكز عليها النظام. ومن الطبيعيّ أنّ ذلك أدّى إلى نشوء منظّمات كـ"رابطة العالم الإسلاميّ"، وبعض هيئات العلماء من أهل السنّة وربّما من الشيعة أيضاً، والتي أنتجت بعض المفردات المثيرةَ للعصبيّة، كمفردة "التكفيريين" في جانب، أو "التفسيقيين" في جانب آخر، أو أنتجت الإساءة إلى مقدّسات هذا الفريق أو ذاك.
ونحن نَعْرف من خلال الشعار الذي انطلق به الاستعمارُ البريطانيّ: "فرِّقْ تسُدْ،" أنّ الدول الكبرى التي تعتمد في ثرواتها ومصالحها على الثروات الطبيعيّة الموجودة في العالم العربيّ، وربّما في العالم الإسلاميّ، لا يمكنها أن تنال استقرارَها وحريّتَها في تحقيق مصالحها إلاّ من خلال الخلاف بين المسلمين الذين يمثّلون الأكثريّةَ في تلك المناطق. ولقد عاش السنّةُ والشيعةُ تاريخاً طويلاً من الخلافات، التي ربّما أدّت إلى الكثير من المآسي؛ وهو ما دفع، بدوره، إلى اختلاط الجانب السياسيّ بالجانب الدينيّ، وجانب التخلّف بجانب العلاقات الدوليّة، أو علاقات الحاكمين الذين هم شبهُ أمّيين.
س: سماحة السيّد، بعد هذا العمر الطويل في الاجتهاد، كيف ترى مستقبلَ إصلاح الفكر الدينيّ الإسلاميّ؟
ج: لستُ متفائلاً ولا متشائماً بدرجة كبيرة، فأنا أعتقد أنّ المذهبية في الواقع الإسلاميّ تتحرّك في خطّيْن؛ الأوّل هو خطّ الوعي الثقافيّ الذي لا بدّ من أن نركّز عليه، وأن نفتح آفاقَه في الواقع الإسلاميّ، ليفهمَ المسلمون دينَهم على أساس ما يوحِّدهم لا على أساس ما يمزّقهم ويفرّقهم، وبحيث تكون الخلافاتُ الاجتهاديّةُ مصدر غنًى لا فقر؛ ذلك لأنّ المجتهد إذا كانت له وجهة نظر في فكرةٍ ما، في الجانب العقيديّ أو في الجانب الفقهيّ، فإنه ينطلق في ذلك من الثقافة التي أَنتجتْ هذه الفكرة.
الاجتهاد الإسلاميّ يمثّل إثراءً للثّقافة الإسلاميّة وخروجاً من التخلّف والسّطحيّة في فهم الأشياء ومن الأميّة الثقافية التي تطاول الكثير من الواقع الإسلامي
ولذلك فإنّ الاجتهاد الإسلاميّ يمثّل إثراءً للثقافة الإسلاميّة، وخروجاً من التخلّف ومن الأميّة الثقافيّة التي تطاول الكثيرَ من الواقع الإسلامي، ومن السطحيّة في فهم الأشياء، ومن الانفعال الذي يسيطر على المسلم أمام بعض القضايا الحسّاسة في تفكيره وواقعه.
والخطّ الثاني هو مسألة التحرّر من ضغط الدول الكبرى، ولا سيّما أمريكا والاتحاد الأوروبيّ. فهذه الدول قد تبقى من خلال الأشخاص الذين وظّفتْهم ليكونوا حاكمين في البلاد الإسلاميّة، ولينفّذوا خططَها في الإبقاء على الخلاف بين المسلمين، وربّما أكّّدوا حكمَها، لأنّ المسلمين إذا توحّدوا في بلادنا، فربّما يتوحّدون ضدّها وضدّ ظلمها واستكبارها. لهذا أصبحت المسألة الإسلاميّة مرتبطةً بالمسألة السياسيّة؛ فإذا استطعنا أن نتحرّر سياسيّاً، استطعنا أن نتحرّر أيضاً في وحدتنا الإسلاميّة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 09 جمادى الأول 1430 هـ الموافق: 04/05/2009 م