السيد فضل الله لـ"وفد أمريكي": أمريكا ليست عادلةً في نظرتها إلى العالم العربي والإسلامي وأوباما لا يستطيع التغيير

السيد فضل الله لـ"وفد أمريكي": أمريكا ليست عادلةً في نظرتها إلى العالم العربي والإسلامي وأوباما لا يستطيع التغيير

السيد فضل الله لـ"وفد أمريكي":

أمريكا ليست عادلةً في نظرتها إلى العالم العربي والإسلامي وأوباما لا يستطيع التغيير


-الإدارة الأمريكية إدارة إسرائيلية
-الدولة المفترضة في فلسطين
-الإسلام وتحدّيات العصر
-حقّ الدفاع عن النفس
-رسالة حياة أبويّة
-الحوار بين الإدارة الأمريكية وحزب الله

أجرى وفد أمريكي، ضمّ كتّاباً وإعلاميين وتربويين وطلاب جامعات، حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله ، وفي البداية تكلم سماحته في الحضور ثم أجاب عن الأسئلة التي وجهت له :


ـ في البداية، أنا أرحّب بكم في هذا اللقاء الذي يمثل التعارف بين الشعوب، والذي اعتبره القرآن الكريم أساساً للتنوّع الإنساني بين شعب وشعب، بحيث يعطي فيه كل شعب تجربته للشعب الآخر.

نحن نحب دائماً أن نستمع إلى وجهة نظر الشعوب الأخرى في القضايا العامة، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو أمنية، وأن يسمعوا منا أيضاً وجهة نظرنا، لأن ذلك هو الذي يجعل الشعوب تتفاهم وتتقارب. ونحن لا مشكلة عندنا كعرب ومسلمين تجاه أمريكا، وإن كنّا نختلف مع الإدارة الأمريكية، لكننا نقدر الشعب الأمريكي الذي يمثل المؤسسات العلمية والأدبية والإنسانية، والذي استطاع أن يعطي للعالم الكثير من الإبداع في القضايا التي يحتاجها الإنسان، حتى إن علماء أمريكا استطاعوا أن يصعدوا بنا إلى العالم الخارجي وإلى الفضاء.
نقدر الشّعب الأمريكي الذي يمثل المؤسسات العلمية والأدبية والإنسانية، والذي استطاع أن يعطي العالم الكثير من الإبداع في القضايا التي يحتاجها الإنسان

ولذلك نحن نحبّ دائماً أن نستفيد من المؤسسات الأمريكية ومن العلماء الأمريكيين ومن كل الطاقات الأمريكية، والتي يشارك فيها الكثير من المسلمين ومن العرب ممن يعيشون في أمريكا، نحن نقدّر هذا التنوّع في الشعب الأمريكي، فالشعب الأمريكي يختلف عن أي شعب من شعوب أوروبا أو من شعوب العالم، لأن أمريكا ليست شعباً واحداً، بل هي تمثّل التنوّع وتختصر أكثر شعوب العالم.

ولذلك، نحن بحاجة إلى أن تكون العلاقات بين أمريكا وشعوب دول العالم العربي والإسلامي علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة، لأن لأمريكا مصالح مع هذه الدول كما لهذه الدول مصالح مع أمريكا.

ونحن نعتقد أنّ العالم لا يعيش الآن صدام الحضارات، بمعنى أن هناك صراعاً بين حضارة غربية وحضارة إسلامية أو حضارة شرقية، لأنه ليست هناك حضارة خالصة، بل إنّ كل حضارة أخذت من الحضارات الأخرى، حتى صار هناك تداخل بين الحضارات، ولذلك فالموجود في العالم الآن هو صراع قوى بمعنى أنّ القوى الكبرى تريد أن تتغلب على القوى الصغرى.
نحن نعتقد أنّ العالم لا يعيش الآن صدام الحضارات، بمعنى أنّ هناك صراعاً بين حضارة غربية وحضارة إسلامية أو شرقية، بل الموجود صراع قوى، بمعنى أنّ القوى الكبرى تريد أن تتغلّب على القوى الصغرى

لقد كانت شعوبنا في الثلاثينيات أو في الأربعينيات تحترم أمريكا، لأنّها كانت تقدم نفسها إلى العالم على أساس مبادئ "ولسون" التي تقوم على أساس حرية الشعوب كلها، بينما كانت أوروبا تمثّل الدول المستعمرة التي تضطهد الشعوب وتستولي على مقدراتها. ولكن مع الأسف، أصبحت أمريكا بفعل بعض الإدارات التي حكمتها، تفكر بالطريقة نفسها التي كان يفكِّر بها الأوروبيون المستعمرون، وهذا ما لاحظناه في احتلال العراق. صحيح أن هذا الاحتلال أسقط الديكتاتور صدام حسين، ولكنه انطلق من اعتبار أن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل، وهذه كذبة أتقنها بوش في وقتها، وقد حوّل هذا الاحتلال العراق إلى بلد مدمر يأتي إليه الإرهابيون ليخلقوا فيه الفوضى، وخصوصاً أن بوش كان يتحدث عن الفوضى البنّاءة، ولا أدري كيف تكون الفوضى بنّاءة وما زال العراق يعاني، وهناك الملايين من المشردين، وما يقارب المليون شخص قتلوا وجرحوا، حتى إن الأمريكيين الذين احتلوا العراق، وصل عدد قتلاهم إلى أربعة آلاف وستمائة قتيل، وأما الجرحى فهم يقاربون الثلاثين ألفاً!
    لقد كانت شعوبنا تحترم أمريكا وفق مبادئ "ولسون" التي تقوم على أساس حرية الشعوب كلّها، ولكن مع الأسف، أصبحت أمريكا تفكّر استعماريا، وهذا ما لاحظناه في احتلالها العراق.

ولذلك، نحن نعتقد أن أمريكا لم تستطع أن تحرر العراق أو أن تحلّ مشاكله، بل زادتها، وهكذا بالنسبة إلى أفغانستان. وعلى الرغم من أنّنا نعتقد أن طالبان شوّهت الإسلام ولم تفهمه، إلا أنّنا نرى أيضاً أن أفغانستان أصبحت تعيش في حالٍ من الفوضى المدمرة التي يسقط فيها القتلى والجرحى، وقد امتدت المسألة الآن إلى باكستان. وهكذا ربما يكون لأمريكا دور في السودان والصومال وما إلى ذلك.

نحن نحب أن يكون الدور الأمريكي في العالم دوراً إنسانياً، أن تقدّم أمريكا الخدمات إلى الشعوب الأخرى، وأن تنفتح هذه الشعوب على أمريكا، لتكون المسألة مبنيّة على الاحترام المتبادل، نحن نعتقد أن مشكلة أمريكا هي أنها تتعامل مع الدكتاتوريات الموجودة في العالم العربي، ومع الذين يضطهدون شعوبهم ولا يتحركون على أساس الديمقراطية، ولا تتعامل مع الديمقراطيات الشعبية، وهذا ما لاحظناه في الانتخابات الفلسطينية، والتي كانت انتخابات حرةً باعتراف الغرب، عندما نجحت حركة حماس، ولكن أمريكا لم تعترف بهذه الانتخابات ورفضتها، مع أنها تمثّل رأي الشعب الفلسطيني، وهي عندما رفضت نتائج هذه الانتخابات الشعبية كانت تحتقر الشعب الفلسطيني.

وأمريكا لا تعترف بالديمقراطية إلا عندما تخدم مصالحها. أما بالنسبة إلى رؤساء الدول العربية وملوكها والدول الموجودة في العالم الثالث، التي ترتبط معها أمريكا بعلاقات صداقة، فلا مشكلة لها معهم، مع أنّ هؤلاء ضد حقوق الإنسان وضد الديمقراطية.

ولو أن أمريكا انطلقت على أساس حقوق الشعوب لا حقوق الديكتاتوريات، لأحبّتها الشعوب وارتبطت بها أكثر، ولكن عندما تؤيد الديكتاتوريات فإنّ الشعوب سوف تتخذ موقفاً سلبياً منها.
أمريكا لا تعترف بالديمقراطية إلا عندما تخدم مصالحها، فكثير من أصدقائها ضد حقوق الإنسان وضد الديمقراطية، ولذلك فإنّ الشعوب اتخذت موقفاً سلبياً منها ، ولو أنها انطلقت على أساس حقوق الشعوب لأحبّتها الشعوب

أنا أسأل: لماذا لم تقبل الإدارة الأمريكية الانتخابات في فلسطين بحجّة أن حماس متطرفة، وقبلت الانتخابات في إسرائيل، مع أنه نجح فيها أكثر الناس تطرفاً ويمينيةً، بحيث إنه من الصعب جداً أن تحصل المنطقة على السلام من خلال هذه الانتخابات؟

فهي تعتبر "حماس" منظمة إرهابية، وتعتبر أيضاً الفصائل الفلسطينية الأخرى منظمات إرهابية، وتعتبر حزب الله في لبنان منظمة إرهابية، مع أن كل هذه المنظمات تعمل من أجل تحرير بلادها من الاحتلال، فهل إن الذين يريدون أن يحرروا بلادهم من الاحتلال هم إرهابيون؟! فإذا كان الأمر من هذا المنطلق، فينبغي لنا أن نقول إن المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية كانت إرهابية، لأنها كانت تدافع عن وطنها.

إن الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي لا يتحدثان عن الاحتلال في فلسطين، مع أن اليهود احتلوا أرضاً بكاملها وطردوا شعبها منها، انطلاقاً من أسطورة تاريخية استطاع اليهود أن يقنعوا العالم بها، وهي أن فلسطين هدية من الله لليهود، وأن الله أعطاهم ورقة "التابو"، وجعل فلسطين دولة قومية مقدسة لليهود فقط. في حين أن هذه القضية محل مناقشة تاريخية ومناقشة دينية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإننا عندما نقوم بإحصاء عدد القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ في لبنان والعالم العربي وفلسطين، نجد أن العدد يصل إلى الملايين، ومع ذلك نجد أمريكا تلتزم أمن إسرائيل بالمطلق، يعني أنهم يلتزمون أمن إسرائيل أكثر مما يلتزمون أمن كاليفورنيا، ولا يلتزمون أمن الشعوب المستضعفة المضطهدة، كالفلسطينيين الذين اغتصبت أرضهم من قِبَل اليهود مع ما قاموا به في غزّة من أعمال تشبه محرقة الهولوكوست، ولكنّ الإدارة الأمريكية لم تسمح بمعاقبة إسرائيل أو بالتحقيق فيما جرى في غزة.
إن الإدارة الأمريكيّة والكونغرس الأمريكي لا يتحدّثان عن الاحتلال في فلسطين، مع أنّ اليهود احتلّوا أرضاً بكاملها وطردوا شعبها منها، انطلاقاً من أسطورة تاريخيّة استطاع اليهود أن يقنعوا العالم بها

نحن نقول لأمريكا، إذا كانت تحب الحرية والعدالة، فعليها أن تدرس الأمور مع اليهود ومع المسيحيين ومع المسلمين بطريقة إنسانية. وبالنسبة إلى اليهود، نحن لسنا ضد اليهود، بل إن المسلمين احتضنوا اليهود عندما طردوا من الغرب، وأعطوهم كل الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، وفي اقتصادهم وفي كل أمورهم، ولكن المشكلة بيننا وبين اليهود هي مشكلة سياسية وليست دينية. ومع الأسف، فإنّ الغرب الذي يتحدث عن حرية التعبير، لا يسمح لأحد بأن ينتقد اليهود، أو أن يناقش من ناحية تاريخية تحليلية مسألة الهولوكوست، حتى لو كان الأمر يتعلق ببعض التفاصيل وليس مناقشةً في أصل المسألة، لأنه يتّهم بأنه معادٍ للسامية وتعتبر مناقشته جريمة.

لذلك نحن نقول: إن أمريكا ليست عادلة في هذه النظرة، ونريد منها أن تأخذ بأسباب العدالة والحرية، فنحن نحب الحرية، ونريد أن نتعاون معكم في تأكيد قضايا الحرية للإنسان كله، ونحن نحب الحياة، ونريد الحياة للإنسان، كله ولا نحب الموت. وأذكر في نهاية الكلام، أن صحفياً أمريكياً سألني: إذا التقيت بالرئيس بوش فماذا تقول له؟ أجبته: أقول له: عندما تستيقظ من النوم وتنظر إلى تمثال الحرية، فإنّ عليك أن تعرف أن الشعوب تحب الحرية كما يحبها الشعب الأمريكي، وعليك أن لا تضطهد الشعوب وتصادر حرياتها.
سألني صحفيّ أمريكيّ: إذا التقيت بالرّئيس بوش فماذا تقول له؟ أجبته: أقول له: عندما تستيقظ من النوم وتنظر إلى تمثال الحرية، فإنّ عليك أن تعرف أنّ الشعوب تحبّ الحرية كما يحبّها الشعب الأمريكي

- الإدارة الأمريكية إدارة إسرائيلية

س: سماحة السيد، عندما التقيت بكم في لبنان عام 2001-2002م، أي قبل الحرب على العراق، قلت إن الإدارة الأمريكية هي إدارة إسرائيلية، فهل ما زالت هذه قناعتكم؟

ج: عندما يصرّح كل الرؤساء الأمريكيين بالتزامهم أمن إسرائيل بالمطلق، ولا يصرّحون بالتزامهم أمن أيٍّ من الشعوب المستضعفة بهذه الطريقة، وأيضاً عندما نجد أن المسؤولين الأمريكيين في الإدارة يعطلون قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل على مجازرها، كمجزرة قانا أو مجزرة غزة أو المجازر التي حدثت في داخل فلسطين، في الوقت الذي يتحدثون عن أشياء صغيرة قد تصدر عن الشعوب المعارضة للسياسة الأمريكية، نرى أن أمريكا ترتبط بإسرائيل أكثر من ارتباطها بأي دولة في العالم، حتى أوروبا.

أمّا خطاب أوباما، فقد كان خطاباً جيداً بالنسبة إلى العرب والمسلمين، لكن أوباما لا يملك القدرة على أن يضغط على إسرائيل في مواقفها ضد السلام، مثلاً عندما نستمع إلى نتنياهو وهو يقول: إنّنا نقبل بدولة فلسطينية ولكن منزوعة السلاح، لا تسيطر على الماء، ولا على الحدود، وليس لها حقّ في أن يكون لها علاقات دولية، فأية دولة هي هذه؟!
كان خطاب أوباما جيّداً بالنّسبة إلى العرب والمسلمين، لكنّه لا يملك القدرة على أن يضغط على إسرائيل في مواقفها ضدّ السّلام

ثم عندما يرفض أن يكون هناك تفاوض حول القدس، ويرفض حق العودة للفلسطينيين، ويطلب مجيء كل يهود العالم إلى بيوت الفلسطينيين، ويحاول أيضاً أن يدمر منازل الفلسطينيين في القدس، وأن ينصب الجدار الذي يصادر الأراضي الفلسطينية مع كونه غير شرعي، وأن يقيم المزيد من المستوطنات التي يرى العالم عدم شرعيتها، دون أن يستطيع أوباما أن يضغط على إسرائيل في أن تجمد الاستيطان أو أن تزيله، فهذا يعني أنّ أوباما لا يستطيع أن يحقق السلام في هذا الموضوع، باعتبار أنه خاضع للكونغرس، والكونغرس أغلب أعضائه يؤيدون إسرائيل.
نتنياهو يقول: إنّنا نقبل بدولة فلسطينية ، منزوعة السلاح، لا تسيطر على الماء، ولا على الحدود، وليس لها حقّ في أن يكون لها علاقات دولية، فأية دولة هي هذه؟!

فإسرائيل لا تريد السلام، ولكنها تريد أن تتوسع في الأراضي الفلسطينية حتى لا يبقى هناك أي مكان لدولة فلسطينية، وأوباما يطلب من العرب أن يقوموا بالتطبيع مع إسرائيل، ولكن من دون أن تقدم إسرائيل شيئاً إلى العرب أو إلى الفلسطينيين، بل نفهم من كلام نتنياهو أن اليهود يعتقدون أن فلسطين يهودية، وأنهم يتصدقون على العرب في ما يتنازلون لهم عنه، وأنّ فلسطين ليست للفلسطينيين. إنّ أوباما رفع شعار: نحن نستطيع. ولكننا نعتقد أنه لا يستطيع، فهو لا يستطيع صنع السلام في المنطقة.

- الدولة المفترضة في فلسطين

س: هل ترون إمكانية قيام دولتين (فلسطين وإسرائيل) تستطيعان التعايش بسلام؟

ج: إن نتنياهو يخدع العالم، فهو لا يريد أن تكون الدولة الفلسطينية مسلحة لأنه يخاف على الأمن الإسرائيلي، الآن الدول المحيطة بفلسطين كلها دولٌ مسلحة، فالأردن مسلح، ومصر مسلحة، ولبنان مسلح، وسوريا مسلحة... لذلك فإنّ ما يقوله هو مجرّد كلام يريد أن يخدع به العالم الغربي، وهذا يعني أنه حتى تشعر إسرائيل بالأمن، لا بد من أن تلغي كل سلاح المنطقة.

إننا نلاحظ أن إسرائيل تملك مائتي رأس نووي، في الوقت الذي لا يوجد في المنطقة أي سلاح نووي، بل إنهم يريدون أن يعاقبوا إيران بتهمة أنها تريد صنع السلاح النووي، وفي المقابل يقولون إن إسرائيل تخاف على أمنها، لذلك لا مانع من امتلاكها للسلاح النووي. هذا منطق نتنياهو الذي يريد أن يخدع به العالم.

ولكن بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية الموعودة، من حقّ أي دولة أن تمتلك السلاح الذي تدافع به عن نفسها، حتى تكون دولة قابلة للحياة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، من حق الفلسطينيين المشردين في العالم أن يعودوا إلى بلادهم، بينما إسرائيل تفكر في أن تأتي بكل يهود العالم إلى فلسطين. نقول: لا بد من أن تكون القدس عاصمة للفلسطينيين، ولا بدّ من إزالة المستوطنات وإزالة الجدار العازل، وإذا لم يتحقق ذلك، فلن يحصل أي اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل، هذا من ناحية سياسية.

أما من ناحية شرعية، فأنا لا أتصور أن هناك شرعية لدولة إسرائيلية، لأنها اغتصبت الأرض ولم يكن لها الحق في ذلك. نعم، اليهود الذين كانوا في فلسطين يبقون هناك، ويرجع الفلسطينيون إلى بلادهم، وعند ذلك يمكن أن تكون هناك دولة يتعاون فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون.

س: لو تحقّقت كل الشروط التي تكلّمت عنها سماحة السيد؛ من إزالة المستوطنات، وتسليح الفلسطينيين، وحقّ العودة، وإزالة الجدار العازل، هل تتصوّر أنّ هناك مجالاً لأن تعيش إسرائيل بحدود 1967م جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين؟

ج: هذا أمر يرجع إلى الشعب الفلسطيني، ولا نستطيع نحن أن نحدد للشعب الفلسطيني مستقبله، أنا أقول إنّ علينا إذا كنا نؤمن بالإنسانية أن نفكر في الإنسانية لجميع الشعوب.

- الإسلام وتحديات العصر

س: ما هو أكبر تحدٍّ روحي يواجهه الإسلام اليوم؟

ج: نحن نعتقد أنّ التحدي الأول للإسلام ينطلق من بعض الحالات النفسية والتاريخية والسياسية التي تعتبر أن الإسلام يشجِّع على الإرهاب والعنف، مع أن المسلمين في العالم لا يمارسون الإرهاب والعنف، إلا ما يصدر عن فريق من المسلمين (كتنظيم القاعدة)، من أعمالٍ ليست من تعاليم الإسلام. ثم إذا أردنا أن نتحدث عن الإرهاب، فبماذا نفسّر العنف الموجود في داخل أمريكا حيث يقتل الطالب أستاذه ورفاقه؟! فالعنف أمرٌ لا علاقة له بالدين، لأنّ الدين لا يؤمن بالعنف، بل بأنّ علينا أن نحلّ مشاكلنا مع العالم بالتي هي أحسن، بحيث نحوّل أعداءنا إلى أصدقاء، والعنف ليس مبرراً إلا إذا فرض علينا العنف، بحيث نكون في مقام الدفاع عن النفس.

ثم نحن نقول إن أمريكا ولدت في العنف، إذ إنّها مارست العنف ضد الهنود الحمر، وفي الحرب العالمية الثانية، قتل الغرب ما يقارب مائة مليون إنسان، وكذلك الأمر في الحروب الصليبية، عندما جاء الصليبيون إلى المنطقة ومارسوا كل أنواع العنف.

لذلك نحن نعتقد أن العنف موجود في الغرب، وموجود في الشرق، وإذا كانت بعض الشعوب تمارس العنف، فليس معنى ذلك أن الشعب كله يمارس العنف، أو أن الدين هو الذي يشجِّع على العنف.

س: كيف يمكن للإنسان أن يعيش بسلام؟

ج: عندما لا يعيش الإنسان إنسانيته في نفسه، فإنه سوف يعتدي على الإنسان الآخر، أما إذا كان يؤمن بالسلام، فإنه يمكن أن يعيش بسلام مع الآخرين، وهذا ما نجده في تحية الإسلام عندما يلتقي المسلم مع الإنسان الآخر فيقول له: السلام عليكم، وهي أيضاً، بحسب التراث الديني، تحية أهل الجنة. نحن نحب السلام، ولكن الذي يطلق عليّ صاروخاً لا يمكن أن أقدّم إليه إضمامة ورد، لأن من حقي أن أدافع عن نفسي.
عندما لا يعيش الإنسان إنسانيّته في نفسه، فإنّه سوف يعتدي على الإنسان الآخر، أمّا إذا كان يؤمن بالسّلام، فإنّه يمكن أن يعيش بسلام مع الآخرين

- حقّ الدفاع عن النفس

س: هل تخاف على حياتك؟ وهل تقوم بتحضير أشخاص ليتابعوا مسيرتك من بعدك؟

ج: من حقي الإنساني أن أدافع عن حياتي ممن يريد أن يدمّر حياتي، وأن أدافع عن وطني ممن يريد أن يدمِّر وطني أيضاً، فأنا أُربي الأجيال القادمة على أساس أن تحمل شعار السلام، وأن تعيش روحية السلام، لأن الله تعالى هو السلام، ولأن الإنسان عندما يؤمن بالله، فلا بد من أن يؤمن بالسلام للناس كلهم.

أنا أعتبر أن الموت هو سنّة الله، ولكني أرفض أن يعتدي عليّ أحد كما اعتدت عليّ المخابرات الأمريكية في مجزرة بئر العبد، التي خطط لها وليم كايسي، بحسب ما نقله بوب وود ودر في كتابه "القناع"، وذلك عندما اتفق مع بعض سفراء الدول العربية على اغتيالي. ولكنّ الله سبحانه أنجاني. ومن الطبيعي جداً أن أدافع عن نفسي، ولكني لا أحب للناس أن يعيشوا القلق على حياتهم، وأنا أحاول أن أربّي الأجيال التي بعدي على أساس أن تؤمن بالحوار وبالتعايش مع الإنسان الآخر وبالسلام.

- رسالة حياة أبوية

س: أحب أن أشكرك، وأنا كأم أسألك، عندما أرجع إلى أولادي، ما الرسالة التي تحب سماحتك أن تنقلها إليهم معي؟

ج: أنا أقول لهم، عليهم أن يعيشوا إنسانيتهم في احترامهم للإنسان الآخر، وأن لا يعتدوا على حياة الآخر، لأنهم إذا كانوا هم يحبون الحياة، فالإنسان الآخر يحب الحياة أيضاً، وإذا كانت هناك خلافات بينهم وبين الآخر، سواء كانت خلافات دينية أو سياسية أو اجتماعية، فعليهم أن يلجأوا إلى الحوار، لأن الحوار هو الذي يجعلنا نفهم بعضنا بعضاً، لنحصل على نتائج موحّدة فيما نختلف فيه. وعليهم عندما يشرق الصباح، أن يتطلعوا إلى النور الذي ينتشر في الكون كله من أجل أن يطرد الظلام، فلا يعيشوا ظلمة الروح وظلمة القلب وظلمة العلاقات، وأن يعيشوا في الضوء لا في الظلمة. عليهم بالحبّ، لا حبّ الغريزة الجنسية الجسدية، ولكن حبّ الله وحبّ الإنسان..

س: في الوقت الحاضر، تعتبر الولايات المتحدة حزب الله منظمة إرهابية، ولا يوجد حوار معه، فعلى أية مواضيع أو محاور تختلفون مع حزب الله؟

ج: أقول أولاً، إن حزب الله ـ وليس من باب الدفاع عنه ـ هو منظمة تدافع عن بلدها في مقابل كيان إسرائيلي يعتدي عليه منذ ستين سنة، إضافةً إلى وجود بعض الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة من قِبَل إسرائيل حتى الآن. ولذلك أنا لا أفهم كيف تتحدث الولايات المتحدة الأمريكية عن أنّ حزب الله منظمة إرهابية، مع أنني أرى أنه منظمة للتحرير. وأما بالنسبة إليَّ، فأحبُّ أن أؤكد أني مستقل في آرائي، ولكنني أحب حرية بلدي، وأكره الاعتداء عليه. ومن الطبيعي أن لا أتفق مع كل الناس الآخرين في الأساليب والأهداف، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولكني أسأل الولايات المتحدة التي ترى حزب الله منظمة إرهابية: لماذا لا تعتبر إسرائيل دولة إرهابية وهي التي أحرقت أطفال غزة بالقنابل الفوسفورية، وقتلت أكثر من خمسمائة طفل في بيوتهم، وهدّمت منازلهم على رؤوسهم، وهي التي لا تزال تحاصر كل شعب غزة الذي يبلغ مليوناً ونصف المليون، وتمنع عنه الغذاء والماء والكهرباء وغير ذلك، أليس هذا هو الإرهاب بعينه؟!

- الحوار بين الإدارة الأمريكية وحزب الله

س: هل تؤيد قيام حوار بين حزب الله والولايات المتحدة الأمريكية؟

ج: أنا من الذين يؤمنون بالحوار الإنساني ـ الإنساني. قبل أيام، جاءني الرئيس الأمريكي السابق كارتر، وقال لي: لم يستقبلني حزب الله. قلت له: لو أنّ حزب الله استشارني لأشرت إليه بأن يجلس معك ليستمع إليك وتستمع إليه، لأنني أؤمن بالحوار مع كل الناس. ولذلك أنا أشجع هذا الحوار، وقد تحدثت مع الأوروبيين أنّ عليكم أن تحاوروا حماس وتحاوروا حزب الله حتى تفهموا وجهة نظرهم وحتى تقنعوهم بوجهة نظركم.
الحوار هو الوسيلة الأساس لحلّ الخلافات بين الناس، سواء كانت خلافات دينيةً أو سياسيةً أو اجتماعيةً

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 25 جمادى الثاني 1430 هـ  الموافق: 18/06/2009 م

السيد فضل الله لـ"وفد أمريكي":

أمريكا ليست عادلةً في نظرتها إلى العالم العربي والإسلامي وأوباما لا يستطيع التغيير


-الإدارة الأمريكية إدارة إسرائيلية
-الدولة المفترضة في فلسطين
-الإسلام وتحدّيات العصر
-حقّ الدفاع عن النفس
-رسالة حياة أبويّة
-الحوار بين الإدارة الأمريكية وحزب الله

أجرى وفد أمريكي، ضمّ كتّاباً وإعلاميين وتربويين وطلاب جامعات، حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله ، وفي البداية تكلم سماحته في الحضور ثم أجاب عن الأسئلة التي وجهت له :


ـ في البداية، أنا أرحّب بكم في هذا اللقاء الذي يمثل التعارف بين الشعوب، والذي اعتبره القرآن الكريم أساساً للتنوّع الإنساني بين شعب وشعب، بحيث يعطي فيه كل شعب تجربته للشعب الآخر.

نحن نحب دائماً أن نستمع إلى وجهة نظر الشعوب الأخرى في القضايا العامة، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو أمنية، وأن يسمعوا منا أيضاً وجهة نظرنا، لأن ذلك هو الذي يجعل الشعوب تتفاهم وتتقارب. ونحن لا مشكلة عندنا كعرب ومسلمين تجاه أمريكا، وإن كنّا نختلف مع الإدارة الأمريكية، لكننا نقدر الشعب الأمريكي الذي يمثل المؤسسات العلمية والأدبية والإنسانية، والذي استطاع أن يعطي للعالم الكثير من الإبداع في القضايا التي يحتاجها الإنسان، حتى إن علماء أمريكا استطاعوا أن يصعدوا بنا إلى العالم الخارجي وإلى الفضاء.
نقدر الشّعب الأمريكي الذي يمثل المؤسسات العلمية والأدبية والإنسانية، والذي استطاع أن يعطي العالم الكثير من الإبداع في القضايا التي يحتاجها الإنسان

ولذلك نحن نحبّ دائماً أن نستفيد من المؤسسات الأمريكية ومن العلماء الأمريكيين ومن كل الطاقات الأمريكية، والتي يشارك فيها الكثير من المسلمين ومن العرب ممن يعيشون في أمريكا، نحن نقدّر هذا التنوّع في الشعب الأمريكي، فالشعب الأمريكي يختلف عن أي شعب من شعوب أوروبا أو من شعوب العالم، لأن أمريكا ليست شعباً واحداً، بل هي تمثّل التنوّع وتختصر أكثر شعوب العالم.

ولذلك، نحن بحاجة إلى أن تكون العلاقات بين أمريكا وشعوب دول العالم العربي والإسلامي علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة، لأن لأمريكا مصالح مع هذه الدول كما لهذه الدول مصالح مع أمريكا.

ونحن نعتقد أنّ العالم لا يعيش الآن صدام الحضارات، بمعنى أن هناك صراعاً بين حضارة غربية وحضارة إسلامية أو حضارة شرقية، لأنه ليست هناك حضارة خالصة، بل إنّ كل حضارة أخذت من الحضارات الأخرى، حتى صار هناك تداخل بين الحضارات، ولذلك فالموجود في العالم الآن هو صراع قوى بمعنى أنّ القوى الكبرى تريد أن تتغلب على القوى الصغرى.
نحن نعتقد أنّ العالم لا يعيش الآن صدام الحضارات، بمعنى أنّ هناك صراعاً بين حضارة غربية وحضارة إسلامية أو شرقية، بل الموجود صراع قوى، بمعنى أنّ القوى الكبرى تريد أن تتغلّب على القوى الصغرى

لقد كانت شعوبنا في الثلاثينيات أو في الأربعينيات تحترم أمريكا، لأنّها كانت تقدم نفسها إلى العالم على أساس مبادئ "ولسون" التي تقوم على أساس حرية الشعوب كلها، بينما كانت أوروبا تمثّل الدول المستعمرة التي تضطهد الشعوب وتستولي على مقدراتها. ولكن مع الأسف، أصبحت أمريكا بفعل بعض الإدارات التي حكمتها، تفكر بالطريقة نفسها التي كان يفكِّر بها الأوروبيون المستعمرون، وهذا ما لاحظناه في احتلال العراق. صحيح أن هذا الاحتلال أسقط الديكتاتور صدام حسين، ولكنه انطلق من اعتبار أن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل، وهذه كذبة أتقنها بوش في وقتها، وقد حوّل هذا الاحتلال العراق إلى بلد مدمر يأتي إليه الإرهابيون ليخلقوا فيه الفوضى، وخصوصاً أن بوش كان يتحدث عن الفوضى البنّاءة، ولا أدري كيف تكون الفوضى بنّاءة وما زال العراق يعاني، وهناك الملايين من المشردين، وما يقارب المليون شخص قتلوا وجرحوا، حتى إن الأمريكيين الذين احتلوا العراق، وصل عدد قتلاهم إلى أربعة آلاف وستمائة قتيل، وأما الجرحى فهم يقاربون الثلاثين ألفاً!
    لقد كانت شعوبنا تحترم أمريكا وفق مبادئ "ولسون" التي تقوم على أساس حرية الشعوب كلّها، ولكن مع الأسف، أصبحت أمريكا تفكّر استعماريا، وهذا ما لاحظناه في احتلالها العراق.

ولذلك، نحن نعتقد أن أمريكا لم تستطع أن تحرر العراق أو أن تحلّ مشاكله، بل زادتها، وهكذا بالنسبة إلى أفغانستان. وعلى الرغم من أنّنا نعتقد أن طالبان شوّهت الإسلام ولم تفهمه، إلا أنّنا نرى أيضاً أن أفغانستان أصبحت تعيش في حالٍ من الفوضى المدمرة التي يسقط فيها القتلى والجرحى، وقد امتدت المسألة الآن إلى باكستان. وهكذا ربما يكون لأمريكا دور في السودان والصومال وما إلى ذلك.

نحن نحب أن يكون الدور الأمريكي في العالم دوراً إنسانياً، أن تقدّم أمريكا الخدمات إلى الشعوب الأخرى، وأن تنفتح هذه الشعوب على أمريكا، لتكون المسألة مبنيّة على الاحترام المتبادل، نحن نعتقد أن مشكلة أمريكا هي أنها تتعامل مع الدكتاتوريات الموجودة في العالم العربي، ومع الذين يضطهدون شعوبهم ولا يتحركون على أساس الديمقراطية، ولا تتعامل مع الديمقراطيات الشعبية، وهذا ما لاحظناه في الانتخابات الفلسطينية، والتي كانت انتخابات حرةً باعتراف الغرب، عندما نجحت حركة حماس، ولكن أمريكا لم تعترف بهذه الانتخابات ورفضتها، مع أنها تمثّل رأي الشعب الفلسطيني، وهي عندما رفضت نتائج هذه الانتخابات الشعبية كانت تحتقر الشعب الفلسطيني.

وأمريكا لا تعترف بالديمقراطية إلا عندما تخدم مصالحها. أما بالنسبة إلى رؤساء الدول العربية وملوكها والدول الموجودة في العالم الثالث، التي ترتبط معها أمريكا بعلاقات صداقة، فلا مشكلة لها معهم، مع أنّ هؤلاء ضد حقوق الإنسان وضد الديمقراطية.

ولو أن أمريكا انطلقت على أساس حقوق الشعوب لا حقوق الديكتاتوريات، لأحبّتها الشعوب وارتبطت بها أكثر، ولكن عندما تؤيد الديكتاتوريات فإنّ الشعوب سوف تتخذ موقفاً سلبياً منها.
أمريكا لا تعترف بالديمقراطية إلا عندما تخدم مصالحها، فكثير من أصدقائها ضد حقوق الإنسان وضد الديمقراطية، ولذلك فإنّ الشعوب اتخذت موقفاً سلبياً منها ، ولو أنها انطلقت على أساس حقوق الشعوب لأحبّتها الشعوب

أنا أسأل: لماذا لم تقبل الإدارة الأمريكية الانتخابات في فلسطين بحجّة أن حماس متطرفة، وقبلت الانتخابات في إسرائيل، مع أنه نجح فيها أكثر الناس تطرفاً ويمينيةً، بحيث إنه من الصعب جداً أن تحصل المنطقة على السلام من خلال هذه الانتخابات؟

فهي تعتبر "حماس" منظمة إرهابية، وتعتبر أيضاً الفصائل الفلسطينية الأخرى منظمات إرهابية، وتعتبر حزب الله في لبنان منظمة إرهابية، مع أن كل هذه المنظمات تعمل من أجل تحرير بلادها من الاحتلال، فهل إن الذين يريدون أن يحرروا بلادهم من الاحتلال هم إرهابيون؟! فإذا كان الأمر من هذا المنطلق، فينبغي لنا أن نقول إن المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية كانت إرهابية، لأنها كانت تدافع عن وطنها.

إن الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي لا يتحدثان عن الاحتلال في فلسطين، مع أن اليهود احتلوا أرضاً بكاملها وطردوا شعبها منها، انطلاقاً من أسطورة تاريخية استطاع اليهود أن يقنعوا العالم بها، وهي أن فلسطين هدية من الله لليهود، وأن الله أعطاهم ورقة "التابو"، وجعل فلسطين دولة قومية مقدسة لليهود فقط. في حين أن هذه القضية محل مناقشة تاريخية ومناقشة دينية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإننا عندما نقوم بإحصاء عدد القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ في لبنان والعالم العربي وفلسطين، نجد أن العدد يصل إلى الملايين، ومع ذلك نجد أمريكا تلتزم أمن إسرائيل بالمطلق، يعني أنهم يلتزمون أمن إسرائيل أكثر مما يلتزمون أمن كاليفورنيا، ولا يلتزمون أمن الشعوب المستضعفة المضطهدة، كالفلسطينيين الذين اغتصبت أرضهم من قِبَل اليهود مع ما قاموا به في غزّة من أعمال تشبه محرقة الهولوكوست، ولكنّ الإدارة الأمريكية لم تسمح بمعاقبة إسرائيل أو بالتحقيق فيما جرى في غزة.
إن الإدارة الأمريكيّة والكونغرس الأمريكي لا يتحدّثان عن الاحتلال في فلسطين، مع أنّ اليهود احتلّوا أرضاً بكاملها وطردوا شعبها منها، انطلاقاً من أسطورة تاريخيّة استطاع اليهود أن يقنعوا العالم بها

نحن نقول لأمريكا، إذا كانت تحب الحرية والعدالة، فعليها أن تدرس الأمور مع اليهود ومع المسيحيين ومع المسلمين بطريقة إنسانية. وبالنسبة إلى اليهود، نحن لسنا ضد اليهود، بل إن المسلمين احتضنوا اليهود عندما طردوا من الغرب، وأعطوهم كل الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، وفي اقتصادهم وفي كل أمورهم، ولكن المشكلة بيننا وبين اليهود هي مشكلة سياسية وليست دينية. ومع الأسف، فإنّ الغرب الذي يتحدث عن حرية التعبير، لا يسمح لأحد بأن ينتقد اليهود، أو أن يناقش من ناحية تاريخية تحليلية مسألة الهولوكوست، حتى لو كان الأمر يتعلق ببعض التفاصيل وليس مناقشةً في أصل المسألة، لأنه يتّهم بأنه معادٍ للسامية وتعتبر مناقشته جريمة.

لذلك نحن نقول: إن أمريكا ليست عادلة في هذه النظرة، ونريد منها أن تأخذ بأسباب العدالة والحرية، فنحن نحب الحرية، ونريد أن نتعاون معكم في تأكيد قضايا الحرية للإنسان كله، ونحن نحب الحياة، ونريد الحياة للإنسان، كله ولا نحب الموت. وأذكر في نهاية الكلام، أن صحفياً أمريكياً سألني: إذا التقيت بالرئيس بوش فماذا تقول له؟ أجبته: أقول له: عندما تستيقظ من النوم وتنظر إلى تمثال الحرية، فإنّ عليك أن تعرف أن الشعوب تحب الحرية كما يحبها الشعب الأمريكي، وعليك أن لا تضطهد الشعوب وتصادر حرياتها.
سألني صحفيّ أمريكيّ: إذا التقيت بالرّئيس بوش فماذا تقول له؟ أجبته: أقول له: عندما تستيقظ من النوم وتنظر إلى تمثال الحرية، فإنّ عليك أن تعرف أنّ الشعوب تحبّ الحرية كما يحبّها الشعب الأمريكي

- الإدارة الأمريكية إدارة إسرائيلية

س: سماحة السيد، عندما التقيت بكم في لبنان عام 2001-2002م، أي قبل الحرب على العراق، قلت إن الإدارة الأمريكية هي إدارة إسرائيلية، فهل ما زالت هذه قناعتكم؟

ج: عندما يصرّح كل الرؤساء الأمريكيين بالتزامهم أمن إسرائيل بالمطلق، ولا يصرّحون بالتزامهم أمن أيٍّ من الشعوب المستضعفة بهذه الطريقة، وأيضاً عندما نجد أن المسؤولين الأمريكيين في الإدارة يعطلون قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل على مجازرها، كمجزرة قانا أو مجزرة غزة أو المجازر التي حدثت في داخل فلسطين، في الوقت الذي يتحدثون عن أشياء صغيرة قد تصدر عن الشعوب المعارضة للسياسة الأمريكية، نرى أن أمريكا ترتبط بإسرائيل أكثر من ارتباطها بأي دولة في العالم، حتى أوروبا.

أمّا خطاب أوباما، فقد كان خطاباً جيداً بالنسبة إلى العرب والمسلمين، لكن أوباما لا يملك القدرة على أن يضغط على إسرائيل في مواقفها ضد السلام، مثلاً عندما نستمع إلى نتنياهو وهو يقول: إنّنا نقبل بدولة فلسطينية ولكن منزوعة السلاح، لا تسيطر على الماء، ولا على الحدود، وليس لها حقّ في أن يكون لها علاقات دولية، فأية دولة هي هذه؟!
كان خطاب أوباما جيّداً بالنّسبة إلى العرب والمسلمين، لكنّه لا يملك القدرة على أن يضغط على إسرائيل في مواقفها ضدّ السّلام

ثم عندما يرفض أن يكون هناك تفاوض حول القدس، ويرفض حق العودة للفلسطينيين، ويطلب مجيء كل يهود العالم إلى بيوت الفلسطينيين، ويحاول أيضاً أن يدمر منازل الفلسطينيين في القدس، وأن ينصب الجدار الذي يصادر الأراضي الفلسطينية مع كونه غير شرعي، وأن يقيم المزيد من المستوطنات التي يرى العالم عدم شرعيتها، دون أن يستطيع أوباما أن يضغط على إسرائيل في أن تجمد الاستيطان أو أن تزيله، فهذا يعني أنّ أوباما لا يستطيع أن يحقق السلام في هذا الموضوع، باعتبار أنه خاضع للكونغرس، والكونغرس أغلب أعضائه يؤيدون إسرائيل.
نتنياهو يقول: إنّنا نقبل بدولة فلسطينية ، منزوعة السلاح، لا تسيطر على الماء، ولا على الحدود، وليس لها حقّ في أن يكون لها علاقات دولية، فأية دولة هي هذه؟!

فإسرائيل لا تريد السلام، ولكنها تريد أن تتوسع في الأراضي الفلسطينية حتى لا يبقى هناك أي مكان لدولة فلسطينية، وأوباما يطلب من العرب أن يقوموا بالتطبيع مع إسرائيل، ولكن من دون أن تقدم إسرائيل شيئاً إلى العرب أو إلى الفلسطينيين، بل نفهم من كلام نتنياهو أن اليهود يعتقدون أن فلسطين يهودية، وأنهم يتصدقون على العرب في ما يتنازلون لهم عنه، وأنّ فلسطين ليست للفلسطينيين. إنّ أوباما رفع شعار: نحن نستطيع. ولكننا نعتقد أنه لا يستطيع، فهو لا يستطيع صنع السلام في المنطقة.

- الدولة المفترضة في فلسطين

س: هل ترون إمكانية قيام دولتين (فلسطين وإسرائيل) تستطيعان التعايش بسلام؟

ج: إن نتنياهو يخدع العالم، فهو لا يريد أن تكون الدولة الفلسطينية مسلحة لأنه يخاف على الأمن الإسرائيلي، الآن الدول المحيطة بفلسطين كلها دولٌ مسلحة، فالأردن مسلح، ومصر مسلحة، ولبنان مسلح، وسوريا مسلحة... لذلك فإنّ ما يقوله هو مجرّد كلام يريد أن يخدع به العالم الغربي، وهذا يعني أنه حتى تشعر إسرائيل بالأمن، لا بد من أن تلغي كل سلاح المنطقة.

إننا نلاحظ أن إسرائيل تملك مائتي رأس نووي، في الوقت الذي لا يوجد في المنطقة أي سلاح نووي، بل إنهم يريدون أن يعاقبوا إيران بتهمة أنها تريد صنع السلاح النووي، وفي المقابل يقولون إن إسرائيل تخاف على أمنها، لذلك لا مانع من امتلاكها للسلاح النووي. هذا منطق نتنياهو الذي يريد أن يخدع به العالم.

ولكن بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية الموعودة، من حقّ أي دولة أن تمتلك السلاح الذي تدافع به عن نفسها، حتى تكون دولة قابلة للحياة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، من حق الفلسطينيين المشردين في العالم أن يعودوا إلى بلادهم، بينما إسرائيل تفكر في أن تأتي بكل يهود العالم إلى فلسطين. نقول: لا بد من أن تكون القدس عاصمة للفلسطينيين، ولا بدّ من إزالة المستوطنات وإزالة الجدار العازل، وإذا لم يتحقق ذلك، فلن يحصل أي اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل، هذا من ناحية سياسية.

أما من ناحية شرعية، فأنا لا أتصور أن هناك شرعية لدولة إسرائيلية، لأنها اغتصبت الأرض ولم يكن لها الحق في ذلك. نعم، اليهود الذين كانوا في فلسطين يبقون هناك، ويرجع الفلسطينيون إلى بلادهم، وعند ذلك يمكن أن تكون هناك دولة يتعاون فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون.

س: لو تحقّقت كل الشروط التي تكلّمت عنها سماحة السيد؛ من إزالة المستوطنات، وتسليح الفلسطينيين، وحقّ العودة، وإزالة الجدار العازل، هل تتصوّر أنّ هناك مجالاً لأن تعيش إسرائيل بحدود 1967م جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين؟

ج: هذا أمر يرجع إلى الشعب الفلسطيني، ولا نستطيع نحن أن نحدد للشعب الفلسطيني مستقبله، أنا أقول إنّ علينا إذا كنا نؤمن بالإنسانية أن نفكر في الإنسانية لجميع الشعوب.

- الإسلام وتحديات العصر

س: ما هو أكبر تحدٍّ روحي يواجهه الإسلام اليوم؟

ج: نحن نعتقد أنّ التحدي الأول للإسلام ينطلق من بعض الحالات النفسية والتاريخية والسياسية التي تعتبر أن الإسلام يشجِّع على الإرهاب والعنف، مع أن المسلمين في العالم لا يمارسون الإرهاب والعنف، إلا ما يصدر عن فريق من المسلمين (كتنظيم القاعدة)، من أعمالٍ ليست من تعاليم الإسلام. ثم إذا أردنا أن نتحدث عن الإرهاب، فبماذا نفسّر العنف الموجود في داخل أمريكا حيث يقتل الطالب أستاذه ورفاقه؟! فالعنف أمرٌ لا علاقة له بالدين، لأنّ الدين لا يؤمن بالعنف، بل بأنّ علينا أن نحلّ مشاكلنا مع العالم بالتي هي أحسن، بحيث نحوّل أعداءنا إلى أصدقاء، والعنف ليس مبرراً إلا إذا فرض علينا العنف، بحيث نكون في مقام الدفاع عن النفس.

ثم نحن نقول إن أمريكا ولدت في العنف، إذ إنّها مارست العنف ضد الهنود الحمر، وفي الحرب العالمية الثانية، قتل الغرب ما يقارب مائة مليون إنسان، وكذلك الأمر في الحروب الصليبية، عندما جاء الصليبيون إلى المنطقة ومارسوا كل أنواع العنف.

لذلك نحن نعتقد أن العنف موجود في الغرب، وموجود في الشرق، وإذا كانت بعض الشعوب تمارس العنف، فليس معنى ذلك أن الشعب كله يمارس العنف، أو أن الدين هو الذي يشجِّع على العنف.

س: كيف يمكن للإنسان أن يعيش بسلام؟

ج: عندما لا يعيش الإنسان إنسانيته في نفسه، فإنه سوف يعتدي على الإنسان الآخر، أما إذا كان يؤمن بالسلام، فإنه يمكن أن يعيش بسلام مع الآخرين، وهذا ما نجده في تحية الإسلام عندما يلتقي المسلم مع الإنسان الآخر فيقول له: السلام عليكم، وهي أيضاً، بحسب التراث الديني، تحية أهل الجنة. نحن نحب السلام، ولكن الذي يطلق عليّ صاروخاً لا يمكن أن أقدّم إليه إضمامة ورد، لأن من حقي أن أدافع عن نفسي.
عندما لا يعيش الإنسان إنسانيّته في نفسه، فإنّه سوف يعتدي على الإنسان الآخر، أمّا إذا كان يؤمن بالسّلام، فإنّه يمكن أن يعيش بسلام مع الآخرين

- حقّ الدفاع عن النفس

س: هل تخاف على حياتك؟ وهل تقوم بتحضير أشخاص ليتابعوا مسيرتك من بعدك؟

ج: من حقي الإنساني أن أدافع عن حياتي ممن يريد أن يدمّر حياتي، وأن أدافع عن وطني ممن يريد أن يدمِّر وطني أيضاً، فأنا أُربي الأجيال القادمة على أساس أن تحمل شعار السلام، وأن تعيش روحية السلام، لأن الله تعالى هو السلام، ولأن الإنسان عندما يؤمن بالله، فلا بد من أن يؤمن بالسلام للناس كلهم.

أنا أعتبر أن الموت هو سنّة الله، ولكني أرفض أن يعتدي عليّ أحد كما اعتدت عليّ المخابرات الأمريكية في مجزرة بئر العبد، التي خطط لها وليم كايسي، بحسب ما نقله بوب وود ودر في كتابه "القناع"، وذلك عندما اتفق مع بعض سفراء الدول العربية على اغتيالي. ولكنّ الله سبحانه أنجاني. ومن الطبيعي جداً أن أدافع عن نفسي، ولكني لا أحب للناس أن يعيشوا القلق على حياتهم، وأنا أحاول أن أربّي الأجيال التي بعدي على أساس أن تؤمن بالحوار وبالتعايش مع الإنسان الآخر وبالسلام.

- رسالة حياة أبوية

س: أحب أن أشكرك، وأنا كأم أسألك، عندما أرجع إلى أولادي، ما الرسالة التي تحب سماحتك أن تنقلها إليهم معي؟

ج: أنا أقول لهم، عليهم أن يعيشوا إنسانيتهم في احترامهم للإنسان الآخر، وأن لا يعتدوا على حياة الآخر، لأنهم إذا كانوا هم يحبون الحياة، فالإنسان الآخر يحب الحياة أيضاً، وإذا كانت هناك خلافات بينهم وبين الآخر، سواء كانت خلافات دينية أو سياسية أو اجتماعية، فعليهم أن يلجأوا إلى الحوار، لأن الحوار هو الذي يجعلنا نفهم بعضنا بعضاً، لنحصل على نتائج موحّدة فيما نختلف فيه. وعليهم عندما يشرق الصباح، أن يتطلعوا إلى النور الذي ينتشر في الكون كله من أجل أن يطرد الظلام، فلا يعيشوا ظلمة الروح وظلمة القلب وظلمة العلاقات، وأن يعيشوا في الضوء لا في الظلمة. عليهم بالحبّ، لا حبّ الغريزة الجنسية الجسدية، ولكن حبّ الله وحبّ الإنسان..

س: في الوقت الحاضر، تعتبر الولايات المتحدة حزب الله منظمة إرهابية، ولا يوجد حوار معه، فعلى أية مواضيع أو محاور تختلفون مع حزب الله؟

ج: أقول أولاً، إن حزب الله ـ وليس من باب الدفاع عنه ـ هو منظمة تدافع عن بلدها في مقابل كيان إسرائيلي يعتدي عليه منذ ستين سنة، إضافةً إلى وجود بعض الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة من قِبَل إسرائيل حتى الآن. ولذلك أنا لا أفهم كيف تتحدث الولايات المتحدة الأمريكية عن أنّ حزب الله منظمة إرهابية، مع أنني أرى أنه منظمة للتحرير. وأما بالنسبة إليَّ، فأحبُّ أن أؤكد أني مستقل في آرائي، ولكنني أحب حرية بلدي، وأكره الاعتداء عليه. ومن الطبيعي أن لا أتفق مع كل الناس الآخرين في الأساليب والأهداف، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولكني أسأل الولايات المتحدة التي ترى حزب الله منظمة إرهابية: لماذا لا تعتبر إسرائيل دولة إرهابية وهي التي أحرقت أطفال غزة بالقنابل الفوسفورية، وقتلت أكثر من خمسمائة طفل في بيوتهم، وهدّمت منازلهم على رؤوسهم، وهي التي لا تزال تحاصر كل شعب غزة الذي يبلغ مليوناً ونصف المليون، وتمنع عنه الغذاء والماء والكهرباء وغير ذلك، أليس هذا هو الإرهاب بعينه؟!

- الحوار بين الإدارة الأمريكية وحزب الله

س: هل تؤيد قيام حوار بين حزب الله والولايات المتحدة الأمريكية؟

ج: أنا من الذين يؤمنون بالحوار الإنساني ـ الإنساني. قبل أيام، جاءني الرئيس الأمريكي السابق كارتر، وقال لي: لم يستقبلني حزب الله. قلت له: لو أنّ حزب الله استشارني لأشرت إليه بأن يجلس معك ليستمع إليك وتستمع إليه، لأنني أؤمن بالحوار مع كل الناس. ولذلك أنا أشجع هذا الحوار، وقد تحدثت مع الأوروبيين أنّ عليكم أن تحاوروا حماس وتحاوروا حزب الله حتى تفهموا وجهة نظرهم وحتى تقنعوهم بوجهة نظركم.
الحوار هو الوسيلة الأساس لحلّ الخلافات بين الناس، سواء كانت خلافات دينيةً أو سياسيةً أو اجتماعيةً

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 25 جمادى الثاني 1430 هـ  الموافق: 18/06/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية