العلّامة محمّد حسين فضل الله لصحيفة «الراية» القطرية:
قطر أصدق الدول العربية في الوفاء بالتزاماتها تجاه لبنان
مرتكزات الحوار الأمريكي مع حزب الله، والحاجة إلى انعقاد قمّة عربية طارئة لمواجهة الأخطار في المنطقة، وطبيعة الدور القطري في لبنان، وقراءة سماحته للوضع اللبناني عقب الانتخابات النيابية الأخيرة، وخطة التوطين، وأوضاع المنطقة على ضوء تصريحات نتنياهو... محاور حملتها صحيفة "الراية" القطرية إلى العلّامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، للإجابة عنها...
مرتكزات الحوار الأمريكي مع حزب الله
س: طرحت فكرة الحوار بين حزب الله وأمريكا، ما هي أسس هذا الحوار ومرتكزاته من وجهة نظركم؟
ج: بدايةً، علينا أن نفهم طبيعة الخطة الأمريكية في طريقة تعاملها مع دول العالم الثالث، ولا سيّما دول الشرق الأوسط، والشرق العربي بشكل خاص، ثم نحدّد طريقة الحوار إذا وجدنا أن أمريكا منفتحة على الحوار الذي يحترم فيه المحاور المحاور الآخر.
ونحن نلاحظ أنّ أمريكا انطلقت في استراتجيتها من منطلقين تعتبرهما أساس سياستها وعلاقاتها في المنطقة وفي كثير من دول العالم:
أوّلاً: أنّها الإمبراطورية التي تخطّط لقيادة العالم بما فيه العالم الأوروبي، كما أنّها تحاول منذ سقوط الاتحاد السوفيتي إلى احتواء الاتحاد الروسي وتطويق روسيا بالدول التي تسعى أمريكا إلى جذبها إلى سياستها، إضافةً إلى أنها تعمل على الامتداد العسكري في تلك المنطقة وعلى تحريك اقتصادها في السيطرة على اقتصاد العالم. ولهذا، فإننا نلاحظ أنّها تحاول الآن أن تجعل الدولار هو الحراك الاقتصادي للعالم كله. وعلى ضوء هذا، نجد كيف تتدخّل في الضّغط على أوروبّا، وهو ما ظهر بشكل واضح في الطريقة التي أدارت بها معارضة فرنسا وبعض دول أوروبا لحربها على العراق، حيث واجهتها بما يشبه الحرب الكلاميّة، عندما تحدّث وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد عن أوروبا القديمة أو أوروبا العجوز، ولاحظنا أيضاً كيف تمدّ يدها في خدمة اقتصادها وأمنها إلى العالم كلّه، حتى إنّها وزّعت سجونها على أكثر من بلد في العالم، بما فيها البلدان الأوروبية والعربية.
الإستراتيجية الأمريكية هي السيطرة على العالم بما في ذلك العالم الأوروبي
ثانياً: التزامها تجاه إسرائيل، فإسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية هي الدّولة التي ضمنت أمريكا حفظ أمنها الاقتصاديّ والسياسيّ والعسكريّ، حتى إنّ المساعدات المليارية التي تقدّمها أمريكا إلى إسرائيل، لا تقدّمها إلى أيّة دولة في العالم، بما فيها الدول التي تخضع لسياستها. وعلى ضوء هذا، فإنّ أمريكا عندما تتعاطى مع أية دولة من الدول، فإنها تفرض عليها، كما فرضت على أوروبا، أن تسير في خطّ سياستها الضّاغطة على العالم العربي، ولا سيّما في القضيّة الفلسطينيّة، وهذا ما يفسّر الموقف العدواني الذي مارسته أوروبا إلى جانب أمريكا فيما يتعلّق بمجزرة غزّة، حتى إنّها منعت مجلس الأمن من أن يستنكر المجازر، أو أن يعمل على فكّ الحصار عن غزّة، والأكثر من ذلك، منعت مجلس الأمن من التحقيق فيما حدث في غزّة، بالرّغم من المحارق التي تصغر أمامها محارق الهولوكوست التي لا يزال اليهود يتاجرون بها.
ثم إنّنا نلاحظ أنّ أمريكا تتعامل مع الدّول التي تسمّى دول الاعتدال العربي بدفعها إلى التطبيع مع إسرائيل، مع أنّ إسرائيل لم تقدّم شيئاً إلى العرب أو الفلسطينيّين.
وهكذا نجد أنّ الرئيس أوباما الذي صفّق له العرب، والذي تحدّث في القاهرة، قال في خطابه كلّ شيء ولم يقل شيئاً، لأنه لم يحدّد أي آلية لقيام الدولة الفلسطينية، ولم يتحدث عن تفكيك المستوطنات أو الجدار العازل، ولم يتحدّث بكلمة عن الاحتلال اليهودي لفلسطين مثلاً، أو عن قضية القدس أو عن حقّ العودة، وإنّما دعا العرب إلى تقديم المزيد من التنازلات لإقناع إسرائيل بأن تقبل بالمفاوضات التي نعرف أنّها من أجل الوقت الضائع، وأنّها لن تعطي الفلسطينيين شيئاً، لأن إسرائيل التي لم تحقّق للفلسطينيين أيّ شيء منذ ستين سنةً، هل يمكن أن تحقّق شيئاً في فترة إدارة أوباما لمجرّد أنّ أوباما يتكلّم بكلام معسول لن ترضى عنه إسرائيل نفسها؟!
الرئيس أوباما الذي صفّق له العرب لم يتحدّث بكلمة واحدة عن الاحتلال اليهودي لفلسطين
وقد تكون السّذاجة أو حفظ ماء الوجه هو ما دفع أوباما إلى أن يرحّب بكلام نتنياهو الذي قال إنّ إسرائيل تقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح لا سيطرة لها على المياه، وليس لها أن تنشئ علاقات مع أيّ دولة أخرى، وليس لها حدود تسيطر عليها وما إلى ذلك، ما يعني أنها دولة لا دولة!...
ولذلك، عندما نتابع حركة أوباما في تصريحاته الساذجة، ومن خلال حركة مندوبه ميتشيل، لا نجد أنّ هناك أية نتائج إيجابيّة يمكن أن تحصل من خلال المفاوضات. ومن المؤسف أنّ الرجل الذي قاد محرقة غزّة ودمّرها، والذي خاض الحروب العدوانية ضد العرب، هو نفسه الذي استقبله أحد القادة العرب ليتحدث معه عن السلام، ولكنّه سلام نتنياهو الذي ربما تتدخّل بعض المساحيق التجميلية لتجمّله بما يرضي بعض العرب.
وقد استمعنا إلى أحد قادة الدول العربية الكبرى وهو يتحدث عن أنّ هذه المرحلة هي أفضل مرحلة لتحقيق السلام. ولكن نحن نعرف أن الدول العربية كلّها لم تستطع أن تقدّم أيّة آليّة واقعيّة لصنع السلام، فأمريكا تعتبر إيران داعمةً للإرهاب، والمقصود بالإرهاب هو المقاومة التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي وتعمل على تحرير أرضها، حتى أكاد أقول إنّ الإدارة الأمريكيّة تحكمها إسرائيل وتديرها من خلال الكونغرس الذي وظّفته بطريقة وأخرى في احتواء أعضائه للدفاع عن إسرائيل أكثر مما يدافع عن مصالح أمريكا في هذا المجال. وهكذا بالنسبة إلى اللّوبي اليهودي الذي يمثّله مؤتمر "إيباك"، ونحن نعرف أن رئيس الموظفين في البيت الأبيض، قد شارك في الحروب الإسرائيلية ضدّ العرب، وهو لا يزال يحمل الجنسيّة الإسرائيليّة. وأنا أعتقد أنّ أمريكا مستعدّة لأن تخوض حرباً عالميةً لمصلحة إسرائيل، وهذا ما لاحظناه في الجسر الجويّ الذي نصبته عندما عبرت القوّات المصرية إلى البرّ، وكادت أن تلحق الهزيمة بالإسرائيليين، حتى بكت غولدا مائير أمام الهزيمة، ولكنّ أمريكا التفّت على الموضوع، وأنشأت جسراً جويّاً لمساعدة إسرائيل، كما أنّها أنشأت جسراً جويّاً لمساعدتها في تدمير لبنان في عدوان تمّوز، وساهمت أيضاً في تدمير غزّة من خلال القنابل الفسفورية الأمريكية الصنع.
الدول العربية كلّها لم تستطع أن تقدّم أيّة آليّة واقعيّة لصنع السلام
لذلك، أنا لا أعتقد أنّ هناك حواراً تحترم فيه أمريكا محاورها العربي أو الإسلامي، فهي تفرض عليهم سياستها، خصوصاً فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، لجهة عدم حصول الفلسطينيين على أيّ شيء إلا ما يحقّق مصلحة إسرائيل. ومن المؤسف أنّ العالم العربي الذي خضع بشكل عام في أكثريّته لإسرائيل من خلال الضّغط الأمريكي، لا يزال يلهث وراء إسرائيل لتقبل بالمبادرة العربية التي أقرّت في بيروت، مع أنّ إسرائيل تقول عنها إنّها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
لا أعتقد أن الولايات المتحدة تحترم الطرف العربي في الحوار خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية
القمم العربية قممٌ فلكلوية
س: ألا تعتقد أننا بحاجة إلى عقد قمّة عربية طارئة وفقاً للمخاطر التي تحدّثت عنها؟
ج: أنا أعتقد أنّ القمم العربيّة هي قمم فلكلوريّة لا تقدّم شيئاً، وإنّما هي موقعٌ لإثارة الخلافات العربية، لتأتي بعد ذلك الجامعة العربيّة، من باب حفظ الوجه، لتأمين جوٍّ من المصالحات، كما حدث في الكويت، دون أن يكون لها أيّ عمق في العلاقات العربية بما يخدم مصالح العالم العربي.
س: أنت تعتبر أنّ المصالحات العربيّة التي تمّت في الكويت هي مصالحات فلكلوريّة أيضاً؟
ج: أنا أعتقد أنّ قمّة الكويت كانت بمثابة الهواء الذي خفَّف من حرارة الجوّ، حيث قرّر بعض قادة العرب مساعدة غزّة بمبلغ مليار دولار، ولكنّ غزّة لا تزال حتى الآن تعيش الدمار والحصار والمعاناة، حتى إنّ شعبها أصبح يبتدع الوسائل في بناء البيوت من الطّين، وهي وسائل قديمة وتاريخية، كما أنني قرأت بالأمس أنّهم يحفرون الأنفاق تحت الأرض ليعيشوا فيها.
إنّنا نلاحظ أن الدول العربية لم تقدّم شيئاً إلى شعب غزّة، ولعلّ جريمة إيران الكبرى أنّها ساعدت غزّة بالمال وربّما بالسلاح! وهذه أيضاً كانت جريمة حزب الله الذي ساعد المجاهدين في غزّة بالتدريب وبالكثير من الوسائل التي استطاعوا أن يدافعوا بها عن أنفسهم، وربّما امتدت المسألة إلى سوريا التي لا تزال تحتضن المعارضين للسلطة الفلسطينية.
القمم العربيّة هي قمم فلكلوريّة، وقد أصبحت محطة لإثارة الخلافات العربية
الدور القطري في لبنان
س: كيف تقيّمون دور قطر في لبنان، خصوصاً بعد اتفاق الدوحة؟
ج: نحن نتألّم لاضطرار قطر أن تقبل بوجود قاعدة عسكريّة أمريكيّة على أراضيها، ولكنّنا نقدِّر لها نشاطها السياسيّ والثقافيّ والإسلاميّ الذي كان نشاطاً طليعيّاً، بحيث استطاعت أن تجمع العرب على القضيّة الكبرى وتحرجهم وتحرج الكثيرين منهم، كما أنّها انفتحت على الكثير من القضايا الثقافية والعلمية والسياسية والإسلامية.
إنّ هذا النشاط القطريّ جعل بعض الدول العربية تشعر بالعقدة تجاهها، باعتبار أنّها الدولة الصغيرة التي استطاعت أن تقوم بما لم تقم به أكبر الدول العربية، وخصوصاً في حلّها للمشكلة اللبنانية التي عقّدها الكثيرون من العرب، واستطاعت قطر أن تحلّ الكثير من مشاكلهم.
نحن أيضاً نقدّر لقطر مساهمتها في إعمار ما التزمته من إعمار المناطق التي دمَّرها العدوان الإسرائيلي عام 2006م، ومنها البلدة التي أنتمي إليها، عيناثا، إضافةً إلى بنت جبيل وعيتا الشّعب ومارون الراس والخيام، وخصوصاً المؤسّسات التربوية في الجنوب وما إلى ذلك. إنّني أرى أنّ قطر كانت أصدق من كلّ الدول العربية في الوفاء بالتزاماتها بالرغم مما أحيط بها من تعقيدات.
في الوقت الذي نتألّم لاضطرار قطر أن تقبل بوجود قاعدة عسكريّة أمريكيّة نقدِّر لها نشاطها السياسيّ والثقافيّ في العالم الإسلامي
س: هل لديكم زيارة قريبة إلى دولة قطر؟
ج: وجّهت إليّ أكثر من دعوة لزيارة قطر، ولكنّ ظروفي لم تمكّني من ذلك.
س: كيف تقيِّمون الوضع في منطقة الشّرق الأوسط بعد خطاب نتنياهو؟
ج: أنا أتصوّر أنّ المسألة ليست فيما يريد نتنياهو، ولكن ماذا يريد العرب، لأنّهم لا يعرفون ماذا يريدون. إنّ المشكلة العربيّة الآن هي أنّ الجيل الأوّل من القيادات العربيّة، ولا سيّما في عهد جمال عبد النّاصر، كانت تفكّر في تحرير فلسطين، أمّا العرب الآن، فإنّهم يفكّرون في التحرّر من فلسطين، لأنّ فلسطين تمثّل التحدّي الكبير. ولذلك فإنّ وجود أية دولة تدعم المقاومة الفلسطينية يمثّل إحراجاً للعرب، وهذا ما نلاحظه من أحاديث بعض الزعماء العرب ومواقفهم السلبيّة ضدّ إيران بزعم أنّها تتدخّل في العالم العربي، ونحن نعرف أنّها تعمل لخدمة قضيّتهم المركزيّة، قضيّة فلسطين. أمّا دولة قطر، فقد فهمت الاستراتيجيّة الإيرانيّة، لذلك كانت علاقتها بإيران من جهة، وبسوريا من جهةٍ أخرى، علاقةً إيجابيّةً، وخصوصاً فيما يتعلّق بالدّعم الإيرانيّ للشّعب الفلسطينيّ.
المواجهة العسكريّة لتحرير فلسطين
س: الحلول الدبلوماسيّة لاسترجاع فلسطين قد سقطت، هل أنت مع الحلول العسكريّة لتحريرها؟
ج: إنّ الاستراتيجيّة التّاريخيّة لإسرائيل معروفة، وهي استراتيجيّة الحرب، حتّى إنّ ليبرمان تحدّث عن أنّ السّلام يأتي من خلال الحرب، فإسرائيل في مناوراتها الأخيرة، وفي طلبها من أمريكا إعطاءها أسلحةً أكثر تطوّراً، تخطّط لما يمكن أن يحصل في المستقبل من بعض التّعقيدات بينها وبين العرب، ولا سيّما مع لبنان ومع الشّعب الفلسطينيّ. فإسرائيل دولة عسكريّة، وهي تخطّط للحرب من أجل السّيطرة على المنطقة كلّها، لتثبت أنّها الأقوى، وأنّها تستطيع أن تتدخّل في كلّ مفاصل المنطقة، وهذا ما لاحظناه في تهديداتها لإيران، واعتبار مشروع إيران النّوويّ من المشاريع التي تهدّد العالم، في الوقت الذي تعرف أمريكا وأوروبّا أنّ إسرائيل تملك مئات الرّؤوس النوويّة، وهي الدّولة الوحيدة في المنطقة التي تملك رؤوساً نوويةً.
كما أنّ إسرائيل قصفت بعض المواقع في سوريا، مبرّرةً قصفها بأنّ سوريا تحضّر لصنع قنبلة ذرّية، وقد صرّح البرادعي بأنّ إسرائيل هي التي تعطّل حركة وكالة الطاقة الذرّية في سوريا، كذلك الأمر بالنسبة إلى قصفها السودان وقتل الكثيرين من السودانيين، كما أن إسرائيل لا تزال تلاحق أفراداً من الفلسطينيين وتقصف مواقعهم هنا وهناك.
إذاً إسرائيل تحارب، والعرب يتحدثون عن السلام، ولكنّهم لا يعرفون كيف يديرون السلام مع احتفاظهم بما يسمى العنفوان العربي والعزّة العربية، كما أنّهم أغلقوا باب الحرب مع العدوّ، وأخذوا يحاربون حتى السلطة الفلسطينية والمقاومة التي تريد الدفاع عن بلدها وتحريرها من الاحتلال.
إنّ مشكلة العرب أنهم أصبحوا يعيشون أدنى درجات الضعف، بينما لا تزال إسرائيل الدولة العسكرية التي تضرب المواقع التي تختارها في البلاد العربية، وتستبيح الأمن العربي والإسلامي ساعة تشاء.
إسرائيل دولة عسكريّة ولا يمكن مجابهتها إلا بالطرق السلمية
التّوطين إلغاءٌ لحقّ العودة
س: هل تتخوَّفون من شبح توطين الفلسطينيين في لبنان؟
ج: عندما ندرس ما يصرّح به نتنياهو من أنّ مسألة الخارج تحلّ في الخارج ولا تحلّ في داخل فلسطين، لأنه يرفض حقّ العودة، نتساءل: ما هو مستقبل الفلسطينيين في البلاد العربية؟ إن المسألة سوف تخلق حراكاً دولياً، وربما يضغط المجتمع الدولي على لبنان من أجل توطين قسمٍ من الفلسطينيين فيه إن لم يوطّنهم كلّهم، واللّبنانيون لا يستطيعون عملياً أن يرفضوا ذلك، لأنّهم عندما أجمعوا على رفض التوطين، لم يقدّموا أيّة آلية لتأكيد هذا الرفض، ولم يملكوا أيّة قوّة لمواجهة هذا الرفض، ومن الممكن أن تحلّ المسألة بأن يوزّع الفلسطينيون في البرازيل وأستراليا وأماكن أخرى.
وأنا أرى أنّ لبنان لن يكون بمنأى عن التوطين، لأنّ التوطين حقيقة دولية من خلال بعض الخطط التي يتحرك بها المجتمع الدولي الذي يستضعف الدول التي لا تملك قوّةً، وإن كنت لا أملك تفاصيل ماذا يحدث عندما تحلّ مسألة توطين الفلسطينيين؛ هل سيبقون في العالم العربي، أم سوف يوزّعون في العالم، وكيف يمكن أن يوزّعوا على العالم العربي؟ إنّ اللّبنانيين يتحرّكون على مستوى الشعارات والهتافات، لأنّهم تعوّدوا أن يتحدّثوا عن القضايا الكبرى من دون أن يتحدّثوا عن الآليّة الواقعية لحلّ هذه القضايا، وهذا ما لاحظته عندما كنت أراقب البرامج التي أطلقها المرشّحون في الانتخابات، فهم يتحدثون عن الاقتصاد، وعن حل المشاكل الخدماتية والاجتماعية والتربوية والأمنية، ولكنّني لم أسمع أحداً يتحدث عن آليّة لحلّ أزمة الكهرباء والمديونيّة أو حلّ مشكلة المناطق المحرومة، كعكّار وبعلبكّ والجنوب، فاللّبنانيون تحوّلوا إلى ما يشبه الشعراء الذين يحلِّقون في الخيال لأنّهم لا يعيشون الواقع.
الواقع السياسي اللّبناني بعد الانتخابات
س: كيف تقيِّمون السياسة اللّبنانية بعد الانتخابات النيابيّة؟
ج: إنّني أتصوّر أنّ الساحة اللّبنانية لن تكون ساحة عنف في هذه المرحلة، لأنّ المنطقة الآن، بحسب الوضع الدولي، تنفتح على مرحلة الهدوء، ولا يسمح لأحد الآن، بما في ذلك إسرائيل، أن تثير أيّة مشكلة تؤدّي إلى حرب، وهذا ما لاحظناه في موقف الإدارة الأمريكية من إيران، فبعد أن كانت التهديدات توجّه إلى إيران من قِبَل أمريكا وإسرائيل والدول الأوروبية أيضاً، ها هم الآن يتحدثون عن الحوار معها.
فالمسألة في المرحلة الحاضرة لا تختزن العنف. ولكن بعض الشخصيات التي كانت سرّ المشكلة اللّبنانية، أو التي عاشت الصراع في لبنان، إضافةً إلى ما نسمعه بين وقت وآخر من تصريحات لبعض رجال الدين الذين هم موظّفون لدى السياسيين، مهما كانت مقاماتهم ومهما كانت مواقعهم، هي التي تصبّ الزّيت على النار.
ومشكلتنا في لبنان أنّنا نقدس الذين لا قداسة لهم، ولذلك فإنّ النقد الذي يمثّل حركةً في العقل نحو اكتشاف الحقيقة وتأكيدها، أصبح جريمةً، خصوصاً عندما يوجّه النقد إلى شخصية دينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، أو عندما يوجّه النّقد إلى شخصيّة سياسيّة من الفاعليات الكبرى، لأنّه ممنوع أن ننقد الذين يملكون القداسة. إنّنا نلاحظ أنّ بعض اللبنانيين ربما يعطي لنفسه الحق في أن ينقد الأقوياء، ولكنّه لا يسمح بأن ينقد الآخرون مواقع القداسة الطائفية في لبنان!
الساحة اللّبنانية تعيش مرحلة هدوء ،لأن السياسة الأمريكية في لحظة تراجع وإعادة الحسابات
س: كيف تصف لنا علاقتكم ، سماحة السيد، بحزب الله؟
ج: إنّ علاقتي بحزب الله كعلاقتي مع أيّ فريق يقاوم الظلم ويقاوم العدوان الإسرائيلي ويقاوم الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 03 رجب 1430 هـ الموافق: 26/06/2009 م