نتفهم حرص الدول الأوروبية على أمنها وندعو المسلمين إلى احترام ذلك فضل الله: على الإدارات الأوروبيّة الخروج من دائرة التهويل على الجالية المسلمة والتجسس عليها والتخويف من الإسلام |
أكّد العلامة المرجع، السيّد محمَّد حسين فضل الله، أننا نتفّهم حرص الإدارات الأوروبية والسلطات في بريطانيا على الحفاظ على أمن بلدانهم، ولكننا نشعر بخطورة حملات التجسّس على المسلمين، واعتبارهم مدانين حتى يثبت العكس، ودعا سماحته هذه السلطات إلى توضيح ذلك كلِّه ورفض الحملات الدعائية السلبية والاعتداءات التي تمارس ضد الجالية المسلمة في أوروبا، محذراً من تقاطع هذه الأفعال مع دعوات سابقة لرئيس الكيان الصهيوني الذي حذّر فيها من أسلمة أوروبا.
ودعا سماحته هذه الإدارات إلى الخروج من دائرة التهويل على المسلمين في أوروبا، والتخويف من الإسلام، داعياً المسلمين في البلدان الأوروبية إلى مواصلة نشاطهم الحواري والحضاري في البلدان الغربية، واحترام أمن هذه البلدان، وإظهار الصورة الحضارية المشرقة للإسلام في احترامه لحقوق الناس وحياتهم.
أدلى سماحته بتصريح تناول فيه ما تتعرض له الجالية الإسلامية في بعض الدول الأوروبية وخصوصاً بريطانياً، وجاء في تصريحه:
يتعرض المسلمون في كثير من المواقع الأوروبية، وخصوصاً في بريطانيا، لجملة من التحديات، التي تتصل بالتشويه الإعلامي المتعمّد الذي يستهدفهم، أو بالمضايقات التي يتعرضون لها بحجة مكافحة الإرهاب، والحرص على قيام بيئة معادية للإرهاب في الأماكن التي تقطن فيها الجالية الإسلامية، وصولاً إلى الاعتداءات المباشرة على ممتلكاتهم أو حتى على أرواحهم كما حدث في ألمانيا قبل شهور في الجريمة التي اقترفها ألماني من أصل روسي عندما قام بطعن المسلمة المصرية، مروة الشربيني، حتى الموت بدافع من الكراهية والتوجيه الإعلامي السلبي ضد المسلمين، وهو الأمر الذي ترك آثاره الخطيرة في حركة الجالية المسلمة في أوروبا بعامة وفي بعض المواقع، كبريطانيا على وجه التحديد التي قُتل فيها الشاب القطري محمد الماجد في العام الفائت على يد أحد المتعصبين العنصريين؛ ما أثار ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول المدى الذي تنسجم فيه أفعال بعض الدوائر الأوروبية مع القوانين الأوروبية، وشعارات حقوق الإنسان التي تطلقها، لا بل عناوين الحرية والمساواة التي تفاخر بعض الدول الأوروبية كفرنسا، بأن الثورة الفرنسية قد أحدثت نقلة نوعية عالمية من خلال حرصها على احترام هذه العناوين.
ولعلّ ما يبعث على الاستغراب يكمن في أن بعض الأحزاب القومية في أوروبا تجاهر في ممارساتها العنصرية ضد المسلمين، وتمارس أنواعاً من العنف ضدهم، من دون أن تعطي السلطات أي تبرير حول هذه الأعمال أو حيال الحرية المعطاة لهؤلاء في استهداف المسلمين، وان كانت هذه السلطات تعكف بين الحين والآخر على إصدار مواقف الاستنكار في مواجهة هذه الممارسات، كما يحدث في بريطانيا على وجه الخصوص، ولكن من دون أن يتحول ذلك إلى موقف عملي تؤمِّن من خلاله هذه السلطات الحماية الكافية للمسلمين، لإشعارهم بأنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وأن حقوقهم محترمة تماماً كما هي حقوق الآخرين، واللافت أن بعض الإعلام الأوروبي يروج لهؤلاء ولأفكارهم.
إننا نستغرب فعلاً كيف يمكن لهذه الإدارات أن تسكت أمام الحملات المتواصلة التي تستهدف الجالية المسلمة، وخصوصاً في بريطانيا، تارة من خلال منظمات تحمل عنوان: "وقف أسلمة أوروبا"، وهو العنوان نفسه الذي أطلقه رئيس الكيان الصهيوني قبل سنوات محذراً الأوروبيين من اجتياح المهاجرين المسلمين لبلدانهم، وطوراً تحت عنوان "الدفاع عن اللغة الانكليزية" وكأن المسلمين يتنكرون لهذه اللغة، ولسائر الثقافات واللغات الغربية، مع أن الدراسات الغربية واستطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز دراسات بحثية غربية في بريطانيا على وجه التحديد أشارت إلى أن المحصّلة لهذه الدراسات أكدت أن المسلمين مواطنون "مثاليون" وأنهم يدينون العنف والتطرف والإقصاء، وأنّ ذلك يُثبت استعدادهم للاندماج أكثر في المجتمعات الأوروبية، على عكس الدعاية المضادة التي تتحرك فيها أجهزة إعلامية ودعائية معادية ويرتبط بعضها بالصهيونية العالمية، التي تحاول الإيحاء بأن البيئة الإسلامية في أوروبا هي بيئة معادية، وغير قابلة للاندماج، وأنها منتج مثالي للتطرف والإرهاب.
إننا نتفهم تماماً أن تسعى السلطات البريطانية، وغيرها من الإدارات الأوروبية إلى توفير أفضل مناخات الحماية الأمنية لمواطنيها، ولمن يقصد هذه البلدان، وقد دعونا مراراً المسلمين وغيرهم إلى احترام أمن هذه البلدان، ولكننا نشعر بكثير من الخطورة حيال إقدام هذه السلطات على دعوة الأساتذة الجامعيين وأساتذة المدارس وحتى الأئمة للتجسس على طلابهم وأتباعهم من المسلمين، وقد سبق ذلك دعوة أحد الوزراء البريطانيين الآباء المسلمين إلى التجسس على أبنائهم، وقد تحدثتْ شخصياتٌ ووسائلُ إعلام بريطانية مؤخراً بأنّ برنامج التجسس على المسلمين والمسمى "برنامج منع تطرف العنف" يمثل :أكبر برنامج تجسس عرفته بريطانيا في الأزمنة الحديثة".
إننا، وأمام اتساع نطاق هذه الظاهرة الخطيرة التي يظهر فيها المسلم في الصورة الإعلامية الغربية الموجّهة أو في بعض البرامج الأمنية والسياسية بأنه مُدان حتى يثبت العكس، ندعو الإدارات الغربية، وخصوصاً السلطات البريطانية، إلى توضيح وكشف هذه الممارسات أمام المسلمين، وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات النفي التي قد تمثل بيانات إثبات بطريقة وأخرى، كما ندعو بعض وسائل الإعلام الغربية إلى إخراج نفسها من هذا النفق المظلم الذي تشنّ من خلاله حملات دعائية منظمة ضد الجالية الإسلامية، لأن من شأن ذلك أن يُعقّد العلاقة مع المسلمين أكثر، ليفسح في المجال لولادة حركات عنفية خطيرة، قد تنطلق كرد فعل على هذه الممارسات التي لا تشرّف الأوروبيين ولا تراثهم الثقافي والحضاري في مسألة حقوق الإنسان.
إننا ندعو الإدارات الغربية إلى الخروج من دائرة التهويل التي تمارسها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضد المسلمين، كما ندعوها إلى نبذ سياسة التخويف من الإسلام، ونؤكد عليها السعي للحفاظ على أمنها السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال احترامها الحضاري والإنساني للخصوصيات الإسلامية، وتعاونها مع الجالية الإسلامية والحوار معها على المستويات كافة، كما ندعو المسلمين إلى مواصلة نشاطهم الحضاري والحواري والانفتاحي في البلدان الغربية كافة، وعدم اللجوء إلى أعمال العنف، واحترام أمن هذه البلدان، والعمل على حماية مواطنيها، وتوفير أفضل مناخات الثقة والتعاون معهم، وإظهار الصورة الحضارية المشرقة للإسلام الذي حثّ على احترام أرواح الناس وحقوقهم، وأثبت أنه دين الرحمة والسماح، على الرغم مما أثير ضده من حملات تشويه ظالمة انطلقت من الخارج، وممارسات انفعالية وردود فعل وحشية انطلقت من الداخل، فالإسلام دين السلام الذي يحتضن كل حركات الخير في البشرية وينفتح على دعاة المحبة والرحمة في كل مكان وزمان.
|